افتتاحية طليعة لبنان الواحد (عدد نيسان 2007)
لقد طغت على ثقافة بعض الأحزاب العربية في التحرر من الاستعمار كل أنواع الثقافات المستوردة، وتحولت تلك الأحزاب بثقافاتها إلى أحزاب تستهلك ثقافة الآخرين ولا تعمل على إنتاجها. وبدت مع تلك الموجة وكأن أمتنا عقيمة، أو كأنها لا تنتج إلاَّ الهزائم، وبهذا السبب ارتفعت صور الأبطال العالميين من رواد الثورة العالمية فوق هامات أعضاء تلك الأحزاب، وتصدرت صورهم المهرجانات والتظاهرات، وفي المقابل خلت من صورة أي رمز عربي، وإذا كان حظه كبيراً فإنه يسلم من افتعال انتقادات لاذعة تُلصَق به، أو اتهامات باطلة تعمل على تشويه رمزيته.
يرفعون صور أبطال الثورة العالمية، ولا يشعرون أنهم يعبدون الفرد. وإذا ارتفعت صور رموزنا في الثورة العربية، تتكاثر الاتهامات بأن القوميين يعشقون عبادة الفرد.
إن الأسوأ من كل ذلك هو أن آلياتهم في النقد تعمم خطاب الهزيمة. وهو خطاب أقل ما يُقال فيه أنه خطير، لأنه يزرع اليأس في نفوس الجماهير التواقة للثورة، تلك الجماهير التي لم تبخل يوماً في البذل والعطاء والاستجابة إلى أي نداء يدعوها للثورة في مواجهة الاستعمار والصهيونية.
لقد قرأت تلك الأحزاب تجارب الآخرين، وتستخف بقراءة تراث الأمة العربية الثوري.
قرأت تجارب الآخرين وعممتها كثقافة وحيدة الجانب، وتجاهلت، أو جهلت، أن تاريخنا الحديث والمعاصر، استئنافاً لبعض المحطات التاريخية، وهي ليست قليلة، زاخر بالرموز الثورية التي أنتجتها التجارب الثورية العربية.
فإذا كان من المشروع، والواجب أحياناً كثيرة، أن نقرأ كل تجارب العالم الثورية، وأن نستفيد منها، إلاَّ أنه من غير المشروع على الإطلاق أن نستوردها كما هي، بعيداً عن تمثلها وتعريبهاوتطبيقها. إنه يصح الحكم في هكذا حالة أن تلك الأحزاب نسخت، ولم تقرأ. والفرق كبير وشاسع بين أن تستورد وتنسخ وأن تقرأ وتتمثَّل.
إنها ثغرة أخذت بعض الأحزاب والحركات والقوى العربية تردمها، ولكنها لم تصل بها إلى نهايات موضوعية حتى الآن. وإن هذا الأمر، وإن تخللته آمال بتطويره وتعميقه، إلاَّ أنه سائر إلى تثبيت مبادئ وأسس في إعادة صياغة ثقافة، يليها خطاب سياسي، يعيد لصورة الثورة العربية إشراقتها، ولكي نجعلها مصدر اعتزاز وفخر نتقدم بها إلى الثورات العالمية الأخرى، وهي تشير بوضوح إلى أن للأمة العربية دور في إنتاج الثورة ليعمل على تعزيز موقع الثورة العالمية.
إننا نعرف في تاريخ الثورة ذات الطابع العالمي، ثورة كوبا وثورة فييتنام، ونضعهما في موقع الاحترام والتقدير. وهما قد اكتسبتا طابعهما العالمي من أنهما وجَّهتا ضربة موجعة إلى قطار الاستعمار العالمي. وبانتصارهما توجت حركة التحرر العربي رموز الثورتين بأكاليل من العزة والفخار، وأصبح من حقهم علينا أن نقدم لهم آيات الاحترام والتقدير.
أما في المقابل، فإننا نشير بسرعة وإيجاز، إلى أن الأمة العربية سطَّرت فصولاً مهمة ليس في مقاومة الاستعمار فحسب، بل أضافت إليها مقاومة الصهيونية أيضاً، وقد قاد تلك الثورات رموز ليس من المنطقي أن نطمر حقهم التاريخي بالتجاهل والتجهيل والجهل.
ولو أردنا أن نعطي شواهد نجد أنه ليس من المنطقي أن نتجاهل ثورة العام 1936 في فلسطين التي قادها عبد القادر الحسيني، وعمر المختار التي قاد الثورة ضد الاستعمار الإيطالي في ليبيا، وأحمد بن بللا الذي قاد الثورة ضد الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وجمال عبد الناصر الذي قاد الثورة المصرية ضد الاستعمار والصهيونية معاً، وياسر عرفات الذي أسس لأهم ثورة فلسطينية ضد الصهيونية، وصدام حسين الذي أعدَّ لأهم ثورة في تاريخنا المعاصر ضد الاستعمار والصهيونية معاً، تلك الثورة التي لا تزال مستمرة حتى الآن. تلك الثورة التي ستنعم بنتائجها الباهرة كل الشعوب المعادية للاستعمار والصهيونية في العالم. ومنها نتساءل:
هل نحن ننتج الثورة؟
نعم.
وهل نحن استفدنا من التراث الثوري العالمي؟
نعم.
فهل يستعيد العرب الثقة بنفسهم؟
نعم، طالما الأمة تسهم في مقاومة الاستعمار والصهيونية، وتكشف ضعفهما أمام ثورة الشعب العربي وإمكانياته وعطاءاته النضالية.
ونقولها نعم لأن الأمة العربية اليوم تقود الثورة العالمية، من خنادقها المتقدمة في لبنان وفلسطين، والعراق. نقولها بكل ثقة بالنفس: على أيدي المقاومين في العراق ستتغير معالم اتجاهات الهيمنة على العالم والاستفراد بقيادته من قبل شياطين الشر في الولايات المتحدة الأميركية. وهناك يتعرَّض رأس الأفعى الأميركية للسحق.
إذن، أيحق لرواد الثورة العرب أن يصبحوا رموزاً نعتز بها؟
نعم. والمريح أن هناك بعض الإطلالات بين الأحزاب والقوى والحركات العربية تسير باتجاه الاقتراب من بعيداً عن الفئوية والتعصب، وتعلن أن الأمة العربية تمتلك من الرموز الثورية ما يمكنها أن تعتز بهم أمام الثوريين في العالم.
شبكة المنصور
01 / 05 / 2007
الأمة العربية تنتج الثورة وتستفيد من ثورات الآخرين
وحق لرموزها أن يتصدروا بوابة الثقافة العربية والخطاب
السياسي العربي