دأب الإعلام الغربي على مدى سنين
مضت في البحث عن سؤال محير لم
يستطع دهاة الإعلام وعلم النفس
الإجابة عنه أو إيجاد الحلول له
.. فكيف يتقدم الإنسان العربي
رجلاً كان أم امرأة ، بقوة إرادة
، ودافع ذاتي ، أو جماعي ، ليقدم
روحه على مذبح الوطن والأمة ..
وكيف للمرء أياً كانت حالته
النفسية أن يقف شامخاً بلا وجل في
مواجهة قاهر البشر والشجر .. ذاك
( البعبع ) الهائل والطود المخيف
شبح الموت .. وكيف تجري عملية
إنهاء حياة الإنسان مادياً من
نفسه ولنفسه ، كيف يحدث هذا في
بلاد العرب ؟ ولماذا لم يتمكن أي
إنسان غربي يهودياً كان أم
أمريكياً ، أوروبياً كان أو
استرالياً على مجابهة الموت بهذا
السؤود والشموخ .. بل هم يفرون
منه وهو ملاقيهم في أرض السواد –
العراق .. وعلى ربا أفغانستان وفي
فلسطين أرض الرباط .. بل حتى في
الصومال وأي بقعة من أرض العرب
والإسلام .
نعم إنه تحدٍ للموت بلا خوف ..
فما هي سيكولوجيا الإنسان الذي
يفجر نفسه دفاعاً عن وطنه .. كي
يحيا هذا الوطن حراً أبياً .. وما
هي سيكولوجيا هذا القائد العربي
وهو يتقدم إلى حبل المشنقة بدون
أن يهتز له جفن ، أو يتحرك فيه
نبض وباستهتار ما بعده استهتار .
إنهم لم يجدوا تفسيراً مرضياً لكل
ذلك .. بل احتاروا أيما حيرة ..
لأنهم لم يعرفوا كيف يكون الإيمان
بالله جل في علاه ولم يعرفوا كيف
يصل الإيمان بالوطن والأمة وكيف
هو البذل في سبيليهما .. كيف يصل
التمكن بالقائد أو الفرد إلى
حالـة تماهي مـع الذات ، وانفلات
واضمحلال أمام الأكبر والأقدر ..
فإنساننا العربي المؤمن بقضيته
والناذر نفسه للزود عن الأمة ..
لا يأبه للموت وهو حق عليه فطعم
الموت في أمر حقير كطعم الموت في
أمر عظيم .. ولماذا لا يكون الموت
فـي أمر عظيم يرفـع ذات المـرء
إلى الأعلى ويحفز أجيال الأمة
للمتابعة والتضحية ذوداً عن حياض
الوطن وخوضاً في ملكوت الشهادة
والاستشهاد .. الإنسان العربي
المؤمن بربه وبقضاياه .. قضايا
شعبه تضمحل ذاته ، وتتلاشى أمام
عظمة حبه للوطن ومواجهة التحديات
حتى يتمكن الشعب مـن بناء الأوطان
بناءً صحيحاً تتشبع فيه الحياة
حياة الشعوب بالعـزة والفخار
والكرامة .. هكذا علمنا جمال عبد
الناصر وهكذا رسم لنا صلاح الدين
الأيوبي .. وعلى هديهما مشى صدام
حسين القائد العربي الشامخ أبداً
.
نعم في بوم استشهادك يا أبا عدي
نحني الهامات ونرفع القبعات ،
أمام عظمة استشهادك ومواجهتك
البطولية التي سجلها التاريخ لذاك
الطاغوت الأمريكي وأزلامه الصغار
من آل المالكي ومن لف لفهم .
في سيكولوجيا الشهادة نقف بفخر
واعتزاز ونقول طوبى لك يا صدام ..
طوبى لأمة أنجبتك .. وأنجبت
أبناءك من بعدك ، الذين مازالوا
يسطرون أروع الملاحم في مواجهة
قوى البغي الأمريكي وعملاءهم
البؤساء والذين سيردون إلى أرذل
العمر .
لقد كنت كبيراً شامخاً وكانوا
صراصير تحت قدميك الطاهرتين ..
وكنت البطل وكانـوا الأنذال ..
وكنت الأمـة وكانوا العمـلاء ..
وكنت الفخـر وكانـوا السفلة ..
فحفرت اسمك على الجبال الشاهقة
وفي الصخر الصوان ، وهم من
سيركلهم الشعب إلى مزابل التاريخ
.
نعم يا أبا عدي فأنـا لم أكن
بعثياً ولـن أكـون .. كما لم أكن
صدَّامياً ولن أكون .. لكني أعتز
أيما اعتزاز ببطل عربي هماـم رفع
رأس الأمـة فـي عيدهـا الأضحى ،
وعظم عظم حتى طاول الجبال ..
فأحبه الناس الشرفاء كل الناس
الشرفاء في هذه الأمة ، بينما يقف
هامة كبرى طاولت رجالات التاريخ .
لقد أعدموك يا صدام لكنهم وبدون
علم منهم قد بنوا إرادة لدى الأمة
استمدتها من قداس إعدامك ، ما كان
لها ولا لغيرها من الأمم أن
تكتسبها خارج إطار هذه الحالة
الطقسوية من الإعدام ، عندما كنت
تتقدم إلـى منصة الإعدام كانـت
قلوبنـا واقفة بلا نبض ، وكانت
عيوننا تفيض بماء لابد سيتجاوز
الحد يوماً ، عندما سخرت من
جلاديك وعملاءهـم ، شعرنـا بضعفنا
وقوتك ، وعجزنا وقلـة حيلتنا
وعظمة موقفك .. وعندما نطقت
الشهادتين بكتك عيون وقلوب الأمة
كل الأمة .. واندثـر العيد .. وأي
عيد هذا الذي يأتي وقائد للأمة
يقف تحت مشنقة العهر والخيانة ..
لم يأبهوا لقداسة يوم الأضحى
لأنهم لا يعرفون قيمـة الأضحى،
ولم يحترمـوا قوانين وشرائع
الدنيـا لأنهم بلا قوانين أو
شرائع .
لم يقتلـوك يا صدام .. بل أحياك
الله رغمـاً عنهم ، فـي قلوبنا
وعقولنا وقرة أعيننا .. وليس هذا
حال البعثيين أو الصدامين بل حال
شرفاء الأمة جميعاً .
لقـد كنت أكبر منهـم ، وأطهر منهم
قاطبة ، وأكثر إيمانـاً منهـم
علـى الإطلاق .. فحـق علينا
الاعتراف بذلك ، وحق علينا إعادة
النظر بكل مـا قيـل عنـك وحولك
فـي مراحل زمنية سبقت ، فعشقك
للوطـن وقوة إيمانك وشجاعتك التي
لا توصـف ، هي ما سيبقى ولتغير
وجه التاريخ .. وفي نهاية التاريخ
سيقال كان هناك في أمة العرب
رجلاً قوياً شجاعاً شامخاً أبياً
عاشقاً لربه ولوطنه عاش ومات
واقفاً لم يحنٍ هامته لأحد .. فحق
على التاريخ أن يذكره ويسجله
بأحراف مـن نور .. طب نفساً يا
أبا عدي ، فقد كنت لنا هامة كبرى
سنظل نفتخر بها ونعلم أولادنا
وأجيالنا كيف تكون البطولة وكيف
تكون الشهامة والشجاعة العربية .
|