المراحل التاريخية للنظام
الاقتصادي بشقيه الاشتراكي
والرأسمالي تنتقل وفق قوانين
حددتها دواعي ولادتها . ولم يتغير
الترتيب التعاقبي للمراحل إلا
بمرور هذا النظام بثورة تغير
المسار أو حدث تاريخي يفضي إلى
إلغاء النظام الاقتصادي برمته .
هذا ما مرت به مراحل التطور في
النظام الاشتراكي الذي كان من
المفترض ووفق قوانين الاشتراكية
العلمية أن يستمر مئات السنين
ليصل إلى نهاية التشبع الكوني
لهذا النظام وهي مرحلة المشاع ! .
ويفترض أن يكون انتصار ابدي على
النظام الرأسمالي النقيض . ولم
يصمد هذا النظام حتى ولا في منتصف
الطريق ومع أول تحدي مع النظام
الرأسمالي أستسلم باكيا على سبعين
سنة من التجربة المرة . وكان سباق
التسلح هو ساحة المنازلة الأخيرة
لنظام كان يحلم أنصاره أن النصر
على الرأسمال قادم . لكن مراحله
احترقت على أول الطريق في خطة
الرئيس الأمريكي رونالد ريغان في
سباق التسلح . ولم يعد هناك من
يفكر جديا أن يعيد الاقتصاد
الاشتراكي على سكته القديمة ، لان
القطار يأخذه إلى محطة المجهول
حتما .
أما النظام الرأسمالي العالمي
بقيادة الولايات المتحدة فانه
ووفق قوانينه يحتاج إلى أكثر من
مئة سنة لإتمام مراحله التي وصلت
به إلى العولمة التي هي شبيه
بنهاية المرحلة الاشتراكية عند
أبواب مرحلة المشاع مع اختلاف
أدوات العمل في القيادة ، ففي
الرأسمالية يقود المال و أصحاب
الشركات العالم ويبطش فيه حيث
تكون مصالحه ، والتي تؤدي إلى
انتهاء كل القيمة الإنسانية .
وصل قطار الاقتصاد ألأمريكي لأقصى
سرعته وعصره الذهبي في مرحلة
كلينتون الذي وضع حجر الأساس
لمرحلة جديدة للاقتصاد الرأسمالي
أطلق عليها تسمية العولمة ، تلك
التي نهضت شعوب الأرض احتجاجا على
أسس تأسيسها ،والتي قيمتها الشعوب
على إنها مرحلة مصادرة الثقافة
والسيادة والهوية الوطنية لصالح
رأس المال. لكن الاحتجاجات وحركة
المعارضة سبتت ولم تكن قادرة على
الاستمرار لان الإعلام العالمي
خاضع تماما لقوة رأس المال
العالمي . تداخلت مع حركة
الاقتصاد لهذه المرحلة نزعة
يمينية متلهفة لتحقيق شعارات
مريضة بمعادة الشعوب والعدوان
عليها فأقدموا على احتلال
أفغانستان في عام 2001 ، وتعاظمت
نزعت العدوان لديهم بعد إن أطمئنت
نفوسهم بسبب سكوت العالم ووقوف
حتى الدول الكبرى متفرجة ، إضافة
إلى المشاركة و العون الذي حصلوا
عليه من أوربا . زاد من عنجهيتهم
الإيحاءات والأماني المريضة على
أن يكون العراق لقمة سائغة !
فأقدموا على عدوانهم في 20 آذار/
مارس 2003 ، فكانت تلك هي الطامة
الكبرى لأمريكا ونظامها الاقتصادي
في سوء التقدير والتخطيط لمستقبل
التحرك الإجرامي على العراق .
كانت حساباتهم أن الوضع يهدأ بعد
فترة لا تتجاوز الستة أشهر ، حيث
أعلنوا أن عديد قوات الجيش
العراقي يجب أن يكون 40 ألف
ومهماته محصورة بحراسة الحدود
وكذلك الشرطة بنفس القوام ولمهمات
الداخل . أما مصادر النفط فكانت
محسوب لها أن تغطي هذه النفقات
وينطلق عنان العولمة في المنطقة
من العراق ، ويتربع الجيش
الأمريكي أمرا ناهيا لمن تضخ
أنابيب النفط وفق تعليمات حيتان
العولمة . وعلى هذا نبني إن
المراحل الطبيعية لتطور الرأسمال
لازالت خاضعة لقوانين اقتصادية
منهجية تبدءا وتنتهي وفق شروطها
الاعتيادية.
وفي ليلة عدوانهم على العراق
واستمرار مقاومة المشروع
الصهيوأمريكي وبوتيرة تصاعدية بدأ
النزيف الداخلي للنظام الاقتصادي
الأمريكي ذلك حسب وصف البروفسور
جوزيف ستيكلتز الحائز على جائزة
نوبل للاقتصاد ومستشار كلينتون
وبعدها مستشارا للبنك الدولي
وأستاذا في جامعة كولومبيا في
نيويورك . وفي معرض تفسيره على
التداعيات الأخيرة التي هزة
الاقتصاد الأمريكي قال " أن الحرب
في العراق لعبت دورا جوهريا لأنها
كانت وراء زيادة أسعار النفط ،
وصرفت أمريكا أموالا طائلة
لاستيراد النفط مما اضعف الاقتصاد
الأمريكي ، وإقدام الحكومة
الأمريكية على ضخ الكثير من
الدولارات للسوق ،وكانت الشركات
العقارية الكبرى أول المتضررين
وانهيار هذه المؤسسات أدى لهذه
الأزمة الذي يعاني منها الاقتصاد
الأمريكي " .
أن الحرب في العراق هي السبب ،
أي العمل البطولي الذي تؤديه
المقاومة في العراق هو الطرف
الأساس في عملية الحرب في العراق
، فالجبهتين المتقابلتين في الحرب
هما المحتل والمقاومة . لو أدخلنا
الأرقام لتوضح خريطة الطريق
للاقتصاد الأمريكي سنرى إن
النهاية الحتمية هو إفلاس كامل
النظام الرأسمالي في العالم ، إذا
كانت الإدارة الأمريكية قادرة
اليوم على بلسمه الجرح الأول
والذي تمثل في رصد 700 مليار
لمعالجة انهيار بعض البنوك الغير
أساسية في أمريكا، فالإدارة
الأمريكية هدمت أول قوانين النظام
الرأسمالي وهو عدم تدخل الدولة في
مسار حركة هذا الاقتصاد وهو مؤشر
على فشل النظام . والمقاومة
العراقية تتصاعد أي إن النزيف
الداخلي في الاقتصاد الأمريكي
لازال مستمرا وبذلك استمرار
التمويل على الحرب في العراق الذي
يكلفهم أكثر من مما رصد لمعالجة
الأزمة الأخيرة . فهل الإدارة
الأمريكية تستطيع رصد أموال أخرى
لوقف الانهيار المتجدد . ويشكك
الخبراء في العالم على قدرة
أمريكا في الصمود أمام هذه
التطورات السلبية في مسار حركة
النظام الرأسمالي نتيجة استمرار
احتلال العراق . لا يفوتنا ذكر
خسائر باقي دول النظام الرأسمالي
الأولية والتي تقدر أيضا بحوالي
700 مليار ، فالأزمة ومداها تشمل
مجمل النظام الرأسمالي العالمي
والأنظمة التابعة في دول العالم
الأخرى .
وفي مقدمة ما ذكرنا أن مرحلة
تطور النظام الرأسمالي الذي وصل
إلى العولمة أو تحت أي عنوان يكون
بمقدره المشي ولو تعرجا لمائة سنة
قادمة ، ذلك مشروطا في التحرك
الأمن لرأس المال ويعني عدم وجود
حروب مستمرة لسنين . فكانت حروب
الكيان الصهيوني مع الأنظمة
العربية تتسم بمحدودية الزمن خوفا
من تداعيات الاستمرار على النظام
الرأسمالي .
المقاومة العراقية بنفسها
الطويل ونوعية تصديها لأكبر وأقوى
جيش في العالم والذي يعتبر أداة
الهيمنة على العالم ، جعلت نتائج
الهزيمة لهذا النظام تتجلى للعالم
بوقائع التغيير على النظام
الاقتصادي لأمريكا ومن تبعها ،
وما بقي لأمريكا إلا الإعلان عن
هزيمتها في العراق رسميا وذلك
أصبح وشيكا . أن الهزيمة أمام
المقاومة العراقية ليست مقصورة
على الجيش الأمريكي وإدارته
الجمهورية وإنما على النظام
الرأسمالي العالمي برمته ، لما
لهذه الهزيمة من تداعيات وأهمها
انحسار الدور القيادي الأمريكي
للعالم وظهور قوى أخرى منافسة لا
يمكن لها أن تتخذ من النظام
الرأسمالي وسيل للحياة .
أن المقاومة العراقية الباسلة
غيرت مسار النظام الرأسمالي
العالمي وحرقت مراحله ليصل إلى
نهايته مبكرا ،
وعجزه عن التمسك بقوانينه وهي عدم
تدخل الدولة وحرية رأس المال ،
فاليوم أصبح دور رأس المال ضعيفا
أمام الدولة التي تدخلت لحمايته ،
وذلك يمثل خروج مراحل النظام عن
المسار الطبيعي ففشل وحرقت مراحله
المستقبلية كما كان هذا النظام
سببا في حرق مراحل النظام
الاشتراكي الشيوعي .
أن انتصار المقاومة العراقية
المعلن يؤكد أن العراق رمانة
الميزان للنظام العالمي القادم
والرقم الصعب الذي لا يمكن تخطيه
أو إلغائه كما تحلم قوى الشر
الصهيوفارسية الأمريكية .
|