من بين ألاف المتناقضات في عصرنا
هذا ما نراه من مغالطات في طرح
الحقائق التي تسوقها من تسمي
نفسها جزافا النخب المثقفة تهدف
إلى الانحراف بتفكير المواطن
البسيط وولاءه لانتمائه القومي
والوطني , ولهذا فان قدر امتنا
العربية أن تواجه المشاكل
والعقبات الواحدة تلو الأخرى التي
تتعمد الدول الكبرى وحتى الصغرى
منها وضعها كحجر عثرة أمام تقدمها
تلبية لمصالحها الخاصة وأطماعها
التوسعية التي تتأتى من أطماعها
في خيرات امتنا وتفننت في اختراع
شتى الوسائل والذرائع للانقضاض
على حضارتنا وحاضرنا فإذا كانت
فلسطين كبرى المشاكل والعقبات في
الحياة العربية وأولها في تاريخنا
المعاصر فان الغزو الهمجي
الأمريكي للعراق لم ولن يكون
أخرها وإذا كانت مسألة إيجاد
الكيان الصهيوني في قلب الأمة
العربية في محاولة تبنتها العديد
من أطراف الشر والعدوان لشل نبض
هذا القلب تمهيدا لإضعاف الأمة
العربية كمرحلة أولى تلتها مرحلة
التفتيت والشرذمة إلى أقطار ثم
تشتيت قرارات تلك الأقطار وجعلها
فريسة لتصارع تلك القرارات
وتصادمها فان الاحتلال الأمريكي
للعراق إنما يهدف إلى كسر الجمجمة
العربية وقطع ذراع الأمة التي
تدافع بها عن نفسها فتفتح الأبواب
على مصراعيها للدخول إلى أحشاء
الأمة وتقطيعها بعد أن تفقد
مقوماتها وقدرتها في دفاعها عن
نفسها .
تأسيسا على ما تقدم فقد تنوعت
وتعددت مراحل صراع أعداء الأمة
العربية في العراق وآخرها هجماتهم
المغولية ووفقا لما خططوا فان
الصفحة الأولى كانت تجويع شعبنا
العراقي من خلال حصائر ظالم شاركت
فيه الحكومات العربية بدرجات
متفاوتة فجميعها دون استثناء
التزمت به , لم يعرف له تاريخ
البشرية مثيل فشمل كل مفاصل
الحياة والوسائل الحضارية والتقدم
ومستلزمات الحياة اليومية , تلتها
صفحة الفعل العسكري الذي كانت
مرحلته الأولى تنصب على تدمير
البنى التحتية ومقومات الاقتصاد
العراقي والآلة الحربية الوطنية
وقتل الصناديد رجال الملاحم
والبطولات الذين يقومون عليها ثم
مرحلة الزحف الهمجي لرعاة البقر
الأمريكان مستغلين التطور والتفوق
الهائل لآلتهم العسكرية بعد
محاولات بائسة كثيرة استهدفت
شخصنة الحرب بالرفيق أبو الشهداء
وشهيد الأضحى صدام حسين رحمه الله
ومحاولات بناء حاجز بين الشعب
وبين قياداته , وحينها بدأت
المرحلة الجديد وتطبيق النظريات
التي أعدت مسبقا لذلك كسيناريوهات
عقدوا عزمهم على تطبيقها , فبدأت
بقانون تصفية الوطنيين وعائلاتهم
ليتمكنوا من إشعال الفتنة
الطائفية لخلق ظرف يخدم تنفيذ
أغراضهم فنتج عن ذلك استشهاد
أعداد مروعة من العراقيين وهجرة
أضعاف تلك الأعداد إلى خارج الوطن
في الوقت الذي انشغلت المقاومة
فيه بالجهاد على خطين , كان الأول
في مهاجمة العدو الغازي وتكبيده
اكبر قدر ممكن من الخسائر لتركيعه
واذلاله للاعتراف بحقوقنا
وثوابتنا , بينما انشغل الخط
الثاني في الدفاع عن وجود
المقاومة ومقاتلة عناصر العدوان
الداخلية .
لقد تنوع العدوان على العراق
وتعدده ادوار التنفيذ بينه وبين
عملائه , فاذا كان الامريكان
يتمتعون بقوة آلتهم العسكرية بين
الاسلحة التقيلة والخفيفة
والاتصالات وتكنلوجيا الكشف عن
مكامن المقاومة وتوفير الغطاء
الجوي لعملائه الذي يلعب دورا
مهما في حسم النتائج فان واجبات
عملائة قد تعددت ايضا وتنوعت كل
حسب امكانيته في مساندة العدوان
وخدمة اهدافه , فلعب آل الحكيم
أولا دورا خطيرا في الإبادة
والقتل والتشريد وإثارة الفتنة
الطائفية وقتل الانتماء للوطن
مقابل تحويل ولاء أعداد من السذج
إلى الفرس تحت ذريعة قيادة الفرس
لشيعة العالم والولاء لآل بيت
الرسول عليهم السلام فانتشرت
العادات والتقاليد الفارسية في
العديد من مدن العراق الجنوبية
ولتعميق ذلك سادت في كثير من
محافلهم ولقاءاتهم بأتباعهم ممن
غرروا بهم الكثير من المصطلحات
الفارسية وانتشرت شعارات في
المناسبات الدينية باللغة
الفارسية التي ألغت كل الواجبات
الوطنية في حين تم التركيز على
ممارسات تعطيل المواطن وإضاعة
وقته وتذويب كل اهتماماته إضافة
إلى سرقة غير مباشرة لأمواله تحت
ذريعة إحياء المناسبات الدينية ,
وحتى في المحاضرات التي يعقدونها
فقد ركزوا على إثارة الجانب
العاطفي من مأساة الإمام الحسين
عليه السلام في حين ابتعدوا عن
المبادئ التي ثار من اجلها ,
وابتعدوا كليا عن الدعوة إلى
الحرية وعن كرامة الإنسان التي
تهان يوميا في العراق وعن انتهاك
الحرمات والأعراض التي يمارسها
يوميا بل كانت دعواتهم تنصب في
الطائفية وتبني مشروع تقسيم
العراق فدراليا وتكريس الاحتلال
لأنه يوفر لهم الحماية والردع
الشعبي وأي عراقي يتحدث في غير
ذلك فهي بعثي وصدامي تتوجب تصفيته
إضافة إلى تسهيل دخول المخابرات
الفارسية وتنفيذ عمليات قتل
العراقيين وتهيئة الأرضية
المناسبة لذلك ناهيك عن السيطرة
على دوائر الدولة المهمة وإدارتها
عن طريق تقديم شهادات دراسية
مزورة مصدرها فارسي وإبعاد
العناصر الوطنية الرافضة لمشروع
تفريس العراق وانتشار الفساد
الإداري والتركيز على دوائر
الدولة المهمة مثل الجنسية
والأحوال المدنية على إن رأسهم
عزيز طباطبائي كان المنسق المعلن
بين الفرس والأمريكان وترتيب
أولويات عملهم من خلال محترف
الإجرام اليهودي هنري كيسنجر.
انتهج تيار الدعوة بكل
انشقاقاته وأطرافه ومليشياته خطا
موازيا لخط مجلس آل الحكيم
فتربعوا على هرم العمالة المزدوجة
للفرس والأمريكان ومارس هذا
التيار دور اليد التي قاتلت الشعب
العراقي بالنيابة عن الامريكان
ولبى للفرس مطاردتهم لكوادر الجيش
العراقي الوطني الذين أذاقوا
دجالهم الكبير خميني السم الزعاف
وأوقفوا التمدد الفارسي باتجاه
قطرنا وامتنا العربية المجيدة ,
فانفلتت مجاميعهم من خلال مواقعها
التي تشغلها فيما يطلق عليها
الاحتلال حكومة واستحواذهم على
وزارتي الداخلية والدفاع
وباستخدام الآليات الرسمية
وإمكانياتها وانسيابية حركتها
دورا مهما في إثارة الفتنة
الطائفية والتهجير ألقسري
للعراقيين في حين استطاع أتباع
هذا التيار تفكيك معظم منشآت
القطاع الاشتراكي الصناعي والياته
ونقلها إلى الفرس لتحويل القطر من
منتج ومصنع بنسبة معينة لحاجته
إلى معتمد كليا على ما يستورد من
الفرس وإغراق الأسواق المحلية
بالبضائع الصناعية والزراعية
الفارسية حيث إن الزراعة العراقية
التي كانت تسد حاجة القطر من
منتجاتها تعرضت خلال الخمس سنوات
الماضية إلى حملة منظمة لتبوير
الأراضي الزراعية وشحة في المياه
خصوصا في الأنهار التي تقع
منابعها في الأراضي الفارسية
وكلفة عالية جدا في أسعار البذور
والأسمدة بحيث إن العائدات
الزراعية أصبحت لا تتناسب مع
الكلفة .
إن أجهزة تيار الدعوة التي
كانت قد تمرست على الإرهاب على يد
المخابرات الفارسية ونفذت العديد
من الاعتداءات سواء ضد العراقيين
في داخل القطر أو خارجه أو
بمشاركتهم لمؤسسات المخابرات
الفارسية في عملياتها الإجرامية
كتلك التي كانت تنفذ في لبنان
تمارس اليوم نفس العمليات
الإرهابية بشراسة وعدوانية أكثر
لما يتوفر لها من حماية وغطاء
وكثيرا ما سمعنا عن فتح تحقيقات
في الملفات الجنائية التي تغلق
دون إن تعلن نتائجها رغم إن
المتسبب فيها يعرفه كل العراقيين
كما حصل مع جسر الأئمة مثلا أو
أحداث تفجير مرقد الإمامين
العسكريين عليهما السلام مثلا .
أما آل الصدر وأتباعهم فمبدئيا
ارتبطت إدارتهم بالفرس عن طريق
مرجعهم الطائفي كاظم الحائري
والذي ركزت فتاويه على قتل
العراقيين خلال فترة الحكم الوطني
وأجازت التعاون مع المحتل وتسهيل
مهمة غزوه للبلد , فقد تبنوا
هؤلاء بعد العدوان الأمريكي
واحتلال القطر دور المعارض
لسياسات آل الحكيم التي بلغت في
ظلم وجور العراقيين حدا لا يمكن
معه الاحتمال أو الصبر وحيث إن
المواطن بحاجة إلى التنفيس عن
غضبه وما يتعرض إليه من كبت
وحرمان وللماضي المعروف من سيء
العلاقة بين آل الحكيم المتهمين
بمقتل محمد صادق الصدر والد مقتدى
الصدر فقد أصبحوا مركز استقطاب
لمعارضي آل الحكيم وتطويرا لتك
الحالة فقد أخذت سياستهم بركوب
موجة المطالب الشعبية وخاصة
الحساسة والملحة منها كالخدمات
المعطلة مثل الماء والكهرباء
والتعليم والصحة وارتفاع الأسعار
وانخفاض رواتب شرائح معينة من
الموظفين العاملين في قطاع الدولة
كالمعلمين مثلا أو رفض قانون
النفط المزمع تمريره في البرلمان
الذي يعني إلغاء القرار الوطني
بتأميم هذا المورد المهم لاقتصاد
القطر أو المطالبة بخروج قوات
الاحتلال من البلد رغم إن أحدا لم
يسجل لتاريخ هذا لتيار وجناحه
المليشياوي أي طلقة ثارت باتجاه
قوات الاحتلال الأمريكي إلا بقدر
الدفاع عن النفس وفي الحالات
القصوى دون التعرض إلى الاحتلال
الفارسي كان الأراضي العراقية جزء
من بلاد فارس أو كان تواجد الفرس
لا يعتبر احتلالا لأنهم يقدمون
الدعم بمختلف أنواعه لهذه
المليشيات.
أما الآن فالشعب العراقي كله
بكل أطيافه ومكوناته الوطنية يرفض
اتفاقية المالكي – بوش التي تعني
إن تمت المصادقة عليها الاحتلال
الأمريكي الدائم للعراق ولكي يظهر
مقتدى وأتباعه بالمظهر الوطني
المتفرس في مصلحة الوطن ولاستقطاب
أنصاره الذين انفضوا من حوله بعد
تخليه عنهم خصوصا بعد إحداث
الجنوب وتحديدا في البصرة الفيحاء
ومدينة الثورة الصابرة الصامدة
فقد أعلن عن رفضه للاتفاقية
المذكورة وبنفس الحدة أعلن الفرس
رفضهم لها وكأن حرية العراق
تعنيهم في شيء وكأنهم لا يمثلون
جزءا من الاحتلال الأمريكي أو
احتلالا اشد بطشا بالعراق
والعراقيين . إذا كنا كعراقيين
نعرف الاحتلال الأمريكي ونعرف كيف
ننتصر عليه وتكمن خطورته في
عمليات القتل المنظم الذي تمارسه
عناصره وشركاته الأمنية بحق أبناء
شعبنا ونعرف نقاط ضعفه ونستغلها
للإجهاز عليه حيث أصبح يترنح بفعل
ضربات المقاومة الباسلة فبات
انهياره قاب قوسين أو ادني , فان
الاحتلال الفارسي اشد خطورة من
الاحتلال الأمريكي لأنه يستهدف
المواطن العراقي ليس في حياته
فحسب بل تكمن خطورته في حربه
الطائفية وسلخ العراق من عمقه
العربي وتذويب قوميته وصهرها ضمن
القومية الفارسية بعد تقسيمه
وقضمه جزءا تلو الآخر والسعي
الحثيث إلى تغيير ديموغرافيته كما
حصل ويحصل في الأحواز العربي وله
أساليبه الخبيثة في استمالة عواطف
البسطاء من أبناء شعبنا بعد
تعامله مع أكثر الأوتار حساسية ,
الوتر الطائفي .
إن الشريحة الواعية والمثقفة
في العراق تعي الدور الذي تمارسه
الأحزاب والتكتلات الطائفية وتعي
أهداف التغلغل الفارسي في القطر
لذلك فهي بالمرصاد لهذا الدور وما
يترتب عليه بعد أن التفت حول
القيادة العليا للجهاد والتحرير
لتجعل من كل شبر في ارض الوطن
نارا تلهب أي غازي معتدي وساعة
الخلاص آتية لا ريب فيها واقرب
مما يتصورون. |