لقد خضعت المنطقة العربية لقرارات
الإدارات الغربية وخصوصا الادارة
البريطانية والفرنسية بشكل اقل
حدة وتبعا لمصالحها في هذه
المنطقة , وقد شهدت المنطقة
الشرقية من الوطن العربي تعاملا
قاسيا أدى في محصلته النهائية الى
تقسيم هذه المنطقة الى دويلات
هزيلة لا تكاد تقوى على النهوض
بنفسها لا اقتصاديا ولا سياسيا بل
راحت الى ابعد من ذلك , الى خلخلة
النسيج الاجتماعي لتلك الدويلات
فعملت على إثارة الفتنة الطائفية
بين أبناء القطر الواحد , وأصبحت
أهمية المنطقة في غايتها عند
اكتشاف النفط وبكميات كبيرة جدا
في أراضيها واعتماد الاقتصاد
الغربي الصناعي على هذه المادة
الحيوية , فإذا كانت إستراتيجية
التغلغل الأجنبي في منطقة الخليج
العربي الى البحر المتوسط
لاعتبارات سياسية وجغرافية ,
أصبحت الدوافع أعمق ومبررات
الوجود الغربي أشرس في التمسك
بالمنطقة بقوة .
لقد ارتبط الوجود الغربي في
الخليج العربي ومشرقه بمعاهدات مع
مشايخ المنطقة تم تطويرها
بالتدريج بما يرسخ وجودها من جانب
, والعمل في السر على تقاسم
وتنظيم وجودها فيما بينها "كما
حصل في معاهدة سايكس – بيكو لاحقا
" من جانب آخر بينما ظل ارتباطها
بالدولة العثمانية اسميا من ناحية
سياسية ودينيا باعتبارها دولة
الخلافة الإسلامية لإضفاء شرعية
حكم أسرة آل الصباح للمنطقة .
وقد استمرت السلطة العثمانية على
الكويت والمنطقة حتى استلام مبارك
الصباح للسلطة في الكويت عام
1896م ، وبعد التهديد العثماني
بشن حملة على الكويت بمساعدة ابن
رشيد حاكم حائل ، وخوف بريطانيا
من المد الألماني بعد أن أصدر
مبارك امتيازا لإحدى الشركات
الألمانية عام 1898 بمد خط سكة
حديد بغداد ، وكذلك وجود المصالح
الروسية في الكويت بعد عزم الروس
على مد خط سكة حديدي من بورسعيد
ينتهي في الكويت ، فقامت بريطانيا
بتوقيع اتفاقية الحماية
البريطانية 1899م المشهورة والتي
تعهد فيها مبارك بعدم التنازل عن
أراضيه أو بيعها أو تأجيرها لدولة
أو مواطن أجنبي دون موافقة
بريطانيا وفي المقابل حماية
أملاكه هو وحلفائه . وحرصت
بريطانيا على سرية الاتفاقية حتى
لا تثير مشكلات دبلوماسية مع
الدول الأخرى .
وبعد وصول أنباء الاتفاقية إلى
الدولة العثمانية وتهديد
العثمانيين لمبارك عام 1901
طالبين منه الذهاب إلى اسطنبول أو
طرده بالقوة ، ورفض مبارك هذا
التهديد، قام العثمانيون بوضع
حاميات لهم في بوبيان وأم قصر
وسفوان للضغط عليه حيث احتج عند
البريطانيين ولكن مبدأ الإبقاء
على الأوضاع الراهنة جعل موضوع
الحاميات يستمر حتى اتفاقية لندن
عام 1913م .
وكانت اتفاقية 1913 والتي سميت
باتفاقية لندن بين بريطانيا
والدولة العثمانية لترسم شكل
الحدود بين الكويت والعراق فكانت
أول تحديد دولي للحدود بينها إلا
أنها لم توضع موضع التنفيذ بسبب
قيام الحرب العالمية الأولى .
وبعد أن تشكلت الحكومة العراقية
واستقدام فيصل الاول ملكا للعراق
التف حوله أكثر القادة والضباط
العراقيين وقسم كبير من العرب
الذين كانوا منخرطين ضمن الجيش
العثماني والذين شاركوا في الثورة
العربية الكبرى 1916 ومن بينهم
نوري السعيد حيث عايش سياسة
الدولة العراقية منذ نشأتها
الأولى حتى قيام ثورة 14تموز 1958
وقيام النظام الوطني الجمهوري
ولعب دورا مؤثرا في تحديد مسار
سياسة الدولة ومنها مواقفها إزاء
مشكلة الكويت .
إن أول مشكلة حقيقية واجهت
الحكومة العراقية هي التفاوض
والتعهد لمصادقة البرلمان العراقي
على معاهدة 1930 التي صاغت
مضامينها بريطانيا باعتبارها دولة
الانتداب على العراق بموجب قرارات
عصبة الأمم , وقد تفاجأ نوري
السعيد عندما طالبته بريطانيا
التي قدرت تماما أهمية منطقة
الكويت لمصالحها المستقبلية في أن
يقوم إقرار عراقي صريح لما تم
الاتفاق عليه عام 1913 بينها وبين
الدولة العثمانية فيما يخص منطقة
الكويت , والاتفاق أشار من دون
لبس بان هذه المنطقة هي منطقة تقع
ضمن الحدود الإدارية لولاية
البصرة , وان هذا الاتفاق لم تتم
المصادقة عليه في حينه وعندما
انتهت الحرب العالمية الأولى كان
كل شيء قد تغير وأصبحت منطقة
الكويت جزءا من المنطقة الجديدة
التي تخضع للاحتلال البريطاني وهي
ولايات البصرة وبغداد والموصل حسب
اتفاقية سايكس – بيكو 1916 التي
تشكل منها فيما بعد العراق الحديث
, وتؤكد الأحداث إن رغبة سكان
المنطقة تؤيد انتمائهم الى العراق
كما كان الملك غازي يطرح علنا من
خلال إذاعته الخاصة في قصر الزهور
معارضته للسياسة البريطانية في
فصل الكويت عن بلدها إلام .
ومن الملاحظ إن الرسائل التي
تبادلتها أسرة آل الصباح و
بريطانيا وخصوصا في فترة
الخمسينات من القرن الماضي لم يتم
الإعلان عنها لغاية سقوط النظام
الملكي , ولم يطلع عليها الكثير
من القادة العراقيين الذي تعاقبوا
على رئاسة الحكومة العراقية طوال
الفترة الممتدة من 1930 ولغاية
1958 , بينما كانت أسرة آل الصباح
تدرك إنها بحاجة الى انتزاع
اعتراف عراقي واضح بالتنازل عن
الكويت وهو أمر لم يحصل أبدا .
لقد كان موضوع مستقبل الكويت
موضوع نقاش جدي في حزيران 1957
حيث عقد في مبنى السفارة
البريطانية في بغداد مؤتمر
للسفراء البريطانيين العاملين في
المنطقة وكان المؤتمر برئاسة وزير
الخارجية البريطاني سلوين لود ,
وقد ناقش المؤتمر هذا الموضوع على
أساس هو أن الكويت يجب أن تبقى
محمية بريطانية وان على العراق أن
لا يفكر في يوم من الأيام
باستعادتها , وبعد أن تم استعراض
تاريخ المشكلة توصل الى إن سكان
الكويت يرتبطون تاريخيا وجغرافيا
بالعراق وليس بمشايخ الخليج
الأخرى , غير إن حجم المصالح
البريطانية يستوجب إبقاءها بعيدة
عن العراق خصوصا وان أكثر من 50%
من واردات النفط البريطاني تأتي
منها, وعلى هذا أصر العراقي على
عدم إمكانية النقاش في موضوع فصل
المنطقة في حين إن أسرة آل الصباح
كانت حريصة على الحصول على اعتراف
عراقي بحدود محميتهم ما دامت
بريطانيا لا تزال تتمتع بنفوذها
القوي في الخليج العربي .
بضغط من وزارة الخارجية
البريطانية تم عقد لقاء بين وزير
المالية ووزير الخارجية وكالة علي
ممتاز الدفتري وحاكم الكويت في 27
آب 1957 الذي عبر له عن حسن نوايا
العراق تجاه المحمية وما تم منحه
للكويتيين من امتيازات في العراق,
ومع ذلك فقد أقرّت بريطانيا
المبادئ التالية من اجل مواجهة
العراقيين
1- إن بريطانيا غير مستعدة
للتنازل عن مسؤوليتها في حماية
دول ومشايخ الخليج العربي .
2- انه في ظل إطار المعاهدات
المعقودة بين بريطانيا والمشايخ
والمحميات فان بريطانيا ترحب
بالمصالح والنشاطات العراقية .
3- إن على العراقيين مسؤولية
إزالة المخاوف والشكوك بشان
اهتمامهم بهذه المنطقة بما في ذلك
الكويت , أي بمعنى إن بريطانيا لم
تكن مستعدة لان تسمح للعراقيين
بتحقيق ما يريدونه بخصوص دعوة
الملك غازي في الثلاثينات لإعادة
الكويت الى البلد الأم , وإنها
قطعا لن تترك الكويت للعراق مهما
كلف الأمر وإن عليهم الإعلان عن
ذلك .
لقد أكد سفير بريطانيا في العراق
مايكل رايت في برقيته الى حكومته
في 5 شباط 1958 رغبة العراقيين
حكومة وشعبا في إعادة الكويت الى
العراق وقد جاء ذلك نتيجة مقابلة
السفير لوزير الخارجية نوري
السعيد , ورئيس الوزراء عبد
الوهاب مرجان وأثناء مقابلته
للوصي عبد الإله بصحبة القائم
بالأعمال الامريكي في اليوم
التالي 6 شباط 1958 الذي أكد من
جانبه معارضة بلاده لدعوى العراق
بضم الكويت .
لم تحصل الحكومة العراقية على شيء
فالمصالح البريطانية الامريكية في
الكويت تزداد أهميتها يوما بعد
آخر وكلاهما غير مستعد تماما أن
يضحي بها , ومهما كلف الأمر ,
لذلك عندما قامت ثورة 14 تموز
1958 حيث أطاح الجيش العراقي
بالنظام الملكي , كان موضوع
الكويت من المواضيع التي تم
مناقشتها في صباح ذلك اليوم ذاته
, لذلك استغلت الحكومة البريطانية
بذكاء الموقف السلبي للحكومة
الفارسية والحكومة السعودية إزاء
الثورة في العراق من احتمال قيام
عمل مماثل في الكويت يؤدي الى
ضمها الى العراق ويلغي ترتيباتهم
فيها بما في ذلك تدخل قوات عسكرية
بريطانية وأمريكية لمسك حقول
النفط في الكويت والإحساء .
لقد تكرر استعداد القوات الأجنبية
للتدخل مرة أخرى عام 1961 حيث
تمركزت القوات الامريكية
والبريطانية والمصرية وغيرها لمنع
الرئيس العراقي آنذاك عبد الكريم
قاسم من استعادة الكويت الى
العراق .
وبعد أن فشل العدوان الفارسي على
الشعب العراقي في صموده البطولي
الرائع أثناء قادسية العرب
الثانية قادسية صدام المجيدة ,
قام حكام الكويت بتنفيذ دورهم
الخسيس في رد جميلهم الى أسيادهم
الأمريكان والبريطانيين الذين
وفروا لهم الحماية على كراسيهم
القذرة , فاغرقوا الأسواق
العالمية بالنفط العربي الأمر
الذي أدى بالنتيجة الى انخفاض
أسعار النفط وبالتالي الإضرار
بالاقتصاد العراقي الذي أنهكه صد
العدوان الفارسي , بل راحوا الى
ابعد من ذلك , الى التطاول على
شرف الماجدات العراقيات وهم الذين
لم يستطيعوا حماية شرف الكويتيات
من القوات الأجنبية التي تواجدت
على ارض الكويت لإعادة فصلها عن
وطنها الأم على يد القائد الشهيد
صدام حسين رحمة الله وأرضاه في
عام 1991 .
لقد كانت المسألة الكويتية مبررا
يعمل على تأجيجه أشباه الرجال
حكام المحمية لحصار اقتصادي فرضته
الولايات المتحدة الامريكية
بشراكة بريطانية استمر لأكثر من
ثلاث عشرة سنة انتهى باجتياح همجي
وحشي حشدت له إدارة بوش الصغير
جيوش أكثر من ثلاثين دولة ولشديد
الأسف من ضمنها جيوش عربية في
آذار 2003 كسابقة لم يشهد لها
التاريخ الإنساني مثيل أدت الى
إخراج العراق عن مداه القومي
وتعطيل دوره الريادي في قضية
الأمة العربية المركزية فلسطين
بالإضافة الى تدمير كافة مفاصل
الحياة وكنتيجة مهمة لهذا العدوان
أن استبيحت الحرمات والثوابت
القومية فباتت امتنا لا تقوى على
مجابهة الهيمنة الأجنبية
وتدخلاتها حتى في سياساتنا
الداخلية كأمة واحدة .
لقد جاءت زيارة بوش الصغير الى
محميات الخليج العربي مع مطلع
العام الحالي كتأكيد من الادارة
الامريكية لحماية كراسي حكام
المحميات فراحوا يتبادلون الأوسمة
والأنواط والهدايا وكمكافئة منهم
لهذا الوضيع راحت نسائهم دون
استحياء من دين او عرف اجتماعي
تقبله وتحتضنه وراحوا رجالا
ونساءا يراقصونه كتحدي للمعانات
والمآسي العربية في معظم أقطارنا
, فدنسوا به أعراضهم بعد أن دنسوا
بجيوشه الارض العرب والمسلمين .
Iraq_almutery@yahoo.com
|