توقعنا ان تقوم
كونداليزا رايس بزيارة العراق .. وذكرنا ذلك
في وقت سابق ..وقلنا انها ستنزل من الطائرة
وهي تحمل عصا غليظة وجزرة صغيرة لحل مشكلتين
عراقيتين عالقتين واحدة كبيرة ومهمة والثانية
صغيرة ومختلقة ..
وترى الإدارة الأمريكية
بشكل عام أن أساس هذه المشكلتين بل كل المشاكل
التي تطفو يوميا في العراق هو (
عدم قدرة قادة
العراق الحاليين للنهوض بمسؤولياتهم والسمو
فوق النزعات الخاصة والامور الصغيرة التي
يصرون عليها بالرغم من تأكيدات الإدارة
الأمريكية على ضرورة تجاوزها)..
ويكاد يكون موضوع (الروح
الإنتقامية والثأرية والاستعداد لفرط أي تحالف
وعدم الثقة !) بسبب (العقدة
والخوف من النظام السابق ) والسعي
المحموم ( لجمع
الثروة بالسرقة والفساد) و(الإحتكار
للسلطة وتغييب الآخرين) و(رؤية
النفس لاكبر من حجمها الحقيقي ) و(الإزدواجية
في الولاء والطاعة) هي أهم مميزات
هؤلاء الذين تصر الإدارة الأمريكية بتسميتهم (
بقادة العراق
الجديد ) ..
وما دامت الإدارة
الأمريكية قد وضعت كل بيضها في سلة هؤلاء
فسيكون عليها دائما مراقبة ما يجري في الداخل
العراقي بكل تفاصيله بدلا من تركيز رؤيتها على
ما يحيط بها من أعداء !..وهذا ما يثير حنق أي
قائد أمريكي يزور العراق وآخرهم باراك أوباما
الذي لم يخض بعد انتخابات الرئاسة كممثل لحزب
معارض لسياسة بوش والذي أنب السياسيين وشيوخ
العشائر ودعاهم الى (نبذ
خلافاتهم جانبا!!) ..ومعروف للقاصي
والداني عن أي شيء يختلفون وقد توافقوا على
الرضوخ للمحتل؟..
المشكلة الكبيرة
والمهمة التي جاءت من أجلها رايس للمنطقة هي
ما أثير من لغط وتصريحات حول فحوى الاتفاقية
الأمنية مع الولايات المتحدة وعدم تقدير
الحكومة العراقية لأهمية هذه الاتفاقية
للجمهوريين ولبوش وسعي أفراد طاقم الحكومة
والبرلمان للتعبير بشكل غير مسؤول عن معارضتهم
لها والرغبة بالظهور بمظهر وطني وحريص على
مصلحة العراق لاغراض ومكاسب شخصية وانتخابية
..فكانت التوجيهات واضحة ومركزة ومن يريد ان
يعرف ما هي هذه التوجيهات عليه بمتابعة
تصريحات الناطق بأسم البيت الأبيض والخارجية
الأمريكية..لا حديث
عن جدولة للإنسحاب ..ولا يحق لأي شخص كان أن
يتطرق لمواعيد رحيل لهذه القوات لأن لهذه
القوات مهمة وستغادر العراق بعد ان تنجزها
..وهذه المهمة غير محددة لحد الآن
..كانت هذه المهمة هي القضاء على أسلحة الدمار
الشامل التي روجوا وكذبوا بأمتلاك النظام
الوطني الشرعي لها والتي مثلت السبب الرئيسي
لنزول الولايات المتحدة للمستنقع العراقي
..وتحولت المهمة الى ضرورة إزالة النظام
العراقي ليصبح العالم أكثر امنا بعده..وتطورت
المهمة لتصبح الغاية هي بالوصول بالعراق الى
الديمقراطية ..ثم محاربة الأرهاب التي قد
تستمر كمعركة لمائتي سنة قادمة!..فوجود القوات
الأمريكية في العراق لا تحدده اتفاقيات ولا
معاهدات بل تحدده الولايات المتحدة نفسها وما
يتفق عليه اليوم قد لا يطبق غدا ..وما لا يتم
الاتفاق عليه قد يطبق اليوم ..وهذا هو حال كل
الشعوب المحتلة ليس امامها الا واحد من طريقين
اما الرضوخ ( من
خلال الحكومة بكل مؤسساتها وتشكيلاتها
واحزابها )
او بالمقاومة والقتال حتى التحرير..
أما من يريد تطمينات
لهذا الطرف الأقليمي او ذاك فهذا غير مهم أيضا
فما سيكتب اليوم ستنظر الادارة الأمريكية في
أهمية الإلتزام به غدا!!..
هذه هي مفاهيم المحتل
وأولوياته ..ما يريده يتوهم بأنه سيحصل عليه
..وعلى الحكومة (
المنتخبة تحت مظلته وحرابه) أن توجد
المبررات القانونية والتشريعية وعليها ان تشرح
وتتبنى نهج ارادة الإحتلال وعليها ان تعرف
أيضا أنه يمكن أن يغير من نهجه في أي لحظة
وعلى الحكومة والأحزاب والأجهزة المرتبطة بها
ان تتبنى موقفها الجديد وتجد المبررات للتغيير
ولأن الحكومة الذليلة ومؤسساتها لا تعرف على
وجه التحديد ما هي الأهداف الأستراتيجية
للمحتل لكي توظف قدراتها وإمكاناتها (
في التبرير وإيجاد
الأعذار ) عند الرجوع أو القفز على
الأهداف المعلنة ومن ثم العودة اليها!.. وهذه
المحنة هي مشكلة كل العملاء الذين يتوهمون
انهم عليهم أن يعرفوا كل شيء ويتناسون ان لهم
دورا محددا لا يسمح لهم مجرد التفكير
بتجاوزه..
أما المشكلة الصغيرة
الثانية فهي ما أثير من ضجة حول كردية كركوك
او عراقيتها !..وما تمخض عنه ذلك من صراعات
وتصريحات متضاربة لا تعبر عن موقف الولايات
المتحدة التي هي الآمر والناهي بالموضوع..وهنا
يتكرر هذا المشهد لمرات عديدة عندما يحرج طيش
القيادات الكردية كل طاقم الإدارة العسكرية
والمدنية الأمريكية ..مرة بإثارة المشاكل
وإطلاق التصريحات الطاووسية التي تغضب تركيا
..ومرة بالتطاول على (حكومة
المركز) وفي كل مرة يتقارب فيها
الأكراد مع الإئتلاف تبرز مشكلة كركوك وعندما
وصل الأمر لحل توافقي ظهرت جهات أخرى أرادت ان
تدلي بدلوها وتعقدت المشكلة بسبب عنجهية
الأطراف المتحالفة – المتصارعة ويقف بالقرب
منهم ويراقبهم المحتل الأمريكي بكل عنجهيته
وصلفه!..
يقولون ان زيارات رايس
تحمل دائما "الحل
السحري "لمشاكل الحكومة العراقية
والاحزاب المحركة لمنهجها الضيق المرتبط
بمصالح خاصة وضيقة وبإيران ..ونقول ان
زياراتها تحمل "الأمر
والقرار" لكبح جماح هذه التيارات
المتصارعة!..
والغريب أن كل زيارة
لرايس للعراق لحل معضلة ما يعقبها ظهور مشكلة
جديدة أعمق!..فما أن غادرت رايس بغداد حتى
تصاعد دخان عجلات الحكومة بشكل متسارع
ومتصاعد باتجاهين :
الأول : إستهداف
الصحوات الذي شكل إنعطافا خطيرا في معاقبة (
المساندين
والمطهرين!) الذين ثبتوا (حكومة
المالكي!) !!..والثاني : دخول خانقين
بقوات الجيش العراقي الذي أعتبره (القادة)
الأكراد (إنتهاكا
صارخا لسيادة الإقليم!) وما صاحبها من
هجوم شديد على عنصرية الأكراد وكونهم يستلمون
نسبة من الإيرادات تفوق حجمهم واستحقاقهم!!..
ومثلما توقعنا زيارة
لرايس ..نتوقع زيارة لبوش ..لا لكي يعيد
حساباته الخاطئة بل ليؤكد عنجهيته وفشله وطيشه
.. وليمعن الساسة العراقيون الدخلاء في
معاركهم والبحث عن مصالحهم والإقتتال من اجلها
..
والأغرب.. ان الولايات
المتحدة وبيوت الخبرة فيها والاستراتيجيون
والمفكرون والقادة لم يسألوا انفسهم سؤالا
بسيطا يتكرر دائما :
هل هذا هو العراق
الجديد بديمقراطيته الوردية ؟..و كيف سيكون
الحال عندما تغادر رايس مسؤوليتها في وزارة
الخارجية وهل سيتعاقب حمالي العصي بالتوجه الى
بغداد كلما تضاربت مصالح هؤلاء ام أن
الإتفاقية الأمنية ستحل هذا الموضوع؟..وكيف
ستتمكن الولايات المتحدة من تسويق تجربتها في
العراق الى أماكن اخرى؟..وهل ستتجه الولايات
المتحدة للإستعاضة عن كل أشكال الحكم
بالتيارات الدينية التي تدين بالولاء لإيران
ابتداءا من لبنان وسوريا والعراق ونزولا الى
دول الخليج؟..حيث ستتحول الدعوة (الإسلامية
والمذهبية والطائفية ) من شعار (متطرف
وسلفي ) كما كان من وجهة النظر
الأمريكية والأوربية الى شعار تتبناه الإدارة
الأمريكية في قتالها الدامي مع (أعدائها)
خارج الولايات المتحدة وفي كل مكان في العالم
وخصوصا في منطقتنا العربية والإسلامية بغية (
تطبيق مباديء
الشريعة الإسلامية!) ..ومن يقبل وصاية
الأمريكان الدينية ليقبل بصداقة أذنابها هؤلاء
والتحالف معهم لتضع الدولة الرأسمالية الأقوى
في العالم كل بيضها في سلتهم المثقوبة؟.. |