لعبت ماكنة الدعاية الغربية التي
تتقن فن التزييف وترويج
الاستنتاجات المضللة دورا مهما في
التهيئة لتنفيذ سياسة الولايات
المتحدة الامريكية في منطقة الشرق
الأوسط طيلة أكثر من عقدين من
الزمن وتكرست معظمها لتشويه صورة
نظام الحكم الوطني في العراق
لاعتبارات وامتيازات توفرت فيه
والتزمها من بينها انه صاحب الصوت
والفعل الأقوى والمشروع القومي
العربي بين دول المنطقة وسخرت
لذلك كل إمكانياتها خصوصا بعد
انفرادها بالقرار العالمي
وسيادتها المطلقة تقريبا على
المنظمة الدولية فدفعت بعملائها
الى ممارسة الضغوط التي تستوجب
ردة فعل عراقية قوية تستطيع من
خلالها التشهير به وإبرازها على
أساس من إنها من الضحايا التي
توجب على الإنسانية العالمية
نصرتها وهو ما مهد الى فرض حصار
لأكثر من ثلاثة عشر سنة شمل جميع
مرافق الحياة العراقية الأمر الذي
أدى الى إضعاف قدراته الدفاعية
المنهكة أصلا في صد العدوان
الفارسي الذي استمر أكثر من ثماني
سنوات مما مهد لسهولة غزو العراق
واحتلاله كبداية لفرض إرادات
معينة تخدم المشروع الصهيو أمريكي
– الفارسي .
إن الهم الأساسي لأمريكا والدول
التي تحالفت معها لم يكن أبدا
إجراء تحويلات سياسية مهمة في
العراق او أي دولة من دول الإقليم
العربية وغير العربية لتنعم
بالاستقرار وبالديمقراطية والسلام
واقتصاد رصين ومستوى معاشي عالي
للفرد وبإقامة نظام حكم وطني حتى
لو كان قطريا متكاملا , لان ذلك
بالتأكيد سيعمل على تقويض مصالحها
وخصوصا الاقتصادية التي توفر لها
استمرار الحصول على الموارد
الأولية بأسعار رخيصة او من حيث
ضمان تصريف بضائعها كأسواق تطمح
الى توطيدها والتي يأتي من بين
أهمها السيطرة على واحد من اكبر
احتياطيات النفط في العالم من
جانب ولظروف المنطقة وعلاقاتها
وما تحمل من موروث قومي فان هكذا
أنظمة لابد إن تؤدي بالتالي الى
التقاطع مع المشروع الامريكي
الصهيوني وبؤرته في فلسطين
السليبة وبالتالي الى التمكن من
الانتصار عليها مما يؤول حتما الى
انحسار او تلاشي تواجدها هي او
غيرها في المنطقة إلا بقدر تبادل
المصالح وتكافؤها وفق مبدأ القوة
والعدالة لذلك فقد عمدت خلال خمس
سنوات من عمر احتلالها البغيض
للقطر الى إشاعة الفوضى والتناحر
الطائفي والقتل والدمار فكانت
نتائجه كارثية لا على العراق فحسب
بل على جميع المنطقة فإذا كانت
أعمال العنف قد أدت الى تهجير
أكثر من ستة ملايين عراقي آمن بين
الداخل والخارج وقتل أكثر من
مليونين من الأبرياء على يد قوات
الاحتلال او مرتزقتهم او عن طريق
المليشيات التي تم تشكيلها لهذا
الغرض حسب الإحصائيات الرسمية
للمنظمات الدولية فان المنطقة قد
شهدت أعمال عنف وحرب تعددت
أشكالها ومسبباتها أدت في محصلتها
النهائية الى مزيد من التدخلات
الأجنبية وصراعات طائفية مدعومة
من هذه الدولة او تلك غير المزيد
من التنازلات التي قدمتها حكومات
المنطقة على حساب القضية
الفلسطينية كقضية مركزية للعرب
والمسلمين كانت نتيجة طبيعية
لاحتلال العراق وإسقاط حكمه
الوطني .
قديما لم تعتنق القوى الحاكمة في
أوربا الديانة المسيحية بدافع
الإيمان , فقد قاومت هذه العقيدة
الإنسانية السمحاء القادمة من
الشرق ومن فلسطين بالذات طيلة
ثلاثة قرون كما قاومت الديانة
اليهودية قبلها وأوقعت بالذين
اعتنقوها وغالبيتهم من الفقراء
والمظلومين أشكالا فظيعة من القمع
والتعذيب والتنكيل , وعندما وجدت
تلك القوى الحاكمة إن لا جدوى من
استمرار القمع ركبت الموجة
الشعبية واعتنقت المسيحية بقرار
فوقي وصارت تحولها بعد إن تحالفت
مع الكنيسة الى نظام يخدم مصالحها
ويعزز سلطتها , ومع بدء العهد
الاستعماري استخدم سادة وقادة
الرأسمالية الغربية الديانة
المسيحية كأداة دعائية لتضليل
الشعوب في أفريقيا واسيا على أنهم
يهدفون الى نشر الإيمان بالله
الواحد الأحد وتمدين الشعوب
المتخلفة , وهذا ما يمارسونه
اليوم في مناطق عديدة من العالم
خصوصا في أواسط أفريقيا وجنوب
السودان والصومال حيث يعملون على
منع المساعدات الإنسانية المدعومة
والقادمة من الدول الإسلامية في
الوقت الذي تجوب فيه ما يسمونها
بالمنظمات الإنسانية المسيحية
مختلف المناطق لتمارس ما يتجاوز
حملات التنصير الى سرقة الأطفال
لبيعهم في سوق النخاسة الأوربية ,
وحتى في العراق الذي أصبحت تنتشر
فيه تلك المنظمات التي يطلقون
عليها تسمية منظمات نشر
الديمقراطية والمجتمع المدني
ومنظمات حقوق الإنسان والحرص
الكاذب على البيئة التي لم يعرف
تاريخ العراق اختراقا له مثل هذا
الذي يحصل اليوم على أيدي
المرتزقة الأمريكان ومليشيات
حكومة العمالة في المنطقة الخضراء
, ذلك لان القوة وحدها لا تكفي
لفرض الاحتلال على الشعوب وان
كانت دائما وحتى الآن هي الوسيلة
الأولى والأكثر نجاعا , ولان
منطقتنا العربية وبالذات المنطقة
الشرقية منها لا تحتمل ولا تستوعب
زج الديانة المسيحية في مسرح
العمليات فقد اكتفت الادارة
الامريكية بتثقيف جنودها
ومرتزقتها إن في احتلال العراق
ضمان لأمن امريكا والغرب المسيحي
على الرغم من عدم وجود صلة بينهما
معتمدة في ذلك على إثارة المخاوف
بعد أحداث تفجيرات نيويورك في
سبتمبر / أيلول 2001وما تلاها من
أحداث عنف وتفجيرات في قسم من
الدول الأوربية خصوصا تلك الدول
التي شاركت بالعدوان على العراق
على أساس من انه قاعدة لتصدير
الإرهاب الإسلامي الى الغرب
المسيحي بينما لجأت الى الدين
الإسلامي الحنيف كسلاح يدعم
برنامجها ألاحتلالي فأحيت تحالفها
القديم مع الفرس لتطابق الأهداف
الذين تظاهروا برعاية الدين
الإسلامي والطائفة الشيعية في
العالم فتكون دول المنطقة بين
خيارين اثنين يتمثل الاول في
الارتماء بأحضان الفرس كأقوى قوة
إقليمية ذات طبيعة إسلامية مهيمنة
في المنطقة وهذا أهم الأهداف
الإستراتيجية الفارسية يحقق ثقافة
تصدير ( الثورة الإسلامية ) وهو
الأضعف حاليا باستثناء عراق اليوم
الذي يسيطر عليه الفرس بواسطة
المليشيات الطائفية وتحت غطاء
ورعاية قوات الولايات المتحدة
الامريكية المحتلة او الارتماء
بأحضان الغرب كخيار ثاني لضمان
تأمين الحماية والتحصن ضد الخطر
الفارسي الذي بدأ يتصاعد خصوصا
بعد التطور ألتسليحي الخطير الذي
انتهجه الفرس وتبنيهم للصناعة
النووية لأغراض غير سلمية مما
يشكل خطرا كارثيا اكبر على
المنطقة , وفي كل الحالات فان
الخاسر الأكبر هو الشعب العربي .
لقد ركزت امريكا في تواجدها في
المنطقة على أساس نقل الحضارة
الغربية المتقدمة والتكنولوجيا
إليها لربط أقطارها بعجلة الدولار
الامريكي الذي أصبح اليوم من شبه
المستحيل فك الارتباط به رغم
الهبوط السريع والانتكاسات الحادة
التي يشهدها الدولار نتيجة لتغطية
لنفقات الحرب الباهظة التي
تتكبدها قواتها في العراق ولسحب
مزيد من رؤوس الأموال النفطية
العربية خصوصا بعد وصول أسعار
النفط الى أسعار قياسية لأول مرة
في التاريخ على الرغم من ارتفاع
تكاليف الحياة اليومية للمواطن
حتى في تلك الدول التي توصف
بالغنية .
لقد أثبتت المقاومة العراقية
الباسلة سقوط المشروع الامريكي –
الصهيوني – الفارسي من خلال
صمودها الأسطوري وثقل الخسائر
التي يتكبدها الاحتلال يوميا على
المستوى البشري او المادي وفشل كل
رهاناته في رضوخ الشعب العربي في
العراق لإرادته وهو ما يعني
الهجمة المرتدة التي ستشكل كارثة
حقيقية على الشعب الامريكي ما لم
تعجل إدارته من سحب قواتها
الغازية . |