من نافلة الكلام ملاحظة إن معظم
الزيارات التي يقوم بها المسئولون
العراقيون إلى دول الجوار وبقية
دول العالم يطرح موضوع عودة
العراقيين إلى ديارهم من قبل
الزوار على الحكومات حتى أمسى هذا
الموضوع يشكل هاجسا مخيفا للحكومة
العراقية على اعتبار إن وجود ما
يقارب أربعة ملايين عراقي خارج
حدود الوطن ورفضهم العودة طواعية
إلى العراق يشكل عقبة كئود أمام
ادعاءات الحكومة العراقية بنهجها
الديمقراطي المزعوم واحترام حرية
المواطن العراقي في التنقل من
والى الخارج حسبما سمح به الدستور
الذي وضعته الكتل السياسية في
البرلمان و الحكومة العراقية بوحي
من القديس اليهودي نوح فليدمان.
وفي الجهة المقابلة أصبح كابوس
اللاجئين العراقيين في الخارج هو
زيارة أعضاء الحكومة العراقية
للبلدان التي يتواجدون فيها, فهذه
الزيارات مهما كان أهدافها سياسية
أو اقتصادية أو ثقافية أو إعلامية
فأن موضوع اللاجئين سيكون من ضمن
أجندة الزيارة, وقد أدت الزيارات
أغراضها الخبيثة في زعزعة موقف
اللاجئين في الدول العربية
والأجنبية على حد سواء حيث قامت
حكوماتها بتشديد الإجراءات على
اللاجئين العراقيين تحت ذريعة
تحسن الوضع الأمني الذي يتشدق به
المسئولون العراقيون وهو أمر تافه
لا يستقيم مع الواقع ولا يمكن
لأحد أن يتوثق منه سيما أن
تصريحات القادة العسكريين
والأمنيين وبعض البرلمانين تفجر
بالون الادعاءات الحكومية
فاستعراض بسيط للأوضاع الأمنية
لأي يوم مضى سيكشف زيف إدعاءات
الحكومة بتحسن الوضع الأمني, ولكن
مع هذا فأن بعض الحكومات تجاهلت
الواقع العراقي والتحديات التي
يواجهها العراقي على كل الأصعدة
وأخذت بتصريحات المسئولين
باستثناء تلك التصريحات التي
أطلقتها المفوضية العليا للاجئين
ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمة
العفو الدولية.
كانت النتيجة قاسية على وضعية
اللاجئين الذين رفض لجوئهم بسبب
موقف الحكومة العراقية وإصرارها
على إعادتهم قسرا إلى الوطن
المحتل, فالسويد وتبعتها هولندا
وألمانيا والدنمارك وسويسرا رفضت
لجوء معظم العراقيين وأمسى اللاجئ
يكتوي بنارين بدلا من نار جحيم
الوطن فهو أمام خيارين أحلاهما
بمرارة العلقم فأما البقاء بشكل
غير قانوني في الدولة التي رفضت
لجوئه مما يعرضه إلى الملاحقة
البوليسية والمساءلة القضائية أو
العودة إلى الوطن ليقع تحت رحمة
الميليشيات وأعمال العنف
والإرهاب! عودة مزرية فهو فاضي
اليدين بعد أن انفق مدخرات العمر
ليرحل من العراق ويصدم بحقيقة إن
الوضع الأمني على حاله وأن طرأ
تحسن فهو نسبي وطفيف غير ضامن
لتحقيق الأمن لشخصه أو أسرته,
وليقف في طابور المستجدين على
أبواب وزارة المهجرين عسى أن يحصل
على قرض قد يسعفه للعيش شهر أو
شهرين إذا حصل عليه حقيقة لتبدأ
بعدها مرحلة العوز والفاقة
والهموم.
وجود هذا العدد الهائل من
اللاجئين الذي لم يحصل له مثيل في
العالم منذ هجرة الفلسطينيين عام
1948 يؤكد فشل الحكومة في استقطاب
هذه الملايين, فالدعاية التي روجت
لها الحكومة سرعان ما خفت وطأتها
بعد عودة عدد من العراقيين من مصر
ودمشق وعمان إلى العراق ليفاجئوا
بأن بيوت بعضهم ما تزال مسكونة من
قبل الغير وفقا لأجندة الميليشيات
وان الحكومة غير قادرة على
أخراجهم منها, فلم تتمكن الحكومة
من تأمين السكن لمن هم داخل
العراق والذين يحتلون الدوائر
الحكومية فما بالك بالعائدين
الجدد؟ كما إن المساعدات الحكومية
لم تكن إلا من أساطير الأقدمين
فهي تتبخر ما أن تطأ قدماك
العراق.أما الوضع الأمني فأنه بعد
تحسن طفيف عاد أقوى من السابق
والدليل على ذلك رغبة الإدارة
الأمريكية بزيادة عدد جنودها(30)
ألف جندي في العراق لمواجهة
العنف,فضلا عن الأخبار التي تؤكد
العودة غير الميمونة لعناصر من
الميليشيات إلى العراق بعد أن
انهوا دراستهم الأكاديمية بتفوق
في جامعات قم وطهران ومشهد في
اختصاص الاغتيالات والتفجيرات
والخطف والسلب وفق أحدث النظريات
العلمية لعلاقات حسن الجوار
والتآخي الاسلامي, علاوة على قيام
عناصر من أجهزة الشرطة والأمن
بممارسة هواية القتل الطائفي
والخطف والتصفيات للمعارضين لوجود
الاحتلال.
بلا شك إن وجود هذه الملايين من
العراقيين في الخارج تشكل ثلمه في
ادعاءات الحكومة العراقية حول
التحسن الأمني والخدمي, وكان لا
بد للحكومة في ظل عجزها المستديم
عن حل المسألة بشكل عقلاني وعلمي
أن تعمد إلى أسلوب الكذب
والمراوغة في محادثاتها مع حكومات
دول العالم لإعادة اللاجئين
العراقيين ومن الطبيعي إن أي دولة
في العالم ستؤيد طروحات الحكومة
العراقية للتخلص من الضغوط
السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والخدمية التي شكلت عبئا جديدة
عليها بسبب وجود هذه الأعداد
الغفيرة من اللاجئين, ورغم
إيمانها بأن الحقيقة ليست كذلك
وان الحكومة العراقية تسوف
الحقائق وتلتف عليها! لكن
المسئولين الأجانب يتشدقون
بتصريحات المسئولين العراقيين مما
زاد من اتساع هوة الكراهية
والبغضاء بين الحكومة العراقية
واللاجئين الذين اعتبروا إن
الحكومة العراقية بلغت بها
الصفاقة حدا لا يمكن توقعه إذ لم
تكتف بمحاربتهم بالداخل وإنما
تلاحقهم في أقصى بقاع الأرض فأي
كارثة بعد هذه!
والمصيبة الكبرى إن معظم
المسئولين الحاليين في العراق هم
من اللاجئين العراقيين سابقا
ومعظمهم متجنس بالجنسية الأجنبية
وان العديد منهم ما يزال يتسلم
معونات من الدول التي لجئوا فيها
وأن أفراد أسرهم يعيشون في الخارج
ولم يتذوقوا بعد من فواكه السلة
الديمقراطية التي جلبها العام سام
كهدية للعراقيين! ولا نعرف كيف
ستكون مشاعر المسئولين الحالين لو
أن الحكومة الوطنية السابقة قد
ضغطت على الحكومات الأجنبية
والعربية لغرض إعادتهم إلى العراق
سيما أنها سبق أن أصدرت الكثير من
القرارات التي عفت بموجبها عن
العراقيين في الخارج مهما كانت
جرائمهم باستثناء جريمة التجسس
وجرائم الشرف( التي تحل بالتراضي)
ولم يستثنى من اللاجئين غير
الرئيس جلال الطالباني لأنه
جرائمه وآثامه أكبر سعة من مغفرة
السماء والأرض! هل يا ترى سيرحبون
بمثل هذه القرار؟ سيما إنهم لا
يمكن أن يدعوا بأن الحكومة
العراقية السابقة يمكن أن تنكث
عهدها لأن المنظمات الدولية ستكفل
لهم هذه الحقوق كما ان بعض قرارات
العفو جاء أصلا بمناشدات من
المنظمات الدولية كلجنة حقوق
الإنسان ومنظمة العفو الدولية
والمنظمة العربية لحقوق الإنسان
وغيرها! وستكون الحكومة ملزمة
بقراراتها أمام الرأي العام
الدولي وحريصة على حماية رعاياها
لأن أي خرق جديد يصب في غير
مصلحتها!
ليس من السهولة الخروج من العراق
لتصل إلى كندا والدول
الاسكندنافية واستراليا وغيرها بل
حتى الدول القريبة كتركيا
واليونان وايطاليا. إنها مغامرة
شاقة قد تكلف العراقي حياته, ولو
قامت دول العالم بتقديم كشف عن
اللاجئين العراقيين الذين ماتوا
جراء هذه المغامرات لكانت الطامة
الكبرى التي تواجه حكومة
الاحتلال, عشرات الألوف من
العراقيين ماتوا غرقا في رحلتهم
السندبادية من تركيا إلى اليونان
وإيطاليا واسبانيا وغيرها والآلاف
قتلوا في حقول الألغام المزروعة
بين الحدود التركية –اليونانية,
أو فتحت عليهم النيران بقصد أو
غير قصد من قبل حرس السواحل
الأتراك واليونانيين. ومن وصل
سالما فأن جيوبه قد أفرغت من
الدفاتر(10 آلاف دولار لكل دفتر)
على المهربين وهم عادة لا يكتفوا
بالمبلغ المتفق عليه بل يسلبون كل
ما يحمله اللاجئ من موبايل وساعة
وملابس وذهب, كأنهم مؤمنون بعوامل
التعرية البشرية وليس الأرضية
فحسب! حيث يخرج اللاجئ من البحر
إلى الساحل كجده آدم بخروجه من
الجنة.
المسألة الغريبة ان اللاجئين
يمثلون تشكيلة متجانسة من المجتمع
العراقي فهم من كل الشرائح
الاجتماعية والقومية والدينية
والمذهبية. إنهم خرجوا من العراق
وتركوا كل عوامل الفرقة والتشتيت
والتقسيم ورائهم, فقد جمعتهم
الغربة ووحدت إرادتهم وهذبت
مشاعرهم باستثناء شواذ لا يمكن ان
ندخلهم في الحساب لقلتهم. وهؤلاء
معظمهم يرفضون العودة الطوعية إلى
العراق ولديهم شكوك حول ادعاءات
الحكومة بتحسن الوضع الأمني
وحججهم قوية لا يمكن دحضها أو
الالتفاف عليها وتقوم على أسس
متينة منها: إن حوادث العنف ما
تزال مستشرية في العراق والأخبار
اليومية تؤكد ذلك! لو كان الوضع
الأمني قد تحسن فعلا فلماذا لا
يجلب المسئولين عوائلهم من الدول
الأجنبية ليعيشوا معهم داخل
العراق؟ ولماذا تنتشر الحمايات
بالمئات كمرافقين للمسئولين!
لماذا لا يخرج أعضاء الحكومة
والبرلمان من المنطقة الخضراء؟
لماذا قررت الإدارة الأمريكية
زيادة عدد جنودها في العراق لو صح
تحسن الوضع الأمني؟ لو كانت
الحكومة جادة بالاستفادة من
اللاجئين لبناء العراق والحاجة
الماسة لأيدي عاملة وهو ما أكده
رئيس الحكومة المالكي في جولاته
المكوكية, والذي برره احد الوزراء
بالحاجة إلى عمالة مصرية قدرها
بالملايين فلماذا يشكو الشباب من
البطالة والتي قدرتها المنظمات
الدولية 70% من الأيدي العاملة
العراقية؟ أليس من الأجدر توظيف
الأيدي العاملة الضائعة في متاهات
الفراغ والفقر والتي تهيئها
الأوضاع المزرية لتتفقس في ماكنة
الميليشيات المجرمة! ما هو موقف
الموظفين منا الذين تركوا الوظيفة
بسبب التهديدات هل سنعود إلى
وظائفنا أم نتقاعد أو ماذا؟ كيف
سنعيد ترتيب أوراقنا المعيشية بعد
أن أنفقنا كل مدخراتنا للهروب من
الجحيم العراقي هل ستمدنا الحكومة
بقروض لنبدأ من جديد؟ هل تمكنت
حكومة المالكي من النجاح في تقديم
الخدمات الرئيسية من ماء وكهرباء
ووقود للمواطنين وخدمات صحية
وتربوية لمن هم في الداخل لتصر
على إعادتنا للعراق؟ وهل تمكنت
الحكومة من لجم الميليشيات
المسعورة ولجم قوات الشرطة والحرس
الوطني وقوات الأمن من العبث بأمن
المواطنين والاعتداء عليه؟ وأين
عهود الحكومة التي قطعتها على
نفسها بتوزيع مبالغ (700) دولار
وقطع أراضي سكنية على اللاجئون
العائدون إلى الوطن وامتيازات
أخرى, فالبعض عاد ولم يتسلم
غير(120) دولارا فقط في المطار,هي
المحصلة النهائية من وعود
الحكومة, في الوقت الذي تدفع
حكومات أوربية مبالغ أكبر للاجئين
العراقية عند عودتهم الطوعية ففي
السويد تدفع للعائلة(40) ألف
كرونه بما وفي النرويج(25) ألف
كرونه أي حوالي (700) دولار
أمريكي أي حوالي خمسة أضعاف
الصدقة التي يتكرم بها وزير
الهجرة السرطاني.
تساؤلات عديدة تدور في فلك الحيرة
والعدم لا تستطيع ان تجيب عليها
حكومة المالكي !
أليس من الأولى بالحكومة العراقية
قبل أن تنبح على بقية الدول
لإعادة عظام اللاجئين العراقيين
المسلوخة من اللحم ان تعلن عن
منهجها لعودتهم وكيفية تعويضهم
وإسكانهم واستثمار طاقاتهم لبناء
العراق الجديد كما تزعم؟ وهل صدرت
لحد الآن دراسة علمية رصينة من
وزارات حقوق الإنسان أو المهجرين
أو بقية الوزارات لإعادة توطين
اللاجئين العراقيين؟ بدلا من
التهريج والتطبيل في تصريحات
متناقضة وساذجة ان دلت فإنما تدل
على الاستهانة بسدس الشعب
العراقي؟
في الوقت الذي أكد فيه أكثر من
مرة المتحدث بأسم المفوضية العليا
للاجئين ويليام سبيندلر وآخرها في
23 من شهر أيلول الماضي بأن
الأوضاع الأمنية في العراق غير
مناسبة لعودة اللاجئين, متوسلا
بدول الاتحاد الأوربي بفتح
ذراعيها لاستقبال المزيد من
اللاجئين, وإعادة النظر بسياستها
التي تشجع على إعادة العراقيين
إلى وطنهم! ينبري له وزير الهجرة
والمهجرين عبد الصمد سلطان أزال
الله سلطانه برفض هذه التصريحات
معتبرا ان مكاتب المفوضية في عمان
ودمشق لا ترى ذلك صحيحا- كأنما
المتحدث سبيندلر يتكلم بصورة
كيفية دون الرجوع إلى مكاتبهم في
عمان ودمشق كما يفعل الوزير
السرطان وبقية الجوقة الحاكمة من
سكنة" حارة كلمن أيدو له"- المهم
ان المتحدث بأسم المفوضية بح صوته
من جنيف مؤكدا بأن وضع العراق
الحالي غير آمنا بالدرجة التي
تشجع على عودة الملايين من
المهجرين إلى ديارهم مشددا بأن"
الأوضاع الأمنية غير مناسبة
للعودة حاليا" فأفهموا ونظفوا
آذانكم من الأوساخ المتراكمة
عليها كي تسمعوا جيدا!
لقد تبوأ العراق منذ ان عبثت به
رياح الديمقراطية الأمريكية مراكز
مذهلة في الجهل والتخلف والفساد و
عدم الشفافية وحاز بفخر على
ميداليات ذهبية فهو في مقدمة
قائمة طالبي اللجوء في دول العالم
ويتضاعف العدد من سنة لأخرى وهذه
دلالة على التطور والديناميكية
الناجمة عن الممارسات الديمقراطية
و قطف ثمار الحريات الأساسية !
والوجه الغريب ان اللاجئين توزعوا
في معظم دول العالم وقد وصلوا
بحمد الاحتلال وحكومته إلى مناطق
قرب القطبين ومنها جزر نائية
ومتنازع عليها كتلك بين روسيا
والنرويج وغيرها. بل إن البعض لجأ
إلى دول يتضور أبنائها جوعا
كالهند والباكستان ونيجيريا
وبنغلادش والسنغال وغيرها,
والأكثر غرابة أن يصل اللاجئين
إلى مناطق نزاع وحروب ومنها
أفغانستان والكونغو وفنزويلا
وبيروت والصومال والشيشان؟ كمن
يستجير بالرمضاء من النار! أليس
ذلك دليلا على صدق المفوضية وكذب
المسئولين العراقيين؟ وهل يمكن ان
تفسر حكومة المالكي أسباب توجه
اللاجئين إلى هذه الدول المنكوبة؟
ألا يعني ذلك بأنها أحوالها أفضل
من أحوال العراق؟ لست مزحة وجود
لاجئين عراقيين في كابول الملتهبة
وقد وردت في الأخبار إن احدهم
أضرم نفسه بالنار لرفض المفوضية
العليا اعتباره لاجئا!
لقد خصصت الحكومة العراقية لثلاث
محافظات بما يسمى إقليم كردستان
(17) مليار في عملية ابتزاز حقيرة
ومن خلال صفقة مهينة بين الكتل
الحاكمة, علما إن هذا الإقليم شبه
الخالي من الشباب لا يزيد عدد
سكانه عن مليونين والمليون الثالث
يتوزع في دول العالم كلاجئين
ومهربين ومتسكعين وعصابات
إجرامية, في حين خصصت الحكومة
الراشدة الحريصة على شعبها كل
الحرص(25) مليون دولار لدعم (4)
مليون لاجئ من العراقيين في
الخارج فأي نسبة وتناسب هذه؟ أليس
لهذه الملايين حصة من ثروات
البلاد ومن الخزينة الفائضة التي
تدعيها وزارة سماحة آية الله
باقري صولاغي؟ وهل الحكومة
العراقية تعجز عن تلبية جزء من
متطلبات عيشهم غير الكريم في
الخارج؟ وإذا قيل ان الأمر مرهون
بقرار من قوات الاحتلال! سنرد على
هذا القول بأن إدارة الاحتلال
نفسها سبق أن عيرت حكومة الاحتلال
بسبب غفلتها وتجاهلها لمسألة حقوق
اللاجئين العراقيين! فهل هناك من
حجة أخرى أفتونا آجركم الله؟
العجيب ان الوزير السرطان(عبد
الصمد سلطان) يعترف بأن الصدقة
الحكومية المخصصة للاجئين
العراقيين(25) مليون دولار سنويا
والتي تعادل راتبه ومخصصاته
(مطروحا منها صفقاته واختلاساته)
غير كافية لمعالجة وضعية اللاجئين
العراقيين. وان وزارته المجاهدة
الصابرة تسعى بدأب لزيادة هذه
الصدقة وربما تسفر محاولاتها
المضطردة لكي تصل - للمتسولين
العراقيين وفق منظور حكومة
الاحتلال- إلى(30) مليون دولار
فتنقشع بذلك غيمة الفقر والفاقة
عن سماء اللاجئين العراقيين وتصفو
لهم.. ولله في خلقه شئون!
لا نعرف أن كانت حكومة المالكي
ووزيره عبد الصمد السرطاني قد
اطلعت على تقرير المفوضية الذي
أكد بأن اللاجئين العراقيين (
الآلاف منهم بحاجة إلى عناية طبية
بسبب تعرضهم إلى التعذيب والعنف
الجسدي والجروح والعوق لتعرضهم
إلى تفجيرات وغيرها, وأن76% من
الأطفال اللاجئين لا يذهبون إلى
المدارس)؟ وهل تعلم الحكومة ان
حرائر العراق يتعرضن إلى ضغوط
ومساومات ومكائد من قبل بعض
النفوس الضعيفة فيقعون في أحابيل
الشيطان وهذا ما أكدته وحذرت منه
المفوضية العليا للاجئين؟ وهل
هناك دولة في العالم المتحضر وغير
المتحضر ترضى بأن يتعرض مواطنيها
لتلك المهانة والذل وبيدها الحل؟
وهل تعلم الحكومة بأن الآلاف من
اللاجئين العراقيين يصطفون أمام
مكاتب المفوضية في الباكستان كي
تعترف بهم كلاجئين (قبل 300 لاجئ
من مجموع 10 آلاف لاجئ عراقي فقط)
كي يحصلوا على دعم مالي شهري
مقداره(2200) روبية؟ وهل تعلم
الحكومة بأن هذا المبلغ لا يساوي
أكثر من(38) دولارا احتلالي, أي
بقيمة الشكولاته والكولا التي
يصرفها المسئولون العراقيون على
أبنائهم وأحفادهم يوميا!
نقول لحكومة المالكي اتركوا
العراقيين يعيشون بسلام في جنة
الضياع والغربة بدلا جحيم الوطن
ونار الميليشيات! فكفاكم ما فعلتم
بهم في الداخل؟ أتركوهم لرحمة
الغير بعد أن قصت أيديكم أجنحة
الرحمة! اتركوهم وشأنهم ولا
تتخذوا من مأساتهم ملهاة تتندرون
بها! اتركوهم يعيشون على هامش
قضيتهم ولا تجعلوا منهم قضية
تساومون عليها فشلكم على كل
الأصعدة! اتركوهم لرحمة السماء
والخيرين فقد فقدوا الكثير الذي
لا يعوض من مال وبنون وكرامة وشرف
وكبرياء.
نقول للدول التي تحتضن اللاجئين
العراقيين بأن الوضع في العراق
مازال ملغوما وان التحسن الذي
تتشدق به الحكومة غير حقيقي وأنا
اكتب المقال يوم 10/10 الجاري
اطلعت حسب العادة على أخبار الوطن
السليب فكانت حصيلة الانفجارات
وأعمال العنف مقتل(25) شخصا
وجرح(55) آخر, إضافة إلى اغتيال
النائب العكيلي والفنان ديار عباس
عضو نقابة الفنانين في كركوك وما
خفي كان أعظم! فهل هذا يعكس
التحسن الأمني كما تدعي الحكومة!
هل حلت مشكلة العنف الطائفي وقلعت
جذورها؟ وهل حلت مشكلة الأمن؟ هل
حلت مشكلة الاحتلال وانتهاكاته
لحقوق المواطن العراقي؟ ومشكلة
الماء والكهرباء والغاز والنفط؟
وهل توقف الفساد المالي والإداري؟
وهل الحكومة العراقية جادة في
التعامل مع مشكلة اللاجئين
العراقيين وما هي خطتها؟ نسأل
حكومات دول العالم قاطبة وخاصة
تلك التي تحتضن اللاجئين
العراقيين والأمم المتحدة
والمنظمات الدولية والإقليمية
والخبراء في القانون الدولي:- ما
هو مقياس الأمن والأمان للمواطنين
في دولكم ودساتيركم وفي مواثيقكم
وقوانينكم؟ وكيف ستكون نتيجة
المقارنة مع الأوضاع في العراق؟
قبل أن تعيدوا العراقيين إلى جحيم
الوطن دلونا على دولة في العالم
فيها أحداث عنف وانفجارات
واغتيالات وعمليات خطف أكثر مما
هو عليه في العراق؟
أعطونا دولة في العالم غير العراق
قدمت خلال خمس سنوات أكثر من
مليون قتيل وضعفهم من الجرحى
وملايين من الأرامل واليتامى.
هل تطلعون على عدد القتلى اليومي
من العراقيين؟ وهل هناك دولة في
العالم تقدم نفس العدد؟ علما إن
ما تعلن عنه الحكومة لا يمثل
الحقيقة كاملة وانتم اعرف بذلك
وهروب مدير عام مشرحة بغداد
وتصريحاته دليل على صحة ما نقول!
هل تستقون أخبار العراق من
سفاراتكم وهل موظفيكم في أمان
وأين تقع سفاراتكم ولماذا؟ وما هو
عدد العناصر التي تحميها ولماذا؟
وهل يتمكن موظفوكم من الانتقال
بأمان من مكان لآخر خارج حدود
المنطقة الخضراء أو السفارة
لينقلوا لكم صورة حقيقية عن
الأوضاع في العراق؟ وهل تشير
تقاريرهم إلى تحسن الوضع الأمني
وبالشكل الذي تدعيه الحكومة؟
ربما مقاييسكم تختلف عن مقاييسنا؟
المقاييس عندنا باعتبار إننا من
يكتوي بالنار عديدة منها:-
المقياس الحقيقي للتحسن الأمني
يكون عندما ينتهي الاحتلال الغاشم
لأرضنا وترجع السيادة الحقيقية
للوطن وهويته العروبية والإسلامية
.
يكون الأمان عندما تجري انتخابات
نزيهة بعيدة عن عواء الذئاب
والكلاب وتنتخب الصفوة الوطنية
التي تمثل الشعب العراقي بأصالته
وتعبر عن معاناته وآماله, تحفظ له
ثرواته وحقوقه وتسهر على أمنه
وأمانه.
وعندما يشعر المواطن بأنه غير
مهدد في مكان عمله أو إقامته وحين
يتنقل من مكان لآخر بحرية وسلام
وأمان. وعندما تفتح الجسور
والشوارع أمام المواطنين وتزال
الخرسانات الأسمنتية والأطواق
العازلة بين المناطق وتقلل نقاط
التفتيش السيطرات داخل وخارج
المحافظات وتقل مشاهد انتشار
الجيش والشرطة.
وعندما يستدعي المسئولون
الحكوميون وأعضاء البرلمان
عوائلهم من الخارج ليعيشوا معهم
في العراق الديمقراطي الجديد
ويطبق بحقهم قانون " من أين لك
هذا" منذ توليهم المناصب العليا
في الدولة وتكشف حقيقة أرصدتهم
المالية وممتلكاتهم في الخارج.
يكون الأمن عندما تعالج الحكومة
أوضاع الداخل قبل أوضاع اللاجئين
ومنها التهجير ألقسري ومشكلة أكثر
من مليون أرملة ويتيم بسبب أعمال
العنف.
ويكون الأمن عندما تفتح السفارات
الأجنبية والعربية مجددا خارج
المنطقة الخضراء وبحراسات طبيعية.
مقياس الأمان يكون بتوقف الكلاب
الأمريكية عن شم النواب قبل
دخولهم حرم البرلمان وإنهاء
استخدام الأجهزة الكاشفة لعورة
للبرلمانيات العراقيات.
ويكون الأمن عندما يخرج النواب
والوزراء من قفص المنطقة الخضراء
ويعيشوا كمواطنين عاديين وليس
كمسئولين فحسب, وان ينفضوا عنهم
المئات من الحراس الشخصيين.
مقياس الأمان عندما يشعر المواطن
إن أجهزة الشرطة والأمن والجيش
وجدت لخدمته وليست لخدمة الأحزاب
التي جندتهم فيها وان تتوقف عن
مداهمات بيوت المواطنين الأبرياء
والجامعات ومؤسسات الحكومة نفسها.
وعندما يشعر المواطن إن الحكومة
جادة في فرض سلطة القانون وتسعى
فعلا للقضاء على الميليشيات التي
فقستها وأن يكون القانون فوق
الجميع وليس فردتي جزمه مفصلة على
قياس الكتل السياسية.
مقياس الأمن يكون بتوقف مسلسل
الإرهاب وإعمال العنف والاغتيالات
والخطف والنهب والاغتصاب والسلب.
وان يعلن عن أسماء المساجين
وقضاياهم يفرج عن عشرات الألوف من
المساجين بسبب الشكوك والذين قبض
عليهم بدون مذكرات قضائية و لا
يعرف ذويهم إخبارهم ولا سبب
اعتقالهم.
وعندما تكون حرية المواطن وحقوقه
مكفولة من قبل الدولة وليست
شعارات لتغذية وسائل الإعلام
والأبواق الحكومية.
وعندما تكون الحكومة واضحة في
سلوكها مع المواطنين وان تحترم
الشعب ونزوده بالحقائق وتعلن له
من يقف وراء تفجيرات سامراء وما
تبعها من تدمير مئات الجوامع وقتل
آلاف المواطنين على الهوية ومن
يقف وراء اختطاف رئيس وأعضاء
اللجنة الأولمبية ومن يقف وراء
اختطاف موظفي البعثات ومن يقف
وراء اختطاف عمال الزيوت النباتية
والجهات التي تقف وراء عمليات قتل
الضباط والطيارين والعلماء
وأساتذة الجامعات ومن يقف وراء
استيراد المواد التالفة والمسممة
التي نشرت المرض والدمار بين
المواطنين و الكشف عن الصفقات
الوهمية والآلاف من الفايلات
المخفية والمستورة خشية من تعرية
الاحزاب الحاكمة.
الأمن يقاس بقدرة الحكومة على
توفير الخدمات الأساسية للعيش
الكريم من ماء صالح للشرب وكهرباء
ووقود ومواد البطاقة التموينية
والأدوية وتوفير فرص العمل للشباب
بدلا من الانخراط في الميليشيات
والعصابات الإجرامية.
وعندما تعري الحكومة الجهات التي
تقف وراء رواج تجارة المخدرات
وتجارة الرقيق الأبيض وانتشار
الايدز والفساد خصوصا في العتبات
المقدسة.
مقياس الأمن يكون بكشف حقيقة
الفساد المالي والإداري ومصارحة
الشعب بثرواته التي نهبت من قبل
الاحتلال وحكومة الاحتلال والتي
يرفض أن يكشف عنها المسئولون
الحكوميون وتقدر ما بين 150-250
مليار دولار منذ الغزو الغاشم.
الأمن يكون عندما تختفي القنوات
الطائفية التابعة للحكومة
والخطابات التحريضية التي يمارسها
رجال الدين والسياسة وعندما تستمع
إلى أخبار الوطن اليومية ولا تجد
أعمال إرهاب وعنف ولا ميليشيات
ولا مداهمات ولا اغتيالات ولا
اختطاف ولا سرقات ولا أدوية ملوثة
ومواد غذائية فاسدة ولا مخدرات.
يكون الأمان عندما لا يكون الوطن
بيت دعارة يدخله من يشاء ويخرج
منه متى شاء لا رقيب ولا حسيب ولا
ضبط ولا انضباط, وعندما فعلا
تمارس الدولة سيادتها على حدودها
البرية والبحرية والجوية وتضع
إجراءات وضوابط جدية ودقيقة
لمراقبة حدودها وحركة الداخلين
والخارجين من والى الوطن وتوقف
عمليات التسلل والتهريب.
يكون الأمان الحقيقي بإنهاء دور
رجال الدين في القرارات السياسية
وإحالة كل من ثبت تورطه في
التحريض أو تبني مواقف العنف
الطائفي والعنصري إلى المحاكم
سواء كانت آية عظمى أو صغرى
بعمامة سوداء أو خضراء أو بيضاء
أو بسدارة.
عندها لا تحتاج حكومات العالم إلى
اختلاق المبررات لإزاحة اللاجئين
العراقيين عن أراضيها قسرا. ولا
يحتاج المالكي وحكومته إلى وسائل
الدعاية وأبواق الكذب والرياء
لخداع العراقيين بتحسن الوضع
الأمني وان الوطن بحاجة فعلية
لجهودهم لإعادة أعماره, ولا إلى
التحرك على دول الجوار لتشديد
إجراءاتها على إقامة العراقيين
لرفع صوت أنينهم ونحيبهم وتذمرهم
وشكواهم. ولا إلى مقايضة النفط
وثروات البلد بإقامة العلاقات
الدبلوماسية وإعادة اللاجئين
العراقيين .. لا حاجة لذلك مطلقا!
سيعود اللاجئون إلى الوطن الأم
طوعيا مقبلين تراب الوطن قبلة
دافئة وهم يتغنون بمقطع" ما أحلى
الرجوع إليه".
|