مقدمة
ونحن نقترب من دخول العام السادس
لغزو العراق يؤسفنا ان نلاحظ ان
هناك ظواهر سلبية ، لايمكن ان
توجد او تستمر ، الا اذا كان هناك
عوقاً ، فكرياً او عقلياً او
نفسياً ، لدى من تتجسد فيه . لذلك
فان خير ما نستقبل به العام
السادس للثورة العراقية المسلحة
ضد الاستعمار الامريكي هو قرع
اجراس التنبيه ، فلعل هذه الظواهر
نتاج سوء فهم ، وعندها سوف نكسب
اخوة لنا الى قضية امتنا العادلة
ونسهم في تصحيح مسارات خاطئة
عندما نذكرهم بحقائق الصراع . ان
تناول اهم تلك الظواهر سيساعدنا
دون شك على تقريب المسألة
وتوضيحها لوضع العقل والضمير امام
حقائق لابد من اخذها بنظر
الاعتبار .
طروحات
مشوهة
ان بعض المثقفين والساسة
والاعلاميين العرب ، يروجون لما
يلي من افكار خاطئة ومضللة وخطيرة
:
أ - ان ساحة الصراع الرئيس ، في
هذه المرحلة ، هي فلسطين وليس في
العراق ، ويبنى على هذه الفكرة
الخاطئة موقفا خطيرا جدا وهو ان
من يدعم القضية الفلسطينية هو
حليف ، بغض النظر عن موقفه من
القضايا العربية الاخرى وبالاخص
غزو العراق وتدميره ومحاولات
تغيير هويته العربية تماما كما
حصل لفلسطين !
ب - ان ايران تقود الصراع
الاقليمي ضد امريكا واسرائيل ،
وهذه الفكرة كسابقتها تسقط من
الحساب اهم الحقائق الستراتيجية
ومفخرة العرب الاعظم في زمن
الهزائم المتعاقبة ، وهي المقاومة
العراقية المسلحة ، والتي تقود
النضال التحرري عربيا وعالميا .
كما ان هذه الفكرة تمنح ايران
براءة شاملة من جرائمها في العراق
وبقية الاقطار العربية ، وتضعها
في مكان ليس مكانها الطبيعي ،
طبقا لمعطيات الواقع الاقليمي
والعالمي ودورها فيهما ، بصفتها
الداعم الاهم لامريكا في غزو
العراق وتدميره ، والبطل الاكثر
اقتدارا على نشر الفتن الطائفية
في الوطن العربي .
ج - ان المقاومة العراقية قد
تحولت الى صراع طائفي ولم تعد
حركة تحرر ، مع ان المقاومة ، كما
اثبتت عمليات الاسابيع الماضية ،
ومنذ بدايه اذار- مارس بشكل خاص ،
بان ادعاءات امريكا بانخفاض
العمليات كاذب لانها ارتفعت ولم
تنخفض .
د - ان حزب الله يخوض الصراع
الرئيس مع امريكا واسرائيل ، مع
انه يقوم بدور ، اصبح اكثر من
واضح ، وهو توفير غطاء ايجابي
لايران في الوطن العربي من خلال
سمعته الطيبة ، لاجل تمكينها من
تنفيذ مخططها التوسعي الامبراطوري
الموجه اساسا ضد العرب تماما
كالمخطط الاسرائيلي .
ان هذا البعض من المثقفين العرب ،
سواء كان ناصرياً او شيوعياً او
اسلامويا ، مازال اسير احقاده
السياسية وخلافاته الايديولوجية
القديمة والسابقة لغزو العراق ،
لذلك فانه ، وبعد فترة اضطراره
لقبول حقيقة استراتيجية هي الابرز
في منطقتنا والعالم كله ، تراجع
عن ذلك ، وتلك الحقيقة هي ان
الثورة العراقية المسلحة ستقرر
ليس فقط مصير الوطن العربي ودول
الجوار غير العربية ، بل أيضا
ستكون العامل الاكثر تأثيرا في
شكل النظام العالمي الجديد برمته
، نتيجة هزيمة امريكا سيدة النزعة
الامبريالية المعولمة في العراق .
ولئن كان مفهوما لم تتجاهل
الفضائيات العربية ، بلا استثناء
، المقاومة العراقية ولاسباب
تتعلق بتبعيتها للانظمة ، وبلا
استثناء ايضا ، وتمارس سياسة
الصمت والتشويه لدورها وتتجنب نشر
اغلب عملياتها الكثيرة والكبيرة ،
فان من غير المفهوم او المقبول ان
نلاحظ ان وطنيين عرب ( ناصريون
وشيوعيون واسلامويون ...الخ )
يكتفون بامتداح ايران ودورها في
مواجهة امريكا والتحذير من (
حتمية هجوم امريكي وشيك عليها )
وطلب دعمها ضد التهديدات
الامريكية ، كما يقولون منذ اكثر
من ربع قرن رغم ان اي اعتداء
امريكي او اسرائيلي على ايران لم
يقع (!) والدفاع عنها وتمجيد حزب
الله ، واعطاءه دورا لم يدعيه حتى
حسن نصر الله ، مع تجاهل تام او
شبه تام للمقاومة العراقية لدرجة
اننا ، وغيرنا ، نرى تراجعا كبيرا
في مقالات من كان يكتب لصالح
المقاومة العراقية او أنها انقطعت
! ولادراك درجة انزلاق هذا البعض
في اوحال الحقد والنزعات التحزبية
المقيتة نذكّر بانه اعترف قبل
تراجعه في عام 2006 بان :
1- المقاومة العراقية هي اشجع
مقاومة في التاريخ لانها تقاتل
اقوى قوة استعمارية في التاريخ
الانساني وتلحق بها الهزائم المرة
.
2- انها استثنائية في التاريخ
لانها بلا داعم خارجي ووصفت بصواب
تام بـ( الثورة اليتيمة ).
3- انها تواجه تحالفاً دولياً
اكبر واقوى مما واجهته النازية
والمعسكر الشيوعي .
4- انها تقع في قطر فيه الغام
خطيرة زرعتها بريطانيا وايران
بشكل خاص ، وهي الطائفية في
الجنوب والعنصرية في الشمال ، ومع
ذلك فأنه ، ونتيجة لتمسك الفصائل
القومية والوطنية المقاتلة
بالانتماء الوطني بصفته المعيار
الوحيد وليس الدين او الطائفة في
الاصطفاف الاجتماعي والسياسي ، تم
تجاوز هذه الالغام وحجمت اخطار
تفجيرها .
5- انها مقاومة ، ورغم تعدد
فصائلها ايديولوجياً وتنظيمياً ،
نجحت حتى عام 2006 في احباط كل
محاولات شقها وتفتيتها بعكس ماجرى
لاغلب حركات التحرر، والتي كانت
غالباً يقودها تنظيم واحد لكن
العدو يجد فيه من ينشق عنه . وحتى
بعد بروز خلافات ، كان بعضها
دموياً ، بين بعض فصائل المقاومة
العراقية ، فأن الثورة المسلحة
تواصلت بحدتها وزيادة عملياتها ،
خصوصاً بعد اعادة تنظيم الفصائل
الاكبر عددياً والاهم عسكرياً ،
في تنظيم ( القيادة العليا للجهاد
والتحرير ) ، الذي ضم ، وبشكل
استثنائي وفريد في وسط المقاومة
العراقية ، كافة مكونات العراق
بلا استثناء ، ففيه العربي
والكردي والتركماني، والمسلم
والمسيحي واليزيدي والصابئي ،
وفيه الشيعي والسني ... الخ .
6- لقد احبطت المقاومة العراقية
كافة الستراتيجيات الامريكية
العسكرية في العراق ، ودحرتها
واوصلت امريكا الى حافة الانهيار
الاقتصادي ( وصلت التكاليف الى3
تريليون دولار ) /، والعسكري (
تراجع مخيف في القدرة القتالية
الامريكية ) ، اجبر العسكرية
الامريكية على التخلي عن
استراتيجية خوض حربين في وقت واحد
، وهي ستراتيجية كونية دفنتها
المقاومة العراقية باقتدار نادر ،
مما سمح ببقاء انظمة ودول بعيدا
عن الشر الامريكي الاعظم في
التاريخ الانساني .
وهذه الحقيقة من ابرز مميزات
الثورة العراقية المسلحة .
7- المقاومة الوطنية العراقية
حفظت للعراق وحدته ، ومنعت نشر
الفوضى العرقية والطائفية الى
خارجه ، كما خططت امريكا (ومعها
اسرائيل) وايران ، لان تفجير لغم
الطائفية تم احتواءه في العراق
وتجاوز العراق محنة محاولة اشعال
فتنة طائفية .
8- المقاومة العراقية منعت امريكا
من تطبيق خطة تعاقب اسقاط احجار
الدومينو العربية ، فلقد كان
متوقعاً من قبل من خطط لغزو
العراق ، ان يعقب غزوه سقوط سوريا
( كثمرة ناضجة بلا حرب في يد
امريكا )، وهو ماقاله بعنجهية احد
اهم من خططوا لغزو العراق ، وهو
ريتشارد بيرل ( امير الظلام ) ،
كما يسمى ، ثم يأتي دور السعودية
والخليج العربي ، الذي كما قلنا
بعد العدوان الثلاثيني عام1991
بان امريكا تخطط لتحويله الى
منطقة دولية وهاهو ذلك التوقع
يتحقق الان ، وبعدها يأتي دور مصر
والسودان والمغرب العربي . ان
ورطة امريكا القاتلة في العراق
علمتها درساً قاسياً وهو ضرورة
عدم الاستخفاف برد فعل الشعوب
الاخرى ، فاكتفت امريكا
بالمناورات والدسائس السياسية ولم
تقدم على خطوات اسقاط انظمة اخرى
او احتلال بلدان اخرى عسكرياً ،
لذلك يسجل للمقاومة العراقية انها
، وليس غيرها ، من منع تعاقب
خطوات اعادة بناء مايسمى بـ(الشرق
الاوسط الجديد) ، والذي كان
مفروضاً ان يضم اسرائيل وتركيا
وايران وكيانات عربية مقزمة
ومهمشة بلاهوية عربية او وطنية .
9- المقاومة العراقية ، وليس
غيرها ، وضعت حداً لرعب اغلب
حكومات وشعوب العالم من الوحش
الامريكي ، الاشد ضراوة ووحشية
وشهية لافتراس الاخرين في كل
التاريخ الانساني . ان من يقارن
انحناء او انبطاح الاغلبية
الساحقة من العالم لامريكا قبل
غزو العراق ووقوفها ضد امريكا
بشجاعة بعد انطلاق المقاومة
العراقية ، وجرها لامريكا الى
اسوأ مستنقع ، او اسوأ كارثة
ستراتيجية في التاريخ الامريكي ،
حسب الرئيس الامريكي الاسبق جيمي
كارتر ووزيرة خارجية امريكا
الاسبق مادلين اولبرايت والقادة
العسكريين . لذلك فللمقاومة
العراقية الفضل في نهوض العالم من
كبوة الخوف والاستسلام لامريكا .
10- بل حتى التحالف الستراتيجي
الامريكي- الاوربي تعرض للضعف
والاهتزاز ، مع انه كان القاعدة
الاساسية ، لنجاح الامبريالية
الامريكية في السيطرة على العالم
، فأنسحبت اغلب بلدان اوربا
وغيرها من العراق ، وهناك الان
خلافات عميقة حول افغانستان بين
دول النيتو تهدد بانهياره .
11– انها مقاومة تحدث في قطر
لاجبال فيه ولا اهوار ولا غابات ،
بل هو ارض منبسطة يسهل على
الطيران والمدفيع المعادية فيها
توجيه ضربات مميتة للمناضلين من
اجل الحرية ، بعكس ثورات التحرر
الاخرى التي حدثت في غابات او
جبال او مناطق يسهل الدفاع عنها
وهذه الصفة تمنح المقاومة
العراقية قرادة نادرة في تاريخ
الثورات .
ان هذه الحقائق المذكورة اعلاه
تكفي لوحدها ، ويوجد غيرها طبعاً
، لتأكيد اهم حقيقة ستراتيجية في
العالم برمته وهي ان المقاومة
العراقية هي الطليعة الاساسية بلا
منازع لكافة حركات التحرر، ومن
لايرى ذلك عليه ان يقدم مثالاً
واحداً يناقض ذلك . هذه الحقائق
كان يتناولها بفخر من يصمت الان
عنها ! فما السر في هذا الصمت
المريب والغريب ؟
أساليب
التضليل
لاجل منع اكتشاف الحقائق السابقة
او تمويهها وتشويهها ، لان
معرفتها والعمل وفقاً لما تتطلبه
، واهمها دعم المقاومة العراقية
بالثقل الشعبي العربي والعالمي
الاكبر للتعجيل بحسم الصراع ودحر
العدو ، الاخطر والرئيس وهو
امريكا ، والذي يحمي العدو الذيل
او الفرعي وهو (اسرائيل) ، فأن
الدعاية الامريكية - الايرانية
قامت منذ عام 2006 على ترويج
الافكارالتي ذكرنا اهمها ، ونضيف
الان ضرورة التذكير بان القادة
الامريكيين في العراق والحكومة
والبرلمان العميلين محاصرون في
المنطقة الخضراء في بغداد ، وبقاء
العاصمة شبه محررة وهي حقيقة
تؤكدها كل الوقائع ، ومنها واخرها
عقد اجتماعات اتحاد البرلمانيين
العرب في اربيل في الشمال الكردي
من العراق وليس في مقر البرلمان
وهو بغداد .
ومن بين اساليب التضليل الاخرى
ادعاء ان المقاومة العراقية تتشكل
بغالبيتها من بقايا ( النظام
السابق ) لذلك يجب عدم دعمها لمنع
عودته للحكم ! مع ان كل الوقائع
تثبت بأن الفصائل المقاتلة بعضها
بعثي او صديق للبعث وبعضها الآخر
لديه خلافات جوهرية مع البعث .
اضافة لحقيقة ان البعث قد اكد
مراراً في ( المنهاج السياسي
والستراتيجي للبعث والمقاومة
لعام2003 ) ، واعاد تأكيد ذلك في
ستراتيجية القيادة العليا للجهاد
والتحرير ، التي اعلنت عام 2007 ،
بأن النظام الجديد بعد التحرير
سيكون نظاماً ائتلافياً
وديمقراطياً الفيصل الحاسم فيه هو
الانتخابات الحرة .
واخيراً وليس اخراً فشل ماسمي
بـ(مجالس الصحوات) التي استغلها
الاحتلال لضرب المقاومة ، بأسم
تصفية القاعدة ، وحصول انقسامات
عميقة وانسحابات كثيرة منها ،
وانضمام قسم منها الى المقاومة
الوطنية ، مع انها كانت اخر اسلوب
في محاربة المقاومة . نعم لقد
ضعفت القاعدة بشكل كبير نتيجة
اعلانها ( الدولة ) في ظل
الاحتلال وسياستها التكفيرية
والطائفية ، وفقدت اغلب الدعم
الشعبي الذي حصلت عليه في عامي
2004- 2005 ، ولكن بقية الفصائل
الوطنية والقومية والاسلامية
المقاتلة ملأت الفراغ في بعض
المناطق التي كانت تحت سيطرة
القاعدة .
لعبة
استبدال الرئيسي بالثانوي
ان خلاصة ماتقدم ، من وجهة نظر
امريكية - ايرانية ، هي ان
استبدال ساحة الصراع الرئيسي
وتقزيمها ، وهي ساحة العراق ،
بساحة فرعية ، وهي فلسطين
وتعظيمها ، وافتعال ازمة ساخنة في
لبنان لامبرر ستراتيجي لها لان
لبنان لا يشكل ساحة صراع رئيس بكل
المعايير الموضوعية ، من وجهة نظر
لبنانية وعربية ، لكن ايران
وامريكا لهما مصلحة في ابراز
زعامات ترتدي الزي المقاوم ،
وبعضها مقاوم فعلاً مثل حماس ،
وتسليط الاضواء عليها ووصفها
باكبر من دورها الفعلي ، مع تجاهل
تام ، وتعتيم أتم ، وتشويه لامثيل
له لدور المقاومة العراقية
وواقعها . هذا مانراه في
الفضائيات التي تركز على المعركة
في فلسطين وتهمل بنفس الوقت معركة
العراق ، مع انها ستراتيجيا
وقوميا معركة الحسم الفلسطيني
والعربي العام ! ونحن مع حماس ومع
كل مقاتل فلسطيني يطلق الرصاص على
اسرائيل ، لكننا يجب ان لانهمل
حقيقة ان مصير معركة فلسطين يتوقف
على المقاومة العراقية ، لذلك
لايجوز لمن يدعم المقاومة
الفلسطينية ان يتجاهل او يحط من
شأن المقاومة العراقية . كما ان
البعض وصل في وقاحته او نقص وعيه
الى حد اطلاق وصف (سيد المقاومة)
على حسن نصر الله ، مع انه يخوض
معارك لصالح ايران وضد مصالح
لبنان والعراق والامة العربية ،
لسبب بسيط هو ان حزب الله ، وكل
قوى لبنان ، ليس لها برنامج او
ستراتيجية تؤدي الى تحرير فلسطين
، وهو ما اعترف به نصر الله
مراراً .
اذاً السؤال المنطقي المهم هو :
الى اين يريد حزب الله الوصول من
وراء اصراره ، واصرار التيار
الامريكي في لبنان ، خصوصا نظير
حسن نصرالله والمكمل لدوره في
تقسيم لبنان وجعله ساحة صراع
مفتعل وهو سمير جعجع ، على ابقاء
ازمة لبنان مشتعلة تحرق الاخضر
واليابس لا لشيء الا لخدمة ايران
في العراق من قبل حزب الله ،
ولخدمة امريكا في العراق ولبنان
وسوريا من قبل التيار الامريكي ؟
هنا نصل الى جوهر الموضوع الذي
يتجاهله البعض عمداً ، او انه
لايدركه بحكم وعيه الستراتيجي
القاصر ، والذي يتجسد في حقيقتين
:
الحقيقة الاولى هي ان ساحة الصراع
الرئيسي والحاسم هي ساحة العراق
وليس فلسطين او لبنان ، لان
امريكا وكم كبير من الاوربيين
والاسيويين يقاتلون في العراق .
بأختصار ان اعظم قوى الامبريالية
المعاصرة تقاتل في العراق ضد حركة
التحرر الوطني العراقية بقيادة
المقاومة المسلحة ، لذلك فأن مصير
الوطن العربي ، بما في ذلك مصير
فلسطين ، ومصير العالم وطبيعة
النظام العالمي الجديد مرتبطة
مباشرة بمصير حرب تحرير العراق ،
فهزيمة امريكا في العراق ستحدث
سلسلة هزات ستراتيجية وانقلابات
جذرية في وضع العالم برمته . لذلك
فأن العدو الأخطر والاول بالنسبة
لامريكا هو المقاومة العراقية .
الحقيقة الثانية هي ان المقاومة
الفلسطينية ، وبعد ان قزمت مقارنة
بالمقاومة الفلسطينية في
السبعينيات مثلاً ، وحوصرت في فخ
قاتل هو استدراجها الى الضفة
والقطاع تحت عنوان مضلل ، ومدمر
للروح النضالية ، وهو ( اقامة
سلطة وطنية فلسطينية ) مستحيلة في
ظل الاحتلال الاسرائيلي ،
كأستحالة ان تكون حكومة المالكي
سلطة وطنية في العراق في ظل
الاحتلال الامريكي ، نجحت امريكا
واسرائيل ، وبعد ان تعرضت
المقاومة الفلسطينية لضغوط هائلة
، في دفع اهم طرفين فيها ، وهما
حماس وفتح ، لقبول حل ضمن التوازن
الستراتيجي ، القائم على بقاء
اسرائيل وتفوقها . بعد ان قبلت
فتح بدولة في الضفة والقطاع لحقت
بها حماس بعد ان تورطت ، او ورطت
في الانتخابات ، فواجهت استحقاقات
الوجود في السلطة ، فاعلنت على
لسان السيدين خالد مشعل واسماعيل
هنية عن قبول نفس ماقبلته فتح
قبلها : دولة مقزمة في الضفة
والقطاع تكون حاجزاً بشرياً
فلسطينياً بين اسرائيل والامة
العربية ، وهو هدف صهيوني قديم ،
ولذلك لم يكن مفاجئاً ان تقوم
ادارة جورج بوش بطرح خطة دولتين
هما فلسطين واسرائيل، وهو حل
تدعمه اسرائيل .
فأين الخلاف اذن بين الطرح
الفلسطيني الرسمي ( فتح وحماس )
والطرحين الامريكي- الاسرائيلي ؟
انه خلاف يدور حول الكم وليس
النوع ، أي ان حماس وفتح تحاولان
انتزاع اكبر مايمكن من اسرائيل
وامريكا وليس لتحرير كل فلسطين ،
مقابل محاولات اسرائيل وامريكا
جعل الكيان الفلسطيني حاجز حماية
لاسرائيل واداة تسللها الى باقي
الاقطار العربية .
اين التغيير في خارطة التوازن
الستراتيجي الذي سيحدث نتيجة
الصراع في ساحة فلسطين ؟ لن يحدث
تغيير جوهري ولا ستراتيجي ، سواء
فاوضت حماس او فتح ، وسيبقى الامر
الواقع كما هو ، اذا اعتمدنا على
المقاومة الفلسطينية وحدها ، مع
اجراء تعديل ثانوي هو قيام كيان
فلسطيني ، تكون وظيفته اضافة لما
سبق ، تقديم سلاح دعائي اقوى
لامريكا واسرائيل لاقناع الانظمة
العربية ، وربما اجزاء من
الجماهير العربية ، بأن الشعب
الفلسطيني اقام دولته الوطنية على
جزء من فلسطين ، لذلك لاضرورة
ولامبرر لمواصلة العداء لاسرائيل
او مقاطعتها . وتلك هي من اهم
متطلبات قيام ( الشرق الاوسط
الجديد والكبير ) . ان قومية قضية
فلسطين تفرض نفسها مجدداً ، واهم
تعبيرات هذه الحقيقة هو ضرورة
وحدة المقاومة في العراق وفلسطين
، لانها وحدها من ستعيد للمقاومة
الفلسطينية روح التمسك بالمنطلقات
الاصلية لفتح وحماس المثبتة في
الميثاق الوطني الفلسطيني قبل
تغييره ، وستقلب الموازين
الستراتيجية مجددا لصالح حركة
التحرر الوطني العربية قاطبة ،
وتجبر حزب الله على الاختيار
الحاسم بين نقيضين لا يمكن الجمع
بينهما وهما عروبته وتبعيته
التامة لايران .
اما لبنان فانها ساحة صراع مفتعلة
بكل المعايير ، الستراتيجية او
الوطنية او المصلحية اللبنانية ،
لسبب بسيط هو انه لا يوجد مبرر
حقيقي لجعل لبنان ساحة حرب مستمرة
، مادام من يصر على ذلك ، وهو حزب
الله ، يعلن صراحة ان هدفه ليس
تحرير فلسطين بل اعادة مزارع شبعا
! ان أي عقل ومهما كان صغيراً
ومتخلفاً يستطيع ان يرى الجوهر
الاصطناعي لازمات لبنان منذ
اغتيال الحريري ، ونحن لانشك في
ان من قام بذلك لا يتعدى ثلاثة
اطراف على الاطلاق اسرائيل او
امريكا او ايران ، فهذه الاطراف ،
وليس سوريا ، هي من لها مصلحة في
دفع لبنان نحو المحرقة . ان لبنان
ساحة تنافس ستراتيجي وليس صراع
ستراتيجي بين حزب الله واسرائيل ،
كما يتوهم بعض السذج ، بل بين
امريكا وايران ، لان امريكا ،
وبعد ان استغلت ايران في المساعدة
على غزو العراق وافغانستان ، وهو
مااعترف به خاتمي ، تريد الان
تقليم اظافر ايران وتحجيم دورها ،
و ليس الغاءه ، ليبقى في خدمة
استراتيجية امريكا واسرائيل
القائمة على نشر الفتن الطائفية
في الوطن العربي والعالم الاسلامي
. اما ايران ، وبعد ان سمحت لها
امريكا بدخول العراق ، اخذت تنفذ
ستراتيجيتها القومية الاستعمارية
الخاصة بها ، والقائمة على افتراس
الوطن العربي ، انطلاقاً من
العراق ، لاقامة امبراطورية
فارسية تموه هدفها القومي الصرف
بغطاء اسلامي مزور ، لذلك فأنها
تضغط على امريكا في لبنان وفلسطين
وغيرهما.
اذن نحن بأزاء ثلاثة مشاهد في
الوطن العربي :
1- مشهد الصراع الستراتيجي الحاسم
بين اعظم قوتين في عصرنا ، وهما
امريكا وحلفاؤها والمقاومة
العراقية الباسلة بكافة فصائلها ،
وبكافة مسانديها من القوى
السياسية الوطنية العراقية ، وفي
هذا المشهد فأن امريكا تواجه ،
كما قال الرئيس الامريكي بوش وهو
يتجرع سم العراق القاتل كما تجرعه
حليفه وسلفه خميني ، ( اما
الانتصار في العراق او هزيمة
امريكا عالمياً ) .
2- مشهد صراع حقيقي واساسي لكنه
يدور في ساحة لا تتوفر فيها عوامل
وشروط الحسم لمعركة حركة التحرر
الوطني الفلسطيني (حماس وفتح
وغيرهما ) لحسم الصراع لصالحها ،
بحكم ظروف موضوعية بالاساس ، لذلك
قبلتا بدولة مقزمة تقام تحت اشراف
امريكي –اسرائيلي ، مهما كانت
نوايا القيادات الفلسطينية ، (
مادامت امريكا قوة لاتهزم ) ، ومن
ثم فأن مواصلة اسرائيل قوتها
يستمد من قوة امريكا وليس العكس .
3- مشهد صراع مفتعل يدور بالنيابة
على ارض لبنان بين امريكا وايران
، والهدف الاهم من وراءه ، هو
ابعاد النظر عن الصراع الرئيسي في
العراق ، لاجل تقزيمه بنظر محيطه
الحيوي وهو الامة العربية ، من
وجهة نظر امريكية ، وازالة الدم
العراقي الذي يغطي الجسد الايراني
، من الراس حتى القدمين ، المتورط
في غزو وتدمير العراق، عن طريق
معارك حزب الله مع اسرائيل ،
والتي تجيّر حتماً ، وكما رأينا ،
لصالح تحسين صورة ايران وكسب
الانصار العرب لها لكي تواصل
دورها الاجرامي التفتيتي في
العراق ، ثم في بقية الوطن العربي
، وتحت غطاء انها ( قيادة الطرف
المعارض ) لامريكا كما ادعى علي
خامنئي ، الرجل الاول في ايران !
في مشهد الصراع اللبناني هذا ليس
ثمة من تجرأ وقال بأن المطلوب هو
دحر اسرائيل كلياً ، او تجاوز
قاعدة التوافق اللبنانية ، لذلك
فأنه صراع ، مهما استمر وتطور ،
لن يغير التوازن الستراتيجي
الاقليمي ، وكل ماسيقود اليه هو
المزيد من الخراب في لبنان ،
وربما في سوريا ، وتعميق الصراعات
الطائفية في لبنان : فرداً على
طائفية حزب الله ظهرت جماعات سنية
طائفية ( فتح الاسلام مثلاً ) ،
واعيد الاعتبار وبقوة للطائفية
المسيحية ، بعد ان هدأت وضعفت
الطائفية اللبنانية نتيجة الحرب
الاهلية السابقة وادراك كل
الاطراف ان لاحسم عسكري في لبنان
وانما التوافق هو الحل
(1975-1990) .
جهل ام
تجاهل؟
في ضوء ماتقدم لايسعنا الا ان
نطرح ، مرة ثانية وثالثة وعاشرة ،
سؤالاً منطقياً : هل ماقلناه من
حقائق عن الوضع الستراتيجي
الاقليمي والعربي والعالمي غير
معروفة او غامضة ؟ كلا ، فمن يزج
بنفسه في معارك المصير عليه ان
يبدأ ، اولا وقبل كل شيء ، بمعرفة
اوليات الستراتيجية والتكتيك ،
لكي يرى بصواب طبيعة التوازنات
الستراتيجية السائدة والقوى التي
تؤثر فيها ، ودرجات ونوعية هذا
التأثير ، فبدون ذلك لن يكون
الفهم ممكناً .
واولئك الذين تجاهلوا المقاومة
العراقية منذ عام 2006 ، او طرحوا
اراء مضللة بصددها ( مثل انها
تحولت الى حرب اهلية وانحسرت )
لايمكن ان يفسر ذلك الا كما يلي :
1- اما ان يكون وعيهم متخلفاً ،
الى درجة البؤس ، فلا يدركون
مايجري ويكتبون وفقاً لمعايير هذا
البؤس في الوعي ، ولذلك فأن
مايقولونه لاقيمة له ، لأن الجاهل
لايحق له توجيه الناس .
2- او انهم يتغابون عمداً ،
خضوعاً لحالة بغاء الضمير والذي
يعد اسوأ واحقر من بغاء الجسد ،
أي انهم باعوا ضميرهم اما
بالدولار الامريكي ، او
بالبتروتومان الايراني .
3- او يكونوا اسرى نزعة حقد حزبي
مقيت يجعلهم ( يعرفون ولكنهم
يحّرفون ) ، كما يقول المثل
العراقي ، وامثال هؤلاء هم اخطر
من العملاء واخطر من الجهلة ،
فالقومي الناصري ، وهو حتما ناصري
سابق مهما ادعى غير ذلك ، الذي
يناصر ايران وهي تذبح العراق مع
امريكا وتنشر الطائفية ، وهي اهم
اهداف اسرائيل وامريكا ، هو عبارة
عن قارورة سم تسفح اينما حلت
مافيها . اما الشيوعي ( السابق )
فأنه ، وهو يتقيأ احقاده الآن على
الحركة الوطنية العراقية واقفا مع
الاحتلال ، او في ظلاله المخفية ،
فأنه يعبر عن حالة انحطاط اخلاقي
لابد ان يكون جذر الانحطاط الوطني
.
واذا كان هناك من يدعي الدفاع عن
القضايا الوطنية والقومية
والاسلامية ومع ذلك يتمترس
بتحزبيته وانطباعاته الحسية
الشيطانية ، القائمة على الحقد
والغيرة من نجاحات الاخرين ، فأنه
يقدم لنا انموذجاً من العوق
العقلي او الاخلاقي والذي لامفر
من انه يقود الى خدمة الاحتلال
المشترك :
الامريكي – الايراني - الاسرائيلي
وبغض النظر عن النوايا .
ان المعيار الرئيس والحاسم الآن ،
في كل الوطن العربي وفي كل العالم
المناهض للاستعمار، هو معيار دعم
المقاومة العراقية المسلحة ضد
الاستعمارين (الامريكي وحليفته
اسرائيل) والايراني ، فما لم تدعم
المقاومة العراقية لاجل تسريع
الحاقها الهزيمة بامريكا في
العراق فأن معركة فلسطين ستنتهي
الى كيان مقزم اقل من الحكم
الذاتي . اما لبنان فسوف يواجه
حرباً اهلية جديدة لامحالة تشعلها
ايران وامريكا ، ولا يختلف مصير
باقي الوطن العربي عن ذلك فأنه
سيواجه خيارات كلها مدمرة
وتقسيمية تنتهي بدفن الامة
العربية .
ان من يريد لفلسطين ان تتحرر من
الغول الصهيوني عليه دعم المقاومة
العراقية ، اولاً ، بصفتها السند
الاقوى للمقاومة الفلسطينية ، وان
من يريد صد المد الامريكي-
الايراني ومنعه من مواصلة نشر
الفتن ، بكافة انواعها ، عليه
مساعدة المقاومة العراقية على دحر
الاستعمارين الامريكي والايراني .
فقط بأنتصار المقاومة العراقية
ستهزم امريكا عراقياً وعربياً
وعالمياً ، وذلك هو المدخل
التاريخي والوحيد الان لتحرير
فلسطين .
فقط بانتصار المقاومة العراقية
ستهزم الفتن الطائفية والعرقية في
الوطن العربي، خصوصاً في لبنان .
فقط بانتصار المقاومة العراقية
سنعيد للامة العربية عزها
وكرامتها ومجدها على طريق هدفنا
الاسمى والاعظم الوحدة العربية من
المحيط الاطلسي الى الخليج العربي
.
النصر او النصر ولاشيء غير النصر
.
--------------------------------------
ملاحظتان
هامشيتان :
1 - هناك من يقول يجب ان لا نستفز
ايران او ننتقد حزب الله ، حرصا
على وحدة الصف المقاوم ! مرة اخرى
هذا البعض الذي يقول ذلك يتجاهل
او يجهل ان المقاومة العراقية
كانت ومازالت تدعو لوحدة المقاومة
العربية ، خصوصا في فلسطين
والعراق ولبنان ، وتعمل من اجل
ذلك بجدية مثلما تعمل لوقف
التدهور في العلاقات مع ايران .
وعبرت عن استعدادها للحوار
والتفاهم مع ايران وحزب الله ،
ولكن من يخرب وحدة المقاومة
العربية وينشر الصراعات ؟ انها
ايران التي تصر على نشر الفوضى
الطائفية ، انها ايران التي تصر
على مواصلة التقاءها الستراتيجي
مع امريكا ضد العراق ومقاومته
المسلحة ، انها ايران التي تدعم
الحكومة العميلة في بغداد ، انها
ايران من يمنع التوحد ضد امريكا .
وحينما ستتخلى ايران عن استخدام
الدريل ( المثقاب الكهربائي )
كاداة اساسية ليس لثقب رؤوس
العراقيين وعيونهم فقط بل لثقب
قربة الماء الوحيدة لديهم ، وهم
يغذون السير في صحراء مجدبة ، وهي
قربة الماء الذي تحتفظ به
المقاومة العراقية لاوقات العطش
القاتل . لتوقف ايران دعمها
لامريكا في العراق ، ولتوقف نشر
الفتن الطائفية في الوطن العربي ،
عندها لن تصدر عنا كلمة واحدة ضد
ايران .
اما حزب الله ، فكما قلت في
مقالتي ( نحن وحزب الله وايران )
عقب حرب عام 2006 ، فان كل مصادر
خلافاتنا معه متأت من تبعيته
لايران ، فاذا حلت مشاكلنا مع
ايران فسوف تحل مشاكلنا تلقائيا
مع حزب الله.
الكرة في الملعب الايراني وليس في
ملعبنا ، وعلى البعض عدم نسيان
هذه الحقيقة ، واذا كان جادا في
الدعوة لوحدة مناهضي امريكا فعليه
ان يوجه النقد لايران، بل ان
يجلدها ، وليس لنا .
2 - ملاحظة اخرى تثير الغثيان
للفقر الرهيب في فهم البعض وبؤس
الوعي لديه ، هذا البعض يقول ان
انتقاد ايران يخدم امريكا ويصب في
صالحها مع ان من ينتقد ايران هو
المقاومة العراقية ، بكافة
فصائلها ودون اي استثناء ، وهي
القوة الاساسية التي تخوص حرب
المصير مع امريكا ، وليس ايران
التي سهلت لامريكا غزو العراق
وتدميره ، او اي طرف اخر ، عربيا
كان او اجنبيا ! فهل يوجد ضلال
وتضليل اسوأ من هذا ؟! أيها
الوالغون في دمنا وانتم لا تدركون
افيقوا الان وليس غدا ، فنحن
ضحايا امريكا واسرائيل وايران وما
قدمناه من شهداء من اجل فلسطين
والامة العربية يعادل اكثر من نصف
نفوس فلسطين ، اي ثلاثة ملايين
عراقي استشهدوا منذ عام 1991 وحتى
الان ، ولو كنا نساوم لما تعرضنا
لما نتعرض له ولما فقدنا السلطة
وعدنا نناضل تحت الارض وفوقها
بالبندقية وبالكلمة الحرة .
Salah_almukhtar@gawab .com
|