قصة حياة  كولن باول التي وصفها وسردها في سيرته الذاتية التي وضعها بعنوان (رحلة حياتي الأميركية) لا تعدو عن قصة أميركية كلاسيكية ومعتادة عن طفل أمريكي أسود وعادي تغلب على العقبات ليخرج من العتمة إلى الشهرة رغم أن مشكلة اللون تعطي بعدا أكثر صعوبة للخروج الى عالم الضوء الأمريكي . إلا أن ما لا يقل وضوحاً عن ذلك هو أن قدرة الأحداث ومثابرة باول جعلته رجل إستثنائي ولعب دوراً هاماً في العديد من الأحداث التاريخية الكبرى في زمننا وخاصة في موضوع شائك أسمه(العراق) ..

هذا الموضع الذي شغل العديد من السياسيين والعسكريين والطامحين وحتى ممثلي هوليوود ..

وكان العراق وهو مصدر الإلهام للحالمين سببا لدمار باول حيث أحرق فيه كل مراكبه وتأريخه ومواقفه وإنجازاته الذاتية أو تلك التي خدمت الأمة الأمريكية.

ولد كولن لوثر باول سنة 1937 وترعرع في ضاحية كيلي ستريت المتنوعة الاثنيات والأديان في ساوث برونكس بمدينة نيويورك. كان والداه من المهاجرين من جامايكا الذين وضعوا معايير عالية لحياتهم وكانوا يقدّرون قيمة التعليم. غير أن كولن الفتى كان يفتقر كما يقول هو : ( إلى التركيز أو الاتجاه) . وقد كتب في سيرته الذاتية : ( لم أكن بعد قد تفوقّت في أي شيء. كنت  الولد الجيد والشغّيل الجيد  لا أكثر).. لكن ذلك تغيّر عندما دخل باول كلية سيتي كولدج في نيويورك حيث تخرّج في علم الجيولوجيا ووجد حرفته ومهنته عندما انضم إلى (فيلق تدريب ضباط الاحتياط  (ROTC  ..تألق باول في جو الهيكلية العسكرية والإنضباطية الملائمة لشخصيته وأصبح قائداً لفريق التدريب الدقيق في الوحدة  وفي 1958  عُيّن مُلازماً ثانياً في الجيش الأميركي.

وقد خدم باول دورتين قتاليتين في فيتنام وأصيب بجروح مرتين أثناء القتال  وقاد لاحقاً قوات في كوريا وألمانيا وفي الولايات المتحدة. ونال درجة ماجستير في إدارة الأعمال كما فاز بمنحة البيت الأبيض الجامعية. وكتب باول بعد ذلك بسنوات: (عندما ترعرعت اخترت الحياة العسكرية. فقدت أصدقاء مقربين جداً في الحرب وقدت لاحقاً شباناً وشابات خاطروا بحياتهم بملء إرادتهم في سبيل بلدنا والبعض منهم لم يعد أبداً. ولا يمضي يوم إلا وأفكرّ فيهم).

تزوج كولن باول من آلما جونسون سنة 1962  ولهما صبي  اسمه مايكل  وابنتان،  ليندا وآن  وحفيدان.

وقد أعرب كولن باول عن تقديره للقيم الدائمة التي حددت معالم حياته خلال ملاحظات أدلى بها أمام المؤسسة القومية الأميركية الإيطالية إذ قال:

(حيثما أذهب في العالم  أحمل في نفسي بعمق ذلك الولد الصغير من كيلي ستريت- روح أميركا موحّدة في تنوعها  مرحبة بالجميع في إنسانيته  وغنية جداً بإمكانياتها. لقد كانت هذه الروح الديمقراطية دائماً أعظم قوة لبلدنا وهي لا تزال أعظم أمل لدينا... ولا تزال تلك الروح الكريمة أعظم هباتنا للعالم)!..

كان هذا الحديث قبل ان يقول أنه تم خداعه و(ستبقى تلاحقني أكاذيب ما قلت للعالم يوم 5 شبط 2003 بشان العراق )!..

وفي سنة 1986 وكان باول قد أصبح برتبة جنرال إنضم إلى حكومة الرئيس ريغان وبعد ذلك بسنة  عيّنه رونالد ريغان مستشاراً للأمن القومي في وقت نسق فيه إجتماعات القمة التي غيرت التاريخ مع الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف. وعقب ذلك خدم باول كرئيس لقيادة الأركان المشتركة تحت رئاسة الرئيس جورج بوش الأب،عندما قادت الولايات المتحدة تحالفاً دولياً للعدوان على العراق في عملية عاصفة الصحراء.

وقد تقاعد باول من الخدمة العسكرية سنة 1993 كأحد أبرز الشخصيات المرموقة في البلاد.

وقد قال باول إن الوحدة السياسية والقوة العسكرية ساعدتا الغرب في احتواء الاتحاد السوفياتي ولكن قوة الأفكار هي التي أنهت الحرب الباردة وأحلّت الديمقراطية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي السابق.

ويقول باول: (قوة الحرية للشعب قوة حرية الفرد... هاتان قوتان مؤثرتان جداً أعادتا رسم عالم الحرب الباردة ليصبح العالم الذي نعيش فيه الآن ... وأنا أعتقد أنه لا يمكن مقاومة هاتين القوتين)..

 وعند تحليل هذه العبارة التي قالها باول نرى بوضوح كيف أن هاتين القوتين المؤثرتين هي التي خلقت العداء للعراق وقيادته ونظامه وكيف أنه بقيادته لحملة دبلوماسية كاذبة ومخادعة لتضليل الرأي العام وخاصة الشعب الأمريكي هي التي أحدثت شرخا كبيرا في المراة التي كانوا ينظرون فيها الى باول حيث يتحدث وهو العسكري المجرب والدبلوماسي الذي يحمل على كتفه إسم الولايات المتحدة ومصداقيتها عن حرية الفرد والشعب وكيف أن هذه الحرية كانت شعارا كاذبا تبناه هو كوزير للخارجية لغزو العراق تحت أوهام مصطنعة من الكذب والحيلة بحجة تحرير الفرد والشعب..

قاد كولن باول بصفته وزيراً للخارجية بين سنة 2001 وسنة 2005  الدبلوماسية الأميركية في زمن تحديات جديدة وأحياناً كثيرة غير مسبوقة ومنها :

قيادة تحالفٍ عالمي في الحرب ضد الإرهاب..

وحشد الرأي العام العالمي لغزو العراق حقا او باطلا وعليه أن (يحقق ذلك!)..

وحل مشكلة ما يعرف (بإقامة الديمقراطية الناشئة في أفغانستان والعراق بعد إحتلال هاذين البلدين!)..

ومساندة توسّع حلف شمال الأطلسي..

والرد على تحديات وباء الأيدز..

والعمل من أجل سلام عادل ومُنصف في الشرق الأوسط..

وتشجيع نمو فرص الحرية والفرص الاقتصادية عبر العالم..

في 16 أيلول 2002 كتب كولن باول في الواشنطن بوست ضمن (صولته الديبلوماسية ) التي وضع فيها كل تأريخه لتبرير الحرب على العراق مقالا بعنوان : (آن لبغداد أن تستوعب الحقيقة ) وقال فيه :

 (يوم 12 أيلول/سبتمبر 2002  توجه الرئيس بوش الى الأمم المتحدة ليتحدى مجلس الأمن الدولي كي يتحمل مسؤوليته ويتصدى للخطر الذي يشكله العراق على السلام والأمن الدوليين. وكان إجماع مجلس الأمن على إصدار القرار 1441 خطوة تاريخية للأمم المتحدة باتجاه تجريد العراق من اسلحة الدمار الشامل بوسائل سلمية)..

 وقال :  

( وقد آلت المشاورات والمداولات والمفاوضات في مجلس الأمن طوال سبعة اسابيع الى صياغة اتفاق أعمق وإظهار عزيمة أقوى لدى العالم على وجوب أن ينزع العراق أسلحته نزعا تاما وأخيرا. وينبغي ان يكون من الجلي الآن لصدام حسين ان هذه المسألة لم تعد مجرد مسألة بين العراق والولايات المتحدة  بل بين العراق وعالم متحد).

 وتأكيده كوزير خارجية للولايات المتحدة:  

(وخلال السنوات الأربع منذ أن منع مفتشو الاسلحة من دخول العراق  قام صدام حسين بكل شيء في مقدوره لحيازة وتطوير مزيد من أسلحة الدمار الشامل – سواء البيولوجية او الكيميئاية او النووية. ولا وازع لديه حيال إستخدام الأسلحة التي يمتلكها او إمدادها للإرهابيين فيما لو تواءم ذلك مع مصالحه).

وطلبه:   

(وعلى صدام حسين أن يمنح المفتشين وصولا فوريا وغير معاق وغير مشروط وغير مقيد لكي يكشفوا الغطاء عن أسلحة الدمار الشامل التي أخفاها لسنوات عديدة).

وعزمه وثقته بنفسه وبمعلومات المخابرات المزيفة التي قصمت ظهره لاحقا :

(ان الوصول لا الى أماكن مثل المقار الرئاسية فقط بل الى أشخاص ومصادر أخرى للمعلومات سيكون حاسما لأنه علينا أن نعلم أين ومتى نبحث، كي نجد الأسلحة البيولوجية والكيميائية التي يسهل اخفاؤها ونقلها. وبدون الوصول الى أشخاص رئيسيين ومعلومات رئيسية فانه سيصبح لزاما على المفتشين ان يفتشوا تحت كل سقف وفي مؤخرة كل شاحنة).

وقوله:  

(ويجب ان تبدأ عملية نزع الأسلحة (العراقية) فورا.وفي أعمال التفتيش خلال الأيام والأسابيع المقبلة يمكن للمجتمع الدولي ان يتوقع من العراق ان يختبر ارادته. أن دعم القرار 1441 باستخدام القوة سيكون السبيل الأمثل لا فقط لإزالة أسلحة الدمار الشامل العراقية بل لتحقيق الإمتثال لجميع قرارات الأمم المتحدة والتوصل الى قرار نهائي -- وهو عراق لا يهدد شعبه وجيرانه والعالم)!..

ثم مقولته:

(ونحن لا نسعى للحرب مع العراق بل نسعى لنزع أسلحته سلميا. لكننا لن نتراجع عن الحرب اذا أصبحت السبيل الوحيد لتجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل. وقد جابه مجلس الأمن صدام حسين ونظام حكمه بساعة الحقيقة)!...

لقد حدد باول في مقالته هذه كيف سيواجه مصيره في مواجهة العراق وهو يبين بوضوح إصراره على غمتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وعلاقته مع القاعدة وعدم تعاونه مع المجتمع الدولي..

 ومع أن كولن باول حاول السير في العديد من النواحي على خطى رجل دولة عسكري عظيم آخر هو جورج مارشال الذي قاد القوات المسلحة الأميركية خلال الحرب العالمية الثانية  ثم صاغ مشروع مارشال لمساعدة أوروبا في إستعادة عافيتها وللمساعدة في كسب السلام من موقعه كوزير للخارجية.

وقد أعلن باول  لدى تلقيه جائزة مؤسسة مارشال سنة 2003:

( جورج سي. مارشال هو  بالنسبة لي  بطلي الخاص. إن صورته مُعلقة في مكتبي... عندما أجلس في مكتبي وأعكف على معالجة أكثر المشاكل صعوبة أتطلع إلى جورج)..

إلا ان ما كتبه وما صرح به كان محور فشله حيث كان أبرز تحدي واجهه باول هو :

أن القوات الأمريكية ومن تحالف معها ولجان التفتيش الدولية والأمريكية التي إنتشرت في كل مكان في العراق بعد الإحتلال توصلت الى خلو العراق من كل برامج تطوير وحيازة أسلحة التدمير الشامل وأن المعلومات التي إستندت اليها الولايات المتحدة الأمريكية في غزوها وإحتلالها للعراق كانت مبالغا فيها وغير صحيحة وخاصة تلك التي طرحها كولن باول في إجتماع مجلس الأمن الدولي يوم 5 شباط 2003!...

ومن مفارقات السياسة الأمريكة ان ينقلب السياسي والعسكري التائب او من يطلب الغفران رأسا على عقب ..

وهذا ما حدث لكولن باول وهو الجمهوري ورئيس أركان الجيوش الأمريكية التي نفذت توجيهات بوش الأب وحزبه الجمهوري في تدمير العراق في العدوان الثلاثيني ..وهو الجمهوري ووزير الخارجية الذي كذب على العالم وعلى الشعب الأمريكي تماشيا مع طيش وحمق الجمهوريين والمحافظين عندما عرض صورا ومعلومات مزورة وملفقة وكاذبة أقنعت الكونغرس بغزو العراق وإحتلاله ..

هذا الجمهوري التائب وغير مغفور الذنب بإذن الله تحول قبل الإنتخابات الأمريكية ليدعم الديمقراطي أوباما ويتخلى عن الجمهوري ماكين!..

وقد فاجأ كولن باول وزير الخارجية الامريكي السابق العالم بأسره عندما أعلن مساندته لباراك أوباما المرشح الديمقراطي في إنتخابات الرئاسة الأمريكية  في سابقة أذهلت النخبة السياسية ليس في الولايات المتحدة  بل والعالم بأسره.

وقال باول  في برنامج (قابل الصحافة) على شبكة (إن بي سي) الإخبارية  إن:

(سيناتور ولاية إلينوي باراك أوباما  يمتلك قدرة على الإلهام( مشيدا بالطابع الشمولي لحملته الانتخابية) من خلال الثبات والصرامة التي تميّزت بهما الحملة منذ البداية  ولقدرته على الوصول إلى جميع أنحاء أميركا ولأسباب تتعلق بمن هو وبقدراته الخطابية  ولأنه شخصية تعكس تحولا فهو جيل جديد يأتي إلى الساحة العالمية وإلى الساحة الأميركية)!..

وأضاف :

(أوباما أظهر الثبات.. لقد أظهر قوة فكرية. لديه طريقة حاسمة للقيام بالأعمال التي ستجعلنا في حال أفضل)!..

المحللون السياسيون قدموا تفسيرات عديدة لمثل هذا الانقلاب!..

بعضهم رده الى اسباب شخصية محضة  مثل الرغبة في الانتقام من الحزب الجمهوري الذي لم يرشحه نائبا للمرشح الرئاسي جون ماكين  وتفضيل سارة بايلن عديمة الخبرة عليه..

والبعض الآخر رأى أن هناك أسبابا أبعد من الطموحات والمصالح الشخصية وتتعلق في عدم إقتناع باول بسياسة الحزب الجمهوري الذي ينتمي اليه  وقدرة مرشحه ماكين على قيادة البلاد الى بر الامان في ظل الازمات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي تواجهها حاليا.

ولم يذكر أحدا أن بوش والمحافظين والجمهوريين أطاحوا بكل تأريخه العسكري والسياسي عندما نفذ ما أرادوه في تزييف المعلومات عن العراق وتبين له في النهاية بأنه ( الأحمق الكبير )! في كل الحملة..
باول لم ينطلق في مساندته لباراك أوباما من مصلحة ذاتية وانما نتيجة قناعة بأن الإدارة الجمهورية الحالية دمرت مصالح امريكا وسمعتها  ووقعت رهينة لوبيات خارجية خطفت القرار الامريكي  وسخرت الترسانة العسكرية والمالية الهائلة لخدمة مصالحها هي  وأبرز هذه اللوبيات هو اللوبي الاسرائيلي.

فالرجل ليس طارئا على الإدارة الامريكية الحالية  وكان أحد أعمدتها الرئيسية  وقاد حروبها في العراق وافغانستان  سواء من موقعه كقائد لهيئة أركان الجيش الأمريكي، او كوزير للخارجية  ولذلك فهو يتخذ قراره بالإنقلاب عليها وعلى ومرشحها المقبل من موقع العارف والمجرب  العارف بأدق الأسرار وصراعات مراكز القوى داخلها والمجرب لكل سياساتها وحروبها الخارجية.

لم يعان مسؤول أمريكي من مؤامرات ودسائس المحافظين الجدد مثلما عانى كولن باول  فهم الذين خدعوه وأهانوه عندما قدموا له معلومات مضللة عن معامل العراق البيولوجية والكيميائية المتنقلة  ودفعوه للوقوف أمام مجلس الأمن الدولي ملوحا بصور مزورة في هذا الصدد  الامر الذي دفعه الى الاعتذار وبشكل مهين للمنظمة الدولية والعالم بأسره عن هذه الخطيئة الكبرى.

هذا الانحياز له علاقة باللون  بقدر ما له علاقة بتحليل صائب لكل الاخطاء التي وقعت فيها أمريكا بسبب الإرتماء في احضان مجموعة من الكارهين لها  ولتجربتها المشرقة في التعددية السياسية والثقافية والعرقية  هؤلاء الذين ورطوها في حروب إستنزاف دموية أدت الى وقوفها على حافة الإفلاس المالي  كمقدمة للهزيمة السياسية والعسكرية.

 إنقلاب كولن باول هو رد إعتبار لصاحبه  وإعتذار مباشر عن مشاركته في إدارة إرتكبت (جرائم حرب) في دول عربية وإسلامية  أدت الى مقتل مئات الآلاف من الأبرياء.

والسؤال هنا كم مرة صحا فيها كولن باول وكم مرة طلب الغفران؟..

كولن باول وحتى في طبيعة إعتذاراته عن دوره في الاستعدادات لغزو العراق  يؤكد انه : (تصرف بنية خالصة بناء على معلومات استخباراتية" شعر انها "تظهر ان الرئيس العراقي السابق صدام حسين كان يمتلك اسلحة دمار شامل)!..

لكنه مثل كل القادة الأمريكيين لم يكرر إعلان ندمه ومراجعة مواقفه التي جرت واحدة من أكبر الكوارث لا على المنطقة والعالم بل على الدولة الامريكية نفسها التي تغرق سفنها الواحدة تلو الاخرى في الازمات. وكعسكري لم يعترف بعد بمجمل أخطائه العسكرية ودوره في العدوان على العراق من خلال سياسة التدمير الشامل التي إنتهجتها القوات الامريكية في تدمير كل بنية العراق الإقتصادية والعسكرية منذ عام 1990 والى اليوم.

لا يمكن تفسير عقلية وذهنية كولن باول في موقفه الجديد وإنعطافه الحاد في مساره السياسي هل هي خيبة أمل ناجمة عن سقوط مريع للإمبراطورية الأمريكية الذي كان يحلم أن يكون أحد أبرز بناتها. أم أنه شعر أنه نفذ الواجبات القذرة التي أوكلت اليه ويتقاسم مع الجنرالات والدبلوماسيين البيض لطخة وسمعة الجرائم الامريكية.

وإذا كان شعوره دونيا وبهذه الدرجة فان تأييده لأوباما لا يشرف أوباما ولكن كان يقصد فيه إحراج موقف ماكين كجمهوري الذي ظل يفاخر ويكابر ويدافع ان أخطاء الإدارة الجمهورية للبيت الابيض ويسعى الى إستمرار الحرب في العراق وإرسال المزيد من القوات الى العراق وافغانستان رغم آفاق وتباشير الهزيمة الامريكية العسكرية ومارافقهما من ضياع للهيبة الأمريكية ومصداقيتها وتدمير لمكانتها الإقتصادية.

والظاهر أن الفاشلين والمزورين والمخادعين لايرغبون بتوبة نصوح بل يحلمون ولا زالوا متوهمين بدور لهم في رسم مستقبل الأمة الأمريكية والعالم الذي غطوه بالسواد والدم ..وهذا ماقاله باول عندما طرح عليه موضوع إمكانية العودة للعمل مع أوباما حيث قال :

( ان عليه ان يكون مستعدا للخدمة في الادارة الجديدة اذا طلب منه الرئيس ذلك)..

وأضاف ايضا من باب الاحتياط من الفشل :

( لكنني لست متحمسا على الاطلاق لقبول ذلك)!..

وباول يقول في تقييمه لأوباما ولتوضيح سبب دعمه له :

( انه أكثر قدرة من منافسه الجمهوري جون ماكين على معالجة الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد  وأكثر منه استعدادا لتحسين صورة الولايات المتحدة في العالم)!..

وسؤالنا المهم هو:

من الذي أوصل سمعة الولايات المتحدة وموقعها العالمي الى الحضيض؟..

أليس كولن باول هو أول من ساهم بذلك..هو وأمثاله من الخدم المطيعين لإملاءات البيض والجمهوريين والقتلة والمجرمين .. أنت بتصرفك لم تتخلص بعد من عبوديتك لهم عندما نفذت كل شئ من دون رفض وتبعته السمراء كونداليزا رايس وهاهو سياسي أمريكي جديد يكثر الجدل حوله وخاصة عن أصوله الافريقية وإسلام عائلته!..

وقد عبّر كولن باول في حوار تلفزيوني يوم الأحد 19 /10/  2008  عن سعيه لإستعادة لونه الذي نزعه في حمامات العنصرية البيضاء خادما مطيعا من فيتنام الى العراق لكي يجدد الأمل الذي يراود كل عبد في التحرر من سلطة المال والقوة والسياسة في عصر العولمة الامريكية. و لهذا وبعد أن تغير العالم كله وسخط من جرائم البيض الأمريكيين يحاول منح الفرصة للسود الامريكيين..بقوله:

(أعتقد أن أوباما شخص أحدث تحولا هائلا  ويمثل جيلا جديدا ظهر على المسرح السياسي الأميركي والعالمي  ولهذا السبب قررت التصويت لصالحه)!..

ومن الغريب أيضا ان كولن باول   وقبل أسبوع فقط  من تلك المقابلة لم يقل  شخصيا في المقابلة التي أجرتها معه شبكة التلفزيون الأمريكية (أي . بي . سي )   إنه يدعم أوباما كما سرب أحد المقربين منه الى الصحافة  ولكنه   كال المديح للمتنافس الديمقراطي أوباما فجأة وقال إنه يعتقد أن:  

( خطابه عن العنصرية كان خطابا حكيما)..

وعندما سئل عما إذا كان يدعم أياً من المتنافسين قال باول :

(أعرفهم جميعا ولا أريد أن أتخذ موقفا )!..

وبعدها يقول باول أنه التقى وتناقش وتحاور مع أوباما وماكين ثم : 

(توصل الى ان اوباما يمتلك القدرة على قيادة أمريكا في المستقبل)!.

فما الذي تغير بين الخميس والأحد ؟..

توبة جديدة أم صحوة من نوع جديد ؟..

أم تنفيذا لأمر الأسياد عندما قرروا النزول المبكر عن السفينة الجمهورية الغارقة في بحار الأزمات المتلاحقة والصفعات المتلاحقة على وجه ادارة بوش؟..

أم هي إنتهازية المجرمين والحمقى والمزورين؟..

وفي  20 أيار/مايو 2004 كتب كولن باول  وكان لايزال  بمنصب وزير الخارجية الأميركي مقالة تطرق فيها إلى التزام الولايات المتحدة بإحقاق العدالة في قضية إساءة معاملة السجناء العراقيين  ومواصلة العمل على حل قضية الشرق الأوسط  حيث قال:  

( الكثير من أصدقائنا في جميع أرجاء العالم يتشاطرون جزع كل الأميركيين إزاء الكشف عما حدث مؤخرا من انتهاكات في سجن أبو غريب العسكري. وأستطيع أن أقول لكم من أعماق قلبي: إننا سوف نعالج هذا الموضوع. وسنتأكد من أن العدالة تأخذ مجراها ..وسوف تظهر قوة أميركا في كيفية ردنا على تلك الادعاءات. سنضرب مثالا على الإنفتاح والمحاسبة بضمان أن أولئك المسؤولين عن تلك الانتهاكات سيحاسبون وأن تلك الانتهاكات لن تتكرر. وسيرى العالم أننا دولة تحقق العدالة وأن القيم التي لطالما تفاخرنا بها دائما هي القيم التي سنتبعها للتأكد من أن العدالة ستتحقق في هذه الحالة)!...

وقال: 

(إننا سنبقى في العراق حتى ننجز المهمة  ونحن ملتزمون بتحقيق النجاح. النجاح الذي سيتيح للعراقيين تقرير مصيرهم في مناخ آمن وسلمي. إن قتلة محمد باقر الحكيم وسيرغيو فييرا دي ميو وعز الدين سليم وغيرهم من الأبرياء سيخفقون في جهودهم الرامية لإعادة العراق إلى الاستبداد)!!...

وهكذا هيأ كولن باول لنفسه (طموحا يخلده للأبد!) ..

ومع أنه خلده للأبد ولكن وصمه بالعار ..

وكان المجد الذي يطمح إليه باول أمامه ليمسكه..

كان عليه أن يحكّم ضميره وتأريخه وينظرالى البناء الذي شيده لنفسه ووصل إليه بجهده ومثابرته كجندي وكمواطن أمريكي مستقيم وبين أن يمسكه مستعجلا بناءا على أمر صدر إليه من حاكم مستبد وكاذب ومنافق ومخادع ..

كولن باول أراد أن يصل القمة بشراء الوهم ودفع لقاء ذلك كل ما يملك من شرف وصراحة وإستقامة فخسر كل شيء وسقط هو وتأريخه وبناءه ومواقفه ..

ويذكر العالم خطاب كولن باول يوم 5 شبط 2003 في مجلس الأمن الدولي حيث إتهم العراق بإخفاء أسلحة محظورة وإعتماد الخداع مع المفتشين  كما إتهم النظام العراقي بإقامة علاقات مع منظمات سماها إرهابية منذ عقود من بينها تنظيم القاعدة. ودعم باول خطابه الذي ألقاه أمام مجلس الأمن بتسجيلات صوتية مزورة وصور إلتقطتها الأقمار الاصطناعية.واستهدفت الإتهامات التي أوردها باول خصوصا ما يتعلق بالأسلحة الكيماوية والجرثومية والصواريخ البعيدة المدى إعلان أن الولايات المتحدة تعتبر أن العراق إرتكب إنتهاكا واضحا للقرار 1441 يستوجب مواجهته (لأن صدام حسين لن يتراجع أمام شيء إلى أن يوقفه أحد ما) حسب تعبير باول الذي حذر بغداد وقال إن العراق (لم يغتنم الفرصة الأخيرة ويقترب من العواقب الوخيمة)!..

(وسنفرد لهذا الموضوع حلقة خاصة)..