في مقالة للأستاذ الفاضل حكمت
ناظم يناقش فيها إشكاليات الأمن
القومي العربي وفهمه وتطبيقه
ونظرة البعض الى دور جامعة الدول
العربية كمنظمة إقليمية معنية
بحماية الأقطار العربية او النظرة
المعاكسة التي ترى إن الجامعة
ساهمت الى حد كبير في تكريس
التجزئة , ولمزيد من المعلومات
لابد من إلقاء نظرة على تاريخ هذه
المنظمة ومراحل تأسيسها لكي
يستطيع المرء من بناء تصور كامل
عنها ومعرفة حقيقة مسيرتها .
لقد ساد في فترة الثلاثينات من
القرن الماضي لدى المواطن العربي
وتعاظم أثناء الحرب العالمية
الثانية وبعد نهايتها شعور قومي
قوي عارم يطالب بالوحدة العربية
وازداد الضغط على الحكومات
العربية وخصوصا رجال الجيش الذين
كانوا مؤثرين في صناعة القرار
السياسي من اجل مزيد من التقارب
القومي كنتيجة لمجموعة من العوامل
يأتي من بين أهمها الدور الذي
قامت به الجمعيات والأحزاب
والشخصيات والقوى القومية في نشر
الوعي والثقافة القومية التي كانت
لها ردود أفعال كثيرة على مجمل
الساحة العربية وخصوصا في الجناح
الشرقي للوطن العربي ومصر الذي
كان أكثر استقلالا من جناحه
الغربي الذي يخضع بشكل مطلق
للاحتلال الغربي , الأمر الذي دفع
برئيس وزراء العراق آنذاك الى
ركوب موجة المطلب الشعبي في
محاولة منه للتقرب من الجماهير
فطالب في أكثر من مناسبة بإقامة
صيغة من الاتحاد الكونفدرالي بين
أقطار شرق الوطن العربي , او قيام
جامعة عربية للدول المستقلة منها
او أي صيغة اتحادية تراها الدول
المعنية فبادر الى كتابة مذكرة
تحت عنوان " استقلال العرب
ووحدتهم " بعث بها الى
""RichardGazey رتشارد كيسي وزير
الدولة البريطاني لشؤون الشرق
الأوسط المقيم في القاهرة في 14
كانون الثاني 1943 وبين شد وجذب
وإطلاق العديد من المشاريع
الوحدوية من مختلف الجهات إثر
إطلاق وزير خارجية بريطانيا روبرت
انطوني آيدن في 29مايس1941
لتصريحه الشهير عن تأييده لاماني
العرب في الوحدة العربية أي في
نفس اليوم الذي أعلن فيه عن تصفية
قيادات ثورة مايس 1941 من الضباط
الأحرار لامتصاص رد فعل الشارع
العربي انتهت الى مشاورات قيام ما
اتفق في حينها على تسميته جامعة
الدول العربية كمنظمة إقليمية
عربية , ومن مراحل المشاورات التي
جرت بخصوص إنشائها يستطيع المرء
إن يلاحظ إنها ولدت ميتة , يؤكد
ذلك بروتوكول تأسيسها المعروف
ببروتوكول الإسكندرية عام 1944 و
توقيع ميثاقها عام 1945, فهي
عبارة عن خليط غير متجانس لحكومات
يجمعها الارتباط ببريطانيا
وتفرقها عوامل شتى في المقدمة
منها تقاطع المصالح , وإذا كان
العرب قد توحدوا في الثورة
العربية الكبرى عام 1916 ضد
الوجود العثماني فان الاحتلال
الغربي قد قسم المنطقة وفق مصالحه
في اتفاقية سايكس – بيكو في نفس
العام والتي لازلنا نعاني منها
الى يومنا هذا , وقد كانت الجامعة
العربية كما أرادتها بريطانيا
لإحباط أي عمل عربي يخدم مصالح
الأمة او يهدد مصالح الغرب ومصداق
هذا ما قاله احمد الشقيري الأمين
العام المساعد للجامعة حينها في
لقاء له مع محمد نجيب أول رئيس
جمهورية في مصر وعلي ماهر رئيس
وزراء مصر الأسبق عام 1953 من إن
الدول العربية قبل الجامعة كانت
تتسابق وتتنافس على العمل من اجل
القضايا العربية , وأما بعد
الجامعة فقد وقف التنافس وأصبحت
الجامعة أداة للتخلص من
المسؤوليات الفعلية وأصبحنا كلما
طالبنا بعمل ما قالت , أي
الحكومات العربية سننظر في الأمر
في الجامعة حتى إذا اجتمعت تعطل
العمل او تأجل , او تمهل حتى ترضى
هذه الحكومة او تقنع تلك وهكذا .
إن مراجعة سريعة لزيارات وفود
الأقطار العربية ومباحثاتها التي
تمت مع مصطفى النحاس رئيس وزراء
مصر بخصوص إنشاء الجامعة العربية
والتي بدأت بزيارة نوري السعيد في
نهاية تموز 1943 وانتهت بأخر
توقيع للمصادقة على ميثاقها من
قبل الحكومة السورية في 9 شباط
1946 تبيّن كم كانت تلك المباحثات
متوترة ومتعثرة ومبنية على الريبة
والتخوف بين الأطراف المشاركة وكم
كانت مبنية للتأسيس على دعم
القطرية وتكريس التجزئة .
إذا كانت تلك هي ظروف تأسيس هذه
المنظمة مع تعاقب الحكومات في
ظروف الرعاية الأجنبية الغربية
فماذا يمكن إن تقدم الى الشعب
العربي ؟ وقد أدركت الجماهير
العربية منذ الإعلان عن تأسيسها
عدم قدرتها على تلبية حاجات الأمة
لذلك طالبت بل وسعت العديد من
الأحزاب القومية الى تأسيس جامعة
عربية شعبية واجهتها قوى الاحتلال
بالقمع واعتقال قادتها والمطالبين
بها .
لقد امتلكت امتنا كل مقومات قيام
الوحدة العربية وهي الدعامة
الأساسية التي يمكن إن يتم من
خلالها ضمان الأمن القومي العربي
التي انطلق منها الرفيق شهيد الحج
الأكبر أبو الشهداء رحمه الله وكل
شهداء العراق والأمة العربية
والإسلامية , انطلق منها في إعلان
الميثاق القومي لتنظيم العلاقات
القومية بين الأقطار العربية في
الثامن من شباط عام 1980 كأساس في
بناء منظومة للأمن القومي العربي
كبديل عن ميثاق الجامعة لإدراكه
قصور ميثاقها عن تلبية حاجات
ألأمة .
ولمعرفة أسباب التدهور في المسرح
الاقليمي والدولي للوضع العربي
الراهن والناتج عن تسخير عوامل
القوة المؤثرة لغير صالحها بحيث
إن :
أولا : النفط الذي سخر من اجل
خدمة المصالح الأجنبية في المنطقة
عن طريق الشركات التي تدير
العمليات النفطية وعن طريق ذلك
تؤثر في سياسات دول المنطقة لغير
الصالح العربي , خصوصا بعد دعوة
العراق لاستخدام هذه المادة
الحيوية كسلاح في المعركة إضافة
الى تسخير كل الإمكانيات العربية
إبان حرب تشرين / أكتوبر 1973 وما
نتج عن ذلك من شلل أصاب مرافق
الحياة الغربية , مما أدى الى إن
تأخذ هذه الدول حذرها لتلافي
الوقوع في مثل ذلك مستقبلا .
ثانيا : إن العائدات النفطية
الضخمة تودع في البنوك الامريكية
بالدرجة الأولى وكما هو معروف
بالدولار الامريكي وهي لا تسمح
بسحب الأرصدة خارجها إلا بنسب
معينة وللارتباط بين حكومات
المشايخ النفطية والولايات
المتحدة الامريكية , وأزمة تأجير
إدارة الموانئ الامريكية الأخيرة
لصالح دولة الإمارات العربية
المتحدة في عام 2006 خير دليل على
عدم السماح للعقل العربي الحسابي
في التغلغل في إدارة المصالح
الغربية , وقد ظهرت الكثير من
الصيحات والدعوات التي تطالب
بإدارة الأموال العربية بعقول
غربية وليس العكس لأنهم يعتبرون
إن الثروات التي وجدت في المنطقة
العربية إنما وجدت خطأ لان العرب
غير قادرين على الانتفاع منها إلا
بقدر اللهو والمتعة او لاستخدام
تلك الأموال في عمليات تنمية
الإرهاب العالمي الذي يدعو له
الفكر الإسلامي كما يدعون لإقناع
شعوبهم كمبرر لاحتلالهم للمنطقة
وتغلغلهم فيها على عكس ما يعلنون
من رعاية للحرية والسلام في
العالم خصوصا بعد أحداث سبتمبر
2001, لذلك يعمل الغرب على سحب
تلك الأموال الضخمة بمقابل ضخ
أسلحة بأسعار خيالية دون إن تجد
الرجل الذي يستخدمها , هذه
الخيرات والثروات إنما وجدت لخدمة
الإنسان الغربي , وعلى هذا فان
الغرب لا يسمح للعرب من امتلاك
ناصية العلم إلا بالقدر الخدمي
وإلا فهل يوجد تبرير يدفع بالكيان
الصهيوني لضرب مفاعل تموز النووي
العراقي وهو مخصص للإغراض السلمية
مثلا في الوقت الذي يطور الكيان
الصهيوني مفاعلاته النووية وكأن
الحضارة الغربية لم تبني أسسها
على ما توصل إليه علماء العرب
ويتناسون على اقل تقدير إن
العمليات الحسابية الأربعة لازالت
الى هذه اللحظة تسميها كل شعوب
الارض بالخوارزميات نسبة الى عالم
الرياضيات العربي العراقي أبو عبد
الله محمد بن موسى الخوارزمي .
إن ارتباط الأنظمة الحاكمة في
الأقطار العربية بمعاهدات
واتفاقيات مع دول المعسكر الغربي
الرأسمالي مع نهايات القرن التاسع
عشر بشكل فردي لتأمين حمايتها من
جهة ولمنع التغلغل الروسي في
المياه الدافئة من جهة ثانية ثم
تطور بعد انهيار حلف وارشو على
اثر انهيار الاتحاد السوفيتي
السابق , الى مصالح اقتصادية تخدم
الأمن الغربي حتى على حساب
المصالح الوطنية والقومية العربية
نتج عنه انفراد الولايات المتحدة
الامريكية بإنشاء قواعد عسكرية في
أغلب أقطار المشرق العربي هدفها
إضافة الى ما سبق تحقيق الأهداف
الإستراتيجية للتحالف الامريكي –
الصهيوني – الفارسي وقد تكثف ذلك
بشكل واسع وتحت غطاء الأمم
المتحدة ليكتسب الشرعية بعد
العدوان الامريكي على العراق مع
بدايات تسعينيات القرن الماضي ولن
تكون آخرها إنشاء قاعدة فرنسية في
الخليج العربي في خليج البحرين
لسحب اكبر قدر ممكن من رأس المال
العربي على اثر زيارة الرئيس
الفرنسي ساركوزي في مطلع العام
الحالي 2008 .
لعل ما يؤلم النفس أكثر إن تكون
الأراضي العربية هي نقطة المثابة
لانطلاق الجيوش التي تغزو الأراضي
العربية في العراق وبمشاركة
ومباركة عربية لإخراج العراق من
دائرة حفظ الأمن القومي العربي
وتوازن القوى الإقليمية , بل
والأكثر من ذلك العمل على تمزيق
وشرذمة العراق كبداية لتمزيق
المنطقة العربية بأكملها تبدو
ملامحها واضحة اليوم في لبنان
وأكثر وضوحا في جنوب السودان
وكذلك في الصومال وإشكالية
الصحراء الغربية وبأكثر من ذلك
ذهبت الأقطار العربية باستثناء من
يتضرر منها الى انابولس لمباركة
توقيع بيع القضية الفلسطينية
والدماء العربية التي سالت من
اجلها .
نتساءل هنا , لماذا يخترق الأمن
القومي العربي وبهذا الشكل ؟
ولماذا تستهدف امتنا العربية بهذا
الشكل الخطير؟
إن الأمة العربية اليوم تمر
بمرحلة من اخطر المراحل التي
عاشتها عبر تاريخها الطويل منذ
وجود البشرية على هذه الارض , فهي
تقف في مفترق طرق رغم امتلاكها
للإمكانيات العظيمة لإقامة وحدتها
, وهذا مستبعدا في ظل الحكومات
العربية الحالية الخاضعة للهيمنة
الغربية التي رسمت سياساتها تجاه
منطقتنا منذ إن اثبت المقاتل
العربي قدرته على كسر حاجز الخوف
وانتصاره على التفوق العسكري
الصهيوني في حرب تشرين 1973وهذا
ما يثبته المجاهدون الشجعان أبطال
المقاومة الوطنية العراقية
الباسلة اليوم حيث تنهار أمام
ضرباتهم الجبارة قمة ما وصلت إليه
الآلة العسكرية الامريكية من تطور
, فقد بنت امريكا إستراتيجيتها
على استمرار الغليان الحالي في
المنطقة لاستثمار كل إمكانيات
تفتيت الأمة العربية لضمان امن
الكيان الصهيوني من جهة واستثمار
سيطرتها على مصادر الطاقة والمواد
الأولية العربية , فإستراتيجية
التحالف الامريكي – الصهيوني –
الفارسي تقوم على أساس تجزئة
الوطن العربي وتقسيمه وهي أقصى ما
تحاول تحقيقه في التدمير والتهديم
لكل شئ .
في عام 1978 كان زيبنيغيو
بريجنسكي مستشار الرئيس الامريكي
كارتر لشؤون الأمن القومي قد صاغ
عبارة " قوس الأزمة " للإشارة الى
بلدان جنوب غرب آسيا ويعني
بالتحديد أقطار المشرق العربي حيث
اعتبرها بنى اجتماعية وسياسية هشة
في منطقة ذات أهمية حيوية بالنسبة
لأمريكا مهددة بالتفتيت والفوضى
السياسية وهذا ما أكده هنري
كيسنجر وزير الخارجية الامريكي
واعتمدته بلاده في سياستها على
إبقاء دول المنطقة بعيدة عن أي
شكل من أشكال الوحدة طيلة الفترة
الماضية لغاية الآن .
وبناءا على كل ما تقدم يمكن إن
توصف الجامعة العربية في أحسن
ألأحوال على إنها العربة التي
تقود الدول العربية الى شبه تآزر
ضمن النظام الاقليمي وهي ابعد ما
تكون عن التكامل السياسي او
الاقتصادي او العسكري العربي , في
الوقت الذي يترسخ قصورها عن تأدية
واجباتها التي نص عليها ميثاق
تأسيسها على طول تاريخها الذي
تجاوز النصف قرن على الرغم من
التبدل في زعاماتها , فقد كانت
ولعدم قدرتها على احتواء أزمة
الخليج سببا في تحطيم البنى
التحتية للعراق في عام 1991 في
الوقت الذي كان فيه الطيارين
العرب يقصفون الأراضي العربية في
العراق بالتعاون مع التحالف
الغربي بينما كانت الصواريخ
العراقية تدك معاقل الصهاينة في
تل أبيب وغيرها لأول مرة في
التاريخ العربي الحديث , وفشلت
الجامعة في كسر الحصار الظالم على
العراق الذي استمر أكثر من ثلاثة
عشر سنة شمل كل مفاصل الحياة حتى
الدواء وأقلام الرصاص لمدارس
الأطفال وفشلت في دفع الغزو
الهمجي لمغول العصر الأمريكان
وفشلت في المحافظة على عمق العراق
الحضاري القومي رغم اعتراف الأمم
المتحدة باحتلال العراق واغتصاب
نظامه الوطني الشرعي واغتيال
قياداته الوطنية فقد عجزت عن رفض
الاعتراف بحكومة العمالة والتعامل
معها بل استقبلت الجامعة في مقرها
رموز تلك الحكومة في تحدي سافر
ووقح لمشاعر العرب الشرفاء ,
وكذلك الحال في دارفور او الصومال
او في مشكلة الصحراء الغربية
ناهيك عن غيابها المطلق عن التفتت
الحاصل في قضية العرب المركزية
الأولى في فلسطين وستفشل أيضا في
مساعي أمينها العام للتوصل الى
تسوية المشكلة اللبنانية كما لم
يكن لها دور في العدوان الصهيوني
على لبنان في تموز 2006 .
إن جامعة الدول العربية لا يمكن
إن تكون على الحياد بالنسبة
للمسائل القومية العربية ويجب إن
تلعب الدور الفاعل والمؤثر في
تسوية المشاكل داخل البيت العربي
في الوقت الذي يجب إن تتبنى
القضايا القومية إزاء الاعتداءات
الأجنبية باعتبارها طرفا معني
ومتضرر حتى إذا اضطرت الى تغير
ميثاق تأسيسها الذي صاغته
الخارجية البريطانية وفق معطيات
المرحلة الراهنة وخصوصا وان امتنا
مستهدفة في وجودها القومي كأمة
وكحضارة ولا يمكن إن نسمح بضياعها
في خضم صراع الحضارات
والأيديولوجيات المعاصرة , وإلا
فالأفضل لها إن تعلن موتها بنفسها
ليتمكن الشعب العربي من إيجاد
البديل الضامن فقد سبق وان ماتت
عصبة الأمم المتحدة وغيرها كثير
من المنظمات الدولية والإقليمية
....
أليس
كذلك يا .... جامعة الدول العربية
؟
Iraq_almutery@yahoo.com
|