من بين الشعارات الوطنية العديدة
، التي رفعتها ثورة 23 تموز
المصرية الوطنية والقومية ، ذلك
الشعار السياسي الذي يتعلق بحاضر
الإنسان المصري ومستقبله ، آنذاك
، في ظل معاناة المواطنين
المصريين الذين كانوا يعانون
الأذى العميق من قبل ثالوث المرض
والجهل والاِستغلال،وهي السمات
التي وسمتها التطورات الاِقتصادية
والاِجتماعية التي كانت قائمة في
النظام الملكي السابق للثورة
المصرية . كان الذل السياسي
المفروض من قبل الاِستعمار
الأجنبي البريطاني الذي غرز
أسنانه الاِستغلالية في أجساد
الشعب المصري،للدرجة التي تحكم
فيها حتى بنظام الحكم الملكي
القائم حينئذٍ . وكان هذا الشعار
يتعلق بروحية حقوق الإنسان
الحيوية والفعلية على كل الصعد .
جوهر هذا الشعار يتعلق بالمفاهيم
الإستراتيجية السياسية الكلية
التي تتعلق بحياة الفرد ، كفرد ،
والشعب كمفهوم يعبر عن الطبقات
المتراكبة بعضها فوق بعض ، حيث
كانت :
1) الأمية تتفشى كافة أوساط
الطبقات الشعبية .
2) والأمراض المتنوعة تنخر في
أجساد المصريين ، خاصة في أوساط
طبقة الفلاحين الواسعة العدد .
3) والاِستغلال البشع من قبل
طبقة قليلة العدد متسلطة على
المجتمع ، ومحمية من القصر
والاِستعمار البريطاني في آن واحد
، يضرب أطنابه في صفوف الكادحين
كلهم .
4) وكانت القوى الاِجتماعية
التي تمثل الصعود السياسي المبني
على أفق من التطورات ، مغيبة
فعلاً من أي بعدٍ سياسي .
5) وكانت موضوعة : الأسلحة
الفاسدة التي سادت في فترة قبيل
23 تموز ، والتي ترافقت مع الحرب
الفلسطينية من أجل الحفاظ على
هوية الأرض ـ سواء عن حقٍ أو باطل
، قد لعبت دور عود الثقاب في ظهور
القوة السياسية الواعدة ،
المنبثقة عن الجيش المصري ، خاصة
من تلك الأصول التي تنتمي للطبقات
الاِجتماعية الوسطى .
كان ظهور القيادة الكارزمية من
بين صفوف تلك القيادات العسكرية ،
هي السمة الأبرز التي شكلت صمام
الأمان لأفق التطور السياسي
وتجنيبه العثرات السياسية من خلال
العمل على التمسك بسياسة الأهم
على المهم ، لذلك كانت مواجهة
الاِستعمار البريطاني وذيوله
المصرية،هي المهمة الرئيسة التي
واجهتها الثورة،وكان تسليح الجيش
المصري هي المسألة التي فتحت
أبواب المستقبل للثورة المصرية ،
وترافقت مع هذه الخطوة التي شكلت
باكورة التعاطي مع المعسكر
الاِشتراكي،وترافقت مع طرد القوات
البريطانية التي كانت تحتل أغلب
مرافق قناة السويس وتقيم القواعد
العسكرية على ضفافها،وتوالت في
أعقاب ذلك التطور خطوات عملاقة من
بينها تأميم القناة وبناء السد
العالي وتوزيع الأرض على
الفلاحين،وغير ذلك من الخطوات
التي كان أبرزها عقد ميثاق الوحدة
بين الإقليمين الشمالي : سوريا ،
والجنوبي مصر ليشكلان الجمهورية
العربية المتحدة . . . إلخ ، كانت
تجربة الثورة المصرية هي الرائدة
في مواجهة المهمات السياسية التي
اشتقت مهامها من طبيعة التناقضات
الاِجتماعية والاِقتصادية ، ومن
دون اللجوء للتقليد الإيديولوجي
المتمرس في رؤوس البعض .
إذن ، أهم سمات تطور تلك
الثورة هو الاِهتمام في حياة حقوق
الإنسان فعلاً ، وعلى غير المزاعم
التي تروجها منظمات ((حقوق
الإنسان)) الممولة من قبل القوى
الغربية ، وبعض أنظمتها المعادية
للأمة العربية ولحقوق الإنسان
العربي ، وكان مواجهة الثوار
للحالة الاِحتلالية الملموسة ، قد
أكدت في العديد من متبنياتها
الفكرية والسياسية ، أنّـه لا فرق
بين اِحتلال من قبل هذا النظام
العنصري وذلك الكيان المغتصب،ولا
يوجد شيء إسمه إحتلال جميل ،
وإحتلال قبيح، طالما أنَّ الهدف
السياسي واحداً ، وهو الذي يتمثل
بتشريد الشعب واِستغلال طاقاته
واِمتصاص ثروات وطنه المادية .
الأمر الذي يعني بالنسبة
لشعبنا العربي الأحوازي،أن المهمة
الراهنة والتي تتقدم كافة الخطوات
المطلوبة ، هو مواجهة ما هو مفروض
عليه وعلى مستقبله من قبل القوة
الفارسية المحتلة لأرضه ،
والمستغلة لثرواته، والمحاربة
لآفاق تطوره المجتمعي على كافة
الصعد . وهذا يعني هو الاِستفادة
من تجارب شعبنا العربي التاريخية
، واِستلهام الدروس الأساسية لهذه
الثورة العربية المصرية ، التي
كانت حكمة رئيسها المجاهد الخالد
جمال عبد الناصر ، وألقه الفكري
ومضائه السياسي الفذ وجرأته
الشخصية النبيلة ، القائمة على
الحسابات الدقيقة ، هي جوهر تلك
الدروس ، وهذه الأفعال المحفزة
لفعالية أي تطور سياسي واِقتصادي
هي التي ألبت عليه القوى المعادية
التي توّجت فعلها التآمري الشرس
في الخامس من حزيران عام 1967،
وجعلت ذكراه الخالدة نقطة ضوء
جاذبة لكل الجمهور العربي،رغم مضي
أكثر من نصف قرن على غياب جسده
الطاهر . |