بدءا إننا لا نستهدف تقييم هذه
الجهة أو تلك أو إعلاء شأن فلان
والإنتقاص من فلان الأخر ؛أو
تصحيح منهج أو مذهب على حساب مذهب
آخر؛أو تكفير أحدهم وإخراج
الأخرين من الملة.ولكن لندفع بهذا
النقاش الى السطح بعد أن أخذ مناح
أخرى بعيدة كل الشيء وليس بعضه عن
الدين.
إن
المعارك الطاحنة التي تدور اليوم
بين شرق الأرض وغربها؛والإتهامات
المتناثرة بين هذا وذاك لا توصيف
لها إلا أن نسميها بأسمها الصحيح
وهي(مواجهة بين الشرق والغرب)كما
وصفها بوش نفسه إمام الديمقراطية
الجديدة والحرية المضرجة
بالدماء؛(هي مواجهة بين الغرب
المسيحي والشرق المسلم)؛وإن تعددت
مسمياتها؛فالغربيون أشد ترطفا
بدينهم من أكثر الأشخاص اللذين
يتصفون بالتطرف في الإسلام؛لكن
التهم الجاهزة لا تركب الا على
المسلمين؛والمشكلة الكبرى إن هناك
من يساندهم في ذلك؛ حتى أضاعوا
هيبة الأسلام من نفوسهم)؛وحاشى
للإسلام أن تضيع هيبته.
هذه المواجهة بين مايسمى بدعاة
التخلف والتطرف والفردية وبين
الغرب الديمقلراطي التعددي
المنفتح صاحب النظريات التقدمية
والديمقراطيات التي تحافظ على
حقوق الإنسان (وأبو غريب)مثال على
ذلك؛وهناك من يذهب الى أبعد من
ذلك في تسطيح الأمور ويصف الموضوع
بأنه دعوة للإرهاب والكره
والعدائية وربما تسند من خلالها
تفسيرات خاطئة لنصوص دينية معينة
وتدمج مع معاناة الشعوب والقهر
الذي تواجهه المجتمعات في ظل
النظم المستبدة والتي ينتج عنها
بما عرف بالإرهاب.
ومن هذا التوجه نستنتج إن
المجتمعات التي يسود فيها الظلم
والإضطهاد وحسب رأي بعض الدراسات
الأوربية والأمريكية تخرج منها
بؤر التوتر والإرهاب؛وهي التي
تنحصر فيها السلطة بأيدي فئة
قليلة تسيطر على توجهات الناس في
تلك المجتمعات بأشكالها المختلفة
أي السياسية؛العقائدية أو
الدينية؛ أو حتى الإقتصادية في
بعض الأحيان. وفي مثل هذه الحالة
تكون المجتمعات قريبة من وصفها
بالفئوية أو المذهبية وهو ما يكون
رجال السلطة عليه ؛ وهي متشكلة من
الإنتهازيين والطفيليين اللذين
يطفون على السطح ويؤثرون في
الأغلبية العامة التي تمثلها
الطبقات المسحوقة عموما.
إن
أخطر ما في موضوع الدين هي عملية
إستغلاله للمشاعر العفوية للناس
بقصد السيطرة عليهم والتأثير في
إتجاهاتهم؛وهو الحاصل في عملية
المذاهب وتأثيراتها على الشارع
وطغيانها على عملية التفكير
العقلاني والأخذ بها نحو إتجاهات
ومقتربات غير شرعية نحو تحقيق
مآرب ربما تكون نفعية أكثر مما
تكون ذات مصلحة عامة ؛لقد جاء
الدين بصورته الشاملة ليكون رحمة
للناس وليس نقمة عليهم؛وكانت
المذاهب التي تفرعت عن الدين بغية
تفسير ماهو صعب على الفهم وليس
مبهما والتكريس لأسس صحيحة
ومبادىء قد تناولتها الأديان إلا
أن هذا التناول قد يكون بصورة
عمومية مما أقتضى الشرح والإيجاز
لتكون في متناول الجميع وليس حكرا
على الباحثين أو العارفين فيها
فقط؛مثلها مثل الأفكار والنظريات
الفلسفية أو العلمية عموما يصار
الى تبسيطها حتى تكون واضحة جلية
لاغبار عليها وحتى لايصار الى
تفسيرها كيفما أتفق.
ومن هنا جاءت مذاهب الدين لسد
حاجة فعلية كانت الساحة الدينية
أحوج ماتكون اليها؛أي لتبسيط ماهو
موجود أصلا لا أن تنشأ ماعجز عنه
الدين أو لم يتناوله.
بسم الله الرحمن الرحيم
(اليوم
أكملت لكم دينكم * وأتممت عليكم
نعمتي * ورضيت لكم الإسلام دينا)
صدق الله العظيم
وبوقفة قصيرة مبسطة عند تلك الآية
يتبين لنا أن الله عز وجل قد أكمل
الدين دون نقص؛وهي نعمة لايوفرها
إلا الله جل شأنه وإرتضاه لنا
دينا حنيفا خالصا بالتوحيد لله
الباري.وفي موضع أخر ذكر الله عز
وجل(
أسألوا أهل الذكر إن كنتم
لاتعلمون)؛ مما يعطي الأثر الوضح
في التفسير لعملية إفهام الدين
وشرح قضاياه وملتبساته إن حدث وإن
أساء البعض هذا الفهم أو إحتاج
الى تفسير؛مما أوجد المذاهب
لتمارس هذا الدور الدنيوي وليس
الإلاهي؛أي أن المذاهب رغم
إجلالنا لها وتقديسنا فهي ليست
بالمقدسة؛ومن أين لها هذا القداسة
وهي دنيوية أي فانية ولم يخصها
الله جل شأنه بها؛ كما فعل مع
الرسول الأعظم وآل بيته
الأطهار؛كي لايقول قائل إن الرسول
عليه الصلات والسلام وعلى آله
وصحبه كان يعيش في هذه الدنيا
وإنتقل الى جوار ربه؛ وهذه ليست
مقارنة وهي ليس بموضوعنا لكن
لنقطع على من يريد الخوض في تلك
المقارنة.
لقد أستغل الدين إستغلالا خاطئا
وكرس لتحقيق أهداف ومطامع خاصة
أريد لها أن تبتعد عن منهج الدين
وتأخذ طريقا غيره؛كما أريد منها
أن تطرح إتهامات معينة وبأسم
الدين على من يعارض هذا التوجه
ويدعوا لمقاومته قائلا
بنظرية(الدين للدين) أو( الدين
بمعزل عن السياسة)؛وقد أتهم أصحاب
تلك النظريات بمختلف
الإتهامات؛كما يتهم بالفسق
والمجون من يعارض الكنيسة قبل عصر
النهضة في أوربا؛لذلك صدرت دعوات
عدة حينها وما بعدها تدعوا الى
إبعاد دور رجل الدين عن التأثير
في المؤسسة السياسية؛وإبعاد رجل
السياسة عن فرض ميوله
الدينية؛وبعد تلك الدعوات ظهرت
مصطلحات عديدة تؤسس لنظم مختلفة
لم تكن تتبنى الدعوات الدينية
كمنهج وتركت أثارها على الساحة
السياسية وعلى المجتمع بصورة
عامة.
وكانت من بين تلك الدعوات أو
التوجهات هي العلمانية والتي فرضت
كحل للمشاكل التي خلفها الإستخدام
السيء للدين؛والعلمانية كانت
تدعوا الى حرية الأديان دون
تحديد؛وعدم فرض الحكومات لدين أو
توجه ديني معين على الناس؛وأن
تكون الدولة محايدة في شؤون
الإعتقاد وأن لايتم منح إمتيازات
أو دعم إتجاه على حساب الأتجاه
الأخر أو المذهب الأخر.
كما جاء في تفسير أخر للعلمانية
بأن نشاطات الأنسان
وقراراته؛ولاسيما السياسية منها
ينبغي أن تستند الى الأدلة
والحقائق وليس التأثيرات الدينية
أو توظيف الدين للإنتقام من
الخصوم؛لذلك وجب إقصاء الدين
ومذاهبه عن أمور السياسة وطرحه
على أنه أي الدين لعلاقة الإنسان
بخالقه؛وشرح نصوص الكتاب المقدس
بعيدا عن استخدامه للضحك على
البسطاء وإستخدامهم بقصد التأثير
على عواطفهم وتكريس جهودهم في
سبيل تحقيق مصالح أنية بعيدة عن
العلاقة الأصلية بالله والتي هي
محتوى الدين وجوهره؛والتي تم
أستحداث المذاهب من أجل عدم
الأخلال بتلك العلاقة.
لقد تم تكريس المفاهيم الدينية
لأغراض سياسية في العديد من
العصور والغزوات تمثلت في أطماع
جهات عديدة بأراضي أو ثروات دولا
أخرى كالحملة الصليبية مثلا؛وغزو
نابليون لمصر والتي أدعى فيها
بأنه مرسل من العناية اللالهية
لتحرير مصر؛وكما بالعصر الحديث
بوش المجرم والذي أستخدم ووظف
المقتربات الدينية لأغراض سياسية
صهيونية كان القصد منها قبل كل
شيء الإساءة للدين الأسلامي
الحنيف؛مكرسا جهده في زج المذاهب
الدينية على الساحة السياسية
مستغلا تأثيراتها بالذات في
الساحة العراقية فاسحا المجال
لضعاف النفوس من أستخدام هذه
المقاربة لتحقيق مصالح دولا
لأقليمية على حساب المجتمع
العراقي.
إننا حين نناقش العلمانية لا يعني
إننا ننبذ الدين بل إننا مؤمنون
ونتخذ من الدين جوهرا ناصعا
للحياة التي ليس بالإمكان الركون
الى الدين فيها وحده في عصرنا
الحاضر بقصد إدارتها بعد أن تشعبت
وتطورت وكثرت فيها الفرق التي
تدعي صحة أفكارها من بعد غيرها عن
جادة الصواب ؛ولتلك الفرقة التي
زرعتها المذاهب الدينية المزيفة
زيف اللذين يدعون لها؛ندعوا الى
الخروج من هذا الأختلاف الذي وصل
بيد الأطفال غير المدركين لحقيقة
ما يجري وهم يطبقون أجندات خارجية
على حساب صحة الدين وصحة المجتمع
وعاداته وتقاليده ؛لذلك نقول
بالعلمانية كونها تنظيم مدني يؤسس
لبناء دولة؛بينما الدين إن أتخذ
كتوجه منفرد وبعصبية مفرطة فهو
يؤسس لتفرق الجموع إن أسيء
إستغلاله كما هو الحاصل في عراق
اليوم.
|