( كان
تبني الدولة الاردنية لبرنامج
الخصخصة تدخلا منها حمل الشعب
الاردني اعباء وتكاليف سداد الدين
الخارجي الذي كانت الدولة نفسها
ودعاة الخصخصة السبب في تراكمه ،
تماما مثلما حملت دولة بوش في
خطتها للانقاذ دافع الضرائب
الاميركي (700) مليار دولار تتوزع
على كل منهم بمبلغ (7500) دولار
لاحتواء ازمة لم يكن لهم ناقة ولا
جمل في انفجارها
)
معظم ما نشر عن المضاعفات
الاقليمية لازمة الائتمان المالي
الاميركية يطمئن بان الاردن من
اقل دول المنطقة تاثرا بها وجاء
التقرير الخاص الذي نشرته مؤسسة
"فيتش" في الثاني من الشهر الجاري
ليؤكد بدوره ان الازمة لم تترك
حتى الان أي اثر هام على المصارف
التجارية الاردنية بسبب تركيز هذه
المصارف على السوق المحلي واعتماد
سياسة درء المخاطر في رقابة البنك
المركزي عليها ، لكن الاردن ليس
جزيرة معزولة عن العالم وبالتالي
فانه في المدى الاطول قد يتاثر
باي تباطؤ في الاقتصاد العالمي في
الاقل نتيجة لما يرافق ذلك من
انخفاض في تدفق الاستثمارات
الاجنبية المباشرة وفي النشاط
التصديري ، وفقا للتقرير . وبما
ان المملكة لا تتوفر لديها موارد
تخلق فائضا في السيولة النقدية بل
ان المعونات الخارجية كانت دائما
مصدرا لسد العجز المزمن في توفير
مثل هذه السيولة فان الدولة لا
تملك "صندوقا سياديا" مثل الدول
النفطية الشقيقة يبحث عن استثمار
فوائضه المالية في الولايات
المتحدة وبالتالي فان خسائر
الاستثمارات المالية الاردنية من
الازمة الاميركية محدودة وفردية .
غير ان الاردن ينبغي ان يكون
معنيا بالازمة الاميركية من منظور
النظام الراسمالي الليبرالي الذي
خلقها وهو النظام الذي اتاح
انهيار الاتحاد السوفياتي السابق
ومنظومته الاشتراكية للزعامة
الاميركية لهذا النظام حرية كاملة
في استخدام الوسائل كافة دون أي
رادع لتسريع "عولمته" وهي العولمة
التي سارع الاردن الى "الاندماج"
فيها مدفوعا اولا بتحالفه
الاستراتيجي مع الولايات المتحدة
وثانيا بحاجته الماسة الى
المعونات الاميركية التي لم تنقطع
منذ ستين عاما وثالثا بخبرته في
التكيف مع المتغيرات العالمية
والتاقلم مع المستجدات الاقليمية
وهي الخبرة التي مكنته من خلق
واحة من الامن والامان والاستقرار
في محيط عاصف بالاحتلال العسكري
والحروب الاقليمية والمقاومات
الشعبية المتنامية عابرة الحدود
للهيمنة الاميركية – الاسرائيلية
على المنطقة .
ان الابعاد الايديولوجية لازمة
الائتمان المالي التي تهدد بوضع
مماثل للكساد الذي ضرب الولايات
المتحدة عام 1929 ، لكن بابعاد
عالمية هذه المرة تتناسب مع
مركزية واشنطن في النظام
الراسمالي الذي "تعولم" ، متروكة
للمنظرين الراسماليين المصدومين
بالازمة ونظرائهم الشيوعيين
التقليدين الذين يجدون فيها
تاكيدا جديدا لمقولاتهم ولاندادهم
من منظري اليسار الديموقراطي
الجديد في اميركا اللاتينية الذين
يخوضون بشجاعة تجربة رائدة لترسيخ
اسس نظام بديل ثالث . لكن العبر
العملية لهذه الازمة هي ما ينبغي
ان يتوقف عنده الاردن لكي يجري
مراجعة شاملة لسياساته الاقتصادية
المستمرة منذ عقدين من الزمن
تقريبا .
فمنذ اوصى الاقتصادي الاميركي جون
ويليامسون في سنة 1989 بوصفته
الاقتصادية لمزيد من ضبط السياسة
المالية وتخفيض الانفاق العام
وترك معدلات الفائدة للسوق كي
يقررها وترك اسعار صرف العملات
للمنافسة السوقية والانفتاح
التجاري ورفع الحواجز امام
الاستثمار الاجنبي المباشر وخصخصة
قطاع الدولة العام ، الخ ، تحولت
وصفته هذه الى "كتاب مقدس" تبشر
به الادارات الاميركية ليتبناه
صندوق النقد والبنك الدوليان
ويصبح الالتزام به نصا وروحا شرطا
مسبقا لعضوية منظمة التجارة
العالمية ، بالرغم من الكوارث
الاقتصادية والماسي الاجتماعية
الناجمة عنه والتي تتعارض مع كل
ما جاءت به الكتب السماوية ،
ناهيك عن تاكل السيادة السياسية
الوطنية لمن فرضت واشنطن عليهم
هذه "الوصفة" لل"اصلاح" الاقتصادي
في دول العالم الثالث ومنها
الاردن .
ان تطبيق هذا البرنامج في الاردن
لم ينه ازمة الدين الخارجي ، وهذا
الدين كان المسوغ الرئيسي المعلن
لتبني وصفة ويليامسون ، بينما قاد
تطبيقه الى اتساع الهوة
الاقتصادية بين القلة الاغنى
وانتشار ظاهرة الفساد في اوساطها
وبين الاكثرية التي تزداد فقرا
وشريحة الفقر المدقع التي افرزتها
حد ان تنشا الظاهرة المحظورة
قانونا لبيع الاعضاء البشرية
خصوصا الكلى ، لكن الاهم ان تطبيق
هذه الوصفة قاد الى تاكل الطبقة
الوسطى وهي عماد الدولة الاردنية
ومؤسساتها ، وكان ذلك متوقعا لان
تهميش الدولة وتقليص دورها الى
الحد الادنى الممكن هدف رئيسي
لبرامج الاصلاح التي يتبناها
البنك والصندوق الدوليان ومن
ورائهما القيادة الاميركية
ل"النظام العالمي الجديد" الساعي
الى تفكيك كل الدول الا الدولة
الاميركية وتلك المتحالفة معها
وتحويل حدودها الوطنية الى حدود
على الورق والى ربط سيادتها
بقانون العرض والطلب الاقتصادي .
ولا بد هنا من التوقف عند
مفارقتين احداهما اميركية
والثانية اردنية ، الاولى ان
الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش
الاب عندما روج ل"النظام العالمي
الجديد" ، الذي كان رئيس الوزراء
البريطاني الحالي غوردون براون قد
اسماه "الصفقة العالمية الجديدة"
، لم يكن يتوقع ان يكون جورج بوش
الابن هو من ينسف الاساس النظري
لهذا النظام القائم على عدم تدخل
الدولة في الحياة الاقتصادية .
اما المفارقة الاردنية فتتمثل في
ان "ابناء الدولة" الذين كانوا
المسؤولين اصلا ، في غياب أي
رقابة شعبية او برلمانية حقيقية
قبل الغاء قانون الدفاع والطوارئ
عام 1989 ، عن ازمة الدين الخارجي
التي اتخذت ذريعة لتطبيق برنامج
الاصلاح الذين كانوا هم انفسهم
اول المتضررين من سياسة "خصخصة"
الدولة التي وضعت موظفي الدولة
ومتقاعديها على خط لم يعد واضحا
بين الطبقة الوسطى وبين الطبقات
التي دونها ، مما خلق مفارقة اخرى
تشهدها الحياة السياسية الاردنية
تتمثل في انضمام ابناء الدولة
السابقين هؤلاء الى المطالبة
بالحد من تاثير العوامل الاجنبية
في رسم السياسات الخارجية
والاقتصادية للمملكة وترشيد خصخصة
الدولة وطنيا في الداخل وهو ما
كانت تطالب به المعارضة السياسية
التي كانوا قد تصدوا لها حد القمع
ولاء للدولة التي يقول بعضهم انها
تتفكك اليوم .
ان اعادة النظر في السياسة
الاقتصادية الاردنية الراهنة
تنسجم مع دعوات دولية رفيعة
المستوى لنظام اقتصادي عالمي جديد
"اكثر عدلا" فقد "ولى الى غير
رجعة الزمن الذي يسود فيه اقتصاد
واحد وبلد واحد" كما قال الرئيس
الروسي دميتري ميدفيديف في تعليق
على ازمة الائتمان المالي
الاميركية بعد اجتماعه يوم الخميس
الماضي في بيترسبورغ مع المستشارة
الالمانية الزائرة انجيلا ميركل
التي عقبت بدورها قائلة ان بلادها
"تؤيد دائما مقاربة متعددة"
لتنظيم الاسواق العالمية . وكان
وزير مالية ميركيل بير شتاينبروك
قد اعلن في مقابلة مع دير شبيغل
في التاسع والعشرين من الشهر
الماضي بان "العالم لن يعود الى
ما كان عليه" قبل الازمة
الاميركية وبان النظام المالي سوف
يتغير عالميا اذ "سوف تحدث
تغييرات في اهمية نيويورك ولندن
وفي وضعهما باعتبارهما المركزين
الماليين الرئيسيين ، وسوف تغلق
الفجوات البنوك والصناديق
المملوكة للدولة وكذلك البنوك
التجارية من اوروبا والصين وروسيا
والعالم العربي لتخلق مراكز جديدة
للقوة في العالم المالي" .
وكان الرئيس الفرنسي نيكولا
ساركوزي في السياق نفسه قد اقترح
عقد قمة خاصة للدول الصناعية
الثمانية في تشرين الثاني /
نوفمبر المقبل للاتفاق على قواعد
جديدة لتنظيم النشاط المالي
الدولي ليقترح ايضا توسيع مجموعة
الثمانية لتصبح مجموعة التسعة او
العشرة او حتى السبعة عشر لتضم
الصين والهند و"الدول النامية" في
تاييد واضح لل"مقاربة التعددية"
التي اشارت ميركل اليها من اجل
"ان نبني معا راسمالية نظامية
ومنظمة لا تخضع فيها قطاعات كاملة
من النشاط المالي لتقديرات
العاملين في السوق فقط ... حيث
تخضع وكالات الائتمان للرقابة بل
وتعاقب عند الضرورة" . انها دعوة
صريحة واضحة لتدخل الدولة لكبح
جماح انفلات الانفتاح الاقتصادي .
وعودة الدولة الاميركية الى
التدخل لاحتواء الازمة ، بينما
تقود هذه الدولة نفسها حملة عولمة
اشرس من حروبها العالمية على
"الارهاب" لانهاء أي دور للدول في
حرية حركة رؤوس الاموال سواء ضمن
سيادتها او عبر حدودها ، كانت
العنوان الاهم للازمة المالية
الراهنة التي ما زالت تتفاقم في
الولايات المتحدة .
علق وزير المالية الالماني
شتاينبروك على "تاميم" عملاقي
الرهن الاميركي "فاني ماي" و
"فريدي ماك" ثم عملاق التامين
"ايه أي جي" قائلا انه "تشويه
للمنافسة" الحرة ، لكن الحكومة
البريطانية كانت قد اممت مصرف
"نورثرن روك بانك" خلال العام
الماضي قبل ان تضطر حكومات دول
البينولكس (هولندا وبلجيكا
ولوكسمبورغ) الى تأميم بنك
"فورتيس" العامل في الدول الثلاث
وتضطر بريطانيا الى تاميم بنك
"برادفورد اند بينغلي" في الثامن
والعشرين من ايلول / سبتمبر
المنصرم لتلجا حكومة ايرلندا الى
ضمان ودائع مصارفها وديونها بنسبة
مائة في المائة في الاول من الشهر
الجاري بينما يقترح رئيس الوزراء
الهولندي جان بيتر بالكنيندى تدخل
دول الاتحاد الاوروبي لتخصيص
ثلاثة في المائة من اجمالي الناتج
القومي لمساعدة المؤسسات المالية
التي تواجه متاعب . ويبدو الان
بعد امتداد الازمة الاميركية الى
اوروبا ان هناك توجها اوروبيا نحو
المزيد من تدخل الدولة بالتاميم
او شبه التاميم كما يستدل من
اقتراح فرنسي نفته باريس بسرعة
بعد تداوله اعلاميا بانشاء "صندوق
انقاذ" على غرار رزمة ال (700)
مليار دولار التي اقترحها الرئيس
الاميركي جورج دبليو. بوش
واعتمدها معدلة مجلس الشيوخ في
الكونغرس يوم الاربعاء الماضي ،
وقد عارضت المانيا ، اكبر اقتصاد
في اوروبا ، الاقتراح الفرنسي .
لكن معارضة المانيا التي لا تريد
"تشويه المنافسة" قد تنهار سريعا
بعد ان وصلت امواج مد الازمة
الاميركية الى عقر دارها لتهدد
مصرف "هايبو ريال ايستيت"
بالافلاس وتدفع شتاينبروك نفسه
الى توفير مبلغ (35) مليار يورو
لانقاذه ، تساهم المصارف الخاصة
بريع المبلغ وخزينة الدولة
بالباقي اضافة الى ضمانها لديون
البنك ، وهي الصفقة التي اعلن عن
انهيارها يوم السبت الماضي . ومع
ذلك فان عمليات الخصخصة وتقليم
اظافر الدولة كي لا تتدخل ما زالت
جارية على قدم وساق في الدول
العربية ومنها الاردن .
وهنا لا بد من توضيح ان تدخل
الدولة المطلوب شعبيا في الاردن
يختلف نوعيا وجوهريا عن تدخل
الدولة الذي لجا بوش اليه وايده
الكونغرس بمصادقته على خطته
للانقاذ ، فالدولة الاردنية مدعوة
للتدخل ضد تغول الخصخصة عليها
للحد من أي دور لها كمظلة امان
اقتصادي للاكثرية الساحقة من
الاردنيين ذوي الدخل المحدود او
ممن لا دخل لهم على الاطلاق يسعى
دعاة الخصخصة الى تمزيقها كحاجز
بينهم وبين وضع قوت هذه الاكثرية
تحت رحمة قانونهم "المضارب" للعرض
والطلب دون اية رقابة او ضوابط .
لقد كان تبني الدولة الاردنية
لبرنامج الخصخصة تدخلا منها في
اتجاه معاكس تماما حمل الشعب
الاردني اعباء وتكاليف سداد الدين
الخارجي الذي كانت الدولة نفسها
ودعاة الخصخصة السبب في تراكمه
ليكونوا هم انفسهم المستفيدون من
الخصخصة ، تماما مثلما حملت دولة
بوش في خطتها للانقاذ دافع
الضرائب الاميركي (700) مليار
دولار تتوزع على كل منهم بمبلغ
(7500) دولار لاحتواء الازمة التي
لم يكن لهم فيها ناقة ولا جمل
والتي خلقها عمالقة الوول ستريت
ليكون هؤلاء انفسهم هم الوحيدون
المستفيدون الذين سيتم انقاذهم
بخطة الانقاذ التي رفض الكونغرس
تمريرها الا بعد تعديلها بحيث
تتضمن اعفاءات ضريبية بقيمة (150)
مليار دولار لجماعات المصالح
الخاصة من عتاة هؤلاء العمالقة .
ان بشاعة النظام الاقتصادي -
السياسي الاميركي الذي تريد
واشنطن عولمته والذي تبنت الدولة
الاردنية نسخة مشوهة منه اتضحت من
التصويت على خطة بوش للانقاذ في
الكونغرس وخصوصا في مجلس النواب
حيث تحول الانقسام الحزبي بين
الديموقراطيين وبين الجمهوريين
الى مهزلة اذ القيت البرامج
الحزبية في سلة المهملات حتى لم
تعد هناك اية فوارق بينهم عندما
ادلوا باصواتهم على اسس غير حزبية
وفي تجاهل كامل لناخبيهم من دافعي
الضرائب اذ ايد خطة بوش
"الجمهوري" (172) نائبا
"ديموقراطيا" و(91) جمهوريا وعارض
خطة الرئيس "الجمهوري" (108) نواب
جمهوريين و(63) ديموقراطيا ، أي
ان الحزب "المعارض" هو الذي انجح
مشروع بوش بينما خذله حزبه !!
والادهى ان الاعلام الاميركي
"الحر" قد فشل في التقاط المؤشرات
المبكرة للازمة بقدر تعتيمه على
الضغوط الضخمة التي مورست على
النواب لتمرير خطة بوش للانقاذ حد
التهديد باعلان الاحكام العرفية !
ففي الثالث من الشهر الجاري نشر
النائب الديموقراطي عن ولاية
كاليفورنيا مقالا في لوس انجيليس
تايمز قال فيه انه وغيره من اعضاء
مجلس النواب ابلغوا بان اعلان
الاحكام العرفية سيعقب أي تصويت
ب"لا" على خطة الانقاذ . وكان بوش
في اعقاب تفجيرات الحادي عشر من
سبتمبر قد اصدر مجموعة من الاوامر
التنفيذية تخوله اعلان الاحكام
العرفية في حالات مثل انتشار
الاوبئة او وقوع هجوم ارهابي او
حدوث عصيان مدني او عند تعرض
البلاد لكوارث طبيعية ولم يكن
مستبعدا ان يعلن الازمة المالية
الراهنة "كارثة قومية" كما كتب
احد الاميركيين ، مثل قانون "جون
دبليو. وورنر" الذي وقعه بوش في
(17/10/2006) والذي يخوله
"استخدام القوات المسلحة في حالات
الطوارئ العامة الكبرى" مما يعني
كما قال السناتور باتريك جيه.
ليهي تمكين البيت الابيض من اعلان
الاحكام العرفية . |