ثمة حقائق ميدانية رأيناها ونراها كعراقيين،
وصرحنا بها غير ذي مرة، وخاصة تلك التي تتعلق
باللعبة الامريكية الامنية في العراق والتي
اخذت منحى دراماتيكيا حادا تزامن مع قرار
المجرم بوش برفع عديد القوات الامريكية في
العراق في لعبة استخبارية اعلنت عن نتائجها
سلفا وقبل ان تطأ اقدام الجنود المضافين ارض
العراق. العملية برمتها دعائية صرفة لخدمة
الحراك السياسي الامريكي الداخلي المرتبط بدعم
وتحسين هزالة الموقف والنتيجة التي وصل اليها
حال الحزب الجمهوري وتنذر بنتائج كارثية قد
تسجل منعطفا وتاريخا في نتائجها ليس فقط في
الهزيمة المنكرة المتوقعة لحزب بوش والناتجة
عن النتائج الهزيلة للغزو البغيض للعراق بل
وفي كون العجوز المتداعي ماكين يواجه مرشحا
اسودا لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة
الامريكية.
اللعبة ببساطة هي ان يربط بطريقة مخادعة بين
زيادة عديد القوات مع خفض كبير للفعاليات
الاجرامية التي تنفذها فرقة اميركا القذرة من
عمليات اغتيال وتصفيات وتفجيرات اجرامية مع
خفض واضح لفعاليات الجيب الامريكي للقاعدة
وكذلك للجيب الايراني للقاعدة متزامنا مع
انسحاب مهين لعصابات مقتدى الى خارج ساحة
القتل المجاني التي مارستها تحت رقابة وحماية
القوات الغازية كجزء من انتقام هذه القوات
وضغطها على المساحة المقاومة من العراق والتي
اطلق عليها مسمى المثلث السني. اضافة الى لعبة
الميليشيات العشائرية التي عرفت باسم الصحوات
وقامت بدور واضح في اختراق واضعاف بعض الفصائل
المقاومة وخاصة التي تتشكل من عناصر مذهبية
سنية.
محصلة الحاصل .. ان العملية الاستخبارية مع ما
صاحبها من جهد عسكري محدود قد حققت نتائجها
(الاعلامية البحتة) في اظهار نجاح استراتيجية
الاضافة العددية في تحقيق الامن وهي ذاتها
التي تعكز عليها ماكين في مناظرته امام
الديمقراطي اوباما معلنا ان استرايجية باتريوس
العبقرية قد صححت مسار الغزو وبدأت اميركا
تنتصر. لقد انفقت مليارات الدولارات وازهقت آ
لاف الارواح وبذل جهد تكتيكي واستراتيجي عملاق
لكي يمنح ماكين فرصة تلاوة هذا البيان المزيف
كدعاية انتخابية وكتصرف لا بديل عنه في تبيض
وجه بوش الداكن السواد امريكيا على الاقل.
وأول عملية تذاكي غير موفقة لكروكر في تصريحه
الذي نحن بصدده انه استعجل الاعلان عن
احتمالات عودة العنف قبل ان يتمكن ماكين
وماكنته الدعائية من استثمار الاستقرار الامني
الزائف الى المدى المطلوب. كلا التصريحين
يظهران الى السطح تناقضا قد يكون غير مقصود،
الاّ انه قد اعلن وما على المعنيين في الضفة
الاخرى الامريكية وكذلك العراقية الاّ البناء
عليه لغرس الطعنة المطلوبة في خاصرة الزيف
الذي ما برحت ادارة بوش تجتره لما تبقى
لبقاءها في السلطة املا في تمديد انتخابي
للجمهوريين يبدو بعيد المنال.
من سيعيد الاوضاع الامنية بعد الانتخابات
المحلية العراقية الى مربعها الاصلي الذي لم
تغادره اصلا الاّ ضمن حدود اللعبة اياها؟
ولماذا؟ وكيف؟ واين؟ هذه هي الاسئلة التي لم
يجب ولن يجيب عليها الحاكم المدني للعراق
(سفير اميركا). و لتحري واستنباط واستشفاف
الصورة الاقرب الى فم الحقيقة فاننا سنجد
انفسنا امام الحقائق الآتية:
المحافظات الشمالية وضعت خارج الصورة اصلا
لانها مع كركوك قد تم استثناءها من اللعبة
الانتخابية الاحتلالية ضمن صفقة الولادة
العسيرة لما سمي بقانون المحافظات وعليه فان
من المنطقي ان نفترض انها خارج اطار توقعات
كروكر. الضرورة الحتمية لبشاعة المتوقع من
احداث تقتضي ان تبقى المحمية الامريكية شمال
خط العرض البغيض في مأمن قدر المستطاع من وابل
النار التي ستضطرم بعد انتهاء انتخابات اميركا
وتولي الرئيس الجديد مهام عمله كائن من يكون
والتي ستتزامن تقريبا مع نهاية انتخابات
الديمقراطية الطائفية في محافظات العراق
المتبقية.
محافظات خاصرتي بغداد ستكون على لائحة
الاقتتال القادم بدرجة معينة لان الانتخابات
فيها ستقود حتما الى تصادم بين الصحوات
كميليشيا تضحك عليها وتوظفها اميركا وبين
الحزب الاسلامي العميل. طرفين فقط هنا, كلاهما
ينتمي الى مذهب واحد يرجح تصعيد اللغة
العدوانية ومهاترات التصريحات بينهما لتصل الى
فم البنادق .. ونرى ان المنطق الذي فرضته وآلت
اليه بعض من حيثيات الاحتلال البغيض في هذه
المنطقة سيدفع الامريكان الى احتواء جزئي او
كلي ربما لنيران التصعيد هنا بهدف واحد موحد
.. هو توحيد الصف الطائفي هنا لتحقيق مزيد من
الضغط على المقاومة الباسلة في لعبة استخارية
جديدة لا اكثر ولا اقل.
يبقى الجزء الهام من رؤية كروكر المتذاكية ألا
وهي محافظات جنوب بغداد التي نعتقد انها هي
التي ستدفع ثمن اللعبة الانتخابية المحلية
والامريكية على السواء ويتحول شعبنا فيها الى
وقود النار التي ستفصل بين الاطماع الايرانية
المشتركة مع الاحتلال منذ حصوله والتي يجب ان
تضع لها اميركا حدا قبل ان تدخل جديا في البحث
لنفسها عن مخرج من المستنقع العراقي مع اكبر
قدر ممكن من حفظ ماء الوجه وايجاد وسائل ادامة
الاستثمار الامريكي الاقتصادي والسياسي في
العراق.
كما توقعنا في مقالات سابقة, وكما يوحي المشهد
الآن فان الانفجار الامني سيقع في الجنوب
وستكون معطيات الحريق فيه على وفق ما يأتي:
اولا: ان المنطقة الآن يتمركز فيها اكبر عدد
من الاحزاب (الشيعية الفارسية).
ثانيا: خرج ما يسمى بالتيار الصدري منذ وقت من
كذبة الائتلاف ليتبوأ ركنا خاصا به في لعبة
تعدد الاوراق الايرانية.
ثالثا: خرج حزب الفضيلة من كذبة الائتلاف
محاولا ابراز نفسه كقوة خارجة عن تاثيرات
القدر الفارسي متعكزا على مفردة انه نتاج
تشكيل محلي تم بعد الاحتلال.
رابعا: تمت تغذية عملية تفتيت مبرمجة لحزب
الدعوة العميل الذي تشرذم الى عدة احزاب
وتكتلات خلفيتها غير المرئية صراع اجنحته على
درجة الولاء لايران وعلى تبوأ المواقع
الامامية في حكومات الاحتلال.
خامسا: يبقى المجلس وفيلق بدر_9 متمترسا خلف
حظيرة الحوزة والمرجعية والانتماء الفارسي
مادا عنقه لاهداف فارسية معروفة هي سحق الجنوب
العراقي تحت اتون فيدرالية طائفية تشكل موطئ
القدم الكبير للتمدد الفارسي القادم او المتمم
لما هو حاصل فعلا. وتبقى المسميات الاخرى مثل
حزب الله خنجرا ايرانيا آخر يمكن ان يمزق
احشاء الدعوة او من تسول له نفسه من البدريين
التوابين غير الموثيقين بولاء مطلق لايران شهد
عليه تفرق الكثير منهم وهربهم بعد وصولهم الى
العراق ايام الغزو عام 2003 , وكذلك منظمة
العمل الاسلامي وهي جناح استخباري من اطلاعات
يعاني من بعض ملامح سوء السمعة الاسرية مع
الفرس غير انه لا يبتعد كثيرا عن علامات
التوجيه التابعة لاطلاعات وفيلق القدس.
هذه تقريبا خارطة الصراع القادم التي اعلن
عنها كروكر في سابقة قد تكون غير موفقة لانها
تفضح تعجل الحاكم المدني للاعلان عن رؤاه
المتعامية التي تمثل ملخصا مكثفا لخطة صراع
الارادات الاحتلالية المتشاركة بين اميركا
وايران. ونقول سابقة لانها لا تنسجم مع نتائج
الممارسة الانتخابية الديمقراطية الاحتلالية
القادمة التي يفترض المنطق انها جالبة
للاستقرار كخيار ديمقراطي فكيف بها ستتحول الى
شرارة العودة بالعراق الى خطوط حرب اهلية
متداخلة بين قوى تابعة بدرجة او باخرى لايران
ومخططها الاحتلالي للعراق وقد يمتد لظاها
ليحرق ويحترق بلهيب رد الفعل الآتي من محافظات
خاصرتي بغداد؟.
ان منطق حق البلد المحتل واهله على الدولة
المحتلة وفق الاعراف السماوية والوضعية يقضي
ان توقف اميركا الانتخابات ان كانت ستأتي بمثل
ما يستقرئه حاكم العراق المدني كروكر او في
اقل تقدير ضبط العملية الانتخابية بحيث لا
تتمكن ما يعرف بالاحزاب الكبيرة _ وهي في
الواقع لا كبيرة ولا هم يحزنون _ من تزوير
الانتخابات ورقيا او بتزوير ارادة الناس لكي
لا يقع المحذور والاّ فان كروكر يدفع البلاد
الى حمام دم جديد سيكون من استكان وتواطأ مع
الاحتلال هو شريانها الاهم .. وتلك ما كسبت
ايمانهم مكروا ويمكر الله والله خير الماكرين.
ولن تضيف اميركا هنا سوى استحقاق آخر عليها
دفع ثمنه باهضا طال الزمن ام قصر .. لان
الكلمة الاخيرة في العراق كما هو ثابت من
احداث السنوات الخمس المنصرمة هي للعراق
المقاوم. |