متعهد دفن
الموتى!!!
متعهد دفن الموتى في (النجف
الأشرف) , يكنى (بأبي أصيبع) ,
وبهذه الصفة عرف وذاع صيته في
المدينة المقدسة , وهو رجل عريق
في المهنة , امضى أربعين عاماً من
عمره المديد بين إستقبال نعوش
المتوفين , ومراسيم دفن الموتى
وقد أدلى الرجل بأكثر من حديث
لصحف محلية , أصبحت موضوع تعليقات
الأوساط الشعبية ومجالس الطبقة
المثقفة , وحكاية تطوف في ليالي
العراق الحزينة والطويلة معا. وقد
جاء في حديث أبي أصيبع بعض
التفاصيل االمأساوية التي تتكثف
لوحتها الدامية في عراق أباطرة
الموت , الذي أرادوه نقيضا لكل
ماعرف عن هذا البلد من القيم
الجمالية في المحبة والسماحة
والسخاء .
1- قبل حرب بوش الصغير , كانت
أبواب الرزق ضيقة محدودة ,
فالموتى الآتون إلى النجف الأشرف
كانوا يردون مقبرة السلام فرادى ,
يتوزعون علي متعهدي الموت
المنتشرين كما الجراد , وبسبب
إنخفاض معدلات الموت وضآلة
الموارد هجرالكثيرون العمل وأغلقت
مكاتب عديدة أبوابها , ولم يبق
إلا القدامى الراسخون في هذا
الضرب الفريد من العمل , ولأن
أحداً من هؤلاء لا يحسن عملاً آخر
غير ما فطر عليه منذ طفولته
,وبمرور الزمن تراكمت لديه الخبرة
المطلوبة ( إنتقاء المكان ,
الحف,التجهيزالخ...) , فأحاط علما
بأسرارالعمل وألمّ بتفاصيله ,
..وعقب مرور سنوات عجاف طويلة من
الإنقطاع وسوء الحال وتدني أعداد
النعوش , حدث الزلزال الهائل الذي
قلب الدنيا ولم يقعدها حتى الان
؟!! , فقد حدث مالم يكن في حسبان
أحد من ( الدفانّة) ؟!
2 - حاشى لله أنْ ينسى أحدا من
عباده , فجأة وبقدرة العزيز
الحكيم فتح الله عليّ وعلى زملائي
في المكاتب الاخرى أبواب الرزق
على مصراعيها , منذ الأيام الأولى
لدخول قوات الولايات المتحدة
البلاد , فبدأنا في إستقبال عشرات
النعوش , الوافدة إلينا من
محافظات العراق كافة ,التي أخذت
تتدفق علينا على مدى الدقائق
والساعات , الى الحد الذي فاق
قدرات المكاتب وإمكانيات
المشتغلين فيها على تلبية طلبات
الزبائن في إستيعاب هذا الزخم
الهائل من الضحايا ,
3- أدى العدد المتوالي الكثيف
بالضرورة الى ظهور سوق سوداء أي
(الدفن البراني) خارج المكاتب
المجازة رسميا , مما خلق نوعا من
المضاربات في الأسعار شبيهة
بالبورصة المالية طبقا لقانون
العرض والطلب !!,
4- أخذت الأمور على مدى الأيام
تتعقد وتتشابك شيئا فشيئا , الى
الحد الذي أصبح فيه عمل ( الدفان
) موضع منافسة وحسد شديدين , ممن
كانوا الى عهد قريب يتطيّرون من
مجرد التلفظ بكلمة (مقبرة) ,
والشيئ الذي قد لايخلو من عجائب
هذا العالم أن إستحدث الموت
اليومي في البلاد العديد من
الطبقات على هامش هذه المهنة من
أهمها : طبقة المقاولين الثانويين
, القرّاء , الملقنين , الوسطاء
(القومسيونجية) ؟!
5- بدأت قوافل الموتى تصل تباعا
منذ معارك أم قصر في الإسبوع
الأول من حرب عام2003, فيما
تضاعفت أعداد الضحايا في السنة
الثانية , وقفزت معدلاتها في
العامين الأخيرين (2006 -2007 ) ,
إلي أرقام مروعة , حتى أطلق علي
عام 2006 بعام (الموت) , بعد أن
إزدهرت أعمال مكاتب (الدفّانة) ,
وهي تستقبل يومياً مالا يقل عن
(100) مائة قتيل .
ملاحظات :
1-الذي
فات عميد الدفانة أو تناساه
المتعهد العتيد لدواعي أسرار
المهنة الاعداد الحقيقية للشهداء
المغدورين الذين تراكموا في مقابر
جماعية لاحصرلها , التي تمّ
تعيّين مواقعها وأعدادها , من قبل
أبناء المدينة المقدسة المعروفة
بحميتها العروبية فقد تولّى فتية
النجف الوطنيون بإستقصاء
المعلومات المتعلقة بجثث الشهداء
الذين قتلوا غدرا , والذين ووريت
جثامينهم الطاهرة في الليل البهيم
.
2- إن
تقديم هذه اللوحة المأساوية
الغارقة بدم شهداء شعبنا من ضحايا
العدوان الامريكي وقوات جمهورية
المنطقة الخضراء لاتمثل إلا جزئية
متواضعة , بالغة الصغر , الى جوار
لوحات الدم الوطني النبيل الذي
يتفجر نهرا دافقا على إمتداد أرض
الوطن الحمراء .
|