( لقد كانت
الخطة الاسرائيلية – الاميركية
المعلنة في انابوليس منذ البداية
هي تعميق الانقسام الفلسطيني حد
ان يتحول طرفاه الى نقيضين يستحيل
التقاؤهما الا بمعجزة )
في الخامس من تشرين الثاني /
نوفمبر الجاري نقلت صحيفة يديعوت
احرونوت العبرية عن وزيرة
الخارجية الاسرائليلية تسيبي
ليفني تهديدها بوقف المفاوضات مع
الجانب الفلسطيني اذا تمخض حوار
القاهرة الفلسطيني بعد اربعة ايام
عن اتفاق لا يتضمن اذعان حركة
حماس للشروط الاسرائيلية التي
تبنتها لجنة الوساطة الرباعية
الدولية ، وفي السابع من الشهر
نقلت وزيرة الخارجية الاميركية
الرسالة نفسها للرئيس الفلسطيني
محمود عباس اثناء اجتماعهما في
رام الله بالضفة الغربية المحتلة
، وفي الثامن من الشهر نقلت
اللجنة الرباعية الدولية في بيان
رسمي صدر اثر اجتماعها في شرم
الشيخ المصرية للرئيس الفلسطيني
ولوزراء الخارجية العرب الرسالة
اياها من خلال اعادة التاكيد على
الالتزام ب"عملية انابوليس" ،
بحيث لم يترك تكرار هذه الرسالة
خلال ايام متتاليات قبل الموعد
المقرر لانطلاق الحوار الفلسطيني
في العاصمة المصرية في التاسع من
الشهر اي مجال للشك في فشل
الوساطة المصرية الراعية له حتى
لو كان الشمل الفلسطيني قد التام
لبدء الحوار قبل ان تعلن حركة
حماس عدم حضورها له .
كما لم يترك تكرار هذه الرسالة
اي مجال للشك في ان هذه الرسالة
على وجه التحديد قد حددت مسبقا
نتيجة واحدة لا يمكن القبول
بغيرها للوساطة المصرية وللحوار
الفلسطيني وللاجتماع الطارئ
لوزراء خارجية جامعة الدول
العربية المقرر انعقاده في السادس
والعشرين من الشهر الجاري وهي
اعادة التاكيد الفلسطيني والعربي
على الالتزام بمواصلة "عملية
انابوليس" ، كما وصفها بيان
الرباعية في شرم الشيخ ، وبذلك
تكون جداول الاعمال للمناسبات
العربية الثلاث قد تحددت سلفا ،
وبالتالي فان اية نتائج لها لن
تخرج عن كونها مجرد تمديد الى اجل
غير مسمى للانقسام الفلسطيني
الراهن .
وربما كانت مصادفة وربما لم
تكن ان يلتقي وزراء الخارجية
العرب قبل يوم واحد من الذكرى
السنوية الاولى لانعقاد مؤتمر
انابوليس في السابع والعشرين من
مثل هذا الشهر العام المنصرم ،
لكن العلاقة الوثيقة بين هذا
المؤتمر وبين استمرار الانقسام
الفلسطيني ليست خافية بل تاكدت من
الموضوعين الرئيسيين اللذين اعلن
امين عام جامعة الدول العربية
عمرو موسى انهما على جدول اعمال
الوزراء وهما عملية انابوليس
نفسها ثم الانقسام الفلسطيني الذي
كان النتيجة المؤكدة الوحيدة لهذه
العملية والتي حذر المعارضون لها
من ان مؤتمر انابوليس سيكون مؤتمر
تكريس الانقسام الفلسطيني قبل ان
ينعقد المؤتمر وخلاله وبعده .
ومن الواضح تماما ان اجندة
انابوليس التي يوجد شبه اجماع
عربي على التوافق عليها تفتقر الى
الحد الادنى من اي توافق وطني
فلسطيني عليها ، لا بل يكاد يوجد
شبه اجماع فلسطيني على معارضة
مؤتمر انابوليس انعقادا ونتائجا
وشكلا ومضمونا وتواجه الرئاسة
الفلسطينية المعارضة لانفرادها
كشريك فيه من فصائل ائتلاف منظمة
التحرير الذي تقوده ومن خصومها
السياسيين في ائتلاف المعارضة
الذي تقوده حماس على حد سواء ،
ومن الواضح ايضا ان الوسيط العربي
بسبب عجزه عن الانفكاك من
انابوليس واجندتها يعجز ايضا عن
التوقف عن محاولة فرض هذه الاجندة
كبرنامج عمل فلسطيني مما يجعله
كذلك عاجزا عن التوازن بين فرقاء
الانقسام الفلسطيني ليجنح الى
الانحياز بينهم صراحة احيانا
وبصورة غير صريحة لكنها لا تخفى
على لبيب في معظم الاحيان ، كما
يتضح من مقدمات الاعداد لمؤتمر
وزراء الخارجية العرب هذا الاسبوع
.
وهذا الطريق ان سار فيه وزراء
الخارجية العربية في اجتماعهم
المقبل هو طريق عربي مسدود
بالتاكيد للمصالحة الفلسطينية ،
لا بل انه طريق سيحول الوساطة
العربية الى عقبة جديدة امام
الوحدة الوطنية الفلسطينية والى
عامل عربي يضاف الى العوامل غير
العربية لاطالة امد الانقسام
الفلسطيني .
والمفارقة ان ناقلي رسالة
انابوليس والملتزمون بها من العرب
والفلسطينيين يدركون تماما
التناقض الكامن بين الالتزام
بعملية انابوليس وبين اي امل في
انهاء الانقسام الفلسطيني لانه
يمكن دون اية مجازفة اطلاق اسم
مؤتمر الانقسام الفلسطيني على
مؤتمر انابوليس الذي بنى العملية
الدبلوماسية التي اطلقها باسم
السلام على اساس الانقسام
الفلسطيني واستمراره بالبناء على
تحويل ازمة ازدواجية الشرعية
الفلسطينية التي تمخضت عنها
الانتخابات التشريعية الفلسطينية
الاخيرة الى الانقسام الحالي
المستعصي لان هذا المؤتمر قرر منذ
البداية تعويم قيادة فلسطينية
وتمويلها وتمكينها امنيا ضد قيادة
فلسطينية منتخبة قرر ايضا بانها
جزء من "الارهاب" العالمي
وبالتالي ينبغي محاصرتها تمهيدا
لاستئصالها سياسيا ومقاومة
وتنظيما وحتى في تعبيرات العمل
الخيري الاجتماعي لها .
وبما انه يستحيل على اي ثلاجة
دبلوماسية تجميد حركة المجتمع
والحراك السياسي ، فان استمرار
ارتهان انهاء الانقسام الفلسطيني
لعملية انابوليس لا يمكن لاي طرف
من الاطراف المعنية باي حال
القبول به كوضع دائم ، ومن الواضح
تماما ان جميع الاطراف تسعى حاليا
الى تغيير معادلة الوضع الراهن كي
لا يتحول الى وضع دائم ، وبالتالي
يمكن التكهن بالسناريوهات
المحتملة لانها متوقعة ولان
الخيارات امام الاطراف المعنية
محدودة .
فشركاء انابوليس قد اجمعوا على
منح الخيار الدبلوماسي فرصة عبر
الوساطات العربية ، لكن هدفهم بقي
واحدا لم يتغير وهو ازالة عقبة
الانقسام الفلسطيني من طريق
انابوليس وليس انهاء هذا الانقسام
كهدف في حد ذاته لضمان وحدة وطنية
فلسطينية حول اي برنامج وطني
فلسطيني مقاوما كان ام مسالما ،
فالحرص العربي والفلسطيني على
ازالة هذه العقبة يعتبره اصحابه
استحقاقا لنزع تذرع الادارة
الاميركية باستمرار هذا الانقسام
لتسويغ عدم وفائها بوعدها لهم
باقامة دولة فلسطينية قبل نهاية
العام الحالي ، ونزع تذرع دولة
الاحتلال الاسرائيلي بالانقسام
للتشكيك في اهلية الشريك
الفلسطيني من جهة ولعدم وفائها
بالتزاماتها الناجمة عن عملية
انابوليس من جهة ثانية ، بينما
تستمر انابوليس وعمليتها مسوغا
تشهره قيادة منظمة التحرير
الفلسطينية لعدم مقابلة حركة حماس
في منتصف الطريق لانهاء الاصطراع
بينهما على اساس الشراكة كمخرج
وحيد يحول دون ازدواجية الشرعية
التي نتجت عن الانتخابات
التشريعية الاخيرة والتحول الى فخ
يرتهن اي مشروع وطني فلسطيني
للصراع بين طرفيها ، بدل ان تتحول
هذه الازدواجية الى تعددية يستمد
منها النضال الوطني قوة على اساس
مبدا الشراكة في تحمل المسؤولية
الوطنية كمدخل وحيد لوحدة الصف
الوطني الفلسطيني .
اما الخيار الاخر فعسكري يفكر بعض
شركاء انابوليس في اللجوء اليه
لكي يحققوا عسكريا ما قد تعجز
الدبلوماسية عن تحقيقه سياسيا ،
واللافت للنظر هنا ان الشركاء لا
يجمعون على نجاعة هذا الخيار
وبالتالي لا يجمعون على اللجوء
اليه ، وقد كان احدث دليل على عدم
اجماعهم المعارضة المعلنة ،
الاردنية والفلسطينية بخاصة ، لما
يرشح عن استعدادات اسرائيلية
لعملية عسكرية كبرى في قطاع غزة
تحاول تل ابيب تسويقها عربيا
وفلسطينيا لانتزاع موافقة ضمنية
عليها في احسن الاحوال او غض
الطرف عنها في اسوأ الحالات دون
ان تتمكن تل ابيب حتى الان من
اقناع احد بان ما فشلت فيه في
القطاع منذ الاحتلال عام 1967
يمكن ان تنجح فيه الان .
لقد كانت الخطة الاسرائيلية –
الاميركية المعلنة في انابوليس
منذ البداية هي تعميق الانقسام
الفلسطيني حد ان يتحول طرفاه الى
نقيضين يستحيل التقاؤهما الا
بمعجزة: احدهما محاصر ومعابره
مغلقة ويعيش على الرمق دون اي امل
بفرج قريب في قطاع غزة والثاني
محاصر ايضا لكن معابره مفتوحة
وتنهال عليه مليارات المانحين
الدوليين مع التلويح له بعملية
سلام لا تنتهي تمنحه املا ، مثل
انتظار غودو ، يجري وراءه الى ما
لانهاية في الضفة الغربية ،
ليستمر الانتحار الذاتي الفلسطيني
في هذه الماساة – الملهاة تدريجيا
لكنه مؤكدا حتى يفرجها الله .
فبينما يخضع ائتلاف منظمة التحرير
الفلسطينية بقيادة فتح في ادق
تفاصيل سلطة الحكم الذاتي التي
يديرها في الضفة الغربية للاحتلال
المباشر وتحت رقابة عيونه البشرية
والتقنية التي لا تنام ويعيش فوق
الارض تختفي سلطة حركة حماس في
قطاع غزة تحت الارض تهربا من عيون
الاحتلال البشرية والتقنية التي
تحاصرها من البر والجو والبحر ،
وبينما يجري الحوار بالكلمات مع
الاحتلال في الضفة وجها لوجه وعلى
ارفع المستويات وادناها يجري
الحوار معه في القطاع بقذائف
صاروخية بدائية محلية الصنع
ومؤخرا بصواريخ "غراد" المهربة
عبر انفاق محفورة تحت الارض
بوساطة طرف ثالث ، مصري بصفة
رئيسية ، وبينما تتوالى المؤشرات
الى استعدادات عسكرية اسرائيلية
لعدوان واسع على القطاع يتم
التمهيد لها باغراق القطاع في
الظلام والتعتيم الاعلامي كانت
الانوار الساطعة تكاد تعشي
الابصار وهي تلف القمة الفلسطينية
– الاسرائيلية في القدس يوم
الاثنين الماضي ، وقد ان الاوان
بالتاكيد لوضع نهاية لهذه
الثنائية الفلسطينية التي اوقعت
استحقاقات انابوليس الوضع
الفلسطيني في فخها بحيث لم تترك
مجالا لاي تضامن عربي او دولي مع
اي من طرفيها .
واذا كان الحسم العسكري
للازدواجية الفلسطينية في قطاع
غزة في الشهر السادس من العام
الماضي قد حال دون اندلاع حرب
اهلية شاملة هناك وكان الحسم
العسكري المتواصل في الضفة
الغربية الان ضد الاذرع العسكرية
لحركة حماس بعد اعلانها رسميا قوى
"خارجة على القانون" ينزع فتيل اي
حرب اهلية مماثلة ، فان هذه
"الايجابية" ، ان صح التعبير ، لا
تستطيع حجب حقيقتين اولاهما ان
هذا التوازن "المنفصل" في القوى
يحول الانقسام السياسي الى انفصال
جغرافي اخطر من ناحية وبسبب هذا
الانفصال الجغرافي تحديدا فانه
بدوره يجعل اي حسم عسكري فلسطيني
للانقسام السياسي امرا يكاد يكون
مستحيلا من ناحية ثانية ، ومن هنا
تعويم افكار عن الاستقواء بقوى
خارجية ، تقترح مرة ان تكون قوة
عربية ومرة اخرى ان تكون قوة
دولية ، لكن كل الاجتهادات
العربية والفلسطينية قد استبعدت
حتى الان أي فكرة للاستقواء بقوة
اسرائيلية تقوم بدور الوكيل لاداء
المهمة .
والخلاصة الواضحة هي ان الطريق
الدبلوماسي وكذلك العسكري لانهاء
الانقسام الفلسطيني استنادا الى
مرجعية انابوليس هو طريق مسدود
وان السير فيه سوف يفاقم الانقسام
الفلسطيني ليظل هذا الانقسام
ذريعة سهلة للتنصل الاميركي –
الاسرائيلي من استحقاقات انابوليس
نفسها ولمن يريد تابيد الانقسام
الفلسطيني كوضع دائم .
وقد حان الوقت لكي تضع
الدبلوماسية العربية نهاية لهذه
المأساة – الملهاة الفلسطينية ،
والشرط المسبق الوحيد لانهائها هو
التوقف عن البناء على اساس مرجعية
مؤتمر انابوليس ، والدليل الوحيد
على صدقية اي توجه كهذا هو
الاتفاق على العمل على فك اسر
قطاع غزة وكسر الحصار المفروض
عليه بكل الوسائل الممكنة وفي
اسرع وقت ممكن ، والاتفاق على ان
تحقيق هذا الهدف هو ايضا شرط مسبق
للمصالحة الوطنية الفلسطينية
وكذلك شرط مسبق لمواصلة المفاوض
الفلسطيني لاي محادثات سلام على
اساس انابوليس .
ان السر في نجاح وزراء الخارجية
العرب في انهاء الانقسام
الفلسطيني يكمن اولا واخيرا في
الفصل بين الوحدة الوطنية
الفلسطينية ، كهدف مستحق بسرعة في
حد ذاته وكشرط لنجاح اي مشروع
وطني فلسطيني مقاوما كان ام
مسالما ، وبين مؤتمر انابوليس
واستحقاقاته عربية كانت ام
فلسطينية ، فمثل هذا الفصل وحده
سيجعل مسائل تبدو الان شائكة اسلس
على الحل ، مثل مسالة التذرع
بميثاق جامعة الدول العربية
ونظامها لاجازة حضور احد طرفي
الانقسام الفلسطيني الاجتماع
المقبل لوزراء الخارجية واستبعاد
الطرف الاخر في اجتماع يحتل
الانقسام الفلسطيني بين الطرفين
بندا رئيسيا على جدول اعماله ،
فمثل هذه الذريعة تبدو مفتعلة
تماما عندما تستقبل عواصم
المؤتمرين كلا على حدة قادة طرفي
الانقسام كليهما وعلى ارفع
المستويات .
ان تسلح وزير الخارجية المصري
احمد ابو الغيط بهذه الذريعة
لاعلانه رفضه لحضور حماس اجتماع
وزراء الخارجية العرب المرتقب
ومطالبة إسماعيل هنية رئيس وزراء
الحكومة الفلسطينية المقالة أن
يشارك وفد من حماس في الاجتماع
انما هي مؤشرات الى ان الوسيط
العربي ما زال اسير استحقاقات
انابوليس ، غير ان المؤشر القاطع
الى هذا الاسر كانت مطالبة الرئيس
الفلسطيني عباس من "الاشقاء في
الجامعة العربية ان يتخذوا موقفا
، اما معنا او ضدنا ... ويجيبوا
على السؤال: من الذي عطل الحوار"
، اذ بدا عباس كمن نفض يده نهائيا
من الحوار الوطني واصدر حكما
مسبقا بتحميل حماس المسؤولية عن
ذلك وبدا كمن يحرض الجامعة
العربية على معاقبة الحركة بناء
على ذلك قبل الاعلان لاحقا عن
رفضه حضور الاجتماع العربي
الوزاري يوم الاربعاء لوجود
احتمال بحضور حماس من جهة ومن جهة
ثانية احتجاجا على ما بدا "واضحا
أن موسى لن يكون قادرا على تنفيذ
وعده" بمعاقبة الطرف الفلسطيني
"المعطل للحوار" كما صرح رئيس
كتلة فتح في المجلس التشريعي عزام
الاحمد .
وهنا يكمن نجاح مؤتمر وزراء
الخارجية العرب المقبل او فشله ،
فاذا قرر عمداء الدبلوماسية
العربية ان يكون لقاءهم مصغرا
عربيا لمؤتمر انابوليس ليكون هذا
المؤتمر هو مرجعيتهم في البحث عن
نهاية للانقسام الفلسطيني فانهم
بالتاكيد سوف يتحولون الى جزء من
المشكلة ستطيل امد هذا الانقسام
لان مثل هذه المرجعية سوف تضعهم
في الخندق السياسي لاحد طرفي
الانقسام وبالتالي سوف تنزع عنهم
صفة الوسيط العربي غير المنحاز . |