يُروى أن ذئباً غزا قرية فروَّع
رجالها فلم يجرؤ أحد منهم، فرادى
ومجتمعين، على التصدي له.
فاستنجدوا برجال الجوار فوجدوا من
قتل الذئب، وعرض جيفته في ساحة
القرية. ولما اطمأن رجالها على أن
الخطر قد زال، تجمهروا حول تلك
الجيفة، مبتهجين وأخذ كل منهم
ينسب الفضل في قتل الذئب لنفسه.
حال رجال هذه القصة، حال العالم
اليوم، ومنه بعض أنظمة الجوار
الرسمية والإعلاميين الدائرين في
فلكها. وقصة العالم اليوم تبتدئ
عندما غزت الولايات المتحدة
الأميركية العراق، واحتلت بغداد
في التاسع من نيسان من العام
2003. في حينه لم يستطع العالم
كله أن يمنع العدوان، وحينما وقع
الاحتلال، تقاطر رجال العالم
لتهنئة الذئب الأميركي بالنصر،
وطأطأوا الرؤؤس طالبين رضاه
ملتمسين مغفرته لأن البعض منهم لم
يقدم له العون في العدوان على
العراق.
بعد مرور أقل من ست سنوات استفاق
العالم على هزيمة الذئب الأميركي،
وذرت رياح الهزيمة كل مخططاته
التي وضعت العراق شرطاً ضرورياً
لا بدَّ من حيازته لحكم العالم من
أقصاه إلى أقصاه. وعند تلك اللحظة
تكاثر زعماء الدول، وتبارى
المحللون والكتاب في قراءة مستقبل
العالم، ورسموا صورة وردية لعالم
أفضل بعد سقوط الذئب الأميركي
صريعاً، بينما جيفته معروضة في
ساحة القرية الكونية، وقد تجمع
حولها قناصو الفرص في سرقة
الأمجاد من أقصى الكون إلى أقصاه.
وكان من أشد طعنات تلك المباريات
أن أحداً لم ينسب فضل قتل الذئب
الأميركي لأصحابه الحقيقيين.
كأن الذئب مات بالسكتة القلبية،
وكأن صعقة سحرية هي التي قتلته،
لذلك توقَّف كثيرون من المحللين
في رسم صورة وردية للعالم الجديد
من دون أن يشيروا إلى أن الصورة
التي يرسمونها كانت نتيجة لسبب
أساسي. وهذا السبب هو أن قتل
الذئب وحده أدى إلى تلك النتائج،
فكانت الثغرة الأولى والأساسية
تكمن في تجاهل من قتل الذئب، أو
تجهيله.
وكان من أغرب ما ساقه هؤلاء
المحللون أن ما يسمونهم دول
الممانعة هم كانوا السبب، وزوروا
تحديد من يقصدون بدول الممانعة
فشملوا فيمن شملوا النظام
الإيراني على الرغم من أنه شارك
في غزو العراق والعدوان عليه ولا
يزال حتى اللحظة. ووصل الأمر ببعض
المحللين إلى الاستنتاج بأن إيران
اليوم تحتل موقعاً أساسياً في
المنطقة، وهم لا يزالوا يراهنون
على دور إيجابي سوف تلعبه في
المستقبل بفضل ذلك الموقع القوي
المزعوم.
لقد تناسى هؤلاء أن العالم يعرف،
من أقصاه إلى أقصاه، أن من قتل
الذئب الأميركي هم أبطال المقاومة
الوطنية العراقية.
ويعرف العالم، من أقصاه إلى
أقصاه، أن المقاومة الوطنية
العراقية لا تدين لأحد، ليس في
حجب يد المساعدة عنها فحسب، بل هي
لم تسلم من الأذى الذي نالها من
الأكثرية الساحقة من هؤلاء أيضاً،
وكان أكثرهم إيذاءً دور النظام
الإيراني في العراق الذي كان همه
الأول والأخير ملاحقة المقاومين
العراقيين واغتيالهم. وكانت أكثر
سهام أولئك المحللين إيذاءً هي
غياب العامل الأخلاقي الذي تمثَّل
ليس في تجاهل دور المقاومة
العراقية الأول والأخير فحسب، بل
في تجهيل هذا الدور أيضاً عن سابق
إصرار وتصميم.
لم نقصد بالإشارة إلى دور النظام
الإيراني إلاَّ لأن مستوى تزوير
دورها في قتل الذئب الأميركي بلغ
حداً لا يمكن السكوت عنه. وخطورة
هذا الزعم يكمن في أن ممانعة
النظام الإيراني في المرحلة
الراهنة للولايات المتحدة
الأميركية لم تكن مبنية على قاعدة
تحرير العراق لاستعادة وحدته
وسيادته، بل هي مبنية على أن
الانسحاب الأميركي سيفسح للنظام
المذكور المجال للاستفراد بالعراق
واحتلاله من جديد تحت ذريعة ملء
الفراغ الأمني فيه أولاً،
ولاستئناف مشروعه الأساسي في
تقسيمه بما يتناسب مع استراتيجيته
الثابتة ثانياً.
إن المقاومة الوطنية العراقية،
التي صرعت الثور الأميركي، لهي
قادرة على أن تصرع أي ثور آخر،
لأن من صرع سيد القوة العسكرية في
العالم ليس بعاجز عن مصارعة من
يقلون شأناً عنه بكثير.
لذلك فمن السبب الذي أدى إلى
النتائج الحالية في داخل الولايات
المتحدة الأميركية، كما إلى
النتائج التي سيقطفها العالم كله،
ومنها دول الجوار الجغرافي
للعراق، مضافاً إليها حركة التحرر
العربي، نبدأ بالتحليل، وهي
تبتدئ، بل يجب أن تبتدئ، بأن
الفعل العربي المقاوم، ومن أهمه
على الإطلاق الفعل العراقي
المقاوم، كان العامل الأساسي في
إهداء العالم كله سلة مليئة بوعود
المتغيرات الإيجابية للمرحلة
القادمة،
انطلاقاً من الاعتراف بهذه
الحقيقة، كاعتراف أخلاقي أولاً،
ولأنه يعبِّر تمام التعبير عن
الواقع الراهن ثانياً، ندعو كل
الجاهلين أو المتجاهلين إلى
التفكير بجدية ومسؤولية إلى
الامتناع عن النوم على وسادة من
حرير الوعود القادمة، وأن يبادروا
إلى الالتفاف حول المقاومة
الوطنية العراقية ويكفوها شرور
تجهيلهم لها، ونسبة الفضل لغير
أهله أولاً، وأن يدعو لها
بالاستمرار كأضعف الإيمان ثانياً،
وأن يبادروا إلى مساندتها
إعلامياً كأرخص الوسائل تكلفة
مادية ثالثاً، وأن يقدموا إلى
عوائل مناضليها ومجاهديها الدعم
المادي رابعاً، وأن يسهموا بالضغط
على كل الأنظمة السياسية، عربية
أكانت أم إقليمية أم دولية، من
أجل الاعتراف بها خامساً، وأن
يعتبروا أن العالم سيحصد حفنة ريح
من دون استمرار المقاومة العراقية
سادساً، وسابعاً وأخيراً أن
يستفيدوا من نضالها واعتبار
المقاومة الشعبية سلاح الشعوب
المغلوبة على أمرها أمام جبروت
التكنولوجيا العسكرية.
صحيح أن المرحلة القادمة حبلى
بالوعود، ولكنها سوف تتبخر أمام
خداع مؤسسات الإدارة الأميركية،
أياً يكن على رأس تلك الإدارة،
سواءٌ أكان باراك أوباما أم كان
جورج بوش. إن الإثنين إبنان
لمدرسة واحدة، يتفقان في نوعية
الأهداف حتى ولو اختلفا على درجة
الوسائل. تجمعهما الأهداف
الرأسمالية وجشعها، ويفترقان في
تحديد الوصول إلى تلك الأهداف.
الأول منهما يستخدم العصا أما
الثاني فيقدم الجزرة. وقد يكون
طعم الجزرة أحياناً أشد قسوة من
لسعة العصا.
استناداً إلى هذه الحقيقة، على
العالم كله، ومنهم بعض العرب ممن
ينسبون الفضل لغير أهله، وبعض دول
الجوار الجغرافي ممن يلبسهم البعض
تزويراً ثياب الممانعة، أن يعوا
أن المعركة في العراق لم تنته
بعد، فما قدَّمه أوباما من وعود
الانسحاب لا تزال وعوداً. وان
يعوا أيضاً أن جيش الاحتلال لا
يزال قابعاً على أرض العراق ينتظر
أي انتكاسة في أداء المقاومة
ليبتلع وعوده ويعود عنها إذا
اطمأن على أن بقاءه غير مكلف له.
لهذا ومن أجل ضمان استمرار الصورة
الوردية، لا بدَّ في مرحلة الوقت
الضائع القادمة من الإعداد لما
يلي:
1-تعزيز موقع المقاومة العراقية،
وتقديم كل أشكال العون لها، لأنها
الضامن الوحيد لمنع أوباما من
التراجع عن وعوده أو لحس توقيعه
عليها.
2-إعداد المسرح السياسي العربي
إلى توقع احتمال استبدال احتلال
أميركي باحتلال إيراني، وهو
احتمال تأخذه المقاومة العراقية
على محمل الجد حتى ولو كان البعض
يجهله أو يتجاهله، فالمقاومة
العراقية تملك من الأدلة
والبراهين على ذلك مما لا يمكن
دحضه أو رفضه إلاَّ من مكابر أو
صاحب غرض أو مصلحة. فالأفضل
لهؤلاء أن يتقوا الشر قبل وقوعه،
وأن يمنعوا كسر الجرة لئلا
ينشغلوا في رأب صدوعها في مرحلة
ما بعد الانسحاب الأميركي .
|