في العاصمة الأميركية واشنطن
يعتبر معهد "إنتربرايز"
هو المؤسسة التي كانت ولاتزال
تشكل المختبر أو المعمل والفرن
الذي تنصهر فيه الأفكار والنظريات
والدعوات التي حولت أمريكا من
دولة إلى امبراطورية. معهد
"انتربرايز" هو مصنع أفكار
المحافظين الجدد الذين نشروا "صقورهم"
في البيت الأبيض والبنتاغون
والكونغرس وحتى وزارة الخارجية.
وأحد أبرز الوجوه في هذا المعهد
هو "كارل
روف"
كبير مستشاري الرئيس الأميركي
جورج بوش وساعده الأيمن في البيت
الأبيض. ويقولون عنه أنه القوة
الخفية الكامنة خلف كرسي الحكم
لأنه قوة حقيقية في البيت الأبيض
ولأنه عزوف عن الأضواء حتى لا
يثار إسمه ويظهر في الصحف أو
نشرات الإذاعات فهو الرجل الغامض
في البيت الأبيض ومع ذلك تصفه
الكاتبة الأميركية اليزابيث درو
قائلة:
(لم يسبق لأي مساعد أو معاون أو
مستشار رئاسي أن تمتع كما يتمتع
كارل روف بذلك القدر من القوة
والتأثير والنفوذ. والأمر أعمق من
مجرد صداقة قديمة مع الرئيس بوش
إنها ببساطة طاقة العقل السياسي
المدبر فهو بأحق "عقل
بوش"
).
في العامين ٢٠٠٢ و٢٠٠٣ ترأس
كارل روف
لقاءات
مجموعة البيت الأبيض حول العراق
وهي
مجموعة عمل سرية تأسست في آب عام
٢٠٠٢ أي قبل غزو العراق بحوالى ٨
أشهر..وحسب شبكة
(سي ان ان) ومجلة (نيوزويك)
فان المجموعة وضعت إستراتيجية
إطلاق حملة إعلامية تظهر
أن الرئيس العراقي صدام حسين يمثل
خطرا وتهديدا على الولايات
المتحدة.
وتعود صلة كارل روف بالملف
العراقي إلى ما قبل غزو عام 2003
حين سعى من وراء الكواليس لإقناع
الكونغرس باعتبار التدخل العسكري
في العراق شرعياً !.
فمن هو كارل روف هذا وكيف كانت
نشأته وتكوينه وكيف وصل الى هذا
المستوى من التأثير البالغ العميق
على الرئيس الجالس في المكتب
البيضاوي ومن ثم التأثير الذي
نراه على حركة أميركا في قارتها
وفي العالم وهي حركة أصبح لها
عواقبها الرهيبة في تشكيل مصائر
الأمم ومستقبل الشعوب؟
منذ نشأته الأولى في مدن ولاية
تكساس وهي ولاية البترول في
أميركا كان روف شغوفا بالسياسة..
دراسة السياسة وممارسة السياسة أو
لنقل لعبة السياسة وخاصة التاريخ
السياسي ولاسيما إستطلاعات الرأي
العام وتحليل الإتجاهات السائدة
بين قطاعات الجماهير. ولد كارل
روف في ولاية كولورادو وكان أبوه
اختصاصيا في جيولوجيا المناجم ومن
ثم تعودت أسرته على التنقل
المستمر بين الولايات المختلفة
لكن معظم سنوات نشأته الأولى
أمضاها روف في "يوتاه" وهي ولاية
محافظة كما يصفونها وربما غرست
فيه بذور الاتجاه المحافظ الذي
أصبح الآن سائدا في أيديولوجية
الحزب الجمهوري الحاكم في أميركا.
التحق روف بثلاث جامعات بالتمام
هي: يوتاه وتكساس وجورج ماسون
ولكنه لم يحصل على أي درجة جامعية
ومع ذلك فربما عمد من باب التعويض
إلى قراءات واسعة ومطالعات
مستفيضة وخاصة في التاريخ السياسي
للولايات المتحدة. التحق روف
بصفوف الحزب الجمهوري ولاسيما
أجنحة اليمين المحافظ الذي يخلط
السياسة بالدين ويكرس تفوق الجنس
السيد الأبيض وقد وصل به الحال
إلى تحالفات (
مازلنا نلمسها ونعانيها
) مع الحركة والقوى الصهيونية في
اسرائيل. وخاض روف معارك انتخابية
على مستوى جمعيات ورابطات سياسية
كلها تنتمي إلى تيار اليمين
وجميعها ترمي إلى تحجيم دور
الحكومة في حياة الناس وتلك هي
القصيدة المحورية للحزب
الجمهوري.. وهذه المعارك التي
خاضها روف كانت بمثابة التمهيد
الذي زج بروف إلى مستنقع الوحشية
التي تتسم بها المعارك الانتخابية
حيث لا يتورع المرشحون ولا
مستشاروهم ولا معاونوهم عن أن
يفعلوا أي شيء ويرتكبوا كل شيء في
سبيل النجاح ودحر الخصم وهو ما
طبقه كارل روف في إدلرة حملة بوش
الرئاسية عام 2000 ضد المرشح
الديمقراطي آل غور.
من أهم الدروس "الخبيثة"
التي تعلمها كارل روف والتي
لازمته طيلة خدمته هو الخلط بين
الوطنية والانتماء العرقي والمعنى
هو أن تشكك في وطنية الخصم وألا
تتورع عن استخدام ورقة الأبيض
الأوروبي الأصل والأسود الزنجي
الأفريقي الأصل من أجل ضرب القوى
المعارضة وتفكيك وحدتها وتفريق
صفوفها. هكذا لم يتورع روف عن أن
"يدفع"
مرشحه جورج دبليو بوش كي يقف
خطيبا في جامعة بوب جونز في ساوث
كارولينا وهي جامعة الأصوليين أو
المتطرفين أو المتشددين إلى درجة
أنها تحظر بل تحرم أي صداقات أو
علاقات تنشأ بين البيض والسود
بمعنى أنها تمارس أسوأ أنماط
التمييز بين البشر و كان في ظهوره
كسب لأصوات هؤلاء المتطرفين
العنصريين..روف هو معلم بوش كيفية
عدم التواني أبدا بإستخدام أي
وسيلة مهما كن مصدرها وقانونيتها
وأخلاقيتها لتحقيق أي هدف!!..
منعطف التحول في حياة كارل روف
كان إقترابه من جورج بوش الأب
الذي اكتشف مواهبه فكان أن عينه
مساعدا شخصيا له. هنالك اقترب
كارل روف من تجسيد حلمه القديم
حلم بناء السلطة واكتساب النفوذ
على أعلى مستوى، عبر النفاذ إلى
عائلة كسبت ثروتها وصنعت اسمها من
تجارة البترول ومن هذا الباب
النفطي دخل بوش الأب إلى ساحة
السياسة إلى أن أصبح نائبا لرئيس
الدولة رونالد ريغان. وقد وجد
كارل روف في بوش الابن "مشروعا"
مبشرا بالنجاح إذا ما تعهدته يد
خبيرة محنكة يحقق بها روف طموحاته
التي صاحبته منذ نشأته الأولى.
ومن الغريب أن المستشار السياسي
روف كان يراوده طموح أكثر بكثير
من الطموح الذي راود جورج دبليو
بوش شخصيا. ولم يكتسب روف لقب أو
شعار المستشار لمجرد أنه اشتغل
لدى عائلة بوش الأب أو الرئيس بل
لأن روف احترف مهنة المشورة
السياسية وافتتح مكتبا لممارستها
في تكساس حيث السياسة في أمريكا
لا تعني إدارة دفة الحكم على
المستوى القومي ولا تنصرف إلى
علاقات الدول ولا إلى كبرى
القضايا المؤثرة على حياة العالم
ومقاليد الشعوب السياسية بالنسبة
لمكاتب الاستشارة الاحترافية في
أميركا تكاد تنحصر في الإجابة عن
سؤال أساسي هو: كيف تمارس اللعبة
لكي تحمل مرشحك وهو بالأدق زبون
المكتب أوالعميل دافع فاتورة
الأتعاب إلى أن يدفع بك إلى
"المنصب العام" أو إلى موقع العمل
العام حسب المصطلح الأميركي
الشائع بفضل أمواله من جهة وبفضل
جهودك أو ضغوطك من جهة ثانية.
هكذا نشأت الصلة الفريدة بين جورج
دبليو بوش وكارل روف إلى أن وصل
الأمر إلى تقاسم الأدوار فكارل
روف يفكر وجورج بوش ينفذ.
وبذلك فإن بوش هو السلعة الناتجة
في حين أن كارل روف هو الذي يتولى
الترويج لها وتسويقها لدرجة أن
أطلقوا عليه في دوائر الرئاسة
الأميركية بالبيت الأبيض وصف
"الجورو" بمعنى الحكيم أو
المرجعية.
روف ذو العقل والتصرف الميكافيللي
لا يتورع عن اتباع أي حيلة رخيصة
ولا ممارسة الابتزاز والإرهاب
الفكري ضد الخصوم السياسيين. إن
الرجل يعيش حالة دائمة من خوض
الحملات الانتخابية حالة صراع
محتدم باستمرار شعور لا يفارقه
بأن الخصوم مازالوا هناك وأن
المطلوب ليس مجرد محاورتهم ولا
حتى التغلب عليهم بل المطلوب
سحقهم وازالتهم من المسرح كي تخلو
الساحة للسيد الرئيس.
وكارل روف هو
أحد أهم المخططين لحملته
الانتخابية الرئاسية في العامين
٢٠٠٠ و.٢٠٠٤ وعينه بوش
في كانون الثاني العام ٢٠٠١
مستشاره الأعلى حيث أدى دورا
كبيرا في رسم سياسة
البيت الأبيض. على الرغم أن كارل
روف الذي شغل منصب مستشار الرئيس
الأمريكي جورج بوش يعد واحدا من
جمهرة من محترفي مكاتب المشورة
السياسية والتي تضم نحوا من 7
آلاف مستشار سياسي في محيط
السياسة الأميركية إلا أن علاقته
ببوش قبل وبعد توليه منصب الرئاسة
والدور الذي قام به ليصل بوش الى
ما وصل إليه جعله أكثر هؤلاء
المستشارين تأثيرا ونفوذا.
ما كان للتحولات الجذرية التي
نقلت بوش الصغير وطرأت على حياته
ومهنته لتجعله رئيسا للولايات
المتحدة الأمريكية لتحدث لولا
وجود (
ظل
) كارل روف الذي ربطته صداقة دامت
سنوات طويلة مع جورج بوش منذ أيام
تكساس ..وبقي هذا الظل يؤدي الدور
الذي اصطلحت عليه علوم السياسة
بأنه (القوة
الكامنة من وراء العرش).
وأحيانا بأنه (صانع
الملوك)
بمعنى أنه العقل القادر على
التفكير والتخطيط والتدبير لشق
مسار غاية في الطموح والذي أوصل
صديقه إلى المنصب رقم واحد في حكم
الولايات المتحدة الأمريكية..وقد
أوجز بوش كل هذه المعاني عندما
وصف كارل روف بأنه (المهندس)
وتحديدا (المهندس
المعماري)
في إيماءة بأنه العقل الذي يضع
التصميم ثم يرسي الأساس وبعدها
يتولى مسئولية البناء طبقة في إثر
طبقة أخرى الى أن وصل بوش للبيت
الأبيض!..
وفي مقابلة مع صحيفة (وول ستريت
جورنال) كشف روف عن استقالته في
٣١ آب العام ٢٠٠٧ بحجة الاهتمام
بعائلته.لهذا كانت أخبار استقالة
أو رحيل كارل روف عن مؤسسة
الرئاسة في الولايات المتحدة مثار
اهتمام وتعليقات وتحليلات شتى..
لطبيعة الصلة الوطيدة والقديمة
بالرئيس جورج بوش.. ولأن مراقبي
ومحللي المشهد السياسي الأميركي
وفي مقدمتهم من نصفهم بأنهم (دهاقنة
الإعلام)
في العاصمة الأميركية لم يقتنعوا
بالحجج التي ساقها السيد روف حين
وقف أمام الصحفيين في منتصف آب
2007 بحديقة البيت الأبيض ليعلن
أنه سوف يفارق الموقع الرئاسي..
ويستقيل من منصبه الحيوي ويعود
إلى بيته (ليقضي
وقتا أطول مع أسرته)..
الخ. صحيح أن كارل روف بدا أمام
الإعلام وقد تهدج صوته وقد
استعجلته العبرات.. إلا أن السبب
الذي ساقه في هذا الشأن لم يكد
يقنع أحدا من حيث كونه سببا
تقليديا ومتواتراً وطالما ترددت
عباراته في محافل العاصمة
الأميركية على لسان أكثر من سياسي
وأكثر من برلماني وأكثر من مشتغل
بالعمل العام.. ولدرجة أن يتساءل
الإعلاميون: ترى ما الذي يدفع هذه
الشخصية أو ذلك المسئول الكبير
إلى أن (يكتشف)
فجأة أن له أسرة وأنها بحاجة إلى
تواجده في البيت بقدر ما أنه
بحاجة إلى أن يمضي وقتا أطول مع
أفرادها؟..من هنا فالأجدر أن يطل
المحلل السياسي على مفارقة السيد
روف مواقع هندسة القرار ورسم
السياسات في واشنطن من منظور
مسلسل الاستقالات التي توالت في
أقل من عام من جانب أركان هذا
الموقع الأميركي بكل تأثيراته على
مجريات السياسة وقضايا الشعوب في
العالم.
وهؤلاء المتابعين وغيرهم الكثير
يعرفون إن السبب الرئيسي
للإستقالة هو إرتباط إسم
كارل روف بفضيحة محاولة الإساءة
الى سفير الولايات المتحدة السابق
في النيجر جوزف ولسون وفضح إسم
زوجته فاليري بليم العميلة
السابقة في وكالة المخابرات
المركزية الأمريكية كرد فعل على
قيام السفير الأمريكي بإتهام
البيت الأبيض بأنه إعتمد على
معلومات مضللة وغير صحيحة حول
قيام العراق بإستيراد اليورانيوم
من النيجر وبالغ في تقدير الخطر
الذي يمثله العراق لتبرير اجتياحه
.
وكشف تحقيق لاحق ان روف كان احد
المسؤولين عن عملية تسريب اسم
العميلة، لكنه لم يلاحق قضائياً.
وهذه الفضيحة هي
واحدة من أشهر الفضائح الداخلية
في عهد إدارة بوش وهي التي أدت
الى تقديم روف لإستقالته في أيلول
2007 من منصبه في البيت الأبيض
.وجاءت هذه الخطوة لتضيف اسماً
جديداً الى قائمة طويلة من كبار
المسؤولين الذين يتركون مناصبهم
في محيط الرئيس الأميركي بسبب
سلسلة من المشاكل والخلافات
والفضائح ودائماً يدرج السبب
رسمياً تحت عنوان الحاجة للتفرغ
للشؤون العائلية .
وارتبط أسم روف
المستشار السياسي للرئيس الأمريكي
وأحد أصدقائه المقربين بقضية
فاليري بليم العميلة السابقة في
وكالة المخابرات المركزية
الأميركية منذ عام 2003 حيث جرى
تزوير المعلومات لإيجاد تبرير
مسبق للإدارة الأمريكية على شن
الحرب على العراق وشكّلت
إستقالته في نهاية آب 2007 وفي
توقيتها مأزقا أمام بوش عندما
واجه الكونغرس في أيلول من تلك
السنة بشأن الإستراتيجية المعتمدة
في العراق.وتشير
التحقيقات أن سبب فضح إسم العميلة
هذه يعود الى انها كانت بغرض
توجيه الضربة الى زوجها جوزيف
ويلسون وهو سفير الولايات المتحدة
السابق في النيجر الذي فند علنا
منذ سنتين مزاعم إدارة الرئيس بوش
في تبرير الحرب في العراق بناء
على امتلاك العراق أسلحة دمار
شامل واستبعد السفير آنذاك قيام
النيجر بتزويد نظام صدام حسين
بمواد مشعة يمكن استخدامها في
تصنيع أسلحة نووية. فما كان من
روف إلا أن كشف عن هوية زوجة
السفير إلى الصحفي كوبر انتقاما
من تصريحات زوجها على حد قول
ويلسون.
وقد أدلى الصحفي كوبر بهذه
المعلومات أمام المحكمة ليضع
البيت الأبيض في موقف لا يحسد
عليه خاصة وأن قادة الديمقراطيين
قاموا بحملة هجوم شرسة علي روف
وطالبوا الرئيس بوش بفصل روف من
منصبه .
وفي كتابه
"ماذا حدث : داخل البيت الأبيض
لبوش وثقافة الخداع في واشنطن"قال
الناطق السابق باسم البيت الأبيض
سكوت ماكليلان: (
لقد وعد الرئيس نفسه بتحقيق ما
عجز والده عن القيام به وهو الفوز
بولاية ثانية في البيت الأبيض.
وهذا يعني أننا كنا نعمل في مناخ
الحملة الدائمة، عدم التفسير،
وعدم الاعتذار، وعدم التراجع.
لسوء الحظ، لم تكن لهذه
الإستراتيجية أسباباً مبررة، عدم
مراجعة الذات، وعدم التقدير، وعدم
المساومة، خصوصاً عندما يتعلق
الأمر بالعراق".واعترف ماكليلان
أنه سمح بتعريض نفسه للخداع من
خلال عدم الكشف عن هوية فاليري
بلام ويلسون، الأمر الذي أدى على
هجوم إعلامي على فريق العمل
الصحافي في البيت البيض بسبب
نشاطات روف ومساعد تشيني لويس
"سكوتر" ليبي في هذه المسألة)!..
وعندما نستثني مصلحة شعوب العالم
وأحقيتها وعدالة ما تؤمن به ومنها
العراق !..بإعتبار أن التخطيط
لغزو
وإجتياح وتدمير العراق وإحتلاله
مسألة تتعلق بالأمن
القومي الأمريكي وليس مهما ما هي
نتائج الفعل!!..فأين المصلحة
القومية الأمريكية في رسم
سينايوهات كاذبة لإستخدامها كمبرر
لتحقيق نزوات وطيش الرئيس
وطاقمه!!..وهكذا لم يكن مهما أين
تكمن مصلحة الولايات المتحدة ولا
مصلحة الشعب الأمريكي لأن الطاقم
المحيط ببوش كان ينظر إليه فقط
وينفذ رغباته ونزواته وإن كانت
هذه الأعمال تتم وفقا لمعلومات
كاذب وأساليب ملفقة وملتوية .
لم يعد أحد يذكر كارل روف!!..
كارل روف مستشار بوش ومهندس حملته
للرئاسة ولإحتلال وتدمير العراق
..الذي قال في مقابلة مع الصحفي
رون سوسكايند في تشرين اول 2004:
(
إننا اليوم إمبراطورية..وعندما
نتحرك فنحن الذين نخلق واقعنا
الخاص..وبينما نقوم بدراسة هذا
الواقع سنقوم بالتحرك مجددا لنخلق
واقعا آخر جديد لنقوم
بدراسته..وهذه هي الكيفية التي
تترتب بها الأشياء ..إننا صانعوا
التأريخ..وانتَ ..وأنتم جميعكم
ستُتركون لدراسة ما سنقوم به
)!!..
أين اليوم مَن كان يصنع الأحداث
ويدرسها ثم يكتب التأريخ ويقرأه
الآخرون؟؟..وماذا كتب عنه التأريخ
غير العار ..
كارل روف
المستشار الاستراتيجي للرئيس
الأمريكي
الذي قال في تشرين أول 2006
وهو يبرر التمسك باحتلال العراق
ضاربا عرض الحائط جميع الشعارات
التي تبنتها الإدارة الأمريكية
حول الديمقراطية والحرية والتغيير
وما ينتظر الشعب العراقي من
رفاهية بعد القضاء على (الديكتاتورية)
وخاطب الديمقراطيين في الداخل
الأمريكي الذين يلحون على وضع
استراتيجية خروج من العراق
بالقول: (
إن إدارة بوش لن تترك أحد أهم
احتياطات النفط في العالم لمن
يسميهم “الإرهابيين”)!.
ويعرف العالم أيضا أنه قبل تصريح
المجرم روف هذا كشف رئيسه بوش
الصغير :
( أنه لن يترك العراق لمن يمكن أن
يحاصروا “اسرائيل” ويشكلوا خطراً
عليها وكذلك لمن يهدد إمدادات
النفط الى الغرب)!..
وقبل تصريحات بوش الصغير
ومستشاره ومزور معلوماته روف
..يعرف العالم أيضا ان الرئيس
الأمريكي الأسبق جورج بوش (الأب)
في العدوان الثلاثيني على العراق
وصفه للنفط بأنه طريق الحياة أو
الطريق الى الحياة.
كان الحديث يدور سابقاً حول
الدكتاتورية والاستبداد وأسلحة
الدمار الشامل والعلاقة بالإرهاب،
وها هو العراق الآن يعاني من
كوارث على الصعد كافة، وما زالت
تتهدده كوارث إضافية، بفعل
الاحتلال والفوضى القاتلة التي
صنعها، والشروع في تفتيت النسيج
الاجتماعي العراقي وفي استدراج
جميع أشباح الفتن والحروب
الاهلية.
ما الذي بقي من العراق؟ النظام
السابق رحل، أسلحة الدمار الشامل
كانت اعلاناً تسويقياً لتبرير
الغزو، بنية الدولة تم تدميرها
وتحويلها الى شظايا حتى لا تقوم
دولة بدلا منها، لأن المشروع من
الأساس هو نسف العراق بتفتيته الى
دويلات تمزق نفسها بنفسها وتتقاتل
فيما بينها.
وهذه هي نظرية المحافظين الجدد
وهؤلاء هم رجالها الذين حولوا
العراق الحر الآمن المستقل الى
عراق القتل والفوضى والفساد
والتقسيم ..
وكذبة بوش ونيغروبونتي وفايث
وليبي وروف وغيرهم شقت في العراق
نهرا ثالثا بين دجلة والفرات
..نهر من دم العراقيين الذي لن
يذهب سدى ..
ومع ذلك فإن الكاذب والمزور يصيبه
الله دائما بداء نسيان ما صاغ من
أكاذيب ..
ليصبح في النهاية أضحوكة للجميع
قبل أن يُبشر بالقتل !..
وحينها سنرى من يكتب التأريخ !.. |