في ردها على مناشدة زعيم حزب الله
السيد حسن نصر الله مؤخرا
ومناشدات شعبية عربية واسعة
مماثلة تتصدرها مناشدة
الفلسطينيين المحاصرين في قطاع
غزة انفسهم ، ناهيك عن حماس وهي
سلطة الامر الواقع هناك ، لكي
تفتح مصر معبر رفح مع القطاع من
جانب واحد باعتبار ذلك قرار سيادي
مصري خالص ، تلخص رد القاهرة في
انها لن تمارس السيادة المصرية
على المعبر ، وهو المنفذ الوحيد
للقطاع الى العالم الخارجي
والحرية والخلاص الانساني الذي لا
يتحكم الاحتلال الاسرائيلي فيه ،
الا اذا عاد الامن التابع للرئاسة
الفلسطينية الى الجانب الفلسطيني
للمعبر في اطار الاتفاق الخماسي
على فتحه عام 2005 ، وهو اتفاق
دولة الاحتلال الاسرائيلي شريكة
فيه ، وتتفق الرئاسة الفلسطينية
مع القاهرة في هذا الموقف
"المحايد" في سياق تعامل الطرفين
مع القطاع باعتباره "امارة
ايرانية" لا باعتباره جزءا لا
يتجزأ من الاراضي الفلسطينية
المحتلة عام 1967 ما زالت الالة
العسكرية للعدوان الاسرائيلي هي
التي تحاصره وتجوعه وتفرض
العقوبات الجماعية الانسانية على
اهله ، لا القوات الايرانية .
وفي هذا السياق تسوق الحكومة
المصرية والرئاسة الفلسطينية حججا
غير مقنعة لاحد حتى لاصحابها
كالقول ان اعتبار الوضع في القطاع
مجرد ازمة انسانية هو تحليل خاطئ
يتجاهل المسعى الاسرائيلي للتنصل
من المسؤولية عن القطاع ونقلها
الى مصر التي ان بادرت الى تشغيل
المعبر من جانب واحد فانها ستصبح
بحكم الامر الواقع مسؤولة عن
الوضع في القطاع بينما القطاع ما
زال من الناحية القانونية الفنية
، طبقا للقانون الدولي ، هو
مسؤولية اسرائيل بصفتها القوة
القائمة بالاحتلال ، وبالتالي فان
الطرفين المصري والرئاسي
الفلسطيني يقفزان تعسفا عن
التناقض الكامن بين هذا الموقف
"الرسمي" وبين موقفهما العملي
الذي يتعامل مع القطاع باعتباره
امارة ايرانية وباعتبار حماس
وكيلة لايران فيه لا باعتباره كما
يقولان منطقة ينبغي للاحتلال
الاسرائيلي ان يتحمل المسؤولية
الانسانية فيه .
ويعقد المدافعون عن هذا الموقف
مقارنة بين موقف مصر والرئاسة هذا
وبين موقف الدول العربية من قضية
اللاجئين الفلسطينيين حيث ترفض
هذه الدول تحمل أي مسؤولية عن
المساهمة في توفير حد ادنى من
شروط الحياة الانسانية لهم في
مخيماتهم ومنافيهم بحجة ان قضيتهم
يجب ان تظل حية باستمرار معاناتهم
خشية ان تتخلى الامم المتحدة عن
مسؤوليتها عنهم وتنقل هذه
المسؤولية الى البلدان العربية
وهو ما تطالب به دولة الاحتلال
الاسرائيلي المسؤولة عن تشريدهم
في المقام الاول .
ومثل هذا المنطق له تفسير واحد
طبعا وهو ان اصحابه لا يرون ضيرا
في ان يستمر قطاع غزة في معاناته
الحالية مهما طال الزمن الى ان
يفرجها الله خشية ان يقال ان مصر
والرئاسة الفلسطينية قد وافقتا
على نقل المسؤولية عنه من
الاحتلال اليهما ، تماما مثلما
تستمر معاناة اللاجئين
الفلسطينيين منذ ما يزيد على
الستين عاما بالحجة نفسها .
واذا كان خبراء القانون
والدبلوماسة هم الاكفأ لدحض مثل
هذا الخلط القانوني والسياسي
التعسفي للموقفين فان نبض الشارع
الفلسطيني والعربي والاسلامي
والانساني لا يشتري مثل هذه الحجج
والذرائع ، اذ لا يجد هذا النبض
أي ضير سياسي او انساني في فتح
مصر لمعبر رفح من جانب واحد ، لان
الدرس الاول المستفاد من التجربة
التاريخية الفلسطينية المريرة
طوال القرن الماضي من الزمن تجعل
المصريين قبل الفلسطينيين يدركون
بان الحركة الوطنية الفلسطينية
المعاصرة قد بنيت اساسا على الرفض
الفلسطيني لاي وصاية عربية رسمية
جماعية او منفردة على ما تصفه
الادبيات السياسية الفلسطينية
ب"القرار الوطني المستقل" ،
وتجعلهم مدركين تماما بانه حتى لو
وافقت القاهرة ، مختارة او مكرهة
، على نقل مسؤولية القطاع من دولة
الاحتلال اليها فان كل اطياف
فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية
، المنقسمة انقساما دمويا مدمرا
في الوقت الراهن والتي تكاد تختلف
على كل شيء ، سوف تتوحد لتكون في
مقدمة المعارضين بضراوة لاي
محاولة لمصادرة حق عرب فلسطين في
ان يقرروا بارادتهم الحرة مصيرهم
، ولا فرق في ذلك بين فتح وبين
حماس ، اذ يكرر كل منهما تاكيده
على قراره المستقل في مواجهة
اتهامات الطرف الاخر له بخدمة
اجندات اجنبية ، لذلك فان تلك
الحجج والذرائع متهافتة تماما ولا
بد من البحث عن تفسيرات اخرى في
التحليلات السياسية لها ، خصوصا
في العلاقات الاستراتيجية القائمة
بين اصحابها وبين التحالف
الاميركي – الاسرائيلي المسؤول
اولا واخيرا ليس فقط عن الوضع في
قطاع غزة بل عن الوضع في الاراضي
العربية المحتلة كافة كما عن
الوضع الاقليمي برمته .
ولا يشتري نبض الشارع كذلك الموقف
السياسي المبني على اساس تلك
الحجج والذرائع ، وهو موقف يتلخص
ب"الفرجة" على الوجود الانساني
الفلسطيني وهو يتداعى في القطاع ،
وب"التعاطف" اللفظي مع المأساة
الانسانية هناك بالبيانات
والتصريحات الاعلامية دون أي سند
لها من المواقف العملية او
السياسية التي تمنحها حدا ادنى من
الصدقية ، غير ان ما هو اخطر
سياسيا يتلخص في "الحياد" بين
الاحتلال الذي يسحق الحياة
الانسانية في القطاع وبين
المدافعين عن الوجود الانساني
للشعب الفلسطيني هناك .
ولن يفوت أي مراقب محايد بالتاكيد
ان سوق مثل تلك الحجج والذرائع هو
مقدمة ضرورية لموقف "الحياد"
العملي المصري والرئاسي الفلسطيني
بين ما تصفه البروباغندا المعادية
الاميركية الاسرائيلية ب"الامارة
الايرانية" في القطاع وبين دولة
الاحتلال التي تحاصرها ، ولا ادل
على هذا الحياد من التعامل مع
الطرفين "على قدم المساواة" خصوصا
في موضوع "التهدئة" ، فعندما تدعو
القاهرة ورام الله دولة الاحتلال
الى "ضبط النفس" العسكري وتدعوان
في الوقت نفسه الى وقف الدفاع
المشروع عن النفس بالوسائل
المتواضعة المتوفرة في ايدي
المقاومين للحصار في القطاع
فانهما في الواقع تقفان على مسافة
واحدة بين المعتدي والمعتدى عليه
وكانما صراع الوجود الدائر بينهما
يدور في اميركا اللاتينية لا بين
جزء من الشعب المفروض ان الرئاسة
الفلسطينية هي الممثل الشرعي
والوحيد له والمفروض ان القيادة
المصرية تربطها به وشائج العروبة
والاسلام ناهيك عن اهمية القطاع
الاستراتيجية للامن الوطني المصري
!
ان اعلان القاهرة ورام الله
المتكرر معارضتهما لاي غزو عسكري
واسع النطاق للقطاع لا يستطيع
اخفاء حقيقة ان مثل هذه المعارضة
، حسب المعطيات الراهنة ، ستبقى
معارضة لفظية ، ولا يستطيع اخفاء
عجزهما عن انهاء الحصار المفروض
على القطاع ، ودون ان يشتط
المراقب لينساق مع من يفسرون ذلك
بما هو اكثر من مجرد كونه "عجزا"
فان مثل هذه المعارضة ايضا لا
تستطيع اخفاء حقيقة تجاهلهما
لحقيقة ان ضرب الحصار نفسه هو في
حد ذاته بمثابة "اعلان حرب" ، بل
عملا حربيا ، لن تتردد أي عاصمة
عالمية في المبادرة فورا الى
الدفاع عن نفسها ضده ، مسنودة
بالقانون الدولي وميثاق الامم
المتحدة والشرائع السماوية
والدنيوية ، ولذلك فان "الحياد"
في مثل هذه الحالة هو حياد مرفوض
ومستهجن ومريب اذا كان موقفا
تتخذه قوى دولية غير معنية مباشرة
بالصراع وتحتكم في مواقفها
للمصالح فقط ، فكم بالحري اذا كان
هذا هو موقف قوى معنية مباشرة
بالصراع لعوامل جيوبوليتيكية
قاهرة مثل مصر او كان موقفا
لشرعية فلسطينية تنازع شرعية اخرى
على قيادة الشعب الفلسطيني !
وفي هذا السياق لا بد من التوقف
عند تكرار الدعوة المصرية
الفلسطينية الى "التهدئة" في
القطاع من جانب واحد ، فلسطيني
طبعا ، بحجة عدم منح الاحتلال
ذريعة لغزو القطاع ، وتجنيب اهل
القطاع المزيد من المعاناة ، فهذه
الدعوة كما تشير كل الدلائل
تتجاهل اولا ان حماس وفصائل
المقاومة الاخرى استجابت لها
والتزمت بها "من طرف واحد" منذ
الحوار الفلسطيني الذي تمخض عن
اعلان القاهرة عام 2005 ، قبل وقت
طويل من الحسم العسكري الذي وضع
حماس في قيادة القطاع والذي يتخذ
الاحتلال منه الان ذريعة لمواصلة
الحصار ، وتتجاهل ثانيا ان
الاحتلال لم يلتزم بتاتا بما هو
مطلوب فلسطينيا مقابل هذه التهدئة
"من جانب واحد" ، وتتجاهل ثالثا
ان المطلب الفلسطيني الرئيسي
مقابل التهدئة المتمثل برفع
الحصار لم يتحقق ، غير ان الاهم
الذي تتجاهله هذه الدعوة المتكررة
رابعا هو ان استمرار الحصار هو
اعلان حرب وعمل عدواني من المؤكد
ان التهدئة غير المشروطة بوقفه
ليست هي بالتاكيد الرد الطبيعي
والقانوني عليه ، وتتجاهل خامسا
ان استمرار الدعوة الى التهدئة في
هذه الحالة انما يصب في خدمة
الاحتلال ويساهم في اطالة امد
الحصار ويعفي الداعين اليها من
مسؤولياتهم الوطنية والقومية تجاه
القطاع المحاصر .
ان مئات الالاف من العرب يتظاهرون
ويعبرون عن تضامنهم مطالبين برفع
الحصار المفروض عل مليون ونصف
المليون من اخوانهم الفلسطينيين
في قطاع غزة ، من المغرب في اقصى
غرب الوطن العربي الى قطر في شرقه
الاقصى وبخاصة في دول الجوار
المباشر لفلسطين في مصر ولبنان
وسوريا والاردن ، ناهيك عن مختلف
اشكال التعبير عن التضامن في
العواصم الاسلامية والغربية ومنها
قوافل المساعدات الانسانية التي
تحاول هيئات رسمية وشعبية ايصالها
الى القطاع ، حيث كان اهمها لفتا
لانظار وسائل الاعلام الزوارق
المتواضعة التي تخترق الحصار
والتي ينظم رحلاتها البحرية
متضامنون شجعان من اوروبا وعدة
دول عربية اضافة الى عرب فلسطين
ومسلميها المحاصرين في دولة
المشروع الصهيوني منذ النكبة عام
1948 ... الا في الضفة الغربية
حيث صوت التضامن يكاد يكون
معدوما وحيث يسود صمت مطبق مريب
بالرغم من وجود قيادة هناك يعترف
بها العالم ، والعدو قبل الصديق ،
بصفتها الممثل الشرعي الوحيد
للشعب الفلسطيني ! |