بالأمس تناقلت
الأنباء خبر لقاء جرى بين جلال
الطالباني، الصورة الكاريكاتير
التي علقها الاحتلال الأميركي
كرئيس لجمهورية العراق، وبين
باراك نتانياهو، أحد أكبر رموز
الشر الصهيونية. واليوم تتحف
أسماعنا بخبر زيارة سعد الحريري
إلى العراق ليصافح الطالباني،
ويتفاوض مع كل رموز العمالة في
العراق.
كان لقاء
الطالباني مع نتانياهو استئناف
لعلاقات قديمة تربط أسرة الأول مع
الكيان الصهيوني، وظهور واضح علني
يعبر عن طبيعة احتضان الكيان
الكردي الانفصالي للوجود الصهيوني
في العراق بشكل عام، والفيدرالية
الكردية في شماله بشكل خاص.
ليس هذا فحسب،
بل أيضاً إن كل من أسهم من
العراقيين في احتلال وطنهم، إنما
كانوا راضخين لكل تفاصيل مشروع
الاحتلال، ويأتي في مقدمتها
الاعتراف بالكيان الصهيوني ونسج
علاقات طبيعية معه. هذه الحقيقة
تفرض نفسها علينا لنشكك بحسن
نوايا سعد الحريري التي حاول
تغليفها بالزعم أنه يدافع ضد
الاقتتال الطائفي في العراق، كما
أنه جاء إليه للدفاع عن عروبته.
وهل يطلب وقف الاقتتال الطائفي
ممن تجذرت الطائفية في نفوسهم،
ويطلب الدفاع عن عروبة العراق ممن
أغرقوا في العداء للعروبة عن سابق
تصور وتصميم؟
هنا تستوقفنا
مسألة التفتيش عن أسباب الزيارة
وأبعادها التي قام بها سعد
الحريري إلى العراق، ولقاءاته
المكوكية مع كل من هبَّ ودب من
عملاء الاحتلال. وهنا نتساءل: هل
أهداف الزيارة كانت لأجل إعادة
إعمار العراق كما حاول أن يوحي؟
أم أن لها أسباباً أخرى دفعت
بالملياردير اللبناني للمخاطرة
بحياته وسمعة بلده، وسمعة التيار
الشعبي اللبناني الذي يتزعمه؟
فإذا كان
الرأسمال لا يعترف بوطن، فهو
يندفع إلى التوظيف حيثما يجد
هدوءاً واطمئناناً، نستنتج بأن
الملياردير اللبناني ليس بحاجة
إلى توظيف أمواله في بلد لا تغيب
عن أرضه الشمس إلاَّ ويسجل عشرات
من الضحايا في قائمة الأموات، ولا
تغيب الشمس إلاَّ لتشرق على تدمير
جديد في بنيته التحتية، ولتسجل ما
لا يطاق من عدد السرقات والنهب.
هذا الأمر
يدفعنا إلى الاستنتاج بأن أسباب
زيارة سعد الحريري إلى العراق
تحتمل كل الأسباب ما عدا سبب
الإسهام في إعادة (إعمار العراق).
أسباب الزيارة
سياسية مدفوعة لتجميل صورة
الاحتلال الأميركي
هذه المرحلة
عند إدارة جورج بوش أوان تجميل
السلع وتقديمها للمتسوق الأميركي
بأجمل الحلل، من أجل كسب صوته في
الانتخابات القادمة. السبب الذي
يدفع بإدارة بوش إلى الاستعانة
بكل المساحيق العربية الرسمية،
وكل المساحيق الإعلامية
المتواطئة، واستنفار كل الاحتياط
لديها ممن يخدم ظهورهم في العراق
آلة الدعاية الأميركية. وهم
يسهمون جميعاً في إظهار العراق
تحت الاحتلال بأنه جنة الرب
الأميركي على الأرض.
وهل أهم من
برهان يسوقه الاحتلال اليوم من
تصوير سعد الحريري يسرح ويمرح من
بغداد إلى النجف إلى كربلاء إلى
المنطقة الخضراء، ليوحي كأن
العراق أصبح مثالاً للأمن
والأمان؟
عندما فاجأتنا
الأخبار بنبأ تلك الزيارة صعقنا.
وإننا على الرغم من تأكيدنا بأن
الرأسمال لا وطن له، فإننا وضعنا
أيدينا على قلبنا خوفاً على العمق
الشعبي الوطني الذي يزعم الحريري
تمثيله، هذا العمق الشعبي الذي لا
نشك بوطنيته وعروبته ولا طائفيته،
من أن تسيء إليه مغامرة زعيمه في
الذهاب إلى العراق ومصافحة كل
عملاء الاحتلال الأميركي المعادين
لكل ما هو وطني أو قومي.
بداية نعتذر
من تلك الجماهير، ونتمنى عليها أن
لا تنفعل بما سنقوله من آراء
فرضتها علينا الزيارة التي قام
بها سعد الحريري إلى العراق.
ليست للزيارة
أهداف قومية وليست حريصة على
الديموقراطية ولا على استعادة
وحدة الشعب العراقي الوطنية
لقد قام سعد
الحريري في زيارته القصيرة بجولة
شملت كل المتواطئين مع الاحتلال
الأميركي من جهة، والمتواطئين مع
النظام الإيراني من جهة أخرى،
والمتواطئين على سرقة العراق من
جهة ثالثة، والأمر الأكثر غرابة
هو أنه لم يقدم لنا ما يقنعنا
بأهداف زيارته لهم ولا بأسبابها.
وتناولت زيارته جملة من القضايا
السياسية الحساسة التي لم يفلح
بالدفاع عن آرائه الإيجابية فيها.
وهو بدلاً من إقناعنا بها خرج بنا
وبنفسه أكثر بلبلة وأكثر غموضاً.
من جولته ومن
آرائه نستنتج أن زيارته كانت
دعائية من جهة ورسالة أميركية
للإيرانيين من جهة أخرى
إنه في الوقت
الذي نرى فيه الملفات الساخنة بين
إدارة جورج بوش والنظام الإيراني
تميل نحو التبريد، بدءاً من
الساحة اللبنانية مروراً بالساحة
الفلسطينية والعلاقات الثنائية
بينهما من خلال الاتفاق على إعادة
فتح قنصلية أميركية في طهران
انتهاء بالتأجيل المتلاحق
والمستمر للمباحثات حول الملف
الإيراني، يظهر أن توصيات لجنة
(بيكر – هاملتون) بالتحاور مع
إيران قد أخذت طريقها للتطبيق في
هذه المرحلة.
وفي المقابل،
وفي عملية تجميل وجه الاحتلال في
العراق، وتجميل وجه عملائه، تجهد
إدارة جورج بوش من أجل تطبيع
للعلاقات الرسمية بين حكومة
المالكي العميلة وبعض الأنظمة
الرسمية العربية، التي من أهم
أسسها في هذه المرحلة إعادة
التمثيل الديبلوماسي العربي إلى
بغداد. لكن إدارة بوش لم تفلح في
هذا الأمر إلاَّ جزئياً، وهذا
الجزئي لا يزال ناقصاً عن الحد
الأدنى، فالإدارة قد حصلت على
وعدين أبترين من الأردن والكويت،
من خلال إبداء الرغبة في تعيين
سفيرين في بغداد من دون وضعهما
على سكة التنفيذ حتى الآن. بينما
لا تزال معظم الأنظمة الرسمية
الأخرى عازفة حتى عن إعطاء وعد
بذلك، والحجة هي عدم اطمئنانهم
على سلامة الوضع الأمني في
العراق.
فهل عزوف
الأنظمة الرسمية عن الاستجابة إلى
الطلب الأميركي، دفع بالأميركيين
للاستعانة بما تيسَّر ممن يسهمون
في تجميل الوجه القبيح للاحتلال
وعملائه؟
جولة سعد
الحريري على أتباع النظام
الإيراني ليست حرصاً على وحدة
السنة والشيعة
لنفرض أن هدف
الحريري من جولته مد جسور الحوار
بين الطائفتين المسلمتين، ألم يكن
الأحرى به، في المقابل، أن يجول
على قيادات سنية ومنها (الحزب
الإسلامي العراقي) الممثل بحكومة
العمالة؟
ولنفرض أن
هدفه جاء دفاعاً عن العروبة، كما
يزعم قائلاً: إن العراق ولبنان
حالة واحدة، وأن البلدين لهما عمق
عربي ولا يمكن
لأي
جهة خارجية النيل منهما أو حرف
اتجاههما.
فنقول بأن الدفاع عن عروبة العراق
ولبنان لا يمكن أن يكون بمساعدة
الاحتلال الأميركي، وإنما بمقاومة
هذا الاحتلال. والدفاع عن عروبة
العراق لا يمكن أن يكون بمساعدة
الحكومة العميلة وكل المؤسسات
المركَّبة على مقاييس العداء
للعروبة. أو ليس الحد الأدنى
للدفاع عن العروبة يقتضي مواجهة
مشروع الشرق الأوسط الجديد؟ فهل
احتلال العراق من قبل الأميركيين،
ومشاركة النظام الإيراني، إلاَّ
اتفاق واضح على تفتيت العروبة إلى
دويلات طائفية؟
طبيب يداوي
الناس وهو عليل
إن من ينتدب نفسه لمداواة أمراض
العراق أن ينجح في مداواة لبنان.
ومن يفشل في مداواة لبنان لا شك
بأنه يعجز عن مداواة العراق. فهل
نسي أن الاحتلال الأميركي،
والشريك الإيراني، قد عملا على
تحويل العراق إلى أنموذج لبنان في
تحكيم نظام الطائفية السياسية؟
وهل لم يقرأ كل التحليلات التي
تؤكد أن العراق قد تلببن؟
أما إذا كان الهدف بقصد التجارة
والربح فقد ارتكب سعد الحريري،
كما فعل غيره من السياسيين
اللبنانيين، جريمة الربح والتجارة
على حساب الشعب العراقي الذي ينهب
الاحتلال وعملاؤه وشركاته كل فلس
من ثروة العراقيين الوطنية، بينما
غالبية الشعب العراق تحتاج إلى
رغيف من الخبز وحبة من الدواء
وبصيص ضئيل من الكهرباء. |