يوشك الحزب الديمقراطي الأمريكي
أن يحسم أمره بين مرشحين اثنين ،
امرأة كانت السيدة الأولى في
الولايات المتحدة ثماني سنوات ،
وعضو في مجلس الشيوخ لمدة مماثلة
، أكسبتها خبرة متصلة من التعاطي
مع أحدا ث بلدها والعالم ، من
بوابة المكتب الرئاسي للبيت
الأبيض في الحقبة الأولى ، ومن
نافذة مفتوحة على الأركان الأربعة
، وما تحت الأرض وما في الفضاء
الخارجي في الحقبة الثانية ،
وأمريكي من أصل أفريقي ، ما تزال
جذوره العائلية تمتد في أرض كينيا
، بدأ يشق طريقه بسرعة تتناغم مع
المزاج الأمريكي العام في تجربة
كل صرعة جديدة ، يحمل من الطموح
أكثر مما يحمل من الخبرة ، ويحاول
تجسير الروابط بين أصل عرقي
والمجتمع الذي ينتمي إليه ، ودفن
المعتقد الديني الذي كان عليه
آباؤه ، كي لا يكون سببا في تراجع
فرصه في مجتمع يلاحق المسلمين
بشبهة الإرهاب .
وهذه المنافسة الضيقة الأفق ، هي
التي تنعش فرص الحزب الجمهوري
بالبقاء في البيت الأبيض ، أربع
سنوات اخرى على الأقل ، ذلك أن
مجتمعا مثل المجتمع الأمريكي ،
والذي يحمل متراكما هائلا من
تقاليد العنف التي جاء بها
المهاجرون والمنفيون الأوائل من
أوربا ، والتي تفرض نمط سلوك محدد
للاحتفاظ بالحياة والتفوق ، أما
أن يكون قاتلا أو مقتولا ، وتناسل
هذا السلوك وأصبح جزء من الموروث
القيمي للعالم الجديد ، يجعل من
ترئيس سيدة على بلد كهذا أمرا
محفوفا بكثير من علامات الاستفهام
، على رغم كل ما حصل من تطورات
اجتماعية في البلاد ، ويبدو أن
كثيرا من أسباب التركيز الأمريكي
على حقوق المرأة في العالم ينبع
من إحساس بنظرة تعطي المرأة كل
حقوقها الاجتماعية ، وتحرمها
عمليا من كثير من حقوقها السياسية
، وهذا هو الذي دفع بالكثير من
المشفقين على الحزب الديمقراطي ،
إلى التساؤل عن مدى صواب ترشيح
الحزب للسيدة هيلاري كلنتون
لانتخابات الرئاسة ، في مجتمع
ينظر إلى البندقية نظرة تقديس ،
لأنها السبب الوحيد لتمليك القارة
البكر لهذا الشعب ، وعما إذا كانت
قادرة على حبس دموعها في أية
مناظرة محتملة مع جون ماكين ، أحد
صقور الحزب الجمهوري والمجهز
بخبرة في شؤون الحرب ، لأنه ممن
قاتل في الحرب الفيتنامية ،
والمدجج بالمعرفة السياسية لخبرة
طويلة في عضوية الكونغرس .
آخر التقارير بدأت تتحدث عن
انحسار شعبية كلنتون حتى بين
النساء ، وتحولت الأصوات أو هي في
طريقها للتحول إلى باراك أوباما ،
في حالة فوز الأخير ، فإن ذلك
سيعني أن المنطقة الرمادية من
المقترعين ، ستنحاز تلقائيا ضد
المرشح الديمقراطي الأفريقي الأصل
الخلاسي المولد ، فمجتمع ما تزال
ذاكرته الجمعية تعرض على شاشاتها
تاريخ منظمة كوكلوس كلان العنصرية
، ليس من السهل عليه أن ينتقل
خلال ها الزمن القصير نسبيا ، من
مرحلة قتل الزنوج إلى مرحلة
ترئيسهم ، وتاريخ الحرب الأهلية
ما يزال يسترجع الكثير من صور
الهزيمة التي تعرض لها الجنوبيون
فيها ، و غالب الظن أن الوسط
الرمادي سوف ينحاز تلقائيا ضد
مرشح الحزب الديمقراطي ، بل أن
وسطا مهما من الذين كانوا يصوتون
للحزب الديمقراطي تقليديا ،
سيجدون أنفسهم مدفوعين بعوامل شتى
للانحياز لمرشح الحزب الجمهوري ،
وحينذاك سيجد جون ماكين نفسه في
حرب غير متكافئة مع المرشح
المنافس ، سواء كان السيدة الأولى
في عهد الرئيس كلنتون ، أو المرشح
الأفريقي الأصل الذي جاء أبوه من
بلد ، شهد عنفا دمويا بسبب
انتخابات الرئاسة بالذات ، مما
سجل مصادفة لا يمكن تجاهل تأثيرها
على أوباما ، وهذا ما يطرح
تساؤلات جدية عن السبب الذي حدا
بالرئيس بوش إلى سحب برقية
التهنئة التي بعث بها للرئيس
الكيني الفائز كيباكي .
من يدخل البيت الأبيض لم يعد مهما
من الناحية العملية ، فلكل رئيس
أمريكي هامشه في ترك بصماته على
تاريخ بلاده ، والأعظم يأتي من
خلال مراكز صنع القرار في دولة
لها مشروعها الكوني ، ومطلوب من
كل رئيس أن يضيف إليه جزء قدر
استطاعته ، ولأننا كعراقيين ما
نزال نعيش تحت ضغط ماكنة الحرب
العالمية الثالثة ، التي دشنت
الولايات المتحدة أول فصولها في
العراق ، لم نجد فارقا بين فعل أي
من الحزبين ، فقد تناوب الحزبان
منذ عهد بوش الأب في حكم الولايات
المتحدة على إلحاق الأذى بنا ،
ولم يكن أحدنا يعيش وهم الفرق في
إستراتيجيتهما ، ولهذا فإن الوعود
التي أطلقتها كلنتون أو أوباما ،
بانسحاب مبكر من العراق في حال
فوز أي منهما ، ما هي إلا محاولة
لاستثمار قضية كبرى تضغط على
الرأي العام الأمريكي لجني مكاسب
، على طريقة الإعلانات التجارية
التي تهدف إلى تحقيق أكبر قد من
الأرباح ، وخاصة عندما يأتي
الحديث عن سحب للقوات الأمريكية
خلال شهرين ، وهذا الوعد يصطدم
بعقبات فنية لا شك أن من أطلقها
يجهل الحقائق الميدانية عن حركة
القطعات العسكرية ، هذا غير
التأثيرات السياسية على مكانة
الولايات المتحدة في عالم اليوم .
نحن لا نشك أبدا أن الملف العراقي
سيبقى أكثر الملفات الإنسانية
والاقتصادية ، في المجتمع
الأمريكي ، وحينما نقول إنسانية و
اقتصادية ، فإننا لا نقصد ما
يتعرض له العراقيون ، وإنما ما
يتكبده الأمريكيون من خسائر بشرية
ومالية متزايدة ، لم تتمكن
التعديلات الميدانية اللاحقة من
تقليصها ، لكن الملف العراقي وما
يحمل من آمال واعدة بكسب لا تحدّه
حدود ، يستحق المجازفة لمجتمع
بنيت قواعده على انتزاع الثروة
بقوة السلاح ، وتحمل كل الأخطار
المترتبة على ذلك .
|