الذين يعتقدون
ان الولايات المتحدة تنوي شن حرب
على إيران، لا يملكون من الأدلة
سوى تصريحات و"تسريبات" وتهديدات
إذاعية. وهذه كلها تندرج في سياق
المزاعم وأعمال الإبتزار
والتخويف.
ويقال في
العراق: "ابو كروة يبيّن
بالعبرة"، وهو ما يعني ان تلك
المزاعم ستظل مزاعم الى ان تبدأ
الانفجارات. وهذه لن تبدأ، لا
اليوم، ولا بعد سنة، ولا حتى بعد
عشر سنوات. والحالمون بتلك الحرب
سيصحون من النوم على صداع، لأن
الانفجارات لم تدوّ إلا في رؤوسهم
فقط.
والتهديدات
تهديدات. أي انها قد لا تكون سوى
كلام فارغ بالمعنى العملي. وهي قد
تقصد الإبتزاز او الضغط لجر الطرف
الآخر الى تقديم تنازلات هنا، أو
لإرخاء موقفه هناك. ولكنها لا
تعني أبدا ان الحرب أصبحت أمرا لا
مفر منه.
وبمقدار ما
يتعلق الأمر بالجدل مع إيران حول
برنامجها النووي، فكلما زادت حدة
التهديدات، كلما أصبحت الحرب أكثر
وهميةً وأبعد إحتمالا، لأن ذلك
يعني ان الضغوط بلغت أشدها، وإن
الطرفين مقبلان على تسوية.
وأعرف اني، إذ لا أشتري ذلك الوهم
بقرش أحمر، فانما أعارض تقديرات
خبراء كبار مثل انتوني كوردسمان،
وصحافيين كبار مثل سيمور هيرش،
ومسؤولين كبار مثل وزير الخارجية
الفرنسي برنار كوشنير، إلا انه،
إذا كانت المسألة مسألة وقائع،
فان الوقائع هي ما سيكون الشاهد
والدليل في آخر المطاف.
وفي حين لا يقدم
الحالمون بالحرب أية براهين على
انها ستقع، سوى تلك التهديدات،
مما يجعلها بهتانا مجردا، فان لدي
براهين من أرض الواقع، يمكن
رؤيتها بالعين، وفهمها بالعقل،
ومحاكمتها بالمنطق.
وبراهيني
هي:
× الولايات
المتحدة تتحدث عن قصف جوي يشمل
1200 هدف، لانها لا تملك القدرات
العسكرية الكافية للغزو. وهذا نصف
إعتراف بالفشل. النصف الآخر، هو
انه لا توجد أية ضمانات بان القصف
الجوي سينجح في إصابة أكثر من
5000 مركز لتشغيل أجهزة الطرد
المركزي.
× إيران لم ترسل
عناوين هذه المراكز الى
البنتاغون، وإذا فعل بعض
الجواسيس، فان العناوين يمكن ان
تتغير بين ليلة وضحاها. مما يجعل
التهديد بالضرب مجرد تهديد فارغ
من الناحية العسكرية.
× مرة سأل قائدٌ
أحدَ ضباطه: لماذا لم تستخدم
المدافع؟ فقال الضابط: "عندي مائة
سبب، يا سيدي". فرد القائد: "ما
هي؟"، فقال الضابط: "أولا... ليست
لدينا قذائف، وثانيا،..."، فقاطعه
القائد قائلا: "وما نفع التسعة
وتسعين سببا، إذا كان الأول منها
كافيا؟".
الشاهد هنا، هو
انه إذا كان آيات الشياطين في
طهران يدعمون الإحتلال الامريكي
في العراق وأفغانستان، بشهادة
قرضايات بغداد وكابول، فما الحاجة
الى التسعة وتسعين نذالة التي
تمارسها إيران لتثبت ان قادتها
عملاء "موضوعيين" (على الأقل)
لشيطانهم الأكبر؟
× الولايات
المتحدة لم تُنصّب عملاء طهران
ليحكموا في بغداد، إلا لكي تخطب
ود إيران من خلالهم. والبيت
الأبيض لم يعامل كل عضروط منهم
معاملة قادة الدول، وما برح يؤكد
"ثقته" بهم، إلا من اجل أن يغازل
من خلالهم سيدهم وتاج رأسهم في
طهران.
× طهران تدير
نشاطات الآلاف من عناصر الحرس
الثوري الإيراني، لكي يقوموا
بملاحقة وقتل المقاومين ضد
الاحتلال والتنكيل بأسرهم. ومثلما
ان لمليشيات عملاء الاحتلال "فرق
موت" خاصة بها، فان لايران "فرق
موت" خاصة بها أيضا. وعلى مدى
أربع سنوات تكفلت فرق الموت
الإيرانية باغتيال الآلاف من
العلماء والخبراء العراقيين في كل
مجال، فضلا عن الآلاف من الضباط
الذين يُعتقد انهم يقودون وحدات
وكتائب للمقاومة الوطنية
والاسلامية العراقية، وذلك عدا
عشرات الآلاف من الأبرياء الآخرين
الذي قضوا قتلا على الإسم
والهوية.
× إذا كان
المشروع الرئيسي للاحتلال يقوم
على تمزيق العراقيين على أسس
طائفية، فإيران في قلب هذا
المشروع، وهي رأس حربته، ولسان
حاله الأيديولوجي، ومموله، ومركز
دعايته، وموكب لطمياته، وحامل
قاماته، وهي الناهق الرسمي باسم
المشروع الطائفي كله. الامر الذي
يجعل من ايران شريكا استراتيجيا
للولايات المتحدة، لا عدوا.
× هناك حوار
مفتوح ومتواصل، مباشر وغير مباشر،
بين ايران والولايات المتحدة بشأن
"تحقيق الاستقرار" في العراق
وأفغانستان، بل وبشأن قضايا أخرى
في المنطقة. ومثلما عرضت طهران من
قبل ان تتخلى عن دعمها لسوريا
وحزب الله وحماس، فانها قد تعود
لتقدم العرض نفسه في أي وقت تجد
فيه ان التخلي عن هذه "الأوراق"
صار مفيدا في إطار صفقة توفر
لنظام الملالي أمنه وبقاءه.
× الولايات
المتحدة لم تسلم رقبة الرئيس
الشهيد صدام حسين لمليشيات
طائفية، إلا كعربون صداقة (آخر)
لإيران، وكان هذا العربون هو
عربون إشفاء غليل يعرف الطرفان
انهما يشتركان فيه كأي حليفين
تجمعهما المصالح والأحقاد.
× الولايات
المتحدة ما تزال تعتبر "مجاهدي
خلق" (اكبر تنظيمات المعارضة
الإيرانية) "حركة ارهابية"، حتى
وإن بدت وكأنها ترغب بإستخدامها
كورقة ضغط.
× الإيرانيون
يقولون ان برنامجهم النووي لا
يستهدف التوصل الى انتاج أسلحة
نووية. وهذا يعني، انهم، في آخر
هذا الطريق، سيكونون مستعدين
لتقديم ضمانات للتأكد من انهم
يعنون ما يقولون.
والضمانات قد
تعني أي شيء. من وضع مراقبين على
فتحة كل شباك، الى حصر اجهزة
الطرد المركزي في أماكن معلومة،
الى توقيع اتفاق يلزم إيران
باتباع، او عدم اتباع، خطوات
محددة في شأن عمليات التخصيب.
وبطبيعة الحال،
فان هذه الضمانات لا بد ان تكون
موضع مساومات. والمساومات تتعلق،
عادة بشيء من قبيل: "ماذا تعطي،
في مقابل ماذا". والغاية من وضع
إيران تحت طائلة التهديد، هي
لإقناعها بألا تطلب الكثير.
وهكذا، فبين جر وعر، فان الطرفين
لا بد ان يتوصلا الى تسوية.
والتسوية تعني
تطبيعاً. والتطبيع يعني صداقةً.
هل هذا يعني انه لا توجد مشاكل
بين طهران وواشنطن؟
بلى، توجد. كل المسألة هي ان
واشنطن لا تريد لأي طرف في الشرق
الأوسط ان يخل بالتفوق
الاستراتيجي لإسرائيل. هذا شرط لا
غنى عنه، بالنسبة لواشنطن. اما
بقية الخلاف فهو خلاف على "ماذا
تعطي، مقابل ماذا". والابتزاز
مسموح، بل انه الأداة الرئيسية
للدبلوماسية. الكل يعرف هذا.
الآن، تستطيع إدارة الرئيس بوش ان
تبيع "بيض اللقلق" على الراغبين
بشرائه، إلا اني لن أشتري. وليس
لدي وقت للكلام الفارغ. والكثير
من العقلاء يستطيعون ان يروا ان
شياطين الله الصغار في قم وطهران
ليسوا سوى حلفاء أوفياء لشيطانهم
الأكبر، وان دم العراقيين الذي
يشتركان في سفكه هو رابطهما
الوثيق.
ولعل أولئك الشياطين، صغارهم
وكبارهم، يدركون اليوم درس
التاريخ، اكثر مما فعلوا من قبل.
الهزيمة الامريكية في العراق،
ماذا تعني؟ انها تعني هزيمة
للمشروع الامبراطوري الامريكي.
انها هزيمة جديدة لروما.
العارفون
بالتاريخ يدركون ان الإسلام شقّ
طريقه ليكون قوة حضارية عظمى بسبب
الفراغ الذي نجم عن صراع
الامبراطوريتين الفارسية
والرومانية.
الكثير من أوجه ذلك الصراع دارت
رحاه في العراق، قبل ان تنتقل الى
اماكن أخرى. ولكن هذا الصراع
انتهى بإضعاف الطرفين معا، مما
سمح للمسلمين، حتى وهم فئة قليلة،
ان يتقدموا لدحر الفرس والروم في
العراق والشام والأناضول.
الولايات
المتحدة التي دفعت آيات الشياطين
في طهران الى بدء العدوان ضد
العراق عام 1980، وشجعتهم على
مواصلتها على مدى ثماني سنوات،
كانت تريد في الواقع ان ترد، ولو
قليلا، من ثأر التاريخ، بجعل
العرب المسلمين والفرس (الذين حدث
ان أصبحوا مسلمين) يُضعفان بعضهما
البعض. الأمر الذي سمح لروما
(الجديدة) ان تعود لتحتل العراق.
ولكن حدث انه
كانت هناك مقاومة. وظهر انها
ضارية جدا، وأثبت العراقيون انهم
لن يكونوا لقمة سائغة للغزاة، وان
مقاومتهم توشك ان تدفع روما الى
الهزيمة من جديد.
فماذا فعلت
روما؟
فتحت حوارا مع الفرس.
المغزى الوحيد
للحوار يقول: إما ان نتفق على
هؤلاء المسلمين، أو نندحر معا من
جديد.
والمسلمون الذين تحاربهم الولايات
المتحدة هم "الإرهابيون"،
والمسلمون الذين تسفك طهران
دمائهم في العراق هم ذاتهم
الإرهابيين.
مسملون وعرب
كانوا أولئك الذين دحروا
امبراطوريتي الفرس والروم.
ومسلمون وعرب هم الإرهابيون الذين
تحاربهم واشنطن وطهران معا في
العراق.
وهم يتخذون من التمييز بين السنة
والشيعة العراقيين غطاءً ووسيلة
لتخفيف أعباء المواجهة. فيبدون
ميالين لطرف، ريثما ينتهون من سحق
الطرف الآخر.
والفرس
(القوميون خاصة) ليسوا مسلمين
حقيقةً. الإسلام فُرض عليهم فرضا،
وهم يكرهونه لانه مرتبط بالعرب،
ولهذا السبب فانهم إشتقوا من
الإسلام فرعا يناسب كراهيتهم
للعرب.
وهم إذ يرفعون
مذهبهم الى مصاف دين مستقل، فانهم
يفعلون ذلك تعبيرا عن الكراهية
للمصدر الذي جاء منه الإسلام. فهم
يكرهون العرب ويكرهون إسلامهم
ويكرهون نبيهم، ويتمنون علنا لو
ان الرسالة لم تأت اليه، ويكرهون
الخلفاء الراشدين، ويكرهون كل ما
انطوت عليه الحضارة الإسلامية
بشقيها الأموي والعباسي معا.
وهم يتسترون بستار محبة الإمام
علي بن أبي طالب زوراً وبهتاناً
وتوريةً، لانهم من دون هذه
"المحبة" المزعومة سيظهرون على
حقيقتهم كمجوس.
جردهم من علي
(ع) (فقهيا) وسيظهر العفن الغنوصي
المجوسي كله.
وعلي بن أبي طالب عربي قريشي
هاشمي، ولو كره الكافرون.
ولكن، فمثلما ان
عملاءهم يسحقون السُنّة، لأنهم
سُنّة، فانهم يسحقون بالمقدار
نفسه، الشيعة العراقيين إذا
تمسكوا بانهم عرب. وهم يسمحون
للأكراد ببعض إمتيازات (مؤقتا)،
فقط لانهم، بالتعريف، ليسوا عربا.
وها هم اليوم يثأرون، كفُرس. وهم
إذ يتحالفون مع شيطانهم الأكبر،
ويُسدون خدمات القتل لروما،
فلأنهم لا يريدون ان تقوم للعرب
والمسلمين قائمة.
انه حلف أحقاد
عمرها هو عمر الإسلام نفسه. وحلف
الأحقاد المشتركة لا يقصف بعضه
بعضا.
وفي جميع الأحوال، فانهم يعون درس
التاريخ، وليسوا أغبياء الى تلك
الدرجة لكي يكرروه. وهم يعتقدون
انه ما لم يتم سحق العروبة
والإسلام في العراق، فانهم هم
الذين سيُسحقون.
|