زيارة العماد عون الى سوريا،ظهرت
من خلال مناخات التعاطي اللبناني
معها،تأييداً واعتراضاً
وتحفظاً،والاجواء الاحتفالية
السورية،بأنها حدث استثنائي،وهذا
بطبيعة حال لا يستقيم والتقييم
الموضوعي اذا ما وضعت هذه الزيارة
في سياق التعاطي الهادىء والطبيعي
معها.
ان اولى مظاهر عدم الموضوعية
اللبنانية في التعاطي مع الزيارة
برز من خلال الانفعالية السياسية
المعترضة التي وسمت مواقف بعض
الاطراف،بحيث دفعت هذه المواقف
قوى أخرى الى رفع وتيرة موقفها
المؤيد للزيارة بحيث بدت هذه
الخطوة وكأنها تصب الزيت على
الجمر الكامن تحت رماد الازمة
التي توافق اطرافها على المساكنة
السياسية في فترة تقطيع الوقت
بإنتظار التظهير الجديد للمعطيين
الاقليمي والدولي واللذين يؤثران
مباشرة على الوضع العربي
برمته،وخاصة ساحات الاقطار
المفتوحة على ازمات سياسية
وبنيوية ولبنان واحد منها.
واذا كان من حق كل فريق ان يدلي
بمواقفه،الا ان هذا الحق لا يمنحه
سلطة ممارسة حق الفيتو على اي
تحرك سياسي لفريق آخر وضع نفسه في
اصطفاف سياسي اخر وان على قاعدة
الاعتراض اوالمعارضة.
وانه كما من حق كل طرف ان ينسج
العلاقات الداخلية والخارجية التي
يراها ملائمة ومتوافقة مع مواقفه
وادائه السياسي،فإن هذا الحق لا
يكون ممنوحاً لاطراف فريق
ومحجوباً على اطراف اخرى طالما ان
الساحة اللبنانية هي ساحة متلقية
اكثر منها مقررة .
ولهذا فإن من حق العماد عون ان
يزور سوريا،كما من حق آخرين ان
يزوروا غيرها،خاصة وان صفحة
العلاقات مع سوريا فتحت بقرار
رسمي لبناني بعد زيارة رئيس
الجمهورية وما تمخض عنها من
نتائج.وان هذه الزيارة تندرج ضمن
السياق العادي والطبيعي لقطر عربي
يشكل بوابة لبنان الى العمق
العربي سواء كان الاختلاف او
التوافق مع النظام السياسي في
سوريا هما الناظمان لعلاقة
الاختلاف او التوافق.وانه لولا رد
الفعل الاعتراضي من قبل بعض القوى
السياسية على هذه الزيارة،لما
كانت هذه الخطوة قد اتخذت هذا
الطابع الحاد في التعامل
معها.ولهذا يمكن القول ان رد
الفعل الاعتراضي لقوى لبنانية قد
رفع من دائرة الاهتمام الاعلامي
والسياسي،بزيارة ما كانت تصل الى
هذا المستوى من الاهتمام لو بقي
التعامل معها في سياقه الطبيعي
والعادي.وبهذا فإن القوى المعترضة
ادت وظيفة ايجابية لمصلحة تكبير
البعد السياسي لهذه الزيارة.
هذا في الجانب اللبناني،اما من
الجانب السوري،فإنه كما كانت
مبالغة وصلت حد الانفعالية في
الاعتراض على الزيارة،فإن الاجواء
الاحتفالية التي استقبل بها
العماد عون في سوريا كانت ايضاً
غير موضوعية،بحيث بدت من خلال
اجراءاتها البروتوكولية والبرامج
المعدة له،وكأنها برنامج رئاسي
تجاوز في بعض جوانبه الاجواء
الاحتفائية بزيارة رئيس
الجمهورية.
واذا كانت سوريا،تريد من خلال
ابراز الاهتمام الرسمي والاعلامي
والسياسي والشعبي بزيارة العماد
لها ان تثبت ان تأثيرها السياسي
في لبنان ما يزال قوياً،فإن هذا
التأثير لم يكن بحاجة لهذه
الاحتفالية،لأن الكل يعرف سواء
كان مؤيداً او معترضاً ان لسوريا
دوراً سياسياً في الترتيبات
السياسية في لبنان.
واذا كان من ادوار للخارج في
التأثير في لبنان ،فإن الدور
السوري يبقى الافعل بحكم
الجغرافيا والتاريخ و التحديات
القومية المشتركة.وهذه التأثيرات
ان كانت تتعرض للاهتزازات في
لحظات الانفلات السياسي واختلاط
الاوراق الا انها سرعان ما تعود
لترسو على ثوابتها ونصابها
الطبيعي،
ولهذا كما ان الاعتراض لقوى
لبنانية على زيارة العماد لسوريا
لم يكن موضوعياً في التعاطي
الاعلامي والسياسي معها ،فإن
سوريا التي تعاملت بهذه الزيارة
بهذه الاحتفائية،بدت وكأنها بحاجة
الى هذه الزيارة اكثر من حاجة
العماد لها،وفي هذا اضعاف لموقفها
وليس تقوية له.كما ان اقدام
العماد عون على اعلان موقف من
اتفاق الطائف من سوريا تحديداً،هو
موقف لم يكن موفقاً لا زماناً ولا
مكاناً،وهذه نقطة ليست في مصلحة
سوريا التي كانت واحدة من الدول
التي رعت هذا الاتفاق ووفرت له
اليات نفاذه ، وليست في مصلحة
العماد عون ايضاً
لهذا يمكن القول،ان التعاطي مع
هذه الزيارة الذي اتسم
بالانفعالية السياسية في
بيروت،وبالانفعالية الشكلية في
دمشق،هما مظهران، ان دلا على شيء
فإنما يدلان على ان الجميع هم في
مأزق وكل يبحث عن تنفيسات سياسية
لحراكه السياسي الاني والمستقبلي.
|