برهنت الغارة الوحشية الأميركية
ضد ألبوكمال أن سوريا تقف في
الخندق التحرري الصحيح.
شيءٌ ما في روحك تجدد.
قلتَ لنفسك: التضامن مع سوريا، حق
يجب ألا يعلو عليه حق، كائنة ما
كانت المشاغل من سياسات مزدوجة
تبدو مثيرة للحيرة.
وقلتَ، العدوانُ الأميركيُّ هو
الواقع. وكل ما عداه زائد.
وإذ صار مجرى الدم قريباً، فلا
شيء يبرر موقفاً يقدمُ التضامنَ
مشروطا أو منقوصا أو مترددا.
أراد العدوان أن يهين سوريا في
سيادتها. وأن يقول لها أن
الولايات المتحدة لا تقبل أنصاف
الخيارات. وأن يرد على "جميل"
اعترافها بحكومة اللصوص بالقبيح،
فأرسل الى أراضيها طائرات وآليات
لتقوم بقتل أبرياء.
وكان خلفَ الغزاة غزاة.
حكومة نصابين تبرر العدوان.
وحكومة نصابين تندد به. تارة
لتمارس الفضيحة، وأخرى لتمارس
التقيّة. واحدة يدعمها آية الله
جورج بوش، والأخرى يدعمها آية
الله علي خامنئي. وكلاهما على
دمشق. يريدونها تابعا وملحقا.
ويكرهون على وجه الخصوص خطابها
القومي. يرون به ميراثا يربطُ
بالبعث بعثا؛ ويُذكّر بعد العروبة
بالإسلام، وكلاهما مكروه بدوره.
وفي ذلك ما يجعل الحقد مفهوما.
فدمشق إذا كانت خطابها القومي،
فانه علّة. وإذا كانت تاريخها،
فانه علّة أيضا.
دبابةٌ لهذا. وعمامةٌ تقوية لذاك.
واحدةٌ تقصف. وأخرى تشتري لنفسها
أرضاً وجواز مرور ورخصةً.
ولكنك، إذ تكتشف الخندق، وتلمس ما
تدلك إليه الوقائع، فلن يسمح لك
أحدٌ أن تشترط أو تُنقص أو تتردد
في التضامن.
فهذه دمشقُ. يا ولد.
وهي حاضرتك الأموية الأولى، و...
الأخيرة.
فإن لم تصحُ على أوجاعها لتتألم،
فلا كنت تجدر بالحياة.
وإن لم تر دموعها تختزل المسافة
بين عينيها وعينيك، فلا نظرت.
وإن لم تحنُّ إلى قصّاعها وربوتها
وساحة مرجتها، فلا حنيّت.
وستعرفُ أنك لا تعرفُ من دون دمشق
شيئا.
وسترى أضواء قاسيّون عيونا ترنو
اليها لترنو إليك.
وستفهم أن فيك شيئاً من تاريخها
الأموي سمّيتَه عباسيّا لتحتالَ
به، من خلالها، عليك.
ولن يكون صعبا أن تفهم ما لم تكن
تفهم.
فدمشق في الخندق الصحيح. لترى،
بمحض بغي يرتكبه البغاة، ما لم
يكن بوسعك أن تراه من قبل.
عندما تكون سماءُ قلبك صافيةً،
فستجد أن دمشق هي التي تنبض فيه.
وعندما تراها مجروحة، فسترى أن
دمك هو الذي ينزفُ.
وعندما تُصبح دمشقُ ضحيةً،
فالقتيل هو أنت.
ولكنك تقول كل هذا، لتقول إن لبني
أمية من يترصدهم. وإن التقية
الصفوية، التي صنعت تاريخا من
الحقد المزيف، شاءت ألا ترى فيهم
إلا دم الحسين. فظل الحقد حاديها،
على أموييها قبل عباسييها.
فاستعانت بدبابة على واحد،
لتستعين بدبابة على الآخر.
فأصحُ، يا ولد.
لعلك تكتشفُ، في التناقض ما لا
يظهرُ، في مرآة التاريخ، تناقضاً.
فلئن تناقَضتَكَ صروفُ النجاة على
تناقضٍ في السلوك حيال عدو تراه،
وعدو لا تراه، فهذا لا يغير شيئا
من وضوح الرؤيا هناك.
وكلاهما عليك.
وأنت هنا، تجترحُ المعجزات، ظنّا.
وهم يرون. ويمدون حبلا، ليجرون.
إذا شاءوا أظهروا تواطؤا، وإذا
شاءوا اعتدوا.
وهذا تاريخٌ إذا كان هو الذي يصنع
مجرى الدم في بغداد، فهو نفسه
الذي يصل، عبر ألبوكمال، الى
دمشق، ليهين فيها سيادتها، وليرد
اليها "جميل" الاعتراف بحكومة
النصابين، دما. وليرفض منها أنصاف
الخيارات.
وقد تختار التلاعبَ، ظنّا.
فغيّر خطابك، لو تقدر. فهذا قد
يخفف عنك غلواء الدبابة الأولى،
ولكنه لن يمسح تاريخا كان هو الذي
صنعك.
أو غير هويتك، لعل عمامة من عمائم
الحقد تكف عن أن ترى في عروبتك
خصما، أو في أمويتك ما يستجلب
الثأر عليك.
في بغداد الصفوية، اللطمُ جارٍ
كما ترى.
وعلى اللطم ترقص بنات آوى الغزاة،
لتقتنص حصة من النفط والغاز.
نصفها للصوص، ونصفها لحمُاتهم،
تاركة للعباسيين الكوليرا وتلوث
المياه.
فمن ألف وأربعمائة عام، قالوا،
أنهم خسروا السلطة. الأمويون
كانوا هم السبب. معاوية بن أبي
سفيان، الذي اتخذ من دمشق مقرا،
كان هو الذي غلب عليّا. ثم قتل
إبنُه إبنَه.
وهم يعرفون شعرة معاوية.
ويفهمونها جيدا. ولكن التقية،
اليوم، أغلب. لم تقطع الشعرة،
ولكنها لم تقطع الحقد على ثقافتها
أيضا.
غلبوا العباسيين بدبابة. وها هم
يغلبون الأمويين بعمامة.
وكلاهما عليك.
وحيث تضطرب الرؤيا بين تنديد
وتبرير، فلأن حكومة النصب تعرف
أنها تخدم العمامة بدبابة
والدبابة بعمامة، حتى تنضب
المحاصصة النفطية.
والنفط، بلا عدادات، على ولاء
للحسين. والنهب جارٍ على "خُمسٍ"
لآية الله علي السيستاني.
والكوليرا تبدأ لطماً، على ولاء
لآية الله جورج بوش قدس الله سره.
وكم كنتَ على حمقٍ عندما قلتَ أن
المقاومة وحدها هي التي تحمي
دمشق، وكأن دمشق لا تعرفُ ما
تعرفُ، أنت الذي لا تعرف من دونها
شيئا.
فدمشق حاولت أن توازن السمع
والبصر. لعلها تنجو من حصار، كنت
تُفضّلُ ألا تراه.
وهي عارية أمامك، عريها على شهوات
الغزاة.
يسوقهم حقدٌ على موقعها، ويسوق
غيرهم حقدٌ على خطابها. دبابة
وعمامة. واحدةٌ تهدد، والأخرى
تبدد. واحدةٌ تختص بهدم البنيان،
والأخرى تختص بهدم العنوان. فيضيع
المعنى ليُلحقَ بالبعث بعثاً.
ولئن اختارت دمشق أن تغازل
الغزاة، فلأنها كانت تحاول أن
تغازل العمامة، ظنّا.
ولكن اللطمَ جارٍ.
وها أنت وحدك الذي تبكي.
دم تراه، ليلحق به دم لا تراه. دم
يذهب على روح الحسين نفطا، ودم
يذهب في مجرى الثأر حقدا. ووراء
كل دبابةٍ عمامة.
وقلبك يعرفُ كم كنتَ على حَمَقٍ،
إذ شككتَ بما تعرفه دمشق عن
نفسها.
وكنتَ تسأل: ماذا كانت ستفعل
حكومة النصابين في بغداد لو أن
الغزاة ضربوا موقعا في إيران؟
هل كانت ستبرر الأمر بملاحقة
الإرهاب؟ هل كانت ستكتفي بالتنديد
المنافق، على أمل برفع العتب؟
ولكنك تعرف أن الدبابة لا تخذل
العمامة. وانه ما كان لأمر كهذا
أن يحدث أبدا.
واشنطن تعشق التواطؤ. وطهران
تتاجر به أكثر مما تتاجر بالفستق
الحلبي! وفي بغداد الصفوية تكتمل
المحاصصة.
أما دمشق، فشيء آخر تماما. إنها
عدو مشترك. عدوٌ بمبناها، وعدوٌ
بمعناها.
أفهل وجدت في الخندق شيئا؟
فقف في صفّها. وضع بلسما على
جرحها. وقل لها سيادتك لم تهدر.
كرامتنا هي التي هدرت.
ولا تقسُ عليها.
وارضَ، من أنصاف الخيارات،
بنصفها.
ولا تسأل دمشق عن معناها. فهي
تعرف ما تعرف عن نفسها، وتعرف
انكَ تحتالُ بها، ومن خلالها،
عليك.
فهذه دمشقُ،.. يا ولد.