منذ أن تم عقد اتفاقيات أوسلو
وتطبيقها على الأرض والساحة
الفلسطينية انقسمت إلي قسمين وفق
الرؤية النظرية للانقسام ، الفريق
الأول أصحاب أوسلو والواقعية
السياسية المتوافقة مع الواقعية
الدولية التي أصبحت قائمة نتيجة
المتغيرات الدولية من انهيار
القطب الاشتراكي ، وتنامي القطب
الرأسمالي وسيطرته على القرار
الدولي ومنظمات الفعل الدولي
المتمثلة بالأمم المتحدة
ومؤسساتها ، وعدم قدرة أي طرف من
الخروج من تحت سطوة هذه القطبية
الأحادية ، والفريق الثاني هو
الفريق المعارض لأوسلو الذي تمثلت
جبهته في القوي الوطنية
والإسلامية التي شكلت محوراً
أسمته الفصائل العشرة واتخذت من
دمشق مركزاً للاجتماعات التي
اتخذت الصفة الحميميه فأقصي ما
خرجت به أو نتج عنها بيان استنكار
لم يقرأه ربع الشعب الفلسطيني في
الداخل والخارج ، حتى تنامت هذه
المعارضة واتخذت من شعار حق
العودة ذريعة إلي عودتها لمناطق
السلطة الوطنية تحت مسميات وظيفية
أدناها مدير عام في احد الوزارات
أو على كادر منظمة التحرير
الفلسطينية واستمرت في خطها
التنازلي حتى وصلت لأدناها في
الانغماس عملياً في سلطة أوسلو ،
سواء المشاركة في تجلياته من خلال
المطالبة بحصص وظيفية ، وجزء من
الامتيازات ، أو المشاركة في
الانتخابات البديلة والتشريعية
والتي تعتبر أحد تجليات برنامج
أوسلو وهو بالمعني الواقعي موافقة
على أوسلو وكل ما أفرزته وإن كانت
عملية المشاركة اتخذت مبررات
كالإصلاح ، والتغيير ، وتصويب
عملية التفاوض ..الخ ولكنها في
المصاف النهائي تأتي ضمن الموافقة
الضمنية والاستسلام للواقعية التي
طرحها أصحاب أوسلو.
ليس هذا من باب الدفاع عن
أنابوليس فهو غير واضح المعالم ،
ولا يحمل من المعالم شيئاً لكي
يتم الدفاع عنه فهو يحمل اسم
مؤتمر الخريف ويأتي في فصل الخريف
، وهذا الفصل لا يحمل سوي العواصف
والزوابع وسقوط الأوراق الخضراء
الزاهية ، لتتعري الأشجار وتغادر
رائحة الزهور ، كما أنه يحمل من
الضبابية ما يحجب الرؤية ويعتمها
، وكل ما يطرح ويكتب هو نتاج
اجتهادات سياسية وتخضع لقدرات
التحليل السياسي ، ولكن رغم ذلك
لا زالت هذه المعارضة تحمل نفس
الشعارات التي حملتها في عام 1993
قبيل توقيع اتفاقيات أوسلو ، ولم
تحرك بالواقع شيئا بل ابتعدت عن
دائرة الفعل والتقرير ، وأصبح
دورها أكثر هامشية فتم تطبيق
أوسلو على الأرض ولولا العقلية
الصهيونية الغير مؤهلة بعد للمضي
بعملية سلام حقيقية ، لاستمرت
الأحوال عما هي عليه ، ولكن هذه
العقلية أسقطت المشروع الأوسلوى ،
وأفسحت المجال للمعارضة أن تُقوي
من عضدها وتعيد ترتيب صفوفها ،
وتترجم دورها على الأرض من خلال
المشروع المقاوم الذي خاضته ،
وهذا المشروع لا زال يتخبط
بالعشوائية وردات الفعل الآنية ،
حيث لا يوجد حتى راهن اللحظة
برنامج واضح ومعلوم للمشروع
المقاوم ، وتم اختزاله في
البندقية فقط ، رغم أن السياسيون
يدركون أن المشروع المقاوم هو
مشروع متكامل جماهيريا وسياسيا،
واقتصاديا ، واجتماعيا ،
والبندقية ما هي سوي أداة تخدم
المشروع السياسي المقاوم .
ورغم ذلك فإن شعبنا راهن على
المشروع المقاوم ، وأسقط أصحاب
أوسلو في الانتخابات الأخيرة ،
وهنا كانت نقطة التحول الأخطر حيث
سقط المشروع المقاوم منبهراً
ببريق السلطة ومتاعها وشهواتها ،
فانقلبت المشروع المقاوم الحاكم
ليغرق في جهنم يقود الشعب
الفلسطيني إلي المجهول ، هذا
المشروع الذي هرب إلي الأمام من
الحصار الذي فرض عليه فأصبح ضحيته
شعبنا الذي وجد نفسه تحت سكين
الجزار السياسي والاقتصادي
والاجتماعي ، وأنه تحول للضحية
التي تدفع الثمن ، فلم يهرب مشروع
المقاومة صوب العدو,ولكنه دلل
قطعاً أن مشروعنا المقاوم فاقد
للخطط الإستراتيجية, ولا يمتلك
برنامج أو رؤية متكاملة قادرة على
التعامل مع جميع الاحداثات التي
يمكن أن تطرأ حسب المتغيرات
المحلية والإقليمية والدولية وهو
ما يفسر حالة العودة الجماهيرية
لأصحاب أوسلو ومشروعهم.
هذا الفعل لم يتوقف فقط على
المشروع الذي تسلق جيل السلطة
وإنما أيضا بالقوى الأخرى التي
عارضت أوسلو فهي اتخذت موقف
المتفرج مما يحدث في الساحة
الفلسطينية رغم إدراكها أن من
يدفع الثمن هو الشعب الفلسطيني
وقضيته,ومؤسساته ومقدراته,واكتفت
كالعادة ببيان صحفي بالكاد يقرأه
المعنيون..
هذا يقودني لنفس الحالة التي
تواجه بها القوى المعارضة مؤتمر
أنابوليس حيث لازالت تقوم بذات
الدور الذي قانت به في السابق
جعجعة سياسية,ورصاصات فشنك لا
تزعج النائم,وتدعوا تارة لمؤتمر
في دمشق وأخرى لمؤتمر في غزة,وبعض
الاجتماعات المغلقة في قاعات
المؤتمرات لا يحضرها سوى النخبة
المثقفة التي تجد في هذه
المؤتمرات أفراحا للاستعراض
المعلوماتي والخطابي الذي
تمتلكه,وإفراغ لحجم المعلومات
التي اكتسبتها من الكتب
والدوريات,وندخل للمولد ونخرج بلا
حمص ولا عدس حتى..
أما عند السؤال عن البرنامج
المضاد أو البديل لمؤتمر أنابوليس
فهو لازال مختبئ تحت عباءة
المقاومة وهي النغمة
العاطفية,ولكن ما هو البرنامج
المقاوم؟
هل هو هذا الذي قسم الوطن إلي
قسمين ؟
أم هو صواريخ المقاومة والتي رغم
أدائها لا تستطيع إحداث تغيير أو
خلق توازن عسكري أو سياسي والدليل
إنها تحولت لأداة خنق ضد غزة
اقتصاديا وحصار دائم أشعل أسعار
السلع بجميع أنواعها فلم يعد هناك
سلعة ذات ثمن بخس ورخيص سوي
المواطن الفلسطيني الذي يشعر
بتدني قيمته يوما تلو يوم.
سينعقد مؤتمر أنابوليس بموعده
وسيتمخض عنه عدة نتائج ربما ترسم
الحدود المستقبلية للقضية
الفلسطينية وللمنطقة ومهما كانت
هذه النتائج والحدود فهي لن تحقق
أدني طموحات وأماني وأحلام الشعب
الفلسطيني ، بل سيُقزم مطالبنا
وأحلامنا ، ولكن هل معارضتنا
قادرة علي إحداث تغيير في نتائج
أنابوليس ؟! وهل هي قادرة على
تشكيل جبهة شعبية وطنية عريضة تقف
ضد هذا المؤتمر ؟
هنا المحك العملي لهذه المعارضة
وبرنامجها الذي يحمل من الغموض
والضبابية أكثر مما يحمله مؤتمر
أنابوليس ، فهي لا زالت تدور في
فلك هوائي فارغ غير قادرة على طرح
البديل الواقعي والمنطقي بعدما
أصاب شعار المقاومة ما أصابه من
شرخ عميق.
فاليوم المطلوب إعادة تصويب لدور
المعارضة وبرنامجها وسياستها ،
والانطلاق ببرنامج يعالج هموم
شعبنا ولفظ الطوباوية السياسية
التي تحمل بريق لامع وجوهر أجوف ،
فشعار البندقية المقاومة يحتاج
لإعادة صياغة انطلاقا من الواقع
السياسي ، والاقتصادي ،
والاجتماعي لشعبنا بروافده محليا
، وخارجيا . |