التصريح الأخير الذي أدلى به رئيس
جمهورية المنطقة الخضراء
الطالباني حول أهداف الاحتلال
الأمريكي في العراق يذكرنا بطريفة
قديمة ملخصها إن إمرأة ارادت ان
تؤذي احد الشبان فنصبت له فخ
بذهابها الى الوالي الحاج أحمد
آغا وأدعت ان ذاك الشاب أبنها
وانه ظالم يؤذيها ويضربها ويسرق
ما لديها من مال فأحضر الآغا
الشاب بعد أن اشبعوه حرسه ضربا
دون أن يعرف السبب وعندما مثل
امام الاغا قام بتعنيفه وشتمه
لأنه غير بار بأمه وان الجنة تحت
أقدام الأمهات وسيجعل من الشاب
عبرة لمن لا يعتبر ولمن يؤذي أمه
ويلحق بها الضرر، حاول الشاب عبثا
ان يفهم الاغا بأن تلك المرأة
ليست أمه وانه نصبت له مكيدة لكن
الآغا لم يعطيه الفرصة للكلام
وأمر بإركابه على حمار بطريقة
معاكسة والتجول به بالأسواق بصحبة
الشرطة يعلمون الناس بأنه يؤذي
أمه ويضربها وكان الناس خلال
إستعراض الإبن غير البار بامه
يضربونه و الصبيان تبصق عليه
والأمهات تنزع انعلتهم وينهالون
عليه ضربا. وفي تلك اللحظة مر به
رجل يعرفه فقال له:- يا رجل ما
خطبك فأن أمك قد ماتت منذ اكثر من
عشر سنوات فما الذي يجري؟ عندها
أجاب الفتى نعم :- انها الحقيقة "
بس تعال فهم حجي آغا! والعبرة أن
الأمور هي واضحة لكن البعض يؤلها
دون فهم أو بقصد ويخدع الناس بها
فيمررها عليهم كأنها حقيقة!
تحدثنا وتحدث الكثير من الكتاب عن
حقيقة الغزو الأمريكي للعراق
وأسبابه التي لم يعد الجنين في
بطن أمه يجهلها ومع هذا فان
الكثير من المسئولين العراقيين-
المستوردين من الخارج بإكسباير
منتهي منذ تجنيدهم في أروقة
المخابرات الأجنبية وخلفهم رهط
المبوقين من رجال الأعلام
والصحافة ومن المؤسف بعض أشباه
المثقفين إنضموا الى هذه القافلة
الفقيرة وطنيا - يتشدقون بمبررات
الديمقراطية والحريات الاساسية
وحقوق الإنسان وإنهاء الدكتاتورية
ويعدونها كأسباب رئيسية للفتح
الديمقراطي الكبير بقيادة الفارس
الهمام شيطان البيت الأبيض.
وهؤلاء من الصعب تصنيفهم في أية
خانة من الوعي او الإدراك أو
ادراجهم، فأسباب الغزو يعرفها
الجاهل قبل المتعلم والصبي قبل
الرجل والغبي قبل الذكي والفاسد
قبل الشريف والملحد قبل المؤمن
والساذج قبل المثقف ومع ها فأن
الغباوة تأبى أن تفارق هذه العقول
ومصرة على التعشعش فيها فقد وجدت
فيها أسباب الراحة وأفضل مقومات
عيشها في تلك الخرائب! لربما
تماشيا مع الجملة المأثورة لجوزيف
غوبلز" الكذبة الكبيرة تحقق الهدف
من إطلاقها بين مواطنين يسهل
خداعهم".
سبق أن تحدثنا عن قيام احد
الفلاحين وكان أميا لا يعرف
القراءة والكتابة بالطلب من إبنه
إحضار خارطة العالم وأفترشها أرضا
وطلب من أبنه ان يعين له موقعي
العراق والولايات المتحدة على
الخارطة فبسط يدين بين الموقعين
وهاله البعد ما بينهما فقال
لأبنه:- يا ولدي النفط فقط يستحق
هذه الرحلة الشقية والطويلة! وإذا
تركنا فلاحنا سنجد ما يماثل هذا
القول من كبار المثقفين
والسياسيين في العالم، فقد ذكر
جوناثان راندل الكاتب الامريكي
المعروف والمقرب من وكالة
المخابرات الامريكية في في كتابه
" أسامة السبيل إلى الإرهاب"
جملته الشهيرة" وحده النفط جدير
بأن يموت الأمريكان من أجله"
مؤكدا بأن بلده أصبحت من القوة
بحيث يمكنها منفردة من إعادة
تنظيم العالم الإسلامي وفرض
الديمقراطية وإبقاء سيطرتها على
النفط، أما في العراق فأن حكومة
موالية لأمريكا فيه ستمدها بما
يكفي من النفط بالشكل الذي يغنيها
عن الاعتماد المتعاظم والمحرج على
العربية السعودية" مخلصا الى
نتيجة طريفة " إن غرام الأمريكيين
الشديد بسياراتهم الفارهة التي
تبتلع الوقود ابتلاعا ترشدنا إلى
كيف يجتاز النفط متفوقا امتحان
الحرب العادلة".
أما ريتشارد بيرل وكان رئيسا
لمجلس تخطيط السياسة الدفاعية في
الولايات المتحدة والذي شارك
زميله دوغلاس فيث الرجل الثالث في
البنتاغون في كتابة دراسة عام
1996 لرئيس وزراء الكيان الصهيوني
اليميني المنتخب حديثا(بنيامين
نتنياهو) تدعو" لإسقاط نظام صدام
حسين باعتباره هدفا استراتيجيا
مهما للكيان الصهيوني على اعتبار
إن مستقبل العراق يمكن أن يؤثر في
التوازن الاستراتيجي في الشرق
الأوسط تأثيرا عميقا، وبعد أحداث
11 سبتمبر طالب المحافظون الجدد
بتغيير وجه الشرق الأوسط بتطهير
الدول الفاسدة كمصر والسعودية
وباكستان وفرض قيود جديدة على
سوريا وإيران وكوريا " والعمل على
إزاحة صدام حسين وتقليص حجم
القوات العراقية ونزع أنيابها
ومنعها أن تشكل تهديدا لجيرانها و
إسرائيل وضرورة الهيمنة على
الثروة النفطية فيه" كما أعترف
أعترف توماس فريدمان صائغ الدستور
العراقي" بأن الغزو الأمريكي
للعراق جاء كثمرة لجهود اللوبي
الإسرائيلي . ومع مئات التصريحات
التي تصب في هذا النحو، ما زال
البعض يصر بكل جهل وتعنت وحماقة
على نفي هذه الحقيقة في غابة
العمالة حيث تتشابك الحقائق مع
للاكاذيب كتاشبك الأغصان ويأخذ
العملاء دور القرود في التسلق
والتسابق عليها.
فجر الرئيس الطالباني لصحيفة
الخليج الإماراتية جملة مفخخة
كانت شظايها حادة بحدة الشظايا
التي جرحت مشاعر الكثير من
العراقيين، بإعلانه ان دولة
الشيطان الأكبر جاءت الى العراق
من أجل النفط وإسرائيل! هكذا إذن
! هذه هي الحقيقة وليس كما أوهمتم
أنفسكم والسائرين في ركبكم
المتخلف! بلا شك ان هذا التصريح
لا يقل خطورة عن حذاء منتظر لأنه
بإمكان أي كان ان يلقم به أفواه
الأرانب التي تدافع عن الاحتلال
وتبرر مزاعمه الديمقراطية، لكننا
لا يمكن أن نأخذ التصريح بمثل هذه
البساطة دون أن نمدده على طاولة
التشريح لتفهم أسبابه وتحليل
ومعرفة ما يقف وراه. فالطالباني
يخالف نفسه قبل الآخرين وبصفته
كرئيس جمهورية مع هزالة المنصب
والرجل المفروض ان لا يقع في شرك
فمه! وهذا التصريح يقتضي ان نرجع
قليلا الى الوراء لنستشف ما
يسعفنا، فالطالباني سبق أن أله
الرئيس بوش عندما أكد بأن تحرير
العراق كان بدعوة مقدسة من الرب
عبر الوحي الكردي لإنقاذه من
الغرق في بحر الدكتاتوريه وسحبه
الى ضفاف الديمقراطية الخلابة
وسواحل حقوق الإنسان الفضاضة،
وكان يرفض الإشارة الى موضوعي
النفط وأمن إسرائيل كمبررات
للغزو! لذلك فإن عملية الإنتقال
في موقفه الجديد بدرجة 180 من
أقصى اليمين الى أقصى اليسار لا
يمكن للمنطق السليم أن يقبله حتى
في ظل الفوضى الخلاقة.
لا يمكن أيضا قبول فكرة يقظة
الضمير أو صحو الضمير فالعميل ليس
له ضمير، أو إعلان براءة سيما ان
الرجل في أرذل العمر عمرا ومنصبا
وعمالة، فالعملاء كالعاهرات ان
مضى عليهن الزمن بقين في نفس
المهنة الوسخة وتحولن الى
سمسارات. والطالباني له سجل حافل
من الخيانة والعمالة والمؤامرات
والدسائس وهو الصديق الحميم لكل
من يريد الشر بالعراق، وكان
السريرعالي الضغط الذي جمع بين
العريس الأمريكي والعروس
الأيرانية. وهذا النموذج عالي
الجودة من العمالة لا يمكن أن
يصحو من غفوته الأبدية، ففي
التصريح الأخير نفسه لم يتبرأ
الطالباني عن عمالته عندما دافع
عن مصالح الأحتلال في العراق
مدعيا" بأن الأمريكان على حق
عندما يطالبون بمزايا اقتصادية
نفطية فى العراق" .
من ناحية أخرى، كشف الرئيس
الطالباني حقيقة ليست بالنسبة
للعراقيين الأصحاء الذين لا يشكون
من وباء العمالة ولكن لمرضى
الأحتلال عندما صرح بأنه ليس
رئيسا منتخبا كما يحاول البعض ان
يروج هذه الأكاذيب ولم يصبح رئيسا
وفق تفاهمات بين الكتل العميلة
التي تطفو على مستنقع العراق
السياسي الأسن، وإنما برغبة
وإرادة المحتل فالغزو حسب ما ذكر
هو من أوصله الى كرسي الرئاسة
لغرض " خلق عراقيين مهمين جدا
بالنسبة الى مخططاتهم في المنطقة"
حسب تعبيره، وقد خرج المفهوم من
نطاق العراق الى المنطقة هذه
المرة بمعنى ان مخططات الغزو لا
تنحصر بالعراق فحسب بل تتعداه الى
المنطقة، وان الطالباني خير من
يقوم بهذه المهمة من وجهة نظر
الامريكان فهو افضل عميل في
المنطقة لا ينافسه غير مسعود
البرزاني!
ربما جاء التصريح كمحاولة من
الطالباني لتجميل وجه الرئيس بوش
الذي استوطنته التجاعيد بدعوات
العراقيين ولعناتهم وهو يحسب
أيامه الأخيرة في البيت الأبيض
ومع تعالي الأصوات المطالبة
بمحاكمته مع رامسفيلد وبقية
عصابته في الإدارة الامريكية بعد
أن فاحت جيفتهم في العراق
وإفغانستان وغوانتينامو بسبب
الأبادة الجماعية والتفنن في طرق
التعذيب، ولكن هل يصلح العطار ما
أفسده الدهر؟
ذكر الطالباني في تصريحه بأن أهم
إنجازات سيده بوش هي الاتفاقية
الأمنية ووصفها بأنها " تُلَبّى
أكثرية طموحات ومطالب الشعب
العراقى بصورة عامة مع أن هنالك
بعض النقاط غير الواضحة "، وهنا
نتساءل إذا كانت هناك نقاط غير
واضحة لرئيس الجمهورية فكيف سيكون
الأمر بالنسبة لغيره البعيدين عن
القرار السياسي؟ ثم كيف تتم
المصادقة على اتفاقية فيها نقاط
مبهمة؟ ولماذا لم يتم الأستفسار
عن هذه النقاط قيل التوقيع علي
الاتفاقية؟ علما ن الكثير من
السياسيين ومنهم رئيس الوزراء
السابق كشف بوجود إختلافات بين
النسختين العربية والأنكليزية
للإتقاقية مما أدى بالإدارة
الأمريكية لحجب النسخة
الإنكليزية! وأين الحكومة
والبرلمان من كل هذه النقاط بعد
أن اوهمونا بأنهم اشبعوا
الاتفاقية رجما بالبحوث
والنقاشات؟ وهل النقاط مبهمة من
الناحية القانونية مثلا؟ إن كانت
كذلك فكان يمكن الأستعانة بخبراء
في القانون الدولي أو طلب
المساعدة من خبراء الجامعة
العربية أو الأمم المتحدة لحسم
هذه النقاط مع معرفتنا بأن
الكوادر القانونية الجدد معظمهم
عين بشهادات مزورة وفق المقاييس
الديمقراطية الجديدة؟ وإن كانت من
الناحية الشرعية! فكيف مررت على
المرجعية المتألقة ذكاءا وحرصا
على حماية حقوق العراقيين
فباركتها بعد أن زعم المتمنطقين
انهم فحصوا كل جزء في جسدها قبل
ان يعترفوا بعذريتها؟ وإن كانت من
الناحية السياسية غير واضحة! فهذا
إعتراف ضمني بعدم أهلية كل
السياسيين الحاكمين في العراق
الجديد من برلمانيين ووزراء
ورؤساء كتل واحزاب سياسية
ومستشارين وغيرهم. ويفترض ان
يحاكموا على جريمتهم تلك فقد
أقسموا على حماية حقوق ومصالح
البلد لا ان يضيعوها!
لم نتحدث عن مواضيع السيادة
والكرامة لقناعتنا بأنه لا يمكن
لأتفاقية بين السيد والعبد أن
تحقق مصلحة العبد مهما حاول السيد
ان يتظاهر بعفته وعدالته؟ سيما
بعد ان انقشعت غيمة مجلس الأمن
وأصر على إبقاء العراق تحت البند
السابع من ميثاق الأمم المتحدة
فراحت تهنئة الطالباني والمالكي
للشعب العراقي بالخروج من الفصل
السابع أدراج الرياح وهي تطوي كل
غبار الكذب والتزييف والعار معها.
ونتساءل لماذا جاء هذا التصريح
بهذا الوقت بالذات؟ فهل لأن
الرئيس الطالباني أصبح غير مؤهل
عقليا بسبب مضي قافلة العمر الى
محطتها النهائية بعد أن ان قطعت
شوطا كبيرا في الإنغماس في ملذات
العمالة التي إستنفت عمره وصحته
ولهذا السبب أقصاه حزبه بعيدا عن
أمانته العامة؟ أو بسبب رحيل سيده
الرئيس بوش من البيت الأبيض
ومعرفته بأن الوقت قد لا يسعفه
لخدمة السيد الجديد للبيت الأبيض
فالعبد يخدم سيد احد وليس سيدين؟
او لمعرفته بأن الرئيس الأمريكي
الجديد يدرك جيدا حجمه الحقيقي
وهو منشغل حاليا بإختيار الكلب
الذي سيشرف عتبة البيت الأبيض بعد
مغادرة بارني كلب الرئيس بوش اكثر
من إنشغاله بالعملاء في المنطقة
الخضراء؟ مهما كانت الدوافع فإنها
لا تخرج عن بوتقة العمالة.
الذي لم يزنه الرئيس الطالباني في
تصريحه هذا هو ان التضحيات
الجسيمة التي تحملها الشعب
العراقي بقتل أكثر من مليون من
أبنائه وتدمير بنية البلاد
الإرتكازية ونهب مئات المليارات
وإستباحة الأعراض وتهجير اكثر من
اربعة ملايين عراقي داخل وخارج
الوطن ووجود أكثر من مليون أرملة
وملايين الأيتام وإنتزاع العراق
من محيطه العربي والقومي وإرجاع
البلد الى عصور الإنحطاط وإثارة
الفتنة الطائفية وتقسيم البلد الى
كومونات طائفية وتقسيم الأحياء
بخراسانات إسمنتية وعبث
الميليشيات المسعورة من قتل وخطف
وتعذيب ونهب وسلب وغيرها من
الجرائم كان الغرض منها إضعاف
العراق لضمان أمن إسرائيل
والسيطرة على النفط العراقي فقط
أما الشعارات الديمقراطية وحقوق
الإنسان والحريات الأساسية فليست
سوى قطعة من الكلينس ينظف بها
الطالباني نفسه ويرميها في الحوض
ساحبا السيفون عليها.
الأمر الثاني الذي لم يزنه
الطالباني هو إنه قدم خدمة كبيرة
للنظام الوطني السابق! فليس أسهل
من إيجاد تزكية من صديق لنزاهتك
ولكن من الصعب بل المستحيل ان
تحصل على تزكية عن نزاهتك ووطنيتك
من عدوك. فقد زكى الطالباني
النظام الوطني السابق رغم انه ليس
بحاجة الى هذه التزكية ولكن لا بد
من تثبيتها خدمة للتأريخ والأجيال
القادمة فالنظام السابق من خلال
تصريح الطالباني شنت عليه الحرب
بسبب النفط وضمان أمن اسرائيل
وليس بسبب إمتلاك اسلحة التدمير
الشامل أو علاقته بالإرهاب او
لنشر القيم الديمقراطية والتبشير
بحقوق الإنسان العراقي وبذر
الحريات وغيرها من التبريرات
الساذجة.. كلام كما أثبته
الطالباني كله هراء في هراء،
النفط وإسرائيل فقط لا ثالث لهما!
وليذهب العراق وطنا وشعبا الى
الجحيم.
تزكية الطالباني تعني إن النظام
السابق لو كان قد ضمن لإسرائيل
أمنها ومنح الأمريكان إمتيازات
نفطية فأن الحرب ما كانت لتشن ولا
أصبح الطالباني رئيسا لجوقة
العملاء، بمعنى أن النظام السابق
كان وطنيا ورفض أن يساوم على
سيادة وكرامة العراق بل وعلى
مبادئه إيضا، وهذا الجانب سنتركه
للبعثيين أنفسهم للخوض فيه وتسليط
الضوء الكافي عنه، فليس من حقنا
ان نتحدث بالنيابة عنهم فلهم
قيادة وهي صاحبة الشأن لكننا فقط
ننبه الى أهمية هذه النقطة
ونناقشها من الجانب الوطني فقط.
لقد جرت الرياح بما لا يشتهيه
السفان الطالباني فأوقع نفسه في
شر أعماله ويبدو انه أراد ان
يطابق سيد بوش خاتمته السياسية..
نهاية مفجعة مثخنة بالذل والعار
وهذا هو شأن العملاء فعمالتهم
تفضحهم عاجلا أم آجلا.
|