أحياناً لغة الجماهير ورسائلها
الصامتة تكون أبلغ من كل الكلمات
، وأكثر تعبيراً عن كل السياسيات
التي يطلقها الساسة ، والتاريخ
شاهد ولا زال شاهداً حياً على لغة
الجماهير ورسائلها فبالأمس سقطت
قلعه الشيوعية القوية تحت هدير
الجماهير وأمواج البشر التي تحركت
لتعبر عن رفضها للظلم والقهر
والتلاعب بإرادتها ومصيرها ، كما
سقط رجل اندونيسيا القوي
"سوهارتو" عندما أرادت الجماهير
أن تتحرك وتقول كلمتها " كفي"
لحقبة استعملت أدوات الظلم ،
وتعبر عما في داخلها من ألم لم
يشعر به من أعماهم حب السلطة
ومفاسدها.
إذن فقصص التاريخ عديدة وشواهده
عديدة ، ومسيرة التاريخ حافلة
برفض الجماهير للظلم والقسوة ،
وأن القوة لا تثني شعب أو مظلومين
عن هدفهم وإرادتهم بل تزيدها قوة
وإصراراً وعنفواناً وتحدي .
أبكتنا مشاهد الزحف الشعبي
الفلسطيني الذي احتضنته ساحة
الكتيبة في غزة اليوم ، وبكائنا
كان له عشرات الأسباب أولهما هذا
الوفاء الرائع من شعب لقائد
تاريخي ضحي من أجل فلسطين وقاد
مسيرتها ، هذا الوفاء الذي دون
صفحة خُط عليها كلمات قليله من
الحب والوفاء تؤكد أن ذاكرة هذا
الشعب لا تنضب ولا تنسي ولا تتنكر
لقادتها وأوفيائها ، ولا تدير
ظهرها لشهدائها وأبطالها ، وثاني
الأسباب التلاحم الذي جسده أبناء
غزة ، هذا التلاحم الذي عمق الروح
الوطنية وأعاد لها الاعتبار ،
وأشعل قنديل يضيء الأمل بالوحدة
التي نحلم بها ، وكسر طوق التفكك
والانقسام الذي نعيش بظلامه ، نعم
أتخذ الزحف الشكل الحزبي بشكله
لكنه جسد العمق الوطني من خلال
أوسع مشاركة شعبية وجماهيرية في
تاريخ فلسطين الحديث تلاحمت من
خلاله الجماهير من جنوب غزة حتى
شمالها لتشكل مانعاً شعبياً ضد من
أدعوا أن فلسطين غابت ، وغرقت
بروح الانهزام واليأس والقنوط.
أما السبب الأهم لبكائنا وحزننا
هو أن هذه الرسائل الشعبية التي
أرسلها شموع الزحف اليوم كانت
موجهة لقوة فلسطينية وليس
للاحتلال ، وهي رسائل الرفض
لتقسيم وتقزيم الوطن واختزاله
بغزة ورام الله .
رسالة شعبية صادقة غير مسيسه
انطلقت من الزحف الشعبي إلي
الأخوة في حماس ، فهل فهم الأخوة
في حماس هذه الرسالة جيدا؟
أمس وأنا عائد لبيتي قابلني أحد
الأخوة في حماس وبادرني بسؤال
ماذا تتوقع أن يحدث أمس ؟ ببديهية
فهمت ما يقصد وببديهية أجبته إنني
لا أتوقع خيراً ، وإن حدث ما
توقعته ستكون حماس قد وصلت لقمة
الغباء والانهزام السياسي لأنها
ستؤكد هزيمتها لو تصرفت بمسلكيات
وعقلية المواجهة ، فما يجب أن
تفعله حماس هو تسهيل عقد المهرجان
وأن تسعي جاهدة لإنجاحه بل وتشارك
فيه بقوة ، من خلال التعميم علي
جميع أفراد حماس المشاركة جنبا
إلي جنب مع أخوتهم أبناء الشعب
الفلسطيني عامة ، وأبناء حركة فتح
خاصة ، لعدة أسباب أن الذكري ذكري
وفاء لقائد وطني كبير ، والسبب
الأخر كل المؤشرات تدل أن
المهرجان سيكون استفتاء جماهيري
للحسم وإذا تمتعت حماس بالحنكة
السياسية ستواجه أمواج البشر
بأمواج البشر ، فسألني كيف ؟ أي
أن تكون حماس جنبا إلي جنب
بعناصرها وقادتها وإعلامها ، فهي
بذلك ستسقط أي أهداف أخري بالعرف
السياسي وثانيهما ستكون رسالة
محبة لعناصر وقيادة فتح وبدء صفحة
جديدة من حسن النوايا .. فهز رأسه
وسكت ولم ينبث بحرف .
وهذا ما لم تفعله حماس بل فعلت
عكسه وأثبتت قطعاً إنها اصغر من
الثوب الذي لبسته ، وإنها تتعامل
بعبثية غير محسوبة ، وجهل في
قراءة حركة الجماهير ومزاجها ،
فالثبات صفة إلهية ، والتغيير
والحراك صفة البشر ، ولا يوجد ما
هو ثابت ، فبمقارنة بين الأمس
واليوم تدرك حماس أن هذا الزحف لن
تتمكن فتح أو غيرها من حشده لولا
أخطاء حماس المتكررة .
أما أخر الرسائل التي لابد من
قراءتها جيدا فهي وجهت لحركة فتح
ذاتها ، وحان الموعد لتفهم فتح
ضرورة الارتقاء لمستوي الفعل
الوطني والجماهيري ، وتنهض لتعيد
فتح لفتح ، واجتثاث رؤوس الهزيمة
الذين سرقوا فتح وهزموها وهربوا
للعيش بنعيم المليارات التي
سرقوها ونهبوها ، فسقطوا في أول
اختبار وهرولوا خائبين أمام
المسؤولية ، هؤلاء الذين هربوا
وها هم يستغلوا هذا الزحف ليعيدوا
سرقة فتح وشعبنا تارة أخري من
خلال بياناتهم وتصريحاتهم التي
انطلقت تقدم البطولات الزائفة ،
فالحظر الحظر أن تسرق فتح مرة
أخري وتعود الغواني للرقص بلا
أنغام .
إن ما شهدته غزة اليوم وأمواج
البشر التي خرجت منذ ساعات الصباح
الباكر تحمل أمالاً بتحويل
المسيرة من اتجاهها الحالي إلي
اتجاه فلسطين ، اصطدم بصخرة
الغباء والتياسة السياسية التي
عبرت عنها رصاصات الجند لترتكب
مذبحة أخري ، فالإرادة لا تنكسر
برصاصات عمياء ، وبنادق بلهاء ،
كما لا تسرق بالبيانات والتصريحات
من مواقع الهزيمة ، فكلا اللصين
واحد ، واحد برصاصة والآخر ببيان
ضحيتهما فلسطين وشعبها .
وآخر كلماتي إن كنا خسرنا فتح
الوطن عندما سرقت من المهزومين
ولصوص المال ، فيبدو إنا خسرنا
حماس المقاومة التي صنعها الياسين
والرنتيسي فهل نتعظ ؟ وهل هناك من
يريد قراءة صوت الجماهير في زحف
الوفاء الشعبي ؟
|