الزمان من صيف عام 1989 . والمكان
بغداد وبالتحديد منطقة جامع سيد
سلطان على الواقع في شارع الرشيد
ملك الشوارع . كنت أقف عادة عند
صديق لي يملك متجرا ملاصقا للجامع
نتجاذب الاحاديث . ومن الروايات
التي روها لي يوما . أنه شاهد
رجلا دأب عند مروره بهذا الجامع
, ان يتوقف ليبصق على واجهة
الجامع . يقول صديقي انه قرر ان
يمسك بالرجل ليعرف سر ما يقوم به
من ذلك . وأضاف الصديق أنه علم من
الرجل , انه حانق على صاحب
المقام هذا , لدوره مع الخليفة
العباسي هرون الرشيد في قتل
الامام موسى الكاظم عليه السلام
.
ودار بين الصديق والرجل الحوار
التالي :
ـ هل تعلم ان صاحب المقام هذا
قدم بغداد بعد اربعة قرون من
استشهاد الامام الكاظم؟ .
- و تبقى يده ملطخة بدم
الامام الكاظم .
قال هذا الرجل بحدة , بالرغم من
قيام صديقي بأ قتياده الى داخل
المقام . وقرأ عليه تأريخ الوفاة
المثبت على الضريح .
ولم يقتنع الرجل . فعرض الصديق
على الرجل ان يقوما بزيارة مرقد
الامام الكاظم الان وبسيارته
الخاصة . فلبى الرجل الطلب بترحاب
بالغ .
وفي مدينة الكاظمية . يقول الصديق
انه لجأ الى أحد السدنة الافاضل
من علماء المرقد ومن العائلة
الخالصية ذات الجذور العربية
العريقة والنقية . التي كانت تشرف
على خدمة مقام الامام عليه السلام
. وشرح الصديق لعالم الدين
الرواية . فقال عالم الدين
بأستهجان .
ـ وما دخل سيد سلطان علي
واستشهاد الامام الكاظم . فبين
استشهاده وقدوم سيد سلطان علي الى
بغداد قرابة اربعة قرون . وهذه
حقيقة تأريخية موثقة .
فرد الرجل مستغربا .
ـ ولكن سادتنا قالوا لنا ذلك
.
فرد عالم الدين قائلا .
ـ ولكن هؤلاء السادة يبدو من
اتباع ايران ويضللون الحقيقة .
*
أعترف بأنني كنت اتصور وقتذاك ان
الجامع المذكور , لايضم رفات أي
أحد من السادة . وأنه مجرد بيت من
بيوت الله فقط . لجهلي بتفاصيل
كنت أجدها لاتضيف الى معلوماتي ما
يسهم في تثقيفي , لانشغالي
بهموم الافكار السياسية من
ماركسية وقومية وتحديات
الامبريالية الامريكية البغيضة
للمنطقة ولباقي شعوب العالم .
وبعد ان وضحت بصورة سافرة نوايا
ملالي قم وطهران العدائية للعراق
وللمنطقة بالكامل . سنحت الفرصة
لي وقتذاك ان أقرأ كثيرا من
الكتب الفارسية المطبوعة باللغة
العربية . في مكتبة سيد أدريس
بمنطقة الكرادة داخل . ومن خلال
ما قرأت من كتب مضللة وغيبية ,
أكتشفت ان الحقد الفارسي على بعض
شخصيات العرب , مردها ان هذه
الشخصيات لعبت دورا في تغييب شمس
الامبراطورية الفارسية . او ان
بعض هذه الشخصيات كانت تتصدى
للاطماع والتضليلات الفارسية
المجوسية . ويبدو ان هذا الحقد
الصفوي امتد الى يومنا هذا . فأي
كاتب عراقي عروبي شريف يتصدى
للاطماع الصفوية يتم تصفيته .
فالكاتب الشيعي العروبي يوصم
بعبارة "المرتد" . والكاتب السني
العروبي يوصم بعبارة"الخائن" .
ولعل سيد سلطان علي , نال نصيبه
من الحقد الفارسي الصفوي ,
لقدومه من واسط سنة519هـ إلى
بغداد ليكشف للخليفة العباسي
المسترشد الفتن الصفوية الباطنية
ودفع مفاسدها . بالرغم من ان هذا
السيد هو والد الشيخ أحمد الرفاعي
. ويمتد نسبهما الى الامام الحسن
بن علي عليهما السلام .
كما أكتشفت في مقام سيد أدريس
ملصقا جداريا , كتب في ذيله / طبع
في ايران. والغريب في هذا الملصق
انه يسلسل أهل البيت في قائمة ,
تبدأ من الرسول الكريم صلى الله
عليه وسلم وتنتهي بآخر الائمة
الاثنى عشر . والاكثر غرابة ان
جميع أهل البيت نعتهم الملصق
بأنهم قتلوا . حتى الرسول الكريم
كتب امامه , عبارة مات بالسم .
وامام الامام موسى الكاظم عليه
السلام , كتبت عبارة قتله المجرم
هرون الرشيد . ومن خلال ماقرأت عن
حياة الامام الكاظم , أكتشفت ان
من وشى به الى ابن عمه الرشيد هم
البرامكة . فطلب الرشيد من
البرامكة ان يضعوه في السجن . وفي
السجن انفرد البرامكة بالامام
الكاظم , ولعبوا لعبة الغدر
الفارسي الازلية , بأن دسوا له
السم في الطعام بشكل تدريجي وعلى
فترات طويلة , الى ان توفي
فأبلغوا الرشيد بوفاته , فأجهش
الرشيد بالبكاء وهو يقول : " لقد
مات ابن عمي" .
*
والقتل بالسم يؤرخ للفرس إبتداءا
بدسهم السم للاسكندر المقدوني .
الذي أجتاح الامبراطورية
الساسانية . فخضع له كل ملوكها ,
وقرروا الاحتفاء به قائلين له .
ـ سنحتفل بك قائدا للعالم في
عاصمة الدنيا .
فتساءل مستغربا .
ـ ومن تكون عاصمة الدنيا غير
عاصمة بلادي ؟
فأجابوه .
ـ انها مدينة بابل .
وهناك في بابل دسوا له السم
وقتلوه , وتم نثر رفاته في نهر
الفرات . وفي المنطقة التي رمي
رفاته في الفرات , توجد مدينة
الاسكندرية العراقية نسبة الى
الاسكندر المقدوني .
*
هاهم الفرس يواصلون لعبة الغدر
بعراقنا العظيم . ويظللون البسطاء
من عرب الفرات الاوسط والجنوب ,
بأحابيلهم وخزعبلاتهم المجوسية
الغيبية . الا ان مثقفي هذه
المنطقة وزعماء عشائرها العرب
الاقحاح . سيظلون بالمرصاد للزحف
الصفوي الغادر المنظم الذي يقوده
فيلق القدس الارهابي . |