ومادمنا قد وضحنا معنى الوضع
الستراتيجي بقي علينا ان نوضح
معنى القضية المركزية . ان جعل
القضية الفلسطينية هي القضية
المركزية كان الاساس في تجسيد
قومية المعركة والمعبر الدقيق عن
الترابط العضوي والجدلي ، بين
ابناء الشعب العربي الواحد من
موريتانيا وحتى عمان ، وليس نتيجة
تعاطف ودعم لقضية عادلة ، كما
تفعل الشعوب الغير عربية . ان دعم
العرب للقضية الفلسطينية يعود
لاسباب عديدة أهمها :
1-
لان فلسطين جزء اصيل من الوطن
العربي وشعبها جزء من الامة
العربية .
2-
لانها عندما احتلت اصبحت منطلقاً
لتحقيق الخطوات الاخرى من المخطط
الصهيوني القائم على شعار ( دولتك
يا اسرائيل من الفرات الى النيل )
، ثم بعد الاستيلاء على هذه
المنطقة المهمة جداً جيوبولتيكياً
، سيتم فرض الهيمنة الاسرائيلية
على كل الوطن العربي .
من هنا فأن الخطر الاسرائيلي
لايقتصر على غزو فلسطين ، وهو غزو
بحد ذاته يلزم العرب بمحاربة
اسرائيل بلا تراجع او مساومة ، بل
هو ايضاً غزو اولي ومقدمة لغزو كل
الوطن العربي اما جغرافياً
وسكانياً ، بين الفرات والنيل
طبقا للصهيونية التقليدية ، او
بالهيمنة على بقية الوطن العربي ،
ونهب واستغلال موارد كل الوطن
الكبير طبقا للصهيونية الجديدة .
بهذا المعنى فأن وصف فلسطين بانها
القضية المركزية لايعني انزال
قيمة الاقطار العربية لاخرى خدمة
لفلسطين ! فذلك الموقف ليس خاطئاً
فحسب بل هو خيانة للقضية
الفلسطينية ، مادامت قضية كل
العرب ، لان غزو او تقسيم أي قطر
عربي ، سواء من قبل ايران او
اسرائيل او امريكا ، هو اضعاف
مباشر للقضية الفلسطينية ، اضافة
لكونه تفريط مجاني باراض عربية
اخرى .
كيف اذاً حينما يكون القطر العربي
الذي يتعرض للاحتلال والغزو هو
العراق ، القوة العربية الاساسية
تاريخياً وحديثاً والتي يعقد
الامل ماضيا وحاضرا عليها قبل
غيرها في تحرير فلسطين ؟
ان الساداتيين الفلسطينيين بشكل
خاص والساداتيين العرب بشكل عام
يقولون : ان غزو الاحواز (
وسكانها العرب ثمانية ملايين عربي
وارضها اكبر من ارض فلسطين بكثير
ومنها يتدفق كل النفط والغاز
ويتعرض شعبها الى عملية تفريس
منظمة كصهينة فلسطين ) ، واحتلال
الجزر العربية الثلاث التابعة
لدولة الامارات العربية المتحدة ،
وشن الحرب على العراق في عام 1980
، ونشر الفتن الطائفية في الوطن
العربي ، والعمل على غزو البحرين
، وتغيير البنية الوطنية والقومية
العربية لكم كبير من المجتمع
اللبناني وجعله مواليا للطائفة
قبل الوطن بفضل حزب الله ، واخيرا
وليس آخر غزو العراق وتدميره
ومحاولة تقسيمه ، يقول هؤلاء ان
هذه القضايا قضايا ثانوية ويجب ان
لاتجعلنا ننسى ان ايران تدعم
القضية الفلسطينية ، ومن ثم يجب
ان نبقي على علاقات التحالف مع
ايران حتى لو قامت بأكثر من ذلك
!
ان هذا المنطق الساداتي الفلسطيني
هو ، في افضل الحالات ، موقف ساذج
في فهم القضايا القومية المبدأية
، ومنها واهمها ان كافة الاراضي
العربية وكافة المواطنين العرب ،
مهما اختلفت اقطارهم ، متساوين في
القيمة ، وان فلسطين ليست افضل من
العراق و لا العراق افضل من
فلسطين . كما انه موقف ساذج على
المستوى الستراتيجي لان
الساداتيين هؤلاء لايرون ،
ولايفهمون مايجري في ساحات الصراع
، خصوصاً اكتشاف ان الصراع
الرئيسي والمعركة الرئيسية تقعان
في العراق وليس في فلسطين ، لان
امريكا ، وهي درع اسرائيل العسكري
والسياسي ومزودها بقدراتها
الاساسية المالية والعسكرية
ومنقذها عندما تتعرض للهزيمة ، هي
التي تخوض الحرب في العراق مباشرة
ومعها جيوش عشرات الدول ، اما في
فلسطين فأن الصراع همّش وقزم
لدرجة ان انصار التسوية السياسية
للصراع ، على مستوى المنظمات ، قد
اصبحوا هم الاغلبية ، بما في ذلك
حماس التي اعلنت رسمياً ، بعد
فوزها في الانتخابات انها ستقبل
بدولة فلسطينية في الضفة والقطاع
مقابل التخلي عن ارض فلسطين
التأريخية ، وتم تأكيد هذا الموقف
مرارا خصوصا بعد زيارة كارتر
واجتماعه بخالد مشعل .
وفي لبنان لم يدعي احد ، بما في
ذلك الذراع الايرانية الاهم
والاخطر وهي حزب الله ، انه يريد
تحرير فلسطين ، بل اعلن وكرر
القول ان هدفه المركزي شكلياً
ورسمياً الان هو تحرير مزارع شبعا
، وهو ماقاله بالقلم العريض حسن
نصرالله اثناء وبعد حرب عام 2006
! وهنا ، وفي ضوء ماتقدم
،
يجب ان نسقط كلياً تلك الفكرة
التافهة والدعائية التي تقول ان
ايران تقود المواجهة الاقليمية
والعالمية ضد امريكا ، لانها لا
تتناقض فقط مع الواقع القتالي ،
والذي يقدم لنا المقاومة العراقية
بصفتها القيادة العامة للصراع
الاقليمي والعالمي كله ، مع
امريكا ، بل انها تتناقض وبشكل
صارخ مع الدور الايراني الفعلي
والرسمي ، فهي
التي ساعدت امريكا على غزو العراق
وتدميره ومحاولات تقسيم العراق ،
وهي تتفاوض مع امريكا لتقرير مصير
العراق والمنطقة علناً وسراً ،
وهي الداعم الاساسي لسلطة
الاحتلال في العراق مباشرة ومن
خلال اذرعها في العراق ، كالمالكي
والحكيم والصدر وغيرهم ، لذلك فأن
صراعها مع امريكا يتمركز اساساً
حول تقاسم الغنائم العربية وليس
لدعم فلسطين او نشر الاسلام او
التشيع العلوي .
في ضوء ماتقدم فان القضية
الفلسطينية ، وان بقيت القضية
المركزية في الامة العربية دون
ادنى شك ، الا ان الصراع
الستراتيجي حولها وبسببها انتقل
الى العراق ، واصبحت الساحة
العراقية هي بوابة تحرير فلسطين
عند انتصار المقاومة العراقية ،
لان هزيمة امريكا في العراق ، وهي
الدرع الذي يحمي اسرائيل ويديمه ،
سوف يؤدي حتماً الى اخطر انكشاف
ستراتيجي لاسرائيل ويمهد لتفككها
وانحطاطها .
مامعنى ذلك عملياً ؟
ان
المعنى الاهم المتضمن فيما قلناه
هو ان الموقف من المقاومة
العراقية المسلحة هو الذي يحدد
الخطأ والصواب في السياسات
العربية الرسمية والشعبية في هذه
المرحلة من النضال العربي العام ،
فدعمها الكامل والمباشر هو
المعيار الحاسم لوطنية واسلامية
وقومية ويسارية أي طرف او شخص ،
لانها هي ، وليس غيرها ، الامل في
تحرير فلسطين انطلاقاً من تحرير
العراق . ويترتب على هذا المعيار
الحاسم ان من يقف ضد الثورة
العراقية المسلحة يقصد حتماً خنق
الامل بتحرير فلسطين ، لان اغتيال
هذه الثورة سيدشن عصر ظلام شامل
في الوطن العربي ، قد يستمر لعدة
عقود من الزمن ، ويجرد العرب من
القدرة على مواصلة الوجود كعرب .
ان السؤال الذي يجب طرحه ، بعد كل
هذا التحليل الستراتيجي والمبدأي
هو التالي :
اين
تقف ايران الآن ؟ مع الثورة
المسلحة ضد الاحتلال ؟ ام مع
امريكا ضد الثورة ؟ دون ادنى شك
ان ايران هي الشريك الاول
والاساسي لامريكا ، وقبل بريطانيا
من حيث اهمية الدور، في غزو
وتدمير العراق ، وفي محاولات
تقسيمه وتغيير هويته العربية ،
والمعنى الاخطر في هذه الحقيقة هو
ان ايران تقوم بنفس الدور
الاسرائيلي وتكمله .
وفي ضوء هذا الجواب يطرح سؤال آخر
وهو :
هل
مواقف ايران هذه قضايا ثانوية
ويمكن تحملها مقابل دعم فلسطينيين
، وليس فلسطين ، ببضعة دولارات
مغموسة بدم شهداء العراق ؟ ام
انها مواقف لاتقل خطورة عن مواقف
اسرائيل وامريكا ؟ الجواب : ان
الاحتلال هو احتلال ، وان
المشاركة في الاحتلال هي مشاركة
في الاحتلال ، بغض النظر عمن يقوم
بذلك ، ومن يهاجم بريطانيا لانها
شريك امريكا لا يغفر له تجاهل
الدور الايراني في العراق .
ولايجوز ان نغفل حقيقة مجسدة في
مواقف بعض الساداتيين الفلسطينيين
وهي انهم يخفون رؤوسهم في الرمال
، ويمارسون ازدواجية مقيتة ،
حينما يتحدثون حديث الاستحالة
والغرابة ، عن دعمهم لايران
والمقاومة العراقية بنفس الوقت !
انه بالضبط كحديث السادات عن
ضرورة كامب ديفيد وضرورة دعم
الشعب الفلسطيني !
منطق الساداتيين الفلسطينيين يفرط
حتما بالعراق لان ايران كاسرائيل
شريك لامريكا في غزو العراق ، كما
ان الساداتية العامة تفرط بفلسطين
من خلال تحالفها مع امريكا مع
انها شريك اسرائيل !
وهناك دليل أضافي على ان
الصراع الاساسي يدور في العراق
وليس
في فلسطين وهو موقف امريكا من
الفضائيات العربية ، وبالاخص
الجزيرة التي يعدها البعض منبرا
للجميع وهذا غير صحيح ، فالجزيرة
مثلا تصف شهداء المقاومة
الفلسطينية ومن يقتل على يد
اسرائيل بالشهداء ، وتصف من يقاتل
في فلسطين بالمقاوم ، وهذا
بالتاكيد موقف سليم ، ولكن :
لماذا تصف الجزيرة المقاومة
العراقية ب( العنف ) ؟ ولماذا لا
تطلق على من يقتل ، وهو يقاتل
الاحتلال الامريكي ، وصف ( الشهيد
) ؟ اليس ذلك نتيجة الموقف
الامريكي الذي يعرف تماما ان
معركته الحاسمة تدور في العراق ،
وليس في فلسطين ، تماما مثلما
يعرف ان انتصار المقاومة العراقية
سيبعث روح الثورة الفلسطينية
ويمهد لتحرير فلسطين ؟ ولذلك فان
امريكا تتساهل في الاوصاف التي
تستخدم لدعم الساحة الثانوية
اوالاقل اهمية ، ستراتيجيا طبعا
وليس قوميا او مبدئيا ، وهي
الساحة الفلسطينية ، بينما لا
تتساهل مع الاوصاف التي تطلق على
مقاتلي الساحة الرئيسية وهم ابطال
المقاومة العراقية ، خصوصا وان
الدعم اللغوي المجرد لفلسطين في
الجزيرة وغيرها لن يغير الواقع
القتالي او يرفع من امكانيات
المقاومة الفلسطينية ولا سقف
مطاليبها بل انه ، على العكس ،
سيعزز صدقية الجزيرة بنظر
الجماهير العربية لتستطيع تجاهل
المقاومة العراقية والمناضلين
العراقيين والمفكرين العراقيين من
انصار الثورة العراقية المسلحة
دون تعرضها لنقد او ادانة قوية .
ومن الضروري ان يسأل كل ساداتي
عربي يدعي انه يدعم المقاومة
العراقية نفسه مايلي :
هل
يوجد فصيل عراقي مقاوم واحد
لايتهم ايران بكل ماقلناه ؟ كلا
لايوجد ، وهناك اجماع شامل من قبل
كافة فصائل المقاومة العراقية (
الوطنية والاسلامية والقومية )
على ان ايران هي الشريك الاهم
لامريكا في كل ماحدث ويحدث في
العراق من كوارث منذ غزو عام 2003
وحتى الآن .
وعلى الساداتي العربي ، وبالاخص
الساداتي الفلسطيني ، الذي ينكر
ذلك ان يقدم لنا فصيلاً واحداً
مقاوماً للاحتلال يبرئ ايران .
وهنا تسقط ادعاءات دعم المقاومة
العراقية وتبدوا انها مجرد كلام
قصد به اسقاط فرض ، او منع توجيه
تهمة ، لان المقاوم العراقي الذي
يستشهد على يد امريكا او فرق
الموت الايرانية في العراق يعرف
جيداً من هو العدو في العراق ،
ويعلم أي بندقية تغتاله ، واي
عاصمة تتخذ قرارات الاغتيالات ،
وأخيراً وليس آخرا ان المقاوم
العراقي لا يريد ، قلبياً وصدقا ،
ان تكون بندقية ايران تقاتله مع
البندقية الامريكية ، التي تقاتل
في العراق نيابة عن اسرائيل ،
ولكن هذه الامنية ينسفها واقع
السياسة الايرانية . |