يبدو أن التسريبات التي نسمعها
يومياً بشكل خبر أو نصف خبر عن
اتفاقات ومبادرات من أطراف الصراع
الفلسطيني,تأتي ضمن بالونات
الإختبار السياسي,وتهيئة المناخ
العام وجس النبض الشعبي والداخلي
لكلا الطرفين,رغم ما تقوم به من
نفي وجزم بعدم وجود إتفاق أو شبه
إتفاق,وإن التعنت لازال إن لم يتم
التراجع عما قامت به حركة حماس في
غزة ..
رغم النفي القطعي من حركة فتح
لوجود قنوات حوار أو إتفاقات مع
حركة حماس,وإنها لازالت متمسكة
بالإشتراطات التي أطلقها الرئيس
محمود عباس,وكذلك رغم نفي حركة
حماس لذلك أو تقديم أي مبادرات
سياسية لإعادة الحوار مع حركة
فتح,إلا أن الأحداث الأخيرة على
الأرض والمؤشرات التي تأتي بشكل
رسائل مقتضبة,وبالونات حرارية
لإمتصاص ردات الفعل الداخلية,تؤكد
بأن هنالك شئ ما يلوح في
الأفق,وأعتقد ولا أجزم بأن هناك
صيغة توافقية تم التوافق عليها,أو
يتم الإعداد النهائي لها خلف
الكواليس,وفي غرف مغلقة لا يوجد
بها سوى أعلى المستويات وأشخاص
محددين من الطرفين,وهذه
الإعتقادات لم تأت من واقع الخيال
والأحلام,والتمني بل من قراءة
سياسية ربما تكون نسبة صوابيتها
أعلى وأكبر من نسبة خطأها,ففي
الوقت الذي تنفي الحركتان فيه
وجود أي لقاءات بينهما,إلا إن
هناك العديد من اللقاءات جرت سواء
في الداخل أو سوريا ولبنان وبعض
الدول العربية التي وقفت بصف
الشرعية الرئاسية ضد الإنقلاب في
غزة,وكذلك لقاء الرجوب ,نزال خاصة
وإن الرجوب تبنى صورة الرجل
العقلاني الوطني,أي صبغ نفسه بلون
حمامة السلام الفتحاوية التي حملت
الغصن من الوسط وحلقت به بين
المرجين الفتحاوي ، والحمساوي
..
وما يدعم ويؤكد هذا الاعتقاد
أيضاً الإتفاق المصري-الحمساوي
الأخير وتسهيل مصر إعادة العالقين
من قادة حماس إلى غزة,فهذا
الإتفاق يحمل في طياته العديد من
القراءات السياسية بعيداً عن
التبريرات الإخبارية التي أرجعت
ذلك لظروف إنسانية وإتفاق
أمني...إلخ من تبريرات للفبركة
الإعلامية,حيث لا يمكن أن تمر مثل
هذه ألعملية دون معرفة الرئيس
محمود عباس الذي زار مصر بعد
ساعات من دخول قادة حماس إلى
غزة,وكذلك لا يمكن أن تتجاوز مصر
الحكومة الصهيونية وتسمح بهذه
العملية دون التنسيق المسبق مع
الحكومة الصهيونية,خاصة وإن
الأخيرة لم تعلق على الموضوع
والتزمت الصمت التام هي والسلطة
الفلسطينية في رام الله.
والمؤشر الآخر أن هذا الإتفاق
المصري-الحمساوي جاء بعد أقل من
24 ساعة من تردد أنباء عن قيام
وفد من حركة حماس بالعبور من بيت
حانون وهو ما أكدته المجموعة
الصاروخية التابعة لحركة الجهاد
الإسلامي,والذي لم يتم التعليق
عليه بالنفي ولا الإيجاب من كل
الأطراف..
السر....أو
الخفايا ....
إن كان هناك إتفاق أو صيغة إتفاق
وهو الإعتقاد السائد,فإن الضبابية
والتعتيم السياسي والإعلامي يكون
مبرر للعديد من الأسباب,وعلى
رأسها ضمان نجاح هذا الإتفاق
بعدما أدركت حماس باليقين المطلق
إنها إرتكبت الخطأ الجسيم في
خطوتها التي أقدمت عليها في
الإنقلاب,وإنها ألقت بنفسها في
جحيم ونار لا أمل من الخروج منها
في ظل الحصار الإقتصادي والسياسي
المفروض عليها وعدم إعتراف أي
دولة عربية بسياسة الأمر الواقع
التي حاولت أن تفرضها,وكذلك إعلان
موقف واضح وصريح من خلال رفض
إستقبال أي قائد من حماس,وكذلك
العبء الذي ألقي على كاهل الحركة
والحكومة المقالة التي وجدت نفسها
أمام شعب يريد الحياة,ويحتاج
لمقومات تتعدى مفهوم الجمعيات
التي عملت من خلالها حماس
سابقاً,وأن الحكم يحتاج لأفق
ورؤية سياسية تنسجم مع المحيط
الإقليمي والدولي وعدم جدوى
التغريد خارج السرب المحيط..
وكذلك تحاول الحركتان من خلال هذه
الضبابية استمزاج المزاج الداخلي
لهياكلها وأعضائها,وتمرير الإتفاق
بشكل بالونات اختبارية,حيث أن
الحركتان يوجد بداخلهما تيارات
ترفض الإعتراف بالآخر فحركة فتح
أصبح بداخلها تيار ناقم يملئ صدره
الحقد والثأر مما لحق به من
المرحلة السابقة,والإهانات التي
تعرض لها من خلال الممارسات
المهينة والمخزية مثل
الإعتقالات,والإعتداء بالضرب,
والتنكيل,وحرق
المنازل,والإعاقات..إلخ,فهذه تركت
آثار قاسية عند أبناء فتح,أما
تيار حركة حماس فهو التيار الذي
خطط ودبر لما حدث,وهو التيار
العسكري الذي أغرته قوته وقدراته
والأجندة التي عمل وفقها,وأعتقد
إن الأمر بسيط,ويمكن أن يفرض ما
يشاء بالقوة والعصا فإستخدم العصا
بلا جزرة,وهو ما جعله أمام شعب
كامل وليس تيار,فكان كلما شعر
بمأزق يهرب للأمام خوفاً من تحمل
المسؤولية عما حدث..
والأهم في الضبابية هي المصلحة
الوطنية العليا التي تعرضت لأخطر
ما يمكن أن تعرض له أي قضية
وطنية,فالوطن لحق به
الإنقسام,والإقتتال الداخلي الشرس
الذي ورثنا منه شر لن نتجاوزه
بسهولة ,وعار لن نتطهر منه
بالإغتسال,فالذاكرة الوطنية لن
تنسى ما حدث لأنه مس أهم الجوانب
الوطنية وهي مصلحة الوطن
والقضية,وشكل سابقة خطيرة جداً في
تأريخنا الفلسطيني,وكذلك حقق ما
لم ينجح به الكيان الصهيوني حيث
أحدث تفسخ إجتماعي مرعب لن نتمكن
من إعادة لجمة وعلاجه دون علاج
جذري عميق,بمحاسبة كل من أجرم بحق
هذا الشعب وعقاب كل من ظلم أهله
وشعبه.
هذه المؤشرات تعطي الحق لكلا
الطرفين بالتكتم الشديد والحرص
على إبقاء الغرف مظلمة ، وإغلاق
جميع منافذ النور حتى لا تتسرب
الحقيقة لضمان نسبة نجاح عالية ،
ومعالجة الأخطاء .
ثنائية
الحوار .... وأخطاء تتكرر !!
سواء كانت اعتقاداتنا ورؤيتنا
السياسية على صواب أو خطأ ، فلا
يوجد فلسطيني صادق وشريف إلا
ويتمني أن تكون هذه الاعتقادات
صائبة ، وأن يجلس الأخوة إلي
طاولة المفاوضات ويحتكموا للغة
العقل التي لا سبيل عنها لحل
الأزمة الحالية ، وتجاوز حالة
الاحتضار التي تعيش فيها قضيتنا
الوطنية ، ورحمة شعبنا من القهر
والظلم والجوع الممارس ضده من ذوي
القربى ، ومن الاحتلال معاً ، وأن
الحوار والاتفاق هو سواء السبيل
لإعادة العزة والكرامة لهذا الشعب
الذي ألحق به الخزي والعار من
ممارسات قواه ، فلا وطن بلا حوار
، ولا أمان بلا حوار ، ولا حرية
وكرامه بلا حوار ، ولا يمكن للقوة
أن تتجاوز الأخر ... ولكن !!
في العودة للخلف وبوجه الخصوص في
أثناء اجتماعات مكة كنا أول من
حظر من تجليات هذا الاتفاق ، وأول
من نوه إلي خطورته على قضيتنا من
أي اتفاقات أخري ، حيث تناولنا
هذا من منطلق رؤية وطنية خالصة ،
وأكدنا أن المحاصصة التي قسمت
الوطن هي الفتيل المشتعل الذي
سيدمر البناء الوطني ويحرق ما
تبقي ، فخرج أصحاب الأفق الضيق ،
من أعمي الله قولبهم وأنار
بصيرتهم ، مهرجي السياسة ومراهقي
الفكر ، ممن لا يمتلكوا أي رؤية
علمية أو سياسية أو قدرة علي
التحليل ، والذين لا يبتعدوا
برؤيتهم للأمور أكثر مما بين
قدماهم ليمجدوا ويباركوا هذا
الاتفاق في مشهد احتفالي وسط زخات
الرصاص حسب رؤيتهم ، وليتهمونا
بأننا منظري القوي الهامشية التي
لا صوت لها ولا جماهير معتقدين أن
كل من أمسك قلماً أصبح كاتب ، وكل
من حفظ مصطلحاً أصبح ناطقاً
إعلامياً ، وكل من نشر خربشه تحول
لمنظر سياسي ، فانطلقوا بجاهليتهم
وغبائهم السياسي ونسوا أن هناك
وطن يحتاج لكل قواه السياسية
والمدنية ، والاجتماعية الحية .
وها هي نفس الأخطاء تتكرر ، ولم
نعي بعد الدرس ونفهمه ، فإن كان
هناك أتفاق فعلاً يجري صياغته
فنحن أول من يرحب به بل ونتمنى له
النجاح ، ولكن نحذر من تكرار
الخطأ والابتعاد عن المحاصصة التي
دمرت قضيتنا ، وهتكت عرضنا وشرفنا
تحت بساطير العسكر ومراهقي
البنادق ، فلا بد أن يشارك بهذا
الاتفاق جميع الفعاليات الوطنية
الفلسطينية ، السياسية ،
والاجتماعية ، والقانونية ،
والاقتصادية ، وكل فئات وشرائح
الشعب الفلسطيني ، ليتم بنائه وفق
قواعد وأسس وطنية سليمة قادرة على
تحقيق النجاح لأي مصالحة مستقبلية
.
أسس وقواعد تشارك في صياغتها كل
القوي والفعاليات الوطنية
والجماهيرية ، والحزبية ،
والمدنية ، وتتحمل مسئولياتها
التاريخية ، ولا تتهرب منها تحت
حجج عدم مشاركتها في صياغتها ،
أسس وقواعد تستند لبعض المبادئ
العامة التي تعيد هيكلة الحياة
الفلسطينية المتمثلة بالتالي:
أولاً: إعادة صياغة وهيكلة منظمة
التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي
والوحيد ، والحاضنة للمشروع
الوطني ولأبناء الشعب الفلسطيني
في الداخل والشتات ، منظمة تحرير
قادرة على استيعاب الصوت
الفلسطيني بكل ألوانه وتياراته
وأطيافه ، وتعيد الهيبة للقضية
الفلسطينية وتقودها إلي النصر ،
منظمة تحرير تعود لدورها الريادي
الوطني الذي انطلقت من اجله
وقادته في المراحل السابقة ،
منظمة التحرير التي أجبرت العالم
بالاعتراف بالقضية الفلسطينية
وحقوق الشعب الفلسطيني .
ثانياً: صياغة جديدة للدستور
الوطني الفلسطيني وتنظيم الحياة
السياسية والاقتصادية والاجتماعية
، دستور حي قادر علي العمل من
منطلق المصلحة الوطنية العليا
يلتزم به الجميع ، ويحقق العدالة
والنظام للشعب الفلسطيني.
ثالثاً: إعادة بناء أجهزة أمنية
وعسكرية فلسطينية الهوية
والانتماء والدعم ، تخضع لبرنامج
وطني شامل عنوانه حماية المصالح
الوطنية ، والأمن الفلسطيني ،
بعيداً عن مؤسسات الحزبية
والفصائليه.
رابعاً: محاسبة المرحلة السابقة
قانونيا لإعادة اللحمة للنسيج
الاجتماعي الفلسطيني ، وتشكيل
محكمة قضائية وطنية تحاسب كل من
اعتدي على أبناء الشعب الفلسطيني
، وأهان كرامته الوطنية والشخصية
، وأهدر مقوماته الوطنية ومنجزاته
، وإخضاع الجميع لمبدأ الحساب
والعقاب .
خامساً: الحفاظ على استقلالية
القرار الوطني الفلسطيني بما
يتوافق والظروف الاقليميه –
الدولية ، وبما يتوافق والمصلحة
الوطنية .
سادساً: إعادة الاعتبار للرمزية
الوطنية التي داستها الأقدام ،
وركلتها الأرجل ، وإلتهمتها
الأنفس الجشعة من ممارسات جلبت
العار والخزي لكل من حمل الهوية
والجنسية الفلسطينية .
إنها الحقيقة التي نقف أمامها
اليوم ، الحقيقة التي اغرورقت
عيناها بدموع الحسرة والحزن ،
الحقيقة التي أدمتها رصاصات الغدر
لتتركها سجينة كرسي متحرك ما دامت
تعيش على سطح الأرض ، الحقيقة
التي ترفع يداها لخالقها تردد
حسبي الله ونعم الوكيل بمن قتل
وطني ، وأهدر كرامتي ، ورمل نسائي
، ويتم أطفالي ، وأعاق فلذات
أكبادي ، ونبش قبور شهدائي ، وعذب
شبابي ، وداس رايتي ، وأنزل
أعلامي ، الحقيقة التي لسعتها
سياط وعصا المراهقة القيادية ،
الحقيقة التي لا زالت تنزف قهراً
من المحاصصة والغباء السياسي .
فإن هربنا منها سنجدها أمامنا
كابوساً يعيدنا للثأر والانتقام ،
وهدر مقوماتنا الوطنية ، وهدم
مؤسساتنا وإحراقها ، وسرقة
أصواتنا الإعلامية ، وهتك
المحرمات والتلاعب بقضية الوطن ،
ومصير شعب عاني التشتت والتهجير
والاقتلاع ، وذاق القتل ،
والمذابح ، والاعتقالات ، والجوع
، وحرم من أرضه وحريته .. الحقيقة
التي لن تغفر لكم دماء اللاجئين
ببغداد ، ولبنان ، وآهاتهم في
سوريا وأوروبا ، وكل بقعة تدوسها
حشرجات الشوق للأرض والعودة
لتقبيل التراب ، والصلاة في
الأقصى والمهد .
فاحذروا من مراهقي ربطات العنق ،
ومراهقي فوهات البنادق ، ولتعلوا
أصوات الحقيقة التي لا يعلو عليها
صوت فهي الحقيقة فلسطين فقط لا
غير .
|