وقفت برهة من
الزمن افكر في الخبر الذي نشرته
مجلة(السياسة الخارجية) الامريكية
ومن عنوانها فأنها مختصة بالشئون
الدولية وتقدم العديد من الدراسات
الاستراتيجية والأفكار والمقترحات
التي تخدم السياسة الخارجية
الامريكية مع أهمية خاصة للدول
الخاضعة للنفوذ الامريكي سواء عن
طريق الاحتلال المباشر كالعراق
وأفغانستان او غير المباشر الدول
التي تتواجد فيها القواعد
الامريكية والتي تقدر بحوالي(420)
قاعدة، وكذلك الدول الدائرة في
الفلك الامريكي بدرجات متباينة،
ومن الطبيعي ان الدول الاستعمارية
تهتم بكل التفاصيل المتعلقة
بالدول التي تخضع لنفوذها وهناك
بنوك للمعلومات ومراكزبحثية
بمختلف الاختصاصات تقوم بهذه
المهمات وتقدم المشورة للقادة
السياسيين لرسم الخطط اللازمة
لتفيذ أهدافهم وإختيار أفضل
الوسائل وأنجع الخيارات التي يمكن
أن تحقق تلك الاهداف. وإذكر بهذا
الصدد اطلاعي على احد الكتب
الأمريكية التي صدرت في
الخمسينيات من القرن الماضي عن
العراق والخليج العربي يتضمن من
التفاصيل والوثائق والخرائط ما
يثير الدهشة حيث وجدت خرائط لنسب
السنة والشيعة حسب توزيعها في
المحافظات ودراسات للعادات
والتقاليد ولم يترك موضوعا يخص
العراق وشعبه على كافة الأصعدة
إلا وأشبع بحثا في وقت لم يصل فيه
العلم ومصادر المعلومات وطرق
الاتصالات لما عليه في الوقت
الحاضر، وكتب في الصفحة الأولى
منه ان تداوله يقتصر على كبار
القادة البحريين ولا يجوز تداوله
خارج قيادة القوات البحرية.
مجلة السياسة
الدولية مجلة قديمة يكتب فيها
أبرز المحللين السياسين والباحثين
الاستراتيجيين و من العرب
البرفيسور حنا بطاطو صاحب كتاب"
الطبقات الاجتماعية الحاكمة في
العراق" وهو أشهر الكتب الصادرة
عن العراق بما يحتويه من وثائق
فقد وافقت الحكومة العراقية خلال
الحكم الوطني السابق بالسماح
لبطاطو بالإطلاع على أرشيف
المؤسسات الأمنية ووزارة الخارجية
فإنكب على دراستها وأستفاد منها
في إصدار كتابه إضافة الى كتاب
آخرين ضمتهم المجلة من مختلف دول
العالم، والحقيقة أنها أشهر مجلة
في هذا التخصص الدولي، ومن
الدراسات المهمة التي أعدتها
المجلة واحدة تخص العالم العربي
وهي قادة العرب الحقيقيون من غير
الزعماء ممن يمتلكون قدرات خارقة
وفاعلة ومؤثرة في توجيه شعوبهم
أوما سمته" يمتلكون قدرات سحرية
وامكانات غير عادية على تشكيل
آراء الناس وتوجهاتهم ومعتقداتهم"
ومعيار أهميتهم يأتي من قوتهم
الشمشونية فهم " قادرون على تثبيت
أو تدمير دول وحكومات بحد ذاتها
والإطاحة بالمصالح الداخلية
والخارجية" ومن هذا المنطلق فإن
الإدارة الأمريكية تحسب لهم ألف
حساب وتعمل بشتى طرق على
إستمالتهم وكسب ودهم وتوظيفهم
لخدمة أجندتها سواء بطرق الترغيب
وإذا اقتضت الحاجة بالترهيب، فهم
كالألغام إذا كنت لا تعرف التعامل
معها يستحسن تجنبها وعدم الإحتكاك
بها أو على أقل تقدير تحييدها
وذلك أضعف الإيمان.
ولأن المفاهيم
الجديدة التي زرعتها الولايات
المتحدة الامريكية وحلفائها في
نفوس شعوبها وبقية الشعوب الأخرى
كالعنف الاسلامي والتطرف الاسلامي
والارهاب الاسلامي والأسلمة
وتنظيم القاعدة والجهاد الاسلامي
والاسلام السياسي وكلها تتعلق
بالأسلام، وهذا ما تفقسه كل يوم
ماكنة الاعلام الغربي وما ترافقه
من هجومات شرسة على مختلف الجبهات
تستهدف المقدسات الاسلامية
والرموز الاسلامية وما تمخض عنه
من ازمات تكشف زيف ما يسمى بحوار
الأديان كرسوم الكاريكتير المسيئة
للرسول العربي(ص) ولوحات الفنان
السويدي فوكس والتشهير بالقرآن
الكريم والعزف على أسطوانة انتشار
الاسلام بحد السيف المشروخة
وتدنيس القرآن الكريم بشتى الطرق
واكثرها إيلاما لنفوس المسلمين
تبول جنود الاحتلال الامريكي عليه
في منطقة الرضوانية في بغداد
إضافة الى الأنتاج الغزير في
الروايات والأغاني والافلام
السينمائية لتلويث العقل الاوربي
تجاه الاسلام وبالتالي المسلمين،
كل هذا جعل الأهتمام بهذه القوى
المؤثرة ينصب على العالم
الأسلامي.
اختارت المجلة
ثماني شخصيات ضمن رقعة الجغراقية
الاسلامية شملت مصر والسعودية
والعراق ولبنان واندنوسيا وإيران
والامارات. وقبل ان اطلع على
الاسماء وضعت المجلة جنبا لأرجح
هذه الشخصيات وأقارن ترشيحي مع
ترشيح المجلة، ففي مصر بلا جدال
سيكون محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر
هو الأكثر تأثيرا ورغم انه فقد
الكثير من سمعته بعد مصافحته
واستقباله الزعيم الاسرائيلي
شمعون بيريز خلال زيارته الاخيرة
للقاهرة، ولكن يبقى الأزهر صرح
كبير للعالم الاسلامي بغض النظر
عن تصرف بعض شيوخه. ومن اندنوسيا
رشحت ابو بكر بشير رغم تحفظنا على
علاقته المعروفة بتنظيم القاعدة
ومسئوليته كما قيل عن تفجيرات
بالي عام 2002 وسجن على أثرها مما
أفقده بعض شعبيته، ولكن الترشيح
لا يناقش هذا الموضوع فهو ينظر
اليه من زاوية واحدة وهي قوة
التأثير على الرأي العام
الاسلامي، وفي لبنان توقفت عند
شخصيتين هما السيد حسن نصر الله
والشيخ محمد حسين فضل الله وبعد
التمحيص رشحت فضل الله على نصر
الله فنصر الله يأتي من فضل
الله، كما ان السيد نصر الله بعد
الأحداث الأخيرة في بيروت فقد
الكثير من شعبيته وزاد الطيب بله
موقفه من مقاومة الاحتلال التي
سمح بها لنفسه ضد الاحتلال
الاسرائيلي وحرمها على العراقيين
رغم وجود احتلال امريكي وكلاهما
وجهتان لعملة واحدة، متناغما في
ذلك مع الموقف الإيراني إضافة الى
طائفيته التي تتجلى يوم بعد آخر
من خلال ارتباطه وتبعيته لإيران،
والحق انه السيد نصر الله أمسى
زعيما سياسيا اكثر منه دينيا لذلك
ابتعد الشيخ فضل الله عن تيار حزب
الله. وكان اختيار مرشح السعودية
اسهل من غيره فهو لا يقبل الخطأ
الشيخ عبد العزيز مفتي الديار
السعودية بالرغم من تشدده الذي
أفقده رونقه بعد أن أصدر فتوى عام
2004 بجلد عضوات من وفد نسائي
حضرن مؤتمرا اقتصاديا بدون حجاب
مما اثار التنظيمات النسوية
والمنظمات المعنية بشئون المرأة
وحقوق الانسان، واعتبرت فتواه
انتهاكا صارخا لاتفاقية عدم
التمييز ضد المرأة التي اقرتها
معظم دول العالم. المرشح الايراني
حصرته بين ابرز شخصيتين هما السيد
علي الخامنئي مرشد الثورة
الاسلامية والسيد آية الله حسين
منتظري الخاضع للإقامة الجبرية في
طهران ويعد الأب الروحي للثورة
الاسلامية في إيران وقد أثارت
مذكراته التي تسربت الى وسائل
الاعلام ضجة كبيرة سيما المتعلق
بها بالحرب العراقية الايرانية
وتبني المعارضة العراقية( المجلس
الاعلى للثورة الاسلامية)
وتدريبها وتجهيزها بالمال والسلاح
ضد النظام الوطني السابق وكشفه
النوايا العدوانية الايرانية على
العراق ودول الخليج العربي بموجب
مبدأ تصدير الثورة الاسلامية الذي
تقيئه الخمينية على دول الجوار
فجرع السم بسببه. أما العراق فأن
الاختيار سيكون بلا جدال آية الله
علي السيستاني بأعتباره أقوى
شخصية مؤثرة في شيعة العراق وقد
تمكن هذا الرجل الداهية ان يؤمن
لقوات الاحتلال الأمان بعدم
التعرض لها من خلال امتناعه عن
إصدار فتوى تسمح بالجهاد ضد
المحتلين أو استنكار الأعمال
العدوانية التي قامت بها هذه
القوات في العراق من قتل وتعذيب
واغتصاب وتدمير وتدنيس للقرآن
الكريم, اما بقية المراجع الثلاثة
المتبقية فأنها تأثيرها لا يتجاوز
مساحة العائلة وبعض المقربين. أما
من حيث التسلسل في الأهمية فقد
رشحت الشيخ طنطاوي يليه الشيخ عبد
العزيز ومن بعده السيستاني ثم
الخامنئي مكتفيا بهذا القدر.
رجعت ثانية للمقال
لأقارن النتائج وقرأتها فإذا
بمفتي الديار السعودية الشيخ عبد
العزيز يتصدرها وهو على المذهب
الوهابي وفي المرتبة الثانية
الشيخ ابو بكر بشير وهو أيضا على
المذهب الوهابي، وفي المرتبة
الثالثة جاء الشيخ محمد حسين فضل
المعروف بتفتحه العقلي وعقلانيته
وإبتعاده عن الخط الايراني بل
وتحذيره من تدخلها في شئون الدول
العربية والاسلامية وهو من المذهب
الشيعي
,
والحق ان سماحته ممن يفتخر به
كأبرز زعيم ديني شيعي في العالم
الاسلامي، في المرتبة الرابعة جاء
آية الله حسين علي منتظري وهو من
المذهب الشيعي ويعد من ابرز
المعتدلين والاصلاحين من بين رجال
الدين في ايران والمناوئين لخط
الخامنئي. وتلاه في المرتبة
الخامسة الداعية الشهير الشيخ
يوسف القرضاوي المصري الأصل
والأمارتي الجنسية وهو من المذهب
السني ويعتبر من أهم الوجوه
المطلة على الساحة الاعلامية من
خلال برنامجه الشهير( الدين
والحياة) إضافة الى مشاركاته
الدائمة في التعليق على الاحداث
الجارية ومن المعروف بمواقفع
العدائية ضد سياسة الولايات
المتحدة وإسرائيل في المنطقة
العربية وسعة ثقافته المقترنة
بدراسة اكاديمية عليا فهو يحمل
شهادة الدكتوراة. وجاء في المرتبة
السادسة السيد حسن نصر الله
الأمين العام لحزب الله وهو من
المذهب الشيعي وأستقطب حب الشعب
العربي بعد المعارك التي خاضها ضد
قوات الاحتلال الصهيوني وتحريره
جنوب لبنان. وجاء في المرتبة
السابعة السيد علي السيستاني وهو
من المذهب الشيعي عرف بموقفه
المضاد من المقاومة ضد الاحتلال
الامريكي ولديه علاقات وطيدة مع
الإدارة الامريكية التي أشادت به
من خلال تصريحات الرئيس بوش
ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس
وكولن باول وبول بريمر الذي أشاد
به في يومياته في العراق. وجاء في
المرتبه الثامنة شيخ الازهر محمد
سيد طنطاوي وهم من المذهب السني
وعلى عكس الشيخ القرضاوي يستنكر
العمليات الاستشهادية في سبيل
تحرير الاوطان من المستعمرين.
وجه الغرابه في
النتائج هو توقعي وغيري إن السيد
طنطاوي بإعتباره يتزعم اكبر مؤسسة
دينية في الشرق الأوسط ولكثافة
الطائفة السنية التي تشكل حوال
90% من المسلمين ان يحتل المرتبة
الأولى لكنه جاء في المرتبة
الأخيرة، ووجه الغرابة الثاني ان
السيد السيستاني بإعتباره يتزعم
الحوزة العلمية في النجف وهي أكبر
مؤسسة دينية للشيعة في العالم
الاسلامي إضافة الى تخصيصه معظم
موارد الحوزة في بناء منشئات خارج
العراق لغرض التمدد الشيعي في
العالم ومع هذا جاءت مرتبته ما
قبل الأخير، والأمر الغريب الآخر
ان مكانة مرشد الثورة الايرانية
الخامنئي تنحت جانبا لتفسح الطريق
للمنتظري رغم انه تحت الاقامة
الجبرية - تمدد هذه الاقامة عليه
كل خمس سنوات- وممنوع عليه مواجهة
وسائل الاعلام أي تعتيم اعلامي
مطلق على نشاطاته وكان البعض
يتوقع انه بسبب هذه الاجراءات
التعسفية فان سجل النسيان سيطوي
ذكراه لكن مع هذا يبدو أنه مازال
متربعا على عرشه والدليل على ذلك
هذه النتيجة لتي دعمها تسرب
مذكراته التي أثارت ضجة كبيرة
عندما فضح حقيقة أساليب وافكار
الخميني التوسعية، في غضون ذلك
فكان الأعلام الايراني يصب جهده
لتلميع صورة الخامنئي التي تصل
مساعداته لكل الحركات الشيعية في
العالم لكنه مع هذا لم يعتبر من
الشخصيات المؤثرة في العالم
الاسلامي وتلك نكسة حقيقية لمرشد
الثورة الايلامية، من الغرائب
الأخرى أن أقوى شخصيتين مؤثرتين
في العالم الاسلامي هما من المذهب
الوهابي، ورغم الأتهامات التي
وجهت للشيخ أبو بكر بشير بشأن
تفجيرات بالي وعلاقته بتنظيم
القاعدة وضخ ماكنة الاعلام
الامريكية والاوربية الأخبار
اليومية ضد تنظيم القاعدة فأن
بشير ما يزال الشخص الأقوى تأثيرا
في العالم الاسلامي مع اعترافنا
بالحجم السكاني لأندونيسيا الذي
يساهم في تكريس هذا التأثير، وهذه
حالة فريدة في بابها. من الملفت
للنظر ان نسبة الشيعة في العالم
الاسلامي لا تتجاوز 10% وهناك من
يزيدها الى 15% لكن عدد الشخصيات
المؤثرة في العالم الاسلامي(4) أي
النصف، معادلين بذلك الطائفة
الأكثر ويرجع ذلك بالدرجة الأولى
لتوحد أبناء الطائفة الشيعية تحت
ظل المرجعيات وظاهرة التقليد التي
تفتقر لها الطافة السنية وترفضها
لأسباب عقائدية.
لا شك ان المرتبة
التي احتلها السيد السيستاني
مثيرة للقلق فهي مرتبة لا تتناسب
ووضعه وتأثيره المفروض على العالم
الاسلامي بشكل خاص والشيعة بشكل
عام، بل هي مرتبة لا تشرفه شخصيا
ولا أنصاره مقارنة بالشخصيات التي
سبقته، مع انه يوم بعد يوم تذوب
مكانته كما يذوب الشمع تاركا
مخلفات لا تفيد فتركن جانبا، هناك
العديد من المؤشرات التي يمكن
إدراجها في كأسباب حطت من مكانة
السيد
أولهما: موقفه من
الاحتلال فالسيد رغم تحفظه بعدم
اللقاء بالمسئولين الامريكان فأن
هذا لا يعني عدم وجود روابط تجمعه
بهم، لأنه ان كان فعلا لا يلتقي
بهم فأنه يلتقي بعملائهم الذين
ينقلون له توجيهاتهم فينفذها
بحذافيرها، ومن الطريف ان يهتك
المستور عن قوة هذه العلاقة من
قبل الأمريكان انفسهم عبر مذكرات
بريمر في العراق وكذلك الشيعة عبر
احد مراجعهم و هو السيد مجيد
الخوئي القريب من السيد السيستاني
وكان لوالده دورا في تكليف
السيستاني بالمرجعية، بمعنى انه
هذه العلاقة لم تفضح من قبل
الوهابيين والسلفيين وازلام البعث
والنواصب وتنظيم القاعدة ورجال
المقاومة العراقية وهم الشماعات
التي تعلق عليها كل الأفعال
الشائنة بسبب أو بدونه. بلا أدنى
شك أن موقف السيستاني من الاحتلال
وتنسيقه وتعاونه مع الامريكان تعد
لطخة عار في تأريخهو كان لها دورا
في تقزيم تأثيره على العالم
الاسلامي.
الأمر الثاني:
هو الأنزواء غير المبرر في صومعته
المظلمة مثل بطلة تنسي وليامز في
مسرحية عربة اسمها الرغبة التي
تأبى أن تفارق الظلام وتواجه
النور، بتبرير إنشغاله بالدرس
والجميع يعلم أن هذه فبركة ليس
إلا، فقد اعترفت المرجعية نفسها
بأن أي قرار سياسي لا يتخذ إلا
بعد إستشارة المرجعية، وأن انكرت
المرجعية فمن الصعب أن تبرر أو
تفسر مارثون المسئولين العراقيين
لسماحته كلما أستجد أمر في المشهد
السياسي، فالأبتعاد عن الرعية أمر
مستهجن لا يتناسب والأسلام الصحيح
فقد عرف عن الرسول(ص) والصحابة
وآل البيت الكرام لقائهم بالناس
وعدم عزلتهم، وحتى في العالم
المسيحي فأن قداسة البابا السابق
يوحنا بولص الثاني رحمه الله رغم
سنه المتقدم وعجزه فأنه كان يطل
اسبوعيا من شرفته ويحيً رعاياه،
بل ان زيارته لم تنقطع لدول
العالم حتى النفس الأخير وهو عاجز
على مقعده المتحرك، ومن الطبيعي
انه كلما أبتعدت عن الناس ابتعدوا
عنك وتناسوك، وقد تحدثت احدى
المثقفات بحسرة قائلة" المشكلة ان
لدينا امام غائب وهو حاضر يسمى
المنتظر وضعنا كل مصائبنا وامالنا
في صندوق دون علمه واقفلنا عليه
وسلمناه مفتاحه على أمل أن نفتحه
عند الحاجة، ولكنه سافر الى مكان
مجهول ولا يعرف عن مصيره شيء.
ولدينا امام حاضر وهو غائب يسمى
السيستاني يدعي ان المهدي اعطاه
نسخة من المفتاح وخوله كل
صلاحياته خلال غيابه ولكنه لا
يستطيع فتح الصندوق الا بوجود
صاحب الزمان" أنها ميتافيزيقيا
البيضة والدجاجة وأيهما أسبق
للوجود.
الأمر الثالث:
كما هو معروف للجميع فقد صاحب
الأحتلال الامريكي للعراق الكثير
من الجرائم والأنتهاكات الجسيمة
التي ايقظت ضمير الأموات ولكنها
لم تتمكن من ايقاظ ضمير الأحياء،
فقد قتل حوالي مليون عراقي ونهبت
ثروات البلد حوالي(200) مليار
دولار، وانتهكت أعراض النساء
والرجال من قبل قوات الاحتلال
والحكومة العراقية وتفشى الفساد
المالي والإداري في كل أجهزة
الدولة مع افتقاد الماء الصالح
للشرب والكهرباء والوقود والخدمات
الاساسية، إضافة الى 70% من
العاطلين عن العمل وملايين
الأيتام والأرامل وفضائح ابو غريب
وسجن الجادرية وملجأ ايتام الحنين
والمئات غيرها دون أن تتفوه
المرجعية بكلمة أستنكار واحدة أو
تتفضل بمواساة للعوائل المنكوبة
أو حث الحكومة على معالجة جرائمها
واخطائها. او تحذير قوات الاحتلال
من مغبة جرائمها سيما ان المرجعة
نفسها ذكرت بأنها أعطت لقوات
الاحتلال مهلة لمراقبة عملهم في
العراق وها قد مضت خمس سنوات على
هذه المهلة وتزداد الأمور سوءا
يوم بعد آخر دون أن تنفك عقدة
لسان المرجعية، بل ان المرجعية
بخلت بأموال الحوزة التي تجنيها
من شيعة العراق والعالم على
الطائفة نفسها في العراق فالموارد
التي تعد بمليارات الدولارات تخصص
أكثرها لنشاطات المرجعية في إيران
بشكل خاص- رغم وجود حوزة قم ومشهد
- وبقية دول العالم وهذا ما
تحدثنا عنه في مقال سابق. كل هذا
أدى الى أنحسار تأثير المرجع.
وهناك أغنية فرنسية تطابق وضع
سماحته تقول كلماتها
" ان الله كرمني
بموهبة هي ان الناس يلعنوني
ولكنني لا اسمعهم... ان الله
اعطاني موهبة ان يزورني الناس ولا
ازورهم... ان الله كرمني بموهبة
ان اضحك على الناس ويسعدهم ذلك..
ان أوهم الناس بأني مطربه ومن
بلاهتهم يصدقونني... ان الله
اعطاني موهبة ان اسرق الناس ولا
يشعرون".
الأمر الرابع:
رغم ثبات موقف المرجعية من
النواصب كما تسميهم وهو موقف
مستمد من بعض المراجع الفارسية
القديمة التي تحلل أرواحهم
وتستبيح نسائهم واموالهم - ونحن
نتحدث عن المرجعية الفارسية وليس
المراجع العرب المعروفين بنزاهتهم
وزهدهم وتسامحهم – فأن المرجعية
كان لها موقف لا يمكن تصديقه
عندما استباحت دماء الصدريين
مرتين اولهما :- من خلال توجيه
مباشر من سماحة السيد نفسه على
ايدي قوات الاحتلال والقوات
الحكومية في عهد أياد علاوي وهرب
السيد الى خارج العراق بطائرة
بريطانية تحت حجة واهية هي إجراء
فحوصات صحية، فكان عذرا أكبر من
الذنب. المرة الثانية:- في عهد
المالكي حيث استبيح دماء الصدريين
من قبل القوات الحكومية ودمرت
الطائرات الامريكية مدن شيعية
كمدينة الثورة والحرية والشعلة
راح ضحيتها الآلاف من الناس
الأبرياء بسبب تصفيات سياسية ليس
لهم علاقة بها لكنهم دفعوا
فاتورتها الباهظة من دمائهم
الطاهرة، ومن المؤسف أن تمر
الجريمة النكراء دون أي تعليق من
المرجعية في حين ان المراجع
الشيعية العربية وهيئة علماء
المسلمين ادانوا بحدة ولعدة مرات
هذه الإبادة الجماعية، وقد جعل
هذا الموقف الكثير من أبناء
الطائفية الشيعية منذهلين من تصرف
المرجعية الفارسية وأعادوا
حساباتهم في مكانة سماحته فأفلت
تدريجيا كالشمس تختفي تدريجيا في
الأفق البعيد.
الامر الخامس:
تعتبر الحملة المسعورة ضد الاسلام
اشرس حملة يشنها الغرب ضد العالم
الأسلامي بعد الحروب الصليبية حيث
توحد الغرب كله لمحاربة ما سموه
بالأرهاب الاسلامي وهو غطاء يخفون
به هدفهم الحقيقي في محاربة
الأسلام فالتطرف والأرهاب وقواه
ليست ظلامية كما يروج البعض فهي
واضحة وضوح الشمس فكل التنظيمات
الأرهابية تولدت بمساعدة الغرب
مرة لمحاربة المد الشيوعي وأخرى
لمحاربة العنف الاسلامي وقد أشبع
هذا الموضوع بحثا، ويلاحظ ان
الحرب المقدسة كما سماهم الرئيس
الأمريكي بوش بزلة لسان كما بررت
حينها تتم على مختلف القنوات من
شعر وأغاني وافلام وقصص ودعايات
ورسوم وإساءات وصلت الى درجة جمع
نسخ من القرآن الكريم وحرقها في
ساحة عامة في هولندا. ولأن الأمر
بعيد جغرافيا عن المرجعية رغم عدم
قبولنا هذا التبرير لكن سنأخذ به
على سبيل الأفتراض، لكن المرجعية
انتهكت عذريتها في عقر دارها
عندما دنس المحتلون القرآن الكريم
وأتخذوه هدفا لعياراتهم النارية
وتبولوا عليه في مدينة بغداد،
ثارالعالم الأسلامي بشيعته وسنته
وبقية الأديان والمذاهب مستنكرين
هذه الجريمة النكراء بحق الرب
تبارك وتعالى وبحق المليارات من
المسلمين في شتى بقاع الأرض إلا
طرفين لم يحركا ساكنا وهما أكبر
مؤسستين للسنة والشيعة في العالم
الاسلامي الأزهر الشريف والحوزة
العلمية في النجف، وربما هذا يفسر
لنا المرتبة المتدنية لشيخ الأزهر
وسماحة السيستاني. لا نظن ان
الولايات المتحدة والغرب لديهم
النية بتوجيه اللوم للشيخيين لو
قاما بواجبهم الديني من إستنكار
مجرد إستنكارلا غير ليس إرضاءا
لله فجلالته بمنأى عن رضائهما
ولكنه إرضاءا لمن يتبعهم
ويقلدهم، وان كان أحد يرى خلاف
ذلك فليفسر لنا تصريح العلامة
حسين فضل الله بمحاكمة الرئيس بوش
على جرائمه والذي بثته معظم
الوكالات ومازال التصريح منشورا
في موقع سماحته! ولماذا لم تثور
الإدارة الأمريكية على الشيخ؟ لقد
تحير علماء الأجتماع والنفس
والمثقفين من تفسير ظاهرة الهياج
والغليان والتظاهر الذي صاحب
إهانة المرجع السيستاني في برنامج
تلفازي بث من قناة الجزيرة
الفضائية والصمت الرهيب على إهانة
الله ورسوله؟ ويلاحظ انه منذ ذلك
الحين والسيد السيستاني يتعرض
لمختلف الانتقادات والأهانات دون
أن يتظاهر أحد !
الامر السادس:
فقد المرجع الكثير من مكانته
عندما أفتى بالتعاون مع قوات
الاحتلال وعدم رفع السلاح بوجوههم
المقيته، إضافة الى التدخلات
السافرة في شئون العراق المصيرية
رغم انه ليس بعراقي بل ورفض
الجنسية العراقية إعتزازا
بفارسيته، وتبين بأن ما نقل عنه
في حديثه لبول بريمر" أنت اجنبي
وأنا أجنبي فدع العراقيين يقررون
مصيرهم" لم تكن سوى حفنه من
التراب ألقت على عيون العراقيين
مسحها بريمر عنهم بمذكراته التي
تضمنت حقيقة دور سماحته في تثبيت
الاحتلال وتنفيذ أجندته في العراق
ومنها إصراره على اجراء
الإنتخابات في أحضان المحتل، وكان
آخرها موافقته على الأتفاقية
الأمنية بين الإدارة الامريكية
وحكومة الاحتلال رغم ما تكشفت
عنها من عيوب وأنها جاءت بالضد من
إرادة الشعب العراقي وهو أول من
قال بأنها "لن
تمر إلا على جثته" ومن
ينكر دور المرجعية في إقرار
الأتفاقية لا يمكن ان ينكر ما
قاله ممثل السيستاني صدر الدين
القبنجي من ان الاتفاقية ما كانت
تقر لولا موافقة المرجعية عليها
ومباركتها لها. يضاف الى تناقض
موقف المرجعية بشأن الاحتلال
فأنها أيدت السيد نصر الله في
مقاومته الأحتلال الصهيوني للجنوب
اللبناني لكنها ترفض مقاومة الشعب
العراقي لقوات الاحتلال الأمريكي
وهذه مفارقة شاذة، بل من المؤسف
ان يصنف رجال المقاومة الشجعان في
خانة الإرهابيين وهذا مما لا يغفر
لها.
الامر السابع:
تجلت طائفية السيد السيستاني في
عدة مواقف منها ما خلفته تحريضاته
في أحداث العنف بعد تفجير العتبات
المقدسة في سامراء وطلبه من
الجموع الثائرة بالخروج والتظاهر
والتعبير عن استنكارها بالطرق
التي تراها مناسبة فجاء التعبير
بأبشع صوره وارذلها، أما الذين
يعتبرون ان المرجع هدأ النفوس
وأوقف حمام الدم فالأمر كان بعد
خراب البصرة لأن الخسائر الرهيبة
في الأرواح والممتلكات تنفي هذا
الزعم، كما أن فتواه التي نشرت
على موقعه الألكتروني بتحريم زواج
المرأة الشيعية من السني والشيعي
من السنية جاءت لطمة قاسية في وجه
كل من يظنه يخمد الفتن ولا ينفخ
فيها، لاسيما أن حالات التزاوج
بين الطائفيتين كانت ومازالت
كثيرة ولم تحد فتوي السيد من
قوتها . بالرغم من ان الموقع أسرع
بسحبها لكن في عصر العولمة تحول
العالم الى قرية صغيرة من الصعب
أن تستمر الأسرار فيه كأسرار.
الامر الثامن:
كان من عوامل غروب مكانة السيد
كثرة المبوقين حوله وتضاربهم
بالتصريحات فأحدهم يجر طولا
والآخر عرضا دون ان نفهم من
الصادق ومن الكاذب سيما انهم
جميعا ممثلين لسماحته، ومما كثف
الضبابية وحجب الرؤية عدم وجود
مصدر واحد مخول ينطق بأسم السيد،
فكل يدلو بدلوه دون أن يحرك السيد
ساكنا كأن الأمر لا يعنيه أو أن
مركزه لا يستحق أن ينتبه الى هذه
الزاوية الحرجة التي تكلمنا
وغيرنا عنها منذ سنوات دون ان
يلتفت لها واضرت بمكانتة الى حد
خطير، وكان للمرجعية إستثمار هذا
التباين لمصلحتها بنشر تصريحات
تتناغم مع تطلعات الشعب العراقي
طالما انها يمكن ببساطة أن تتنصل
منها تحت يافطة انها رأي شخصي
أدلى به أحد الوكلاء أي نفس
الأسلوب الذي تنتهجه الحكومة
العراقية عادة لتبرير هفواتها على
سبيل المثال تبرير لغو الناطق
بأسمها علي الدباغ بأنه رأي شخصي!
ومن هذه المواقف التي فوتتها
المرجعية دون ان تستثمرها بشكل
أفضل وتقربها من العراقيين
والمسلمين بشكا عام، فضيحة أبو
غريب التي انطقت الحجر،وتدنيس
القرآن الكريم والرسوم المسيئة
للرسول(ص) وأغتصاب عروس الشهادة
عبير قاسم حمزة وإغتصاب رجال
الدين في سجون الاحتلال والداخلية
وآخرها الموقف من
المأثرة التأريخية التي حققها بطل
الألفية الثالثة التي عجز عنها
منتظر السيستاني الغائب وحققها
منتظر الزبيدي الحاضر، بغارة
نفاثة موفقة وجهت قذيفتين من
النوع الحارق خارق لرأس الشيطان
بوش، وطالما ان حكومة السيستاني
الأم - الايرانية- تؤمن بأن بوش
هو رأس الشيطان الأكبر، فلا نقبل
الحرج من التعليق إذا أدعاه
سماحته، لأن المرجع اللبناني فضل
الله - وهذا من أسباب بزوغ نجمه-
علق على الحدث التأريخي لمنتظر
الزيدي بأن امريكا ستتلقى المزيد
من الأحذية بسبب سياستها الهوجاء
في المنطقة العربية
ويفترض أن ما يصح
للسيد فضل الله يصح للسيستاني مع
الأخذ بنظر الاعتبار ان الواقعة
التي هزت العالم جرت في العراق
وليس لبنان وإستأثرت بإهتمام
العالم بأسره.
هذه بعض الأسباب
التي أثرت بمكانة سماحته ليس فقط
عبر ما جاء في الدراسة التي
اعدتها مجلة السياسة الخارجية
الامريكية، لكنها حقيقة موضوعية
ندركها جميعا نأسف لها ونتأسف
عليها بل توجعنا، لكن بنفس الوقت
لا بد أن نعترف بها, فالأعتراف
بالخطأ هو عتبة باب الغفران.
لقد كانت الملحمة
الخالدة التي سطرتها أيدي منتظر
الزيدي فرصة ذهبية لتصحيح المواقف
السابقة للحوزة العلمية لإستعادة
هيبتها وحب الجماهير لها وتوثيق
الألتفاف حولها، فمن السهولة ان
تلفت النظر الى موقف إنساني وليس
سياسي تجاه قضية منتظر الزيدي
لأننا نعرف البئر وغطاه! ومن خلال
منطق الديمقراطية وحرية الرأي
وحقوق الأنسان كان يمكن للمرجعية
أن تعلق على الموضوع بمشاعر هادئة
وتتخذ موقف تضامني معه فإن لم يكن
عبر قناعتها، فلتكن في مجال
التقية وذلك أضعف الإيمان! والسيد
اعلم من غيره بفنون التقية! ولكن
الفرصة ضاعت كما ضاع فكر الرئيس
بوش في متاهة الأزدراء والعار من
شدة وطأة فردتي حذاء المنتظر
الحاضر وهو يحسب أيامه الأخيرة في
البيت الأبيض.
الحديث مستمر
طالما ان المرجعية مستمرة
بمواقفها الضبابية. |