وقع الرئيس
الأمريكي بوش ورئيس الوزراء
العراقي نوري المالكي في شهر
تشرين الثاني 2007 مذكرة تفاهم
تمهيدا لإبرام اتفاقية أمنية بين
الطرفين . ونشرت عدة نصوص لمشروع
هذه الاتفاقية الأمنية . وقوبلت
بردود فعل متفاوتة من الأطراف
الحاكمة في العراق بعد الاحتلال ،
واعتراض من منظمات المجتمع المدني
العراقية والعربية إنطلاقا من أن
الاتفاقية تمس السيادة العراقية
.
وتحاول هذه
الورقة تسليط الأضواء القانونية
الدولية على مشروع الاتفاقية من
النواحي الموضوعية بهدف تشخيص
مسؤولية المحامين العرب تجاه هذه
الاتفاقية .
وبغية أن تكون
المعالجة موضوعية ، يجب أن نبدأ
بقراءة لمشروع الاتفاقية كما
وردت في أتفاق المبادىء الذي عقد
بين الرئيس بوش ورئيس وزراء
العراق نوري المالكي . مع التطرق
إلى مصادر النص .
ولنبدا بالنص
العربي الذي نشر في أكثر من وسيلة
إعلام وبث في المواقع الإلكترونية
. ثم نشير إلى النص الذي نشر في
موقع البيت الأبيض والاختلافات
بين النصين .
أولا :
نص إعلان المبادىء المتفق عليها
والتي تشكل جوهر الاتفاقية المنوي
إبرامها
.كما نشر في أجهزة الإعلام
العربية .
إعلان مبادئ
علاقة تعاون وصداقة طويلة الأمد
بين جمهورية العراق والولايات
المتحدة الأميركية.
اكد القادة
العراقيون في بيانهم الصادر في 26
أغسطس/اب عام 2007 الذي ايده
الرئيس بوش، ان الحكومتين
العراقية والاميركية ملتزمتان
بتطوير علاقة تعاون وصداقة طويلة
الامد بين بلدين كاملي السيادة
والاستقلال ولهما مصالح مشتركة،
واكد البيان ان العلاقة بين
البلدين سوف تكون لصالح الاجيال
المقبلة وقد بنيت على التضحيات
البطولية التي قدمها الشعبان
العراقي والاميركي من اجل عراق حر
ديمقراطي تعددي فيدرالي موحد.
ان العلاقة
التي تتطلع اليها جمهورية العراق
والولايات المتحدة الاميركية تشمل
افاقا متعددة يأتي في مقدمتها
التعاون في المجالات السياسية
والاقتصادية والامنية انطلاقا من
المبادئ التالية:-
أولا.
المجال السياسي والدبلوماسي
والثقافي.
1- دعم
الحكومة العراقية في حماية النظام
الديمقراطي في العراق من الاخطار
التي تواجهه داخليا وخارجيا.
2- احترام
الدستور وصيانته باعتباره تعبيرا
عن ارادة الشعب العراقي، والوقوف
بحزم امام اية محاولة لتعطيله او
تعليقه او تجاوزه.
3- دعم جهود
الحكومة العراقية في سعيها لتحقيق
المصالحة الوطنية، ومن ضمنها ما
جا في بيان 26 آب 2007.
4- دعم
جمهورية العراق لتعزيز مكانتها في
المنظمات والمؤسسات والمحافل
الدولية والاقليمية، لتلعب دورها
الايجابي والبناء في محيطها
الاقليمي والدولي.
5- العمل
والتعاون المشترك بين دول المنطقة
والذي يقوم على اساس من الاحترام
المتبادل وعدم التدخل في الشؤون
الداخلية، ونبذ استخدام القوة في
حل النزاعات، واعتماد لغة الحوار
البناء في حل المشكلات العالقة
بين مختلف دول المنطقة.
6- تشجيع
الجهود السياسية الرامية الى
ايجاد علاقات ايجابية بين دول
المنطقة والعالم، لخدمة الاهداف
المشتركة لكل الاطراف المعنية
وبما يعزز امن المنطقة واستقرارها
وازدهار شعوبها.
7 - تشجيع
التبادل الثقافي والتعليمي
والعلمي بين الدولتين.
ثانيا. المجال الاقتصادي:
1- دعم
جمهورية العراق للنهوض في مختلف
المجالات الاقتصادية وتطوير
قدراتها الانتاجية ومساعدتها في
الانتقال الى اقتصاد السوق.
2- المساعده
في دعم الاطراف المختلفة على
الالتزام بتعهداتها تجاه العراق،
كما وردت في العهد الدولي مع
العراق.
3- الالتزام
بدعم جمهورية العراق من خلال
توفير المساعدات المالية والفنية
لمساعدتها في بناء مؤسساتها
الاقتصادية وبناها التحتية وتدريب
وتطوير الكفاءات والقدرات لمختلف
مؤسساتها الحيوية.
4. مساعدة
جمهورية العراق على الاندماج في
المؤسسات المالية والاقتصادية
والاقليمية والدولية.
5- تسهيل
وتشجيع تدفق الاستثمارات الاجنبية
وخاصة الاميركية الى العراق
للمساهمة في عمليات البناء واعادة
الاعمار.
6- مساعدة
جمهورية العراق على استرداد
اموالها وممتلكاتها المهربة وخاصة
تلك التي هربت من قبل عائلة صدام
حسين واركان نظامه، وكذلك فيما
يتعلق باثارها المهربة وتراثها
الثقافي قبل وبعد 9/4/2003.
7- مساعدة
جمهورية العراق على اطفاء ديونها
والغاء تعويضات الحروب التي قام
بها النظام السابق.
8- مساعدة
العراق ودعمه للحصول على ظروف
تجارية تشجيعية وتفضيلية تجعله من
الدول الاولى بالرعاية في السوق
العالمية واعتبار العراق دولة
اولى بالرعاية من قبل الولايات
المتحدة الاميركية، بالاضافة الى
مساعدته في الانضمام الى منظمة
التجارة الدولية.
ثالثا. المجال الأمني:
1- تقديم
تأكيدات والتزامات امنية للحكومة
العراقية بردع اي عدوان خارجي
يستهدف العراق وينتهك سيادته
وحرمة اراضيه او مياهه او اجوائه.
2- مساعدة
الحكومة العراقية في مساعيها
بمكافحة جميع المجموعات
الارهابية، وفي مقدمتها تنظيم
القاعدة والصداميون وكل المجاميع
الخارجة عن القانون بغض النظر عن
انتماءاتها والقضاء على شبكاتها
اللوجستية ومصادر تمويلها والحاق
الهزيمة بها واجتثاثها من العراق
على ان تحدد اساليب وآليات
المساعدة ضمن اتفاقية التعاون
المشار اليها اعلاه.
3- دعم
الحكومة العراقية في تدريب وتجهيز
وتسليح القوات المسلحة العراقية
لتمكينها من حماية العراق وكافة
ابناء شعبه واستكمال بناء
منظوماتها الادارية حسب طلب
الحكومة العراقية.
تتولى الحكومة
العراقية تأكيدا لحقها الثابت
بقرارات مجلس الامن الدولي طلب
تمديد ولاية القوات المتعددة
الجنسيات للمرة الاخيرة واعتبار
موافقة مجلس الامن على اعتبار
الحالة في العراق لم تعد بعد
انتهاء فترة التمديد المذكورة
تشكل تهديدا للسلام والامن
الدوليين وما ينتج عن ذلك من
انهاء تصرف مجلس الامن بشأن
الحالة في العراق وفق الفصل
السابع من ميثاق الامم المتحدة
بما يعيده الى وضعه الدولي
والقانوني السابق لصدور قرار مجلس
الامن الدولي رقم 661 في آب 1990
ليعزز الاعتراف والتأكيد على
السيادة الكاملة للعراق على
اراضيه ومياهه واجوائه وسيطرة
العراق على قواته وادارة شؤونه
واعتبار هذه الموافقة شرطا لتمديد
القوات.
اعتمادا على
ما تقدم تبدء وبأسرع وقت ممكن
مفاوضات ثنائية بين الحكومتين
العراقية والاميركية للتوصل قبل
31/7/2008 الى اتفاقية بين
الحكومتين تتناول نوايا التعاون
والصداقة بين الدولتين المستقلتين
وذاتي السيادة الكاملة في
المجالات السياسية والثقافية
والاقتصادية والامنية.
أما البنود السرية في الإتفاق:-
1- يحق للقوات
الاميركية بناء المعسكرات
والقواعد العسكرية، وهذه
المعسكرات سوف تكون ساندة للجيش
العراقي، وعددها خاضع للظروف
الأمنية، التي تراها الحكومة
العراقية، وبمشاورة السفارة
الاميركية في بغداد، والقادة
الاميركان، والميدانيين و بمشاورة
وزارة الدفاع العراقية والجهات
المختصة.
2- ضرورة ان
تكون اتفاقية و ليس معاهدة.
3- لا يحق
للحكومة العراقية ولا لدوائر
القضاء العراقي محاسبة القوات
الاميركية وافرادها، ويتم توسيع
الحصانة حتى للشركات الامنية
والمدنية والعسكرية والاسنادية
المتعاقدة مع الجيش الاميركي.
4- صلاحيات
القوات الاميركية لا تحدد من قبل
الحكومة العراقية، ولا يحق
للحكومة العراقية تحديد الحركة
لهذه القوات، ولا المساحة
المشغولة للمعسكرات ولا الطرق
المستعملة.
5- يحق للقوات
الاميركية بناء المراكز الامن بما
فيها السجون الخاصة والتابعة
للقوات الاميركية حفظا للامن.
6- يحق للقوات
الاميركية ممارسة حقها في اعتقال
من يهدد الامن والسلم دون الحاجة
الى مجوز من الحكومة العراقية و
مؤسساتها.
7- للقوات
الاميركية الحرية في ضرب أي دولة
تهدد الامن والسلم العالمي
والاقليمي العام والعراق حكومته و
دستوره، او تستفز الارهاب
والميليشيات، ولا يمنع الانطلاق
من الاراضي العراقية والاستفاده
من برها ومياهها وجوها.
8- العلاقات
الدولية والاقليمية والمعاهدات
يجب ان تكون للحكومة الاميركية
العلم والمشورة بذلك حفاطا على
الامن والدستور.
9- سيطرة
القوات الاميركية على وزارة
الدفاع والداخلية والاستخبارات
العراقي ولمدة 10 سنوات، يتم خلال
هذه المدة تأهيلها و تدريبها
واعدادها حسب ما ورد في المصادر
المذكورة، وحتى السلاح ونوعيته
خاضع للموافقة والمشاورة مع
القوات الاميركية.
10-السقف
الزمني لبقاء القوات الأمريكية
طويل الأمد وغير محدد وقراره
لظروف العراق ويتم إعادة النظر
بين الحكومة العراقية والأمريكية
في الأمر ، إلا أن الأمر مرهون
بتحسن أداء المؤسسات الأمنية
والعسكرية العراق وتحسن الوضع
الأمني وتحقيق المصالحة والقضاء
على الإرهاب وأخطار الدول
المجاورة وسيطرة الدولة وإنهاء
حرية وتواجد الميليشيات ووجود
إجماع سياسي على خروج القوات
الأمريكية .
ثانيا :
النص المنشور في موقع الرئاسة
الأمريكية ( البيت الأبيض )
نشر موقع
البيت الأبيض الإلكتروني نص
الاتفاق
وتضمن نصوص
المجالات الثلاثة الاقتصادية
والاقتصادية والأمنية . إلا أنه
أغفل البنود السرية بأكملها والتي
تشكل بنودها العشرة أخطر ما ورد
في مشروع الاتفاقية .
وقد نشرت عدة
أجهزة إعلام البنود السرية وخاصة
ما ورد في جريدة
Independent
البريطانية
بتاريخ 5 حزيران / يونيو 2008
البنود السرية والتدابير التي
يمكن أن تلجأ إليها الولايات
المتحدة لفرض مشروع الاتفاقية على
العراق .
تمهيد عن
محاولات استبعاد مشروع الاتفاقية
من سريان القانون الدولي
للمعاهدات عليها
وقبل استعراض
موقف القانون الدولي من مشروع
الاتفاقية نشير إلى نص ورد في
البنود السرية حيث ورد في البند
الثاني من البنود السرية ( ضرورة
أن تكون اتفاقية
Agreement
وليس معاهدة
Treaty
)
ويعود ذلك إلى
محاولة تكييف المشروع بأنه
اتفاقية
Agreement
ذات طابع
إداري ويمكن إبرامها بموجب
الدستور الأمريكي بصيغة أمر
تنفيذي
Executive Order
يوقعه الرئيس
الأمريكي ولا يعرض على البرلمان
من جهة . كما أنه لا يخضع
لاتفاقية فيينا للمعاهدات من حيث
الشروط الواجب توفرها في طرفي
المعاهدة وأحكامها من جهة أخرى .
وسنعالج هذه الناحية لاحقا .
وخلاصة القول
بأن الإدارة الأمريكية تحاول
تهريب الاتفاقية من الكونغرس
الأمريكي ومن خضوع الاتفاقية
للقانون الدولي للمعاهدات .
صفقة
لإخراج العراق من الفصل السابع
لميثاق الأمم المتحدة مقابل
إدخاله في نفق احتلال تعاهدي
من الواضح بأن
المشروع يشير إلى أن العراق يجب
أن يطلب من مجلس الأمن إخراجه من
الفصل السابع من ميثاق الأمم
المتحدة مقابل توقيع هذه
الاتفاقية .
وقد عبر عن
هذه الرغبة أكثر من مسؤول عراقي
موحيا للرأي العام بأن الخروج من
الفصل السابع مكسب مهم . ولكن
الأمر بكل بساطة ليس إلا منهجا
أمريكيا لاستغلال كون الولايات
المتحدة عضوا دائما في مجلس الأمن
ويملك تأثيرا مهما وتمكن من
استصدار القرار 1483 الذي أضفى
المشروعية على الاحتلال . ويستطيع
إخراج العراق من الفصل السابع ليس
لسبب موضوعي وإنما للتصرف مع
العراق بصورة اتفاقية بعيدة عن
نظر مجلس الأمن وما يمكن أن يصدر
من ردود فعل من أعضائه .
وهذه الحجة
جديرة بالبحث بصورة مستقلة
وموضوعية عن أسباب إدخال العراق
في الفصل السابع من ميثاق الأمم
المتحدة . وكانت الولايات المتحدة
هي صاحبة مشروع القرار 661/1990
وبالتالي فإنها الآمر الناهي
بإدخال أو إخراج أية دولة بموجب
الفصل السابع وفقا للمصالح
الذاتية الأمريكية وليس لأسباب
تتعلق بالسلم والأمن الدوليين .
موقف
القانون الدولي من مشروع
الاتفاقية
إن الاتفاقية
موضوع البحث تدخل في باب
المعاهدات الخاضعة لاتفاقية فيينا
للمعاهدات التي تضمن الشروط
الواجب توافرها في طرفي المعاهدة
وفي أحكامها .
فقد اعتمدت
الأمم المتحدة بتاريخ 23/5/1969
ودخلت حيز التنفيذ في 27/1/1980 .
وجاء في
الفقرة السادسة من ديباجة
الاتفاقية ما يلي :
واعتبـاراً
منها لمبادئ القانون الدولي
المقررة في ميثاق الأمم المتحدة
مثل:
الحقوق
المتساوية، وتقرير الشعوب
لمصائرها، والمساواة في السيادة
واستقلال جميع الدول وعدم التدخل
في شؤونها
الداخلية،
ومنع التهديد بالقوة أو
استعمالها، والاحترام العالمي
لحقوق الإنسان والحريات الأساسية
للجميع،
وجاء في المادة 52 من الاتفاقية :
المادة 52: إكراه الدولة بالتهديد
أو باستخدام القوة
تكون المعاهدة باطلة إذا تم
التوصل إلى عقدها بطريق التهديد
أو استخدام القوة بصورة مخالفة
لمبادئ القانون الدولي المنصوص
عليها في ميثاق الأمم المتحدة.
ونصت المادة 53 على ما يلي :
تكون المعاهدة باطلة إذا كانت وقت
عقدها تتعارض مع قاعدة آمرة من
القواعد العامة للقانون الدولي.
لأغراض هذه الاتفاقية يقصد
بالقاعدة الآمرة من القواعد
العامة للقانون الدولي القاعدة
المقبولة والمعترف بها من قبل
المجتمع الدولي ككل على أنها
القاعـدة التي لا يجوز الإخلال
بها والتي لا يمكن تعديلها إلا
بقاعدة لاحقة من القواعد العامة
للقانون الدولي لها ذات الطابع.
أي أن القانون
الدولي للمعاهدات يشترط بأن تكون
الدولة التي تبرم المعاهدة متمتعة
بالاستقلال والسيادة وإن لا تكون
خاضعة للتهديد بالقوة أو باستخدام
القوة وتعتبر المعاهدة باطلة إذا
تعارضت مع قاعدة آمرة في القانون
الدولي .
ولنناقش الآن
الجوانب القانونية الدولية
التالية :
1-
هل
العراق بوضعه الراهن يتمتع
بالاستقلال والسيادة ؟
2-
هل
تستخدم الولايات المتحدة القوة
لفرض إبرام الاتفاقية على العراق
؟
3-
هل
تتعارض الاتفاقية مع قاعدة آمرة
في القانون الدولي ؟
إجابة على
الاستفسار الأول : هل يتمتع
العراق بالاستقلال والسيادة ؟
كيف يمكن توصيف الحالة في العراق
بموجب القانون الدولي
؟
منذ وقوع الاحتلال الأمريكي –
البريطاني للعراق حسم مجلس الأمن
التوصيف القانوني بقراره رقم
1483/2003 حيث وصف الولايات
المتحدة والمملكة المتحدة كونها
دولا قائمة بالاحتلال وبالتالي
فإن العراق بلد محتل ويترتب على
هذا التوصيف عدة آثار قانونية
بالنسبة لشعب العراق والدول التي
قامت بالاحتلال والدول الأعضاء في
الأمم المتحدة ومنظمة الأمم
المتحدة نفسها .
أما الدول التي قامت بالاحتلال
فتتحمل المسؤولية القانونية
الدولية عن الاحتلال والتعويض عن
كافة الأضرار الناجمة عنه بموجب
القانون الدولي . وكما تم بصدد
تحميل العراق المسؤولية القانونية
عن احتلال الكويت وإلزامه بدفع
تعويضات إلى الأطراف المتضررة من
الاحتلال من الدول والأشخاص
الاعتبارية والطبيعية .
أما الدول الأعضاء في الأمم
المتحدة فيتوجب عليها الامتناع عن
مساعدة المحتل بموجب القانون
الدولي . وتلتزم الأمم المتحدة
بمساعدة شعب العراق للتخلص من
الاحتلال عملا بميثاق الأمم
المتحدة و الصكوك الدولية
المتعلقة بحق الشعوب في تقرير
مصيرها والتي تشكل قواعد آمرة في
القانون الدولي كنا قد ذكرناها
تفصيلا .
لكن هذا التوصيف القانوني طرأ
عليه تعديلان مهمان : الأول بموجب
القرار 1511/2003 الذي استبدل
تسمية قوات الاحتلال بالقوة
المتعددة الجنسيات . والثاني
بالقرار 1546/2004 والمؤكد عليه
بالقرار 1637/2005 بإضفاء الطابع
التعاهدي على بقاء قوات الاحتلال
المتعددة الجنسيات عبر رسائل
متبادلة بين الحكومة العراقية
الانتقالية ووزارة الخارجية
الأمريكية ، أصدر مجلس الأمن
القرارين 1511 و1637 بناء على هذه
الرسائل التي تشكل معاهدة باطلة
بموجب اتفاقية فيينا لقانون
المعاهدات .
وعليه يتعين علينا مناقشة حالة
العراق في ضوء قراري مجلس الأمن
1546و1637 بإضفاء الطابع التعاهدي
على بقاء قوات الاحتلال المتعددة
الجنسيات .
ركزت الدراسات القانونية الدولية
على ثلاثة جوانب مهمة بصدد الحالة
في العراق وهي :
1-
إن العراق
خاضع لاحتلال عسكري أجنبي اتخذ
طابع تعاهدي غير مشروع
إن هذا الجانب واضح عبر ما عرضناه
من قرارات مجلس الأمن التي بدأت
بتوصيف العراق كونه بلدا محتلا .
وتطورت مضامين هذه القرارات من
استبدال قوات الاحتلال بالقوة
المتعددة الجنسيات ومن ثم إلى
إضفاء الطابع التعاهدي على بقاء
القوات الأجنبية كونها قوة متعددة
الجنسيات ضمن صيغة تعاهدية باطلة
بموجب القانون الدولي .
2-
إن العراق
دولة ذات سيادة شكلية لتجرده من
البنى المؤسسية للسيادة
بعد احتلال العراق والقضاء على
نظامه السياسي عمدت سلطات
الاحتلال إلى حل البنى المؤسسية
للسيادة من الجيش و القوات
المسلحة وقوات الأمن بالإضافة
لأجهزة الدولة السيادية وكنا قد
تطرقنا إلى ذلك تفصيلا في الفصول
السابقة .
ولكن المفارقة أن يرد في قرارات
مجلس الأمن التأكيد على سيادة
العراق دون أن تأخذ هذه القرارات
بعين الاعتبار تجريد العراق من
البنى المؤسسية للسيادة بحلها من
قبل سلطات الاحتلال . وإن
الانتقال الشكلي للسيادة الذي تم
في 30 حزيران 2004 بين قوات
الاحتلال ومجلس الحكم يفتقد إلى
المشروعية الدولية لكونه صادرا في
ظل الاحتلال ومشوب بالبطلان بموجب
اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات
لسنة 1969 .
3-
إن العراق
خاضع لترتيبات صادرة عن مجلس
الأمن بموجب الفصل السابع من
ميثاق الأمم المتحدة .
إن العراق بموجب سلسلة القرارات
الصادرة عن مجلس الأمن بموجب
الفصل السابع خاضع لترتيبات
تستهدف الحفاظ على صيغ الاحتلال
التعاهدية . وأن صدور هذه
القرارات بموجب الفصل السابع لا
يستهدف إلا إضفاء الطابع الإلزامي
على هذه القرارات
.
واستعرضت
دراسة قدمت إلى ندوة قانونية عقدت
في فرنسا عن احتلال العراق وقارنت
الحالة في العراق مع حالات أخرى
في تاريخ القانون الدولي المعاصر
. وأهم هذه الحالات هي :
آ-الحماية
Protectorat
ولكن الحماية تتطلب وجود اتفاق
بين السلطة الحامية والطرف المحمي
ويؤدي إلى نقل مسؤولية العلاقات
الدولية إلى الدولة الحامية ،
وغالبا ضمان الدولة الحامية
الدفاع عن الدولة المحمية . وإن
هذا الشكل غير وارد في العراق .
ولكن الباحث يتساءل عما إذا كان
المستقبل سيشهد شكلا جديدا من
الحماية في القرن الحادي و
العشرين بوجود دولة مستقلة شكلا
في العراق ولكنها خاضعة لوجود
أجنبي ولشروط وأوضاع سياسية
واقتصادية مفروضة من القوة العظمى
.
ب- نظام
الوصاية في الأمم المتحدة . وهو
النظام المنصوص عليه في الفصل
الثاني عشر من ميثاق الأمم
المتحدة ، ولكن ذلك يتعارض مع كون
العراق عضو مؤسس للأمم المتحدة .
ج-احتلال
ألمانيا عام 1945 من قبل الحلفاء
. يشبه الباحث احتلال الولايات
المتحدة وبريطانيا للعراق عام
2003 باحتلال ألمانيا من قبل
الحلفاء من زاوية واحدة وهي قرار
الحلفاء في ألمانيا اجتثثات
النازية
Denazification de l,Allemagne
عام
1945 واجتثاث البعث في العراق
Debaassination de l,Irak
الصادر
بالأمر رقم 1 تاريخ 16 أيار 2003
عن مدير سلطة التحالف المؤقتة .
د-
النظام الاستعماري. ومن المعروف
بأن هذا النظام اعتبرته الجمعية
العامة للأمم المتحدة غير مشروع
بموجب إعلان منح الاستقلال
للبلدان والشعوب المستعمرة الصادر
في 14 كانون الأول 1960 ووضعت
منهاجا لتصفية الاستعمار
Decolonization
ولا يدخل الاحتلال الأمريكي ضمن
هذا النوع من النظام ولكنه يتشابه
من حيث الهيمنة التي تمارسها
الولايات المتحدة على العراق .
هاء - حالة
البوسنة والهرسك . تتمثل هذه
الفرضية كون البوسنة والهرسك لا
تتمتع إلا بسيادة محدودة بموجب
اتفاقات دايتون لعام 1995 .
وتشارك منظمات دولية في إدارة
البلاد حتى الأجهزة القضائية ،
كما تحفظ الأمن فيها قوة دولية .
وتختلف الحالة في العراق عن
البوسنة من حيث الإطار الشكلي إذ
أن القوة المتعددة الجنسيات في
العراق ليست قوة دولية بالمعنى
الدقيق وإنما هي قوة احتلال أطلقت
عليها تسمية القوة المتعددة
الجنسيات
واو- الإدارة
الدولية والمقصود بها أن تتولى
الأمم المتحدة إدارة البلاد كما
تم في الكونغو عام 1960 أو كوسوفو
حاليا . وهذه الإدارة غير موجودة
في العراق بعد الاحتلال الأمريكي
عام 2003 وإن وجود الأمم المتحدة
لأغراض محددة وردت في قرارات مجلس
الأمن وليس من بينها الإدارة
.
وفي ضوء هذه المقارنات وما صدر من
قرارات عن مجلس الأمن لمعالجة
الحالة في العراق بعد الاحتلال
الأمريكي وخاصة استبدال تسمية
قوات الاحتلال بالقوة المتعددة
الجنسيات وإضفاء الطابع التعاهدي
على وجود هذه القوة في العراق .
يمكن القول بأن الحالة في العراق
تتلخص بكونها دولة ذات نظام خاضع
للهيمنة الأميركية بحكم وجود
القوات الأمريكية تحت تسمية القوة
المتعددة الجنسيات بموافقة شكلية
من سلطة جاءت نتيجة الاحتلال .
ويصف هذه الحالة الباحث بأنه صيغة
جديدة للحماية واستعمار جديد أو
مجرد العودة إلى السياسة
الامبريالية التقليدية
Nouveau protectorat ,nouveau
colonialisme ou simple retour a
la politique imperialiste
traditionnelle
ويمكن تصور شكل من الهيمنة التي
تدعى بالحماية الرضائية أو الشكل
الفظ من فرض النظام الاستعماري
الذي يتوافق مع واقع القرن الحادي
و العشرين . وإن الحالة في العراق
تعكس شكلا من الهيمنة أكثر فظاظة
من تلك الأشكال المعروفة في العهد
الاستعماري والذي أصبح من الصعب
مقاومته بحيث يمكن القول بأن
تحليل هذه الحالة بعيد عن الإطار
القانوني الدولي ذلك أن النظام
المفروض بعيد عن مبدأ المساواة
السيادية بين الدول .
الاستفسار
الثاني :هل تستخدم الولايات
المتحدة القوة لإجبار العراق على
إبرام الاتفاقية ؟
إن مجرد وجود
القوات الأمريكية باسم القوات
المتعددة الجنسيات كاف بحد ذاته
لإجبار العراق على إبرام
الاتفاقية ، وخاصة بعد حل
المؤسسات العسكرية والأمنية في
العراق . وحجة الولايات المتحدة
ومعها الحكومة القابضة على السلطة
في العراق بأن الجيش العراقي
وقوات الأمن العراقية غير مؤهلة
لحماية أمن العراق .
لذلك فإن
إبرام الاتفاقية في ظل هذه الظروف
يشكل سببا من أسباب بطلان
الاتفاقية بموجب اتفاقية فيينا
لقانون المعاهدات .
الاستفسار
الثالث : هل تتعارض الاتفاقية مع
القواعد الآمرة في القانون الدولي
؟
إن ما ورد في
البنود الأمنية والبنود السرية
يغلب طابع انتهاك القواعد الآمرة
في القانون الدولي وأهمها حق
الشعوب في تقرير المصير وعناصر
السيادة السياسية والاقتصادية
والقضائية .
وإن الأمر رقم
17 الذي أصدره السفير برايمر
الحاكم المدني الأمريكي في
حزيران 2003 بمنح الحصانات إلى
قوات التحالف والمتعاقدين معها
دليل على أن ما أصدرته قوات
الاحتلال من أوامر واستمرار
سريانها تهدف الإدارة الأمريكية
تحويله إلى مؤسسة تتخذ المشروعية
باتفاق بين العراق والولايات
المتحدة .
وأهم عناصر
السيادة على الموارد الطبيعية
تسخير النفط العراقي لصالح
الولايات المتحدة عبر قانون تحاول
الإدارة الأمريكية اعتماده بكافة
الوسائل .
ونستخلص مما
تقدم بأن إبرام الاتفاقية الأمنية
المقترحة ينتهك القانون الدولي
بقواعده الآمرة الواردة في
اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات
لسنة 1969 والتي أصبحت بنودها جزأ
من القواعد القانونية الملزمة
للدول حتى تلك التي لم تنضم
للاتفاقية المذكورة .
وتحاول
الإدارة الأمريكية ، كما فعلت في
عدة سوابق ، في ألمانيا وكوريا
الجنوبية واليابان أن تحاول إضفاء
المشروعية على وجود قواتها ومنحها
صلاحيات وحصانات استثنائية وهي
الاتفاقيات المعروفة بمصطلح
SOFA
أي
Status of
forces agreements
أتفاقيات
مركز القوات . ويخرج عن موضوع هذه
الورقة استعراض هذه الاتفاقيات .
الخاتمة :
مسؤولية المحامين العرب تجاه
مشروع الاتفاقية الأمنية .
بعد أن
استعرضت هذه الورقة خلاصة عن
مشروع الاتفاقية الأمنية المقترح
إبرامها بين الولايات المتحدة
والعراق المحتل لمأسسة الاحتلال
إتفاقيا .
لا يخامرنا شك
بأن العبء الرئيسي لرفض هذا
المشروع يقع على شعب العراق
ومقاومته الوطنية بمقاومة كافة
أشكال الإحتلال وعدم السماح له
بالتحول إلى معاهدات واتفاقيات .
وقد عبرت
القوى الوطنية العراقية والعربية
عن رفضها لمشروع الاتفاقية
ومقاومتها بكافة الوسائل
ولكننا
كمحامين عرب ملتزمين بالدفاع عن
حقوق الأمة العربية ، بتعين علينا
وضع برنامج عمل موضوعي عربي ودولي
لمناهضة الاتفاقية بمختلف الوسائل
وعدم الاكتفاء بإصدار البيانات .
وعلى سبيل
المثال يمكن تصور بعض النشاطات
العربية والدولية .
1-
توقف المحامين العرب عن المرافعة
في يوم يحدده اتحاد المحامين
العرب تعبيرا عن رفض مشروع
الاتفاقية والمطالبة بانسحاب
القوات الأمريكية من العراق .
2-
عقد ندوة قانونية عربية عن
مشروع الاتفاقية ونشر خلاصة عنها
وتوصياتها على نقابات المحامين
العرب .
3-
عقد
سلسلة ندوات دولية وقارية في
أوربا وإفريقيا وآسيا والولايات
المتحدة نفسها بالتعاون مع نقابات
المحامين و الاتحاد الدولي
للمحامين
UIA
وجمعية المحامين الدولية
IBA و
نشر توصياتها على مواقع الأنترنت
.
4-
توجيه رسالة من اتحاد المحامين
العرب إلى الأمين العام للأمم
المتحدة وأعضاء مجلس الأمن ومجلس
حقوق الإنسان لبيان موقف الاتحاد
من مشروع الاتفاقية .
هذه خلاصة عما
يمكن أن يمارس المحامون العرب من
مسؤوليات تجاه مشروع الاتفاقية
الأمنية لما تشكله من خطر على
الأمن القانوني العربي والأمن
القومي العربي
أرجو أن تنال
استحسان موافقة الزملاء
أعضاء
المكتب الدائم ووضع برنامج عملي
لتنفيذ المقترحات الواردة فيها .
المحامي
ضياء السعدي
نقيب محامي
العراق
|