-1-
الواقعية كما هو معروف ، مقولة
فنية ظهرت مع البدايات الأولي
لعصر التنوير الأوربي ، وبرزت
كانعكاس في الفن للتحولات
الأجتماعية العميقة التي أنتجها
عصر النهضة , والتي كرست مجموعة
جديدة من القيم الأجتماعية و
تمثلت في التأكيد علي مقولة
الإنسان , وفي تحريره من كل
القيود اللاهوتية , التي فرضتها
العصور الوسطى وفي إعادة الاعتبار
إلي العقل الإنساني .
-2-
إستعار منظرو (العراق الجديد) ,
عراق 9/4/2003 واقعية العقل
والنهضة والتنوير وتعاملوا معها
بطريقة الفهم الميكانيكي البسيط
لمعنى الانعكاس البدائي ، الذي لا
يرى من الواقع ، إلا قشرته
السطحية المباشرة .
فالواقعية لدى المنظرين الجدد
وأصحاب الفتاوى الدينية العقيمة
هي دعوة إلى ( قدرية ) عمياء ,
وإستسلام للواقع المتعين الذي
فرضته قوة السلاح الامريكي , وهو
أمر يلزم العباد العقلاء أن
لايفكروا يوما بالتمرد على
الاقدار النازلة بل عليهم أن
يتكيفوا في البيئة الجديدة ,
ويتعايشوا معها , ويأتلفوا وفق
معطياتها المتحققة .
لذلك ترى مرجعيات المطقة الخضراء
وأصحاب نظرية (العراق الجديد)
الذي ولد في ظل بنادق المارينز ,
أن من العبث واللاجدوى مواجهة هذا
(المتغير) أو الاحتجاج عليه , وان
الذين يرفعون السلاح في وجه
القوات الأمريكية , هم سذج وبسطاء
, ويعيشون في الاوهام ، مثلهم في
ذلك مثل من يحرث في البحر .؟!
إن مثل هذا التفسير اللاتاريخي
واللاجدلي , الذي يلتف على الواقع
ويزيّف شروطه , ويدعو إلي قبول
(القدر الأمريكي) , والأذعان له ,
والكف عن مقاومته , إنما يشيع
متعمداً أو جاهلاً ثقافة
|(الهزيمة) قبل وقوعها ,التي يراد
من ورائها إقتلاع وطنية العراقي ,
و تحويله إلي كائن آلي مبرمج
لاحول ولاقوة له في الحركة أو
الإختيار الا عن طريق جهاز التحكم
عن بعد , فتنعدم إرادته الحرة
ويفقد قدرة التمييز بين النظائر
والاضداد .
هذه واحدة من الواقعيات التي
يدافع عنها خليط مبعثر من العمائم
الكبيرة والكروش المتدلية وأصدقاء
جون ديوي ، وآدم سمث ، وماركسية
حميد مجيد ، وإسلامية الهاشمي ،
وصحوات آخر زمن ، وتجار المقابر
من فرق الموت والدفانة . هذه
الواقعية الساذجة التي تدعونا ان
نضع على خط مستقيم واحد , الجلاد
والضحية , والاحتلال والأوطان ,
والخير والشر , والحرية والعبودية
والقاتل والشهيد , والأعمى
والبصير .
تلك هي ثقافة (العراق الجديد) ,
ثقافة المعطيات المخاتلة التي
تعني بالسطوح , والمتوازيات ,
والتماثلات , وتهرب من واقعية
جروح الأوطان , المفعمة
بالتنقاضات والاضداد.
-3-
أنتجت الخيبات العربية المتوالية
(واقعية الحد الادنى) هذا الضرب
من المناهج التي تحض ابناء الامة
، إلى مصالحة الواقع , ومعايشته
وقبول شروطه القائمة , عبر تسويات
مهينة, تضيّع حقوق البشر ,
وتُسْتلّب فيها حرية الأوطان .
أي أن (الحد الأدنى) الذي تطالب
به (المعارضة المستأنسة) التي
تتحدث بلغة مناطقية وطائفية ذميمة
اجتهدت ان تكون طرفاً في العملية
السياسية تحت سطوة القوة المهيمنة
, لقاء شروط تمليها السلطة صاحبة
الصوت الأعلى علي الفئة المعارضة
حاملة مبدأ أو نظرية الحد الأدنى
, في مقابل إضفاء (الشرعية) على
(الحكومة ) وإعتبارها ممثلة
للوحدة الوطنية , إنطلاقاً من
ترتيبات الوعي الزائف المجرد من
واقع المواطنة , وأخلاقيات العقد
الإجتماعي الذي لا ينهض على
الحقوق المتكافئة بين أبناء البلد
الواحد , وإنما علي أسس المقايضة
المذهبية العقيمة والمساومة
الحزبية البائسة , والحد الأدنى
المهين الذي يحتم على أصحاب الحد
الادنى قبول الاحتلال , وإلتزام
الصمت حيال تجزئة الوطن ،
والاكتفاء ببرقيات التهنئة
والاحتجاج ؟!!!
-4-
الإنتقائية والتوفيقية : لا تخلو
من الذرائع , ولا تنفك عن الأوهام
, وهي في الأصل تبرير للواقع ,
القفز علي أوجاعه , ونقائضه .
يقول أصحاب هذه الواقعية
(السحرية) , مادام الواقع مفروضاً
علينا ، وقائماً متحققاً بكل
جبروته و تحدياته فلا أقل من
الإقتراب منه وتمثل حقيقته ,
ومواجهته بطريقة عقلانية من خلال
:
1- المقاومة السلمية في تقويم
الاخطاء وترشيد الانحراف .
2- محاولة تطوير وتقوية نقاط
القوة المشتركة , وتضييق مسافة
الخلاف بين الطرفين.
-5-
ترى المعارضة الوطنية وطبقاً لصوت
الشارع العراقي , و بديهيات
المنطق الوطني المقاوم , بأن
الواقع المفروض بالقوة العدوانية
المسلحة , لن يتغير أو يزول بغير
واقعية الحرية الصلبة ، وواقعية
الارادة الشاملة المعبرة عن منهج
( الكيف ) المكافئ للقوة الغاشمة
، القادر على خوض الصراع مع العدو
الامريكي بكل جدارة ومهارة ، وهو
الفعل الارادي للمقاومة الشعبية
الطويلة الأمد , الذي يعرف كيف
ومتى وأين وبأي الادوات يختار
معاركه المظفرة ، ومن أجل أن تكون
الواقعية الوطنية في مستوى
التاريخ الذي يعيد تحديث حقائق
الشعوب ، يتحتم على مناضلي الشعب
من الفصائل الوطنية وأنصارها ،
السعي المثابر لتحقيق وحدة الفعل
المقاوم ، والوصول إلى (سقف واحد)
يمتد إلى سماء الوطن وجهات العراق
الأربع ، تنتظم في حركته الصاعدة
كل العقول والسواعد , على برنامج
الآن والغد , على طريق النصر
والتحرير والنهضة , وهي مسؤولية
لن ينهض بإعبائها إلا الفتية
المقاومون الشجعان حاملو رسالة
الوحدة التي ترفرف في قلوب ألآباء
والآمهات أملا واقعيا بمضاعفة
الفعل القتالي وتسديد الضربات
الموجعة لكتلة العدوان, والإطاحة
بمراكزها و مقوماتها وتجفيف
مادتها العدوانية من الأدوات
والوسائل والاصنام .
|