في تكرار ببغاوي
لما قاله سيده خامنئي دعا احمدي
نجاد رئيس ايران ( 21 – 9 -2007 )
الى انسحاب القوات الاجنبية من
المنطقة ، واعتبرها هي سبب كل
مشاكلها ! هل هذا صحيح ؟
ولماذا تريد ايران الان انسحاب
القوات الامريكية من المنطقة ؟
للجواب بدقة ينبغي ملاحظة ما يلي
:
1 -
من غير
الممكن فهم تضليل هذه الدعوة من
دون تذكر ان ايران قد شجعت وساعدت
امريكا على غزو العراق وأفغانستان
، وهذا ليس اجتهادا او
تحليلا بل هو اعتراف صدر رسميا عن
محمد خاتمي ونائبه محمد علي ابطحي
، حينما كانا رئيس ونائب رئيس
لايران ، بقول الثاني في مطلع عام
2004 بانه
لولا الدعم الإيراني لما نجحت
امريكا في غزو العراق وافغانستان
. وكرر خاتمي ذلك في نهاية نفس
العام بدقة تامة ، ثم اعاد هذا
الاعتراف هاشمي رفسنجاني وغيره .
اذن من
الناحية الرسمية والفعلية فان
ايران هي الطرف الثاني الاهم ،
بعد امريكا ، في غزو العراق
وتدميره وفي دعم الاحتلال وترسيخه
وديمومته ، من خلال اصدار اوامر
للتنظيمات الصفوية في العراق
وللحوزة الطائفية في النجف
بالتعاون مع الاحتلال الاستعماري
للعراق . هذه إحدى اهم الحقائق
الاساسية الخاصة بوضع العراق
والدور الإيراني فيه ومن المستحيل
امتلاك فهم صحيح لما يجري بدون
تذكرها دوما .
2 – لم تطالب
ايران بسحب القوات المحتلة من
العراق في السنوات الاولى للغزو ،
لانها ( أي قوات الاحتلال ) كانت
تنفذ نيابة عن ايران ، وبالتعاون
مع ايران ، خطة تفتيت العراق
والقضاء على مصادر قوته المادية
والبشرية .
3 – بعد ان تمت
عمليات إبادة الاف القادة والضباط
العراقيين ، بواسطة فرق الموت
الايرانية والامريكية
والاسرائيلية ، وبعد ان حطمت اغلب
مصادر القوة العراقية وأعيد
العراق الى العصر الحجري ، كما
هدد جيمس بيكر ، وزيرخارجية
امريكا ، القائد العراقي المجاهد
طارق عزيز فك الله اسره في عام
1991 ، وبعد ان تولت تنظيمات
تكفيرية معينة قدح نار الفتنة بين
المقاومين العراقيين لاجل شقهم ،
اصبح العراق ساحة مخترقة على نحو
يمكّن ايران من استخدام
احتياطياتها في العراق للسيطرة
على جنوبه وربما قسم من وسطه .
4 –
الان لدى
ايران ادوات تستخدمها في محاولة
شق صفوف المقاومة ، او على الاقل
لاثارة الفتن الطائفية ، من خلال
دعم تكفيريين سنة معادين طائفيا
لايران ولشيعة العراق ، الامر
الذي يجعلها قادرة على التاثير في
مجرى الصراع ، اذا انسحبت القوات
الامريكية ، بواسطتين ، بواسطة
تنظيماتها الصفوية ، وبواسطة
تكفيريين سنة تدعمهم بالمال
والسلاح ، والذين يتولون واجب
محاولات شق المقاومة وتكفير وقتل
الشيعة لاجبارهم على طلب الحماية
الايرانية .
5 – بعد ان
لاحظت ايران ان امريكا قد وصلت
حدا من الاعياء قربها من الانهيار
او الانسحاب ، وهو خيار يعني ان
المقاومة العراقية ستكون الطرف
القادر على استثمار ذلك ، بالضغط
على قوات الاحتلال عسكريا لاجل
اجبارها على التفاوض ، وقبول شروط
المقاومة والانسحاب وفقا لها
بطريقة منظمة تمنع حصول بعض
الفوضى او الاضطرابات ،
بعد ملاحظة
هذا ماذا تفعل ايران التي تريد ان
تحل الفوضى التامة عند الهزيمة او
الانسحاب كشرط مسبق لتقسيم العراق
والسيطرة على اجزاء اساسية منه ؟
6 –
تريد ايران اعطاء انطباع مضلل هو
انها كانت ضد الاحتلال ومازالت
كذلك ، لاجل منح اذرعها العربية ،
خصوصا اهمها حزب الله اللبناني ،
دعما معنويا ليواصل خدمة المخطط
الاستعماري الإقليمي الإيراني ،
بعد ان استنزف هذا الحزب ،
الإيراني الولاء والهوية السياسية
كما اكدت تجارب لبنان بشكل خاص ،
كل ما في جعبته من العاب اثارة
ازمات مع اسرائيل لتجميل وجه
ايران البالغ البشاعة ، فتبددت
هالته لدى اغلبية العرب ، الذين
تيقنوا انه حزب تابع بشكل رسمي
وتام لايران ، وانه يخدم اولا
وقبل كل شيء مصالح ايران القومية
، لدرجة ان رئيسه حسن نصرالله
يمارس احد اهم طقوس العبودية
الزرداشتية وهو تقبيل يد خامنئي
الذي عينه وكيلا له في لبنان ،
كلما ( تشرف ) باللقاء به !
لقد اشتكى حسن
نصر الله وكوادر في حزبه ، مرارا
امام بعض الوطنيين العرب ، من
تراجع شعبيته عربيا وحراجة موقفه
الداعم لايران نتيجة افتضاح
التوافق التام الامريكي -
الايراني في العراق ، لذلك كان في
حاجة لموقف ايراني ناقد لامريكا
يقدم له حجة للدفاع عن ايران بقوة
وفاعلية ، فاتهم خامنئي ، اولا ،
قوات الاحتلال الامريكية بانها
سبب مشاكل المنطقة كلها ، ثم تبعه
خادمه احمدي ، والذي اعتاد هو
الاخر كنصر الله ان يقبل يد
خامنئي كلما التقاه ، في تكرار
نفس القول ، وهو تحميل امريكا
مسئولية الازمات وكأن ايران لم
تكن الطرف الاساسي الثاني في خلق
كل مشاكل الاقليم واهمها غزو
العراق !
7 –
تشير
المعلومات المتواترة الى ان ايران
، اضافة لوجود ما يسمى ب (قوات
الحرس الثوري الإيراني ) داخل
العراق منذ الغزو وبعشرات الالاف
من الافراد ، حشدت على الحدود مع
العراق ، خصوصا في الجنوب والوسط
العراقيين ، قوات ايرانية مسلحة
للتدخل فور انسحاب القوات
الامريكية لضمان تسليم السلطة في
الجنوب ، وربما في قسم من الوسط ،
لعملاءها لانهم عاجزون عن الصمود
بوجه المقاومة العراقية .
وهذا الحشد تم بناء على طلب رسمي
من حكومة الجعفري السابقة واكدت
على ذلك الطلب حكومة المالكي
الحالية .
في ضوء هذه
الملاحظات يبدو بوضوح بان الدعوة
لانسحاب القوات الاجنبية من
المنطقة ما هي الا مقدمة لاستثمار
الوضع ، وهو وضع فراغ كما تتصوره
ايران طبقا لقول احمدي نجاد ، عن
طريق تقسيم وتقاسم العراق ،
باحتلال الجنوب وربما قسم من
الوسط ، وترك الشمال للتمرد
الكردي ، طبقا لاتفاق الاحزاب
العميلة الاربعة الاخير ، واستلام
الوسط وغرب العراق من قبل
التكفيريين السنة ، فيقسم العراق
الى ثلاثة دويلات ، وهكذا تتم
عملية التخلص من اكبر واخطر عقبة
امام الغزو الاستعماري الإيراني
لبقية الاقطار العربية .
لقد حققت ايران عدة اهداف بفضل
ذكاء قياداتها واهمها :
1 –
تدمير
ايران للعراق بواسطة امريكا ،
تنفيذا لمثل ايراني يقول ( اقتل
الافعى بيد عدوك ) .
2 – تعزيز نفوذ
ايران العسكري والاستخباري
والمالي والتنظيمي في العراق لاجل
تحويل جنوبه ، وربما قسم من وسطه
، الى مراكز انطلاق ايرانية لغزو
الخليج العربي وبقية الاقطار
العربية .
3 –
التلويح
لامريكا ، على لسان خاتمي
ورفسنجاني مثلا ، بان ايران يمكن
ان تكون اكثر تعاونا مع امريكا
واسرائيل في مجال تفتيت الاقطار
العربية والتعاون لاقامة نظام شرق
اوسطي جديد ، تكون ايران طرفا
رئيسيا فيه ، اذا اعترفت امريكا
لايران بدور اساسي في تقرير خارطة
المنطقة كلها ، وفي الحصول على
مكاسب ستراتيجية لا تتناقض مع
مصالح امريكا واسرائيل بل تخدمها
، مثل عدم السماح ببروز عراق قوي
مرة اخرى ، وهو كما هو معروف هدف
مشترك لهذه الاطراف الثلاثة .
4 –
القيام
باستنزاف امريكا ، عبر تكفيريين
سنة وتنظيمات صفوية صغيرة في
العراق ، لاجل اجبارها على قبول
المساومة مع ايران والتعجيل
بانسحابها في الوقت الذي تصبح فيه
ايران قادرة لوحدها على استثمار
الانسحاب من العراق .
اذن مطلب
الانسحاب الامريكي ، الذي ترفعه
ايران ، ليس سوى محاولة لاستبدال
استعمار دولي باستعمار اقليمي اشد
وحشية وعداء وتدميرا من الاستعمار
الدولي ، كما اثبتت تجربة العراق
المحتل . ان خطورة مطالبة ايران
هذه لا تتضح كاملة الا اذا لاحظنا
ان الارهاق الامريكي قد بلغ مستوى
يسمح بتحقيق انسحاب مفاجئ ودون
ترتيبات امنية او اتفاقات تفاوضية
، وهذا ما تعرفه ايران وتتوقعه ،
وكان ردها هو الاستعداد الكامل
لملأ الفراغ الامريكي !
كيف نرد ؟
ان الرد الحاسم هو مبادرة
المقاومة الوطنية العراقية بتحقيق
افضل انواع الوحدة فيما بين
فصائلها ، وتصعيد حرب تحرير
العراق بعمليات نوعية تجبر
الادارة الامريكية على التفاوض
بعد قبول شروط المقاومة . ان
الارهاق الامريكي الشديد في
العراق قد وصل ذروته ، وهو نتاج
تضحيات المقاومة وشعب العراق
البطل ويجب ان لا يستثمره
الاستعمار ايراني لصالحه .
وهذه الشروط يعتمد تحقيقها على
مدى وعي وجدية بعض الفصائل
المقاتلة في العراق ، والتي يجب
ان تنتبه الى ان محاولة الانفراد
بالسيطرة على العراق الان ، وبعد
التحرير ، ما هي الا الوصفة
الاخطر التي تخدم امريكا وايران
لكونها تؤدي حتما لشق المقاومة ،
وذلك اهم اهداف امريكا وايران .
ان الخيار
الوحيد لضمان الانتصار الكامل
والسريع على الاحتلالين الامريكي
والايراني هو الذي يقوم على وحدة
فصائل المقاومة المسلحة بغض النظر
عن الهويات الايديولولجية ، وتجنب
محاولات السيطرة المنفردة .
كما يجب ان
يكون واضحا للجميع ان الخطة
الامريكية لمواجهة احتمال غزو
ايران للعراق تقوم على تعمد اشعال
حرب ايرانية - عراقية تدوم لسنوات
، دون حسم سريع ، من اجل تحويل
دول المنطقة كلها الى مراكز
اضطراب وفوضى مسيطر عليها ،
بواسطة التحكم بتوريد السلاح
وتوزيعه على الاطراف المختلفة
اساسا . وهذا هو المعنى الحقيقي
لما اسمته كونداليزا رايس ب
(الفوضى الخلاقة ) . وبواسطة هذه
الفوضى الخلاقة تريد امريكا ان
تفتت المقاومة العراقية وتستنزفها
فتتمكن من العودة الى العراق
براحة واضحة من جهة ، وتحجم ايران
بعد ان تكمل دورها التدميري في
العراق والوطن العربي ، وتهيأ
لوصول زعامة ايرانية جديدة اكثر
توافقا مع امريكا من جهة ثانية .
Salah_almukhtar@gawab.com
|