ان رفض الرئاسة الفلسطينية
لاقتراح تم تنسيقه مع الوسيط
المصري بعقد لقاء ثنائي اواخر
الشهر الجاري بين حركتي فتح وحماس
يمهد للحوار الفلسطيني التعددي
الشامل اوائل الشهر المقبل ، وهي
نفسها التي اقترحت جولة الحوارات
الحالية ووساطة القاهرة تحديدا
فيها ، ثم تصريحات وزير الخارجية
المصري احمد ابو الغيط لتلفزيزن
ببي بي سي الخميس الماضي التي شكك
فيها في شرعية حماس ورفض أي تدخل
عربي في الوساطة المصرية بينما
تقترب جهود هذه الوساطة التي
يقودها زميل له في حكومة بلاده من
النجاح ، هما تطوران يحملان من
التناقض الذاتي بقدر ما يحملان من
التهديد باحباط الوساطة وبتبديد
التفاؤل بالتقدم الذي احرزته حتى
الان .
واذا كانت شرعية حماس التي
اكتسبتها عبر صناديق الاقتراع
تعفيها من الرد على تشكيك ابو
الغيط في شرعيتها فان تصريحاته
التي قال فيه ان الحركة تبحث عن
الشرعية عندما تطالب بفتح معبر
رفح انما تسلط الاضواء اكثر على
الشرعية المصرية نفسها في ممارسة
سيادتها التي تبدو منقوصة على
المعبر فلا تستطيع فتحه من جانبها
الا بالتنسيق مع دولة الاحتلال ،
لكن الاخطر في تصريحاته يتمثل
اولا في انعكاساتها السلبية على
الجهود الحثيثة والمشكورة
فلسطينيا لزميله الوزير عمر
سليمان وتتمثل ثانيا في رفضه تدخل
اي قوى غير مصر في المصالحة
الفلسطينية بينما تجري هذه
المصالحة باسم جامعة الدول
العربية وسوف تتوج بمباركتها
وبينما يعلن طرفا الانقسام
الفلسطيني كلاهما ترحيبهما بكل
الجهود العربية لراب الصدع
الفلسطيني حد ان يصف الرئيس عباس
نفسه الدور السوري في ذلك بانه
حيوي وبينما الوساطة المصرية
ذاتها تجري على اساس المبادرة
اليمنية التي تحولت الى قرار
للقمة العربية الاخيرة في دمشق .
وتتضح ابعاد اخطر لذاك الرفض
وتلك التصريحات في اطار ما تروجه
اجهزة مخابرات دولة الاحتلال
الاسرائيلي عبر وسائل اعلامها من
تقارير ملفقة عن نية هذا الطرف
الفلسطيني او ذاك شن عمليات
تصفيات بالاغتيال او الاعتقال ضد
قيادات الطرف الاخر في سياق حربها
النفسية للنفخ في نار الفتنة كلما
خبت او ظهرت بوادر ايجابية
لاطفائها وهي تقارير ينبغي ان
تشعل ضوءا احمر لدى كل الاطراف
الفلسطينية لكي تدرك الخطر الذي
يتربص بها جميعا لكي تربا بنفسها
عن الصغائر والمناورة في التعامل
مع الوساطة المصرية كما ينبغي لها
ايضا ان تكون انذارا للوسيط
المصري لكي يوحد المؤسسة المصرية
الحاكمة وراء جهوده لانجاحها قبل
الاستحقاق الدستوري الفلسطيني
لتجديد الولاية الرئاسية في
التاسع من كانون الثاني / يناير
المقبل ، اللهم الا اذا كان هناك
من يراهن ويناور بين المصريين
والفلسطينيين على ان دولة
الاحتلال سوف تعفيه من استحقاقات
الوساطة والحوار عندما يحين قبل
ذلك استحقاق تجديد اتفاق التهدئة
بينها وبين حماس اواسط الشهر
الاخير من العام الحالي !
ان ما نشرته "يديعوت احرونوت"
في الخامس عشر من الشهر الجاري عن
انشاء "فرق مشتركة من الشين بيت
والخارجية الاسرائيلية" لمواجهة
"انذارات ساخنة" بنية حماس اغتيال
قيادات سياسية وامنية في الضفة
الغربية عندما تنتهي ولاية الرئيس
عباس ينبغي ان يكون ضوءا احمر
ينذر كل الفلسطينيين بالحذر من
قيام اجهزة الاستخبارات
الاسرائيلية ذات الخبرة الطويلة
والتاريخ الاسود في عمليات
الاغتيال بعمليات كهذه تنسبها الى
حماس بهدف تاجيج الخلاف بين طرفي
الاستقطاب الفلسطيني واحباط أي
تقدم يحرزه الحوار الوطني
والوساطة المصرية .
وليس سرا ان مليون ونصف
المليون فلسطيني في قطاع غزة
المحاصر هم اولا ثم حماس ثانيا
المتضررون من استمرار حالة
الانقسام الراهنة وسوف يكونون هم
اول المتضررين من انهيار الوساطة
وفشل الحوار وهم اولا وثانيا
وثالثا من له المصلحة الحيوية
الاولى في انهاء الانقسام ونجاح
الحوار . كما تدرك حماس ان
تحميلها المسؤولية عن فشل الحوار
قد يعرضها لمقاطعة عربية هي
بالتاكيد في غنى عن تحولها الى
طوق جديد في الحصار الاسرائيلي –
الاميركي – الفلسطيني المفروض
عليها . وتدرك حماس ايضا ان من
مصلحتها مواجهة التهديد باجتياح
عسكري وظهرها مستند الى الوحدة
الوطنية اذا ما قررت دولة
الاحتلال بانها لم تعد بحاجة الى
تجديد اتفاق التهدئة مع الحركة
عند انتهاء شهوره الستة اواسط
كانون الاول / ديسمبر المقبل .
بايجاز توجد لحماس مصلحة حيوية
اكيدة في انجاح الوساطة المصرية
والحوار الوطني .
وفي المقابل ليس سرا ايضا ان
الرئاسة الفلسطينية وفريقها
المفاوض في اصطراعهم مع حماس
مستفيدون من استمرار الوضع الراهن
الذي يحاصر الحركة في القطاع
ويطاردها في الضفة بينما لا يخفون
استمرار "الفيتو" الاميركي سيفا
مسلطا على رقابهم يهددهم بحصار
مماثل اذا تصالحوا مع حماس قبل ان
تخضع الحركة لشروط هذا الفيتو
وبالتالي فانهم لن يتضرروا من
استمرار هذا الوضع الا اذا تحول
استمرار الانقسام الى عقبة امام
أي تقدم يتم احرازه في مفاوضاتهم
مع دولة الاحتلال ، وهو ما لم
يحدث حتى الان .
فاذا صح ما نقلته القدس العربي
يوم الخميس الماضي من قول رئيس
الوفد الفلسطيني المفاوض احمد
قريع لسفراء فلسطين في الدول
العربية المجتمعين في العاصمة
الاردنية ، وهو ما لم ينفه قريع
حتى كتابة هذا المقال ، ان
"الرهانات الحالية على المفاوضات
فقط خاسرة" وان شعار "المفاوضات
هي الخيار الاستراتيجي الوحيد
المتاح ... خطا سياسي فاضح" وان
"اسرائيل بعد سنوات طويلة من
التفاوض لم تعط شيئا للفلسطينيين"
وان "خيارات الشعب الفلسطيني
الاستراتيجية ينبغي ان تكون
متعددة وغير محصورة في المفاوضات"
، اذا صح ذلك فان الاستنتاج –
الاكثر اهمية من التساؤل عن
الاسباب التي لا تدفع قريع في هذه
الحالة الى اعلان فشل المفاوضات
والانسحاب من الوفد المفاوض -- هو
ان لا يكون للرئاسة الفلسطينية أي
مصلحة في فك الحصار عن حماس
والقطاع وبالتالي يصعب عدم تفسير
مجاراتها للضغوط الوطنية والعربية
والصديقة من اجل انهاء الانقسام
بانه ليس تكتيكا لكسب الوقت
بانتظار ان ترضخ حماس لشروطها تحت
ضغط الحصار المتواصل .
ان الاشتراط المسبق الذي يضع
العربة امام الحصان لابرام اتفاق
ينهي الانقسام قبل أي لقاء ثنائي
مع حماس (رئيس كتلة فتح
البرلمانية عزام الاحمد) لا تفسير
له سوى التعامل مع الوساطة
المصرية وغيرها كوسائل ضغط على
حماس لا كوسائط لبناء جسور وطنية
معها تنهي الانقسام . كما ان رفض
الرئيس عباس عقد الاجتماع الثنائي
التمهيدي للتوافق على قضايا
الخلاف مما يسهل الحوار "الشامل"
اللاحق حولها ويقصر امده لا يظهر
حسن نية من ناحية ، ولا يعزز
الثقة من ناحية ثانية ، ولا
يستجيب لرغبة الوسيط المصري ثالثا
، ويهدد وساطته رابعا ، ويهدد
الحوار الوطني نفسه خامسا ، و
يكشف سادسا ميلا لمواصلة نهج سابق
هو الذي اوصل الوضع الفلسطيني الى
ما ال اليه الان من حالة ماساوية
ينذر استمرارها باوخم العواقب على
اي مشروع وطني ، سواء كان تفاوضيا
ام مقاوما .
كما ان تذرع الرئاسة الان بحجة
عدم "تهميش" الفصائل الاخرى لرفض
اللقاء الثنائي ينطوي على الكثير
من التناقض ويشي بالكثير من
المناورة فهذه الصحوة المفاجئة
على الحق المشروع لهذه الفصائل في
الشراكة والمشاركة لم تحدث الا
بعد ان وجدت الرئاسة والفصائل معا
في الخلاف "الثنائي" الاصلي فرصة
مواتية للمطالبة بهذا الحق وقبل
هذا الخلاف لم تختلف الفصائل ،
وهي لا تختلف الان ، لا مع فتح
ولا مع المنظمة ولا مع السلطة على
برنامجهم السياسي الا في الهوامش
بل انها كانت وما زالت جزءا لا
يتجزا من هذا البرنامج ومؤسساته
وغطاء "تعدديا" و"يساريا"
و"قوميا" له .
ولذلك فان التوافق الوطني
مطلوب ثنائيا اولا ، ولذلك ثانيا
كان اتفاق مكة المكرمة ومثله
المبادرة اليمنية هو اتفاق ثنائي
في الجوهر ، ولذلك ثالثا يصبح هذا
التوافق الثنائي شرطا مسبقا
للتوافق الوطني التعددي لان من
البديهي انه لا توجد أي ضمانات او
مسوغات واقعية تجعل اي توافق بين
حماس وبين الفصائل "الاخرى"
مجتمعة او منفردة ملزما لفتح
والرئاسة ، بينما العكس صحيح . |