أعتقد أن
الكثير من الكتاب يشاطروني الرأي
بان الكتابة على الشهداء من أصعب
الأمور فهي تختلف عن غيرها من حيث
صعوبة حصرها في نطاق محدود لأن
الشهادة دعوة يمتد عرضها وطولها
بين السماء والأرض, وتمتد جذورها
في عمق الأرض, وليس من السهولة
الاحتفاء بأرواح أغدق الله سبحانه
وتعالى في وصفها وجعلهم أحياءا
وهم أموات, وأودع أرواحهم السمحة
في حواصل طيور خضر تحلق في جنات
عدن.
عندما تكتب
عن الشهيد يرتعش القلم تقديسا
وخشية وتسجد التعابير احتراما
وتواضعا ويبتهل الفكر في محراب
الخيال مستنجدا اسعافة بالكلمات
التي يمكن أن تفي بالغرض, وتتلاطم
الاختلاجات والمشاعر معبرة عن
عجزها فالجزر يحاصرها من كل جهة
والمد ينسحب جارا ذيوله بخجل
واحمرار.
لم العجب؟
أليست الشهادة بمكرمة الرب! أليست
الشهادة بعرس الملائكة! ألا تعزف
السماء سيمفونية الخلود ابتهاجا
بصعود هذه الروح الكريمة, ألا
تتألق دموع الشهداء كحبات اللؤلؤ
وهي تحتضن موفدها السماوي الجديد؟
ألا تشرق الشمس مصبحة بهذا الوجه
الرخيم, أن كان هذا ما يحدث في
السماء فعلام العجب عما يحدث في
الأرض؟
الأشجار تموت
واقفة والشهداء يموتون واقفين
أيضا, فكلاهما ثابت في الأرض
وتتشبث جذوره العميقة بتراب الوطن
في انسجام وتناغم من الصعب تفسيره
ومعرفة كنه, البطولة تاج الشجاعة
ولكن الشهادة تاج البطولة!
البطولة الثبات على المبادئ ولكن
الشهادة هي الموت على المبادئ!
البطولة عدم
النظر إلى الخلف, وقد ورد في
إنجيل القديس اشعيا" إلى الوراء
لم أرتد.. جعلت وجهي كالصوان"!
والشهادة الاندفاع إلى الأمام
بعزيمة وتحدي! البطولة قد تتطلب
تخفيض الرأس لتلافي الرياح
الشديدة ولكن الشهادة تتطلب رفع
الرأس مهما كانت قوة الريح!
البطولة بذل لكن الشهادة عطاء!
البطولة سعادة مرحلية والشهادة
سعادة أبدية! البطولة هي صناعة
الحياة والشهادة هي صناعة الموت!
البطولة أن تقلب على الساحر,
والشهادة أن تغلب الأيمان على
السحر! البطولة هي النزهة على
حافة الهاوية, والشهادة هي الخوض
في أعماق الهاوية!
هكذا كنت أيها
الشهيد كما جاء وصفك في تيموثاوس"
الذي بذل نفسه فدية للجميع" لقد
بذلت روحك الرائعة فداءا للعراق
وشعبه العظيم مؤكدا عراقيتك التي
سمت فوق كل الاعتبارات, ولترد
شهادتك الغالية على افتراءات
متعمدة وجهل مطبق عندما صنفكم نفر
من الضالين في متاهات الخيال
بأنكم" جالية" رغم إن الرجوع
قليلا إلى التاريخ من شانه أن
يثبت بطلان هذه التهمة الخبيثة,
ولم الرجوع إلى الخلف؟ طالما أن
الحاضر شاهدا على الشهادة! لقد
أثبتت شهادتك وشهادة من سبقوك
بأنكم الأصل وهم الجالية وحتى
كلمة جالية كثيرة بحقهم فهم طابور
من العملاء المتعبدين في محراب
الاحتلال, وهل هناك عار أكثر من
هذا؟
مازلت كلماتك
غصون خضراء تضفي على النفس بهجة,
وأنت ترفض الاحتلال وتطالب قوات
الغزو بالرحيل من وطنك العراق,
وتردد السماء صدى كلماتك الزاهرة,
إذا كان الاحتلال ذنبا فأن السكوت
عنه خطيئة؟
لقد أثبتت بأن
الشهادة ليس اقتناعا عقليا بمبادئ
عليا فحسب وإنما هي مبادئ لابد من
أن تقترن بالثقة بها والدفاع
عنها حتى النفس الأخير, وقد جسدت
هذا القول بممارسة حقيقية أدهشت
الأعداء قبل الأصدقاء, عندما
طالبت الجميع برفض تقديم أية فدية
لإطلاق روحك الأسيرة لدى زمرة من
الإرهابيين, وثبت على موقفك رغم
معرفتك الأكيدة بأن الثمن معروف
ومدفوع سلفاً و تلك هي الشهادة
الحقيقية, عندما تترفع على الموت
وتعامل الجلاد كأضعف مخلوق وتبتئس
لجهله وعجزه!
كنت القدوة
الأولى في موقفك البطولي هذا! ولو
تشجع الجميع على اتخاذ مثل هذا
الموقف لما تمكنت هذه الحفنة من
الصعاليك أن تحقق مآربها الدنيئة.
أليس من المستغرب أن تقوم قوات
الاحتلال وحكومة الذل بكل ما
لديهما من قوات بالتفاوض مع
الإرهابيين والعابثين ومساومتهم
على حياة بعض أزلامهم! وترفض
قداستكم أن تساوموا على الباطل
لأنه باطلا ولا يصح إلا الصحيح؟
ما أسعد رجل الدين عندما يستودع
الإيمان فمه, وما أتعس رجل الدين
وهو يستودع الباطل فمه!
موقفك اشد
صلابة من الحديد رغم أن نفسك أرق
من زهرة شقائق النعمان, وإرادتك
اغرب ما فيك, لقد أعطيت درسا
للجميع بأن الإنسان إذا لم يتمكن
من السيطرة على الأوضاع التي حوله
فلا بأس من السيطرة على ردود فعله
اتجاهها, وكنت مصيبا إلى أبعد
نحو. عشت حكيما ومت فيلسوفا, ولكن
الفلاسفة لا يموتون فهم خالدون
أبد الدهر.
ربما فسر
البعض شهادتك لغزا بسب طريقة
العثور على جثتك المدفونة ولهم
الحق في إثارة الريبة والشك؟ فليس
من السهولة أن يتم الأمر هكذا؟
سيما أن الموصل على مشارف معارك
حادة وهناك حاجة لقوى الاحتلال
إلى مبررات لبدء العدوان كما
شهدنا في كل مرة؟ وربما ربطها
البعض بالذكرى الخامسة لغزو
العراق؟ ربما كانت القاعدة وراء
ذلك أو قوات الاحتلال أو تابعها
حكومة الذل أو الميليشيات
المسعورة أو البيشمركة أو فرق
الموت أو العصابات الإجرامية
باعتبارها جهات لها مصلحة مشتركة
في تصفيتك! لكن الثابت والمؤكد هو
أنهم خسروا المباراة من الجولة
الأولى ورحت الشهادة بالضربة
القاضية.
سيدي المطران
الشهيد! الشهداء لا يموتون فهم
رموز والرموز تنبض بالحياة سواء
كانت فوق التراب أو تحته.
سيدي المطران
الشهيد! هنيئا لك شهادتك وأية
شهادة كانت! أنها تفوق ومفخرة ما
بعدها مفخرة !
سيدي المطران
الشهيد! لقد وصلت رسالتك الزكية
وسنسير على نفس الطريق الذي سرت
فيه فأما الشهادة أو التحرير من
دنس الطغاة.
Alialkash2005@hotmail.com |