الصبر والتحمل والمطاولة

شبكة المنصور

الدكتور محمود عزام

شهر رمضان في العراق عام 2008 !..

شهر رمضان في العراق الجريح النازف والمثقل بالهموم والمسلوب الإرادة والسيادة..رمضان  يدخل السنة السادسة لإحتلال أمريكي وهيمنة إيرانية وتسلط طائفي وهمجي ..وملايين من الشهداء والقتلى على الهوية ..وملايين المهجرين في الغربة وفي الوطن ..ملايين الأطفال اليتامى والأرامل والثكالى..ومئات الآلاف من الأسرى والمعتقلين والمفقودين ..عراق تم تزييف تأريخه وماضيه وسلبت إرادة حاضره وصودرت آفاق مستقبله ونهبت ثروته..

يسير بطيئا شهر رمضان هذه السنة وموائد العراقيين هذه السنة ترجع كما هي بدون رغبة لا بالطعام ولابالماء!..

وإذا جمع رمضان عوائل العراق اليوم فيجمعهم على ذكرى الأحبة وفقدان الأعزة والحنين للماضي والخوف من الحاضر والمستقبل ..

حتى ضحكات عيون الأطفال أرهبتها سرفات الدبابات الأمريكية وصيحات المارينز السكارى في رمضان..

ولا تحلو المداهمات والإعتقالات لقوات الإحتلال ومغاوير الداخلية وألوية الحرس اللاوطني والميليشيات الكافرة إلا في وقت الإفطار!..

شهر رمضان هذه السنة في العراق ..

شهر الحملات والصولات والغارات ..

وطائرات المحتل الأمريكي لا يحلو لها إستهداف وقصف المنازل وقتل الصائمين وتمزيق أجسام الأطفال إلا في وقت السحور والناس يتهيئون لصلاة الفجر في وقت أنهى المعتدون فيه حفلاتهم الماجنة ورقصهم الصاخب ..

رمضان هذه السنة الذي قامت فيه الطائرات الأمريكية المقاتلة بقصف أحدى الدور السكنية في قضاء الدور في محافظة صلاح الدين والذي أدى الى مقتل جميع أفراد العائلة العراقية المؤلفة من ثمانية أفراد والمهجرة من بغداد من جراء متابعة وإعتداءات ميليشيات الدولة الطائفية..

شهر رمضان الذي تقيم فيه الأمهات الليل توسلا وتذرعا لله تعالى لا لكي يدخلهم الجنة بل لكي يعيد أبناءهم المفقودين ويفك أسرهم ويدخل شهداءهم برحمته..

شهر رمضان الذي بدأت الفتيات العراقيات بتقديم إستمارات الإلتحاق بدورات المخابرات والإستخبارات الأمريكية للتجنيد للعمل في مجال الأمن والمخابرات في ظل سكوت المراجع والعشائر والقبائل والأدباء والمثقفين ورجال الفكر والآباء والإعلام والدولة الغائبة في جدران إسمنت المنطقة الخضراء....

شهر رمضان هذه السنة في العراق الذي أعلنت فيه جهات رسمية عن إنتهاكات وإعتداءات وإغتصاب للعراقيات والعراقيين والأطفال في سجون ومعتقلات الحكومة والميليشيات والجيش الأمريكي بإعتراف مجلس النواب الإمعة ..

شهر رمضان هذه السنة ..شهر الطاعة العمياء للأمريكان وتقديم فروض الولاء التام والتبارك والتقديس للموجودين منهم وللزائرين ..للراحلين منهم وللقادمين ..المسؤولين منهم اليوم واللاحقين..من النساء والرجال والمستثمرين ..

شهر الخرسان والطرشان والعميان..

شهر رمضان هذه السنة في العراق ..شهر زيادة الثواب للمحرومين ..بلا كهرباء وبلا ماء ليتعايشوا مع ما يعانيه مئات الآلاف من المعتقلين بلا تهمة وبلا دفاع ..

إنه شهر الحرمان من الأمن الأمان ..أنه الرمضان السادس لصيام العراقيين تحت حراب المحتل الأمريكي ودورياته وصولاته وجعجعة سلاحه وأزيز طائراته ..

وهو هذه السنة  أول رمضان يُفرض فيه على العراقيين المجاهرة بالإفطار ..

وشهر رمضان هذه السنة لنا..

هو شهر الصبر والجَلَد والتحمل والتدريب والتهيوء والإعداد ورص الصفوف وتقوية البنيان وزيادة القوة وتحفيز القدرة وشحذ الهمم ..

إنه شهر إمتحان النفس المقاومة والرافضة والمؤمنة والثابتة على عهد العراق وتحريره ..

وعسى الله ان يجعل رمضان القادم آخر السنوات السبع العجاف وآخر ما يُغاث فيه الناس من أيام في بلد الحضارة ومهبط الرسالات.

mah.azam@yahoo.com

كيفية طباعة المقال

شبكة المنصور

الاثنين  / ٢٢ رمضــان ١٤٢٩ هـ

***

 الموافق ٢٢ / أيلول / ٢٠٠٨ م