لا يسع
المتوقِّف أمام المقال الأخير
لشيخ كتَّاب المقاومة، عوني
القلمجي الموسوم: "وحدة فصائل
المقاومة العراقيَّة، مهمَّة لا
تتحمَّل التأجيل"، والإعلان عن
توحيد عدد من فصائل المقاومة في
تشكيل أطلق عليه: "جبهة الجهاد
والتغيير"، والرسالة المفتوحة
التي وجَّهتها هيئة علماء
المسلمين إلى المقاومين المجاهدين
في العراق، إلاَّ أن يربط للوهلة
الأولى بين دعوة القلمجي وما
أعقبها من تشكيل "جبهة الجهاد
والتغيير"، ورسالة الهيئة
المتضمَّنة طلبًا لتوحيد صفوف
المجاهدين. بيد أنَّ حقيقة هذا
الترابط لا تعدو كونها تزامنًا في
تقييم الأطراف الثلاثة لتطوُّرات
المرحلة وفهمهم خطورتها ووصولهم
إلى قناعات متشابهة، ولا سيَّما
إيمانهم بأهميَّة تحقيق وحدة
فصائل المقاومة كمستلزم أساس من
مستلزمات النصرعلى الغزاة
وتحريرشعب العراق.
في مضامين مقال
رفيقنا القلمجي ورسالة هيئة علماء
المسلمين وإعلان تشكيل جبهة
الجهاد والتغيير من الأهميَّة ما
يستوجب التوقُّف عندها، وعرض
جوانبها وتقييم أبعادها، وتثبيت
بعض الملاحظات عليها كذلك.
المحطَّة
الأولى
قبل أيَّام،
قدَّم شيخنا القلمجي مساهمة
قيِّمة وجريئة، بعنوان: "وحدة
فصائل المقاومة العراقيَّة،
مهمَّة لا تتحمَّل التأجيل". وضع
فيها قيادات فصائل المقاومة إزاء
مسؤوليَّات تاريخيَّة ومصيريَّة
من خلال مطالبته إيَّاها العمل
على إنجاز ما عبَّرعنه بـ:
"مهمَّة
تأخَّر إنجازها، وهي توحيد فصائل
المقاومة وتشكيل قيادة عسكريَّة
مشتركة، وإقامة الجبهة الوطنيَّة
الشاملة وفق برنامج سياسي يلبِّي
طموحات كافَّة أطرافها".
وفقًا لتقدير
رفيقنا القلمجي، وهو تقدير صائب
بكلِّ تأكيد، فإنَّ وحدة فصائل
المقاومة ضرورة أساسيَّة ونقلة
مهمَّة في اتِّجاه تحقيق
"شروط
الانتصار وتحرير العراق، واستعادة
استقلاله وسيادته الكاملة غير
المنقوصة"، لكونها "تنقل المقاومة
من المعارك المحدودة إلى المعارك
ذات البعد الإستراتيجي لتحقيق
النصر النهائي ضدَّ قوَّات
الاحتلال."
أوَّلاً.
وتوفيرها عناصر الحصانة والأمن
للمقاومة من خلال
"قطع الطريق على العديد من
المؤامرات الصادرة التي تحاك ضدَّ
المقاومة العراقيَّة"
.
ثانيًا.
أهمِّيَّة ما طرحه شيخنا
القلمجي لا تنبع من صواب الطرح
فحسب، بل من قرعه أجراس الخطر
المحدق في مسار قضيَّتنا
الوطنيَّة، وربطه المحكم بين
ضرورة تحقيق وحدة فصائل المقاومة
كمهمَّة أساسيَّة، وما يترتَّب
عنها من إدارة سليمة للصراع مع
القوى محتلَّة العراق، وتقليل
الكلف الوطنيَّة السياسيَّة منها
والعسكريَّة وتسريع النصر، وضمان
تحقيق أكبر قدرٍ من مصالح العراق
الحيويَّة.
تجربة المرحلة
المنصرمة، مع كلِّ ما حقَّقته
مقاومتنا الأبيَّة من إنجازات
عسكريَّة وسياسيَّة، تؤكِّد بأنَّ
غياب الموقف المقاوم الموحَّد قد
سبَّب هدر مدخلات وطنيَّة مهمَّة،
وعطَّل قدرات لا يستهان بتأثيرها
في معادلة الصراع مع العدو
المحتل، وقلَّل من حجم خسائره،
وساهم في بروز ظاهرة التشرذم
السياسي وخلق فجوة استثمرها
تجَّار السياسية لتسويق مشاريعهم
المضرة بقضيَّتنا الوطنيَّة.
المرحلة الراهنة بكلِّ تطوُّراتها
باتت لا تسمح بالاستمرار بتحمُّل
أعباء التبعات السلبيَّة لغياب
وحدة فصائل المقاومة في الموقف
الوطني. وعليه فإنَّ قيادات فصائل
المقاومة مطالبة باتِّخاذ الخطوات
الجادة والمتأنِّية والمتوازنة
لتحقيق وحدة تنظيماتها، والوصول
إلى مشروع سياسي موحَّد جامع
ومعبِّرعن طموحات شعب العراق في
تحقيق النصر على الغزاة، واسترداد
السيادة الوطنيَّة. ونحن على ثقة
كبيرة بوعي قيادات فصائل المقاومة
وقدراتها على تحقيق هذه الضرورة
التاريخيَّة الملحَّة. وفي انتظار
ذلك، لا يسعنا إلاَّ أن نشكر
رفيقنا القلمجي ونثني على جهوده
الوطنيَّة ومساهماته الفكريَّة
القيِّمة.
المحطَّة
الثانية
في الاعلان عن
نجاح مساعي توحيد سبع فصائل
جهاديَّة مقاومة للاحتلال في
تنظيم واحد، "جبهة الجهاد
والتغيير"، إنجاز مهمٌّ يجب
التوقَّف عنده وتقيمه. إنجاز
يستحقُّ الإشادة والرحيب بصرف
النظرعن اختلاف نهجنا السياسي
وتباين مفردات المشروع الوطني
الذي نؤمن به مع بعض مفردات
البرنامج السياسي للحركات
المكِّونة الجبهة.
أهمُّ ما يُلاحظ
في مضمون بيان قيام "الجبهة"، هو
التحوُّل البارزفي نصِّ الخطاب
السياسي وروحه، واستخدام مفردات
لم يسبق للفصائل المنضوية في
"الجبهة" استخدامها. هذا التحوُّل
يعكس نضوجًا في وعي قيادات أطراف
"الجبهة"، وإدراكها طبيعة الصراع
ومحرِّكاته الأساسيَّة، وإيمانها
بأهميَّة العمل الجبهوي، وضرورة
توفُّر البرامج الإستراتيجيَّة
كعوامل مهمَّة لدحر الاحتلال
ونجاح مشروع المقاومة. ما يستحقُّ
التنويه في مضمون "الإعلان"
أيضًا، الدعوة الموجَّهة إلى
الفصائل الجهاديَّة الأخرى
للتحاورمن أجل تحقيق التكامل
وتوحيد الصف وتحريم الاقتتال
والنزاع المسلَّح بين فصائل
المقاومة.
لا شكَّ في أنَّ
تأسيس "الجبهة" يمكن أن يشكِّل
مقدِّمة مهمَّة لوحدة فصائل
المقاومة ودمجها في مشروع وطني
واحد إذا ما نجح الإخوة في قيادة
الجبهة في تنفيذ ما اتُّفق عليه.
ومع تقديرنا العميق لأهميَّة هذا
الإنجاز الاستثنائي، وإدراكنا
لحكمة الإخوة في قيادة "الجبهة"
وتدبيرهم، إلا أنَّنا نودُّ أن
نقترح على قيادة "الجبهة" ما يلي:
1- إعادة النظر
في اسم "الجبهة" وإبداله بـ: "
الجهاد والتحرير". الفرق بين
التغيير والتحرير شاسع. وهدف
الجهاد والمجاهدين في العراق لا
يقتصر على تغيير هيكل الاحتلال
ومعطياته، بل الى دحر مشروعه وطرد
قوَّاته، وتحريرالشعب والأرض
واسترداد السيادة الوطنيَّة.
تقديم هذا المقترح انطلق من حرصنا
على الجبهة ومجاهديها ورغبتنا في
ان لايستغل اعداء المقاومة هذه
التسمية لتقديم تفسيرات مغالطة .
2- نهيب باخوتنا
في الجبهة المبادرة بالاتِّصال
بجميع الفصائل المجاهدة والمقاومة
من أجل توسيع التآلف الجبهوي
القائم. ونوصي بالانفتاح على جميع
مقاومي الاحتلال بصرف النظر عن
خلفيَّاتهم السياسيَّة
والعقائديَّة. فالإخوة في قيادة
"الجبهة" يدركون تمامًا بأنَّ
تحرير الوطن ودحر الغزاة لن يتم
إلاَّ عبر توحيد الفصائل المقاومة
في برنامج وطني سياسي شامل
مستندعلى ثوابتنا الوطنية ومعبِّر
عن آمال شعب العراق بكلِّ
مكوَّناته، ومن خلال تبنِّي
استراتيجيَّة مسلَّحة فعَّالة،
والاصرارعلى تنفيذ شروط المقاومة
.
3- أخيرًا، نامل
من أخوتنا العمل على إيجاد السبل
الكفيلة في إحباط مخطَّط إثارة
النزاع الطائفي الذي تبنَّته سلطة
الاحتلال والأحزاب العميلة لها،
والتصدِّي الحازم لمخطَّط التهجير
الداخلي والخارجي المبني على
معايير الفرز الطائفي والديني
والعرقي. ونوصي بإحباط عمليَّات
استهداف العراقيِّين من غير
المسلمين وتهجيرهم عن أرض الوطن.
تنفيذ هذه المهمَّة بدون شكٍّ لا
ينحصر بالفصائل المكوِّنة "جبهة
الجهاد والتغيير"، بل يجب أن
تحتلَّ الأولوية بين مهام جميع
فصائل المقاومة والقوى الوطنيَّة
المناهظة للاحتلال، لمخاطرها
الجسيمة على وحدة شعب العراق
ومشروع مقاومته الوطنيَّة.
فإذا كان نجاح مخطط الأعداء
متوقِّف على قدرتهم على تفتيت
وحدتنا الوطنيَّة، فلا بدَّ
لمشروع مقاومتنا إلاَّ أن يرتكز
على تعزيز الوحدة التاريخيَّة
لشعبنا كسبيل وحيد لتحريرالوطن
واسترداد الكرامة.
المحطَّة
الثالثة
وجَّهت هيئة
علماء المسلمين رسالة مفتوحة إلى
المجاهدين في أرض العراق تضمَّنت
نصائح وتوجيهات قيِّمة، ومواقف من
قضايا مهمَّة متعلِّقة بالمقاومة
والتحرير. ولا إخالنا مبالغين إذا
ما قيَّمنا رسالة الهيئة المجاهدة
كأهمِّ ما صدر عنها منذ تأسيسها،
لما حمله مضمونها من مواقف مهمَّة
ونصائح قيِّمة تنسجم مع موقع
الهيئة الريادي في مناهظة
الاحتلال ورفد المقاومة.
ومع احترامنا
لحقِّ "الهيئة" في رسم مسارها
الاجتماعي والسياسي، وتقديرنا
الكبير لمواقف قادتها الوطنيَّة،
وفي مقدِّمتهم أمينها العام،
شيخنا الجليل حارث الضاري،
وإدراكنا حجم تضحياتهم، ومع
اختلافنا مع بعض مواقف "الهيئة"،
إلاَّ أنَّنا كنَّا وما نزال على
ثقة بقدرتها على تجاوز دورها
الشرعي. وكنَّا وما نزال مؤمنين
بإمكانيَّة تأثير "الهيئة" في
معادلة الصراع مع العدو المحتل،
والمشاركة الفعالة في قيادة العمل
الوطني المناهض للاحتلال. رسالة
"الهيئة" وما تضمَّنته من مواقف
عزَّزت ثقتنا بدورها، وأكَّدت
قدراتها، وثبَّتت مسؤوليتها
القياديَّة، وهذا ما كنَّا ننتظره
من "الهيئة" وأمينها العام .
تناولت الرسالة
العديد من الجوانب المهمَّة،
وتضمَّنت نصائح قيِّمة ومواقف
صائبة وواضحة نتَّفق كلِّيًّا
معها باستثاء موضوعين مهمَّين:
الأوَّل، ينصبُّ على قضيَّة تمثيل
المجاهدين لشعب العراق. والثاني،
موضوع اختيار فصائل المقاومة
للنموذج السياسي الملائم للعراق
بعد مرحلة خروج المحتلِّين.
يمكن إيجاز
مضمون الرسالة بالنقاط التالية:
- تقييم صائب
لدور المجاهدين، وتثمين
لإنجازاتهم القيمة وتضحياتهم
الغالية في سبيل الدفاع عن الأرض
والكرامة وعزة الامة وقيم الدين
والشرف والرجولة .
- التأكيد على
أهميَّة تصعيد المقاومة وتصحيح
مسارها ودعمها كشرط أساس لضمان
وحدة العراق.
- حتميَّة خروج
المحتلِّين وانهزام مشروع
الاحتلال.
- التأكيد على
ضرورة اتِّفاق فصائل المقاومة على
برنامج سياسي موحَّد، والتحذيرمن
أنَّ غياب مثل هذا الاتِّفاق قد
يؤدِّي إلى: إمَّا أن "يقطف ثمار
الجهاد والمقاومة غير أصحابها
الشرعيِّين"، أ و إلى الاقتتال
بين الفصائل.
- ضرورة تجنُّب
الخلافات بين الفصائل المجاهدة
واحتواء الخلافات الجانبيَّة
بالسرعة والحكمة، والتشديد على
تحريم إراقة الدم المجاهد،
والاستعانة بالأجانب الكفرة على
رفاق العقيدة والسلاح.
- تذكيرالفصائل
المجاهدة بأنَّ نجاح تجربة
المقاومة في إدارة البلاد يتطلَّب
"العمل بشكل جماعي متناغم على
تشكيل رؤية متَّفقة في تحديد
معالم مستقبل العراق."
- التحذيرمن
مغبَّة النهج المنفرد، ومن
العجالة في " فتح قناة للحوار مع
المحتل"، قبل الاتِّفاق على
برنامج سياسي جامع.
- ضرورة الوقوف
على خصوصيَّات المنطقة والوضع
الدولي القائم، ومراعاتهما عند
وضع نواة المشروع السياسي
للمقاومة.
- العمل على كسب
ثقة جميع المخلصين والشرفاء من
أبناء الشعب على اختلاف طوائفهم
وأعراقهم ودياناتهم.
- شرعيَّة تمثيل
شعب العراق، لا تنحصر في الفصائل
المجاهدة. فالعمل المقاوم
استنادًا إلى مضمون "الرسالة" لا
يتوقَّف نجاحه على وجود "ثلَّة
مباركة تحمل السلاح ضدَّ العدو"
فحسب، بل تقف وراء ذلك "مجموعة من
العوامل تساهم مجتمعه في إنجاح
مثل هذا المشروع العظيم". من هذه
العوامل: البيئة الحاضنة للعمل
الجهادي المقاوم، والجهات
المموِّلة له، والقوى السياسيَّة
وغير السياسيَّة الرافضة
للاحتلال،والمقاومة لمشاريعه في
البلاد، وأصحاب الوظائف والأعمال
والكفاءات من السلك العسكري
والمدني بكلِّ صنوفهما، الذين
رفضوا العمل في ظلِّ الاحتلال،
بالاضافة إلى عامَّة الشعب بكلِّ
طوائفه وأعراقه من الذين لم
يتواطئوا مع المحتل.
- الإشارة إلى
أنَّ المقاومة وحدها لا تسطيع
بناء دولة. و"ليس كلُّ من حمل
السلاح في وجه العدو قادرًا على
أن يتسلَّم شأنًا من شؤون
الدولة."
- وأخيرًا،
نبَّهت "الرسالة" من أنَّ ضمان
نجاح المشروع السياسي المختار من
قبل الفصائل المجاهدة، يتطلَّب
استناد البرنامج على
"نموذج
تمَّ تطبيقه"، والوقوف على
مواطن القوَّة الضعف فيه قبل
تبنِّيه.
إنَّ مضمون "الرسالة" المعبَّرعنه
في النقاط أعلاه، يعكس بكلِّ وضوح
حرص "الهيئة" على سلامة العمل
المقاوم، وهي في أغلبها مواقف
جيِّدة نتَّفق مع الإخوة في
"الهيئة" على صوابها، باستثناء
النقطتين أدناه .
أوَّلاً:
اختيارالنموذج السياسي الملائم
للعراق
يقترح الإخوة في
رسالتهم على المجاهدين ضرورة
الاهتمام بالجوانب التجريبيَّة
عند اختيار المشروع السياسي الخاص
بمرحلة ما بعد رحيل المحتل.
ويوصون بضروررة امتلاك المشروع
المختار نماذج سبق تطبيقها
لتجنُّب احتمالات الفشل، وما قد
ينجم عنه من كلف سياسيَّة. ففي
اختيار نموذج نظري، وفقًا لرأي
"الهيئة" مجازفة كبيرة لارتفاع
احتمالات الفشل. وإنَّ الفشل في
هذه المرحلة غير مقبول، لكونه
يؤدي من جانب إلى إحباط أبناء
الشعب، ويمنح حلفاء المحتلِّين
فرصة لتسلُّم مقاليد الأمور من
جانب آخر.
في قديرنا، أنَّ
الأخوة في "الهيئة" لم يحالفهم
التوفيق في صياغة الفقرات الخاصة
بهذا الموضوع. فهنالك شئ من غموض،
وبعض تساءولات مهمَّة تحتاج إلى
توضيح من "الهيئة". فعلى سبيل
المثال، لا نفهم كيف سيتسنَّى
لحلفاء الاحتلال الذين سيسلِّمهم
المحتلُّ مقاليد الأمور العودة
إلى حكم العراق بعد رحيل المحتل
وهزيميته؟ فوجود المجموعة العميلة
مرتبط كما يدرك أخوتنا في
"الهيئة" بوجود المحتل. كذلك لا
نفهم ضرورة استناد تجربة شعب
العراق المستقبليَّة على تجارب
شعوب أخرى؟ ولا ندرك موانع تبنِّي
تجربة خاصَّة بشعب العراق مستندة
على خصوصيَّاته وتجاربه السابقة
بعد الانتصارعلى المحتلِّين،
وتحمُّل هامش معقول ومقبول من
الفشل؟ من الإنصاف أن نتوقَّف عن
الاستطراد في معالجة هذه النقطة،
وأن نمنح إخوتنا في "الهيئة"
الفرصة لإزالة الغموض عن هذه
الفقرة، والإجابة عن التساؤلات
المذكورة، وربَّما اقتراح بعض
النماذج للاستفادة منها .
ثانيًا:
المقاومة وحق تمثيل شعب العراق.
لا شكَّ في أنَّ
أهم ما تضمَّنته "الرسالة" من
فقرات، هي تلك المتعلِّقة بعدم
حصر الصفة التمثيليَّة لشعب
العراق في المجاهدين المقاتلين.
المؤسف له أنَّ إخواننا في
"الهيئة" لم يحالفهم التوفيق كذلك
في تقديم رأيهم بهذا الموضوع
المهم بوضوح كاف. فهنالك خلط واضح
بين موضوع حقِّ تمثيل المجاهدين
أو المقاومين، أو من وصفتهم
الرسالة بـ "ثلة مباركة تحمل
السلاح ضدَّ العدو" لشعب العراق
حصرًا، وموضوع العوامل المطلوب
توفُّرها لضمان نجاح مشروع
المقاومة. ليتَّسع صدر أخوتنا في
"الهيئة" لنا، ولنراجع معًا
النصوص المطروحة في "الرسالة"
المتعلِّقة بهذه الفقرة بدقَّة
وتمعُّن.
تذكِّر
"الرسالة" المجاهدين بـ:
"يجب أن
تدركوا حقيقة مهمَّة للغاية، وهي،
انَّكم لستم وحدكم من يمثِّل
الشعب العراقي، وأصحاب المشروع
الجهادي فيه. لأنَّ العمل المقاوم
لا يتوقَّف نجاحه على وجود ثلَّة
مباركة تحمل السلاح ضد العدوا
فحسب، بل تقف وراء ذلك مجموعة من
العوامل، تساهم مجتمعة في إنجاح
مثل هذا المشروع العظيم."
ومن ذلك:
أوَّلاً:
البيئة الحاضنة للعمل الجهادي
المقاوم، التي من دونها يغدو
العمل مستحيلاً.... فكلُّ من سمح
لكم بالحركة والتنقُّل، وممارسة
العمل الجهادي المقاوم على أرضه،
أو في حيَّه، أو ضمن حدائقه
وبساتينه، أو في أيِّ موطن يعود
إليه تملُّكه، فهو شريك لكم في
مشروع الجهاد والمقاومة.
ثانيًا:
الجهات المموِّلة لهذا العمل.
فالمقاوم المجاهد ما لم يجهَّز
بجهاز المعركة من سلاح وذخيرة
ووسائط نقل وغير ذلك، لن يكون في
مقدوره المضي قدمًا في جهاده،
وبالتالي فإنَّ هذه الجهات هي
الأخرى شريكة لكم.
ثالثًا:
القوى السياسيَّة وغير السياسيَّة
الرافضة للاحتلال، والمقاومة
لمشاريعه في البلاد، التي نأت
بنفسها عن أن تساهم في أيَّة
مرحلة من مراحل الاحتلال في إنجاح
المشروع الأمريكي، ولم تروَّج له،
والتي ارتفع لها صوت في التنديد
بالمحتلِّ وكشف أوراقه، ودعم
فعَّاليَّاتكم في الجهاد، بكلمة
في فضائيَّة أو مذياع أو مقال في
صحيفة أو على مواقع الإنترنت، أو
خطاب في ملتقى شعبيٍّ أو دوليٍّ،
هؤلاء جميعًا بغضِّ النظر عن
انتماءاتهم أو دوافعهم لهم دور
كبير في ذلك.... وهم بالضرورة
شركاء لكم في هذا المشروع.
رابعًا:
أصحاب الوظائف والأعمال والكفاءات
من السلك العسكري والمدني بكلِّ
صنوفهم، الذين رفضوا العمل في
ظلِّ الاحتلال، وآثروا البعد،
وعدم تقديم أيِّ دعم أو تأييد
لمشاريع المحتل، وكان لمقاطعتهم
الأثر الكبير في الحيلولة بين
المحتل وبين تأسيس دولة تمكِّنه
من البقاء،.... هم الآخرون شركاء
لكم في هذا المشروع .
خامسًا:
عامة الشعب بكلِّ طوائفه وأعراقه،
من الذين لم يتواطئوا مع المحتل،
ولا مع عملائه، وصبروا على الظروف
الصعبة التي تمرُّ
بالبلاد،....... هم شركاء لكم في
العمل الجهادي المقاوم.
من مراجعة
الفقرات أعلاه، يمكن تثبيت
ملاحظتين. الأولى: لا نقاش حول
استحالة نجاح مشروع المقاومة دون
توفير المسلزمات أعلاه. فالحضانة
الشعبيَّة والتمويل، وتأييد القوى
السياسيَّة وغير السياسيَّة
ودعمها، ومقاطعة أصحاب الكفاءات
العسكريَّة والمدنيَّة لمشروع
الاحتلال، ودعم أبناء الشعب
ومباركتهم، عوامل حيويَّة
وضروريَّة لنجاح مشروع المقاومة.
ولا نقاش في أنَّ الأطراف
المذكورة هي جزء أساس من شعب
العراق ومقاومته، لكن هنالك فرقًا
جوهريًّا بين مستلزمات النصر
ونجاح المقاومة وموضوع تمثيل
المقاومة لشعب العراق في المرحلة
الراهنة.
والثانية: نحن
نتَّفق مع ما ذهبت إليه "رسالة
الهيئة" بأنَّ فصائل المقاومة
المسلَّحة أو من وصفتهم بـ:
"ثلَّة
مباركة تحمل السلاح ضدَّ العدو"
لا يمثِّلون بمفردهم شعب العراق.
والحقيقة الموثَّقة تشير إلى
أنَّه لم يسبق لاي فصيل من فصائل
المقاومة المسلحة ، أو لأيٍّ كاتب
من كتَّاب المقاومة، أو لأيٍّ من
القوى السياسيَّة المناهظة
للاحتلال، ، أن حصروا حقَّ تمثيل
العراق بالفصائل المسلَّحة. وبقدر
تعلَّق الأمر بإطلاع كاتب السطور
على ما سبق ونُشر بهذا الخصوص، لا
يوجد هناك من سبق له طرح شعار
"المقاومة
المسلَّحة الممثَّل الشرعي الوحيد
لشعب العراق". بل ان
الشعار المطروح هو:
"المقاومة
الوطنيَّة الممثَّل الشرعي الوحيد
لشعب العراق." والفرق شاسع
بين الشعارين. ربَّما هذا الفرق
ليس واضحًا بشكل يمكن استيعابه من
قبل كاتب عمود ساذج في إحدى الصحف
الأردنيَّة، كتب قبل يومين بشكل
مثير للشفقة والسخرية عن هذا
الشعار المهم دون أن يدرك فحواه
أو يستوعب محتوى "رسالة الهيئة"،
وكعادته أوقع نفسه في مطبَّات
غبيَّة وعبثيَّة.
هل يشكِّل
طرح الهيئة رفضًا لشعار:
"المقاومة الوطنيَّة الممثل
الشرعي الوحيد لشعب العراق؟"
نستطيع بثقة أن
نردَّ على التساؤل بالنفي القاطع.
فـ "الهيئة" في "رسالتها" موضوع
البحث، لا تمنح
الفصائل
المسلَّحة حقَّ تمثيل شعب
العراق في هذه المرحلة حصرًا وهذا
موقف سليم . لكن هذا الطرح لا
يعكس نفيًا للثابت الوطني الأساس
في هذه المرحلة، المتمثَّل في حصر
حقِّ تمثيل شعب العراق في
المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة
بكلِّ مفاصلها. المقاومة
الوطنيَّة العراقيَّة لا تنحصر في
الجهد المقاتل فحسب، بل لها مفاصل
أساسيَّة أخرى إلى جانب المفصل
القتالي. وهذه المفاصل بمجموعها
تشكِّل هيكل مشروع المقاومة
المتكامل. وهذا الهيكل المتكامل،
يملك كلَّ مقوِّمات الشرعيَّة
الوطنيَّة لتمثيل شعب العراق.
وانطلاقًا من
هذا الفهم، فطرح "الهيئة" لا يلغي
صواب شعار "المقاومة الوطنيَّة
الممثِّل الشرعي الوحيد لشعب
العراق"، بل على العكس، يمثِّل في
تقديرنا تثبيتًا للشعار الضرورة.
لنفترض جدلاً
أنَّ المقصود في "رسالة الهيئة"
هي المقاومة برمَّتها، وليس
المقاومة المسلَّحة، أي أنَّ
الهيئة تؤمن في أن المقاومة
الوطنيَّة العراقيَّة ليست
"الممثِّل الشرعي الوحيد لشعب
العراق."
مع تقديرنا
للهيئة ومواقفها وأهميَّتها،
إلاَّ أنَّ رأيها لن يلغي صواب
هذا الثابت الوطني، ولن يقلل من
أهمِّيَّته. فـ "الهيئة" تبقى
كغيرها من التجمُّعات معرَّضة
لاتِّخاذ المواقف الخاطئة، وهي
غير كما يتفق معنا قادتها غير
معصومة عن الأخطاء.
إنَّ أهمِّيَّة
الموضوع المطروح تتطلَّب منَّا
إعادة تثبيت صواب هذا المبدأ
الوطني. فالمبدأ يمثِّل، كما
فصَّلناه في مساهمات سابقة، أحد
أهم ثوابت قضيَّتنا الوطنيَّة.
المؤكَّد، أنَّ معظم القوى
السياسيَّة الصادقة في مناهضتها
الاحتلال، قبلت هذا الثابت،
وأدرجته في برامجها السياسيَّة
دون اعتراض أو مساءلة. وكذلك فعلت
الشخصيَّات الوطنيَّة المناهظة
للاحتلال والمؤيِّدة المقاومة.
والمؤكَّد أيضًا أنَّ الاعترض على
هذا "الثابت" انحصر في تنظيمات
هامشيَّة التاثير، وهلاميَّة
التركيب، تنظيمات تدَّعي تأييد
المقاومة والمقاومين، وهي بعيدة
كلَّ البعد عن الجهد المقاوم
وإعبائة وفصائله. موقف تلك
الحركات، على ندرتها، إنطلق إمَّا
من مواقف طائفيَّة، أو نتيجة
قراءة خاطئة لهيكل المقاومة،
ولحسابات أنانيَّة وعقد شخصيَّة،
بالإضافة إلى تقديرات وافتراضات
بالغة السذاجة. والحقية تشير الى
ان المعترضين على هذا الثابت
الوطني لم يقدموا ما يدعم موقفهم
باستثاء محاولات تنظيرية عقيمة
مغالية في كرنفاليتها ، تفسيرات
مبنية على حساسية مفرطة من الشعار
لكونه وفقا لتفسيرهم يعبر عن رغبة
احد القوى الوطنية المقاتلة في
الاستحواذ على القرار المقاوم
والسلطة بعد التحرير؟!
ان تمثيل
المقاومة الوطنيَّة لشعب العراق
في هذه المرحلة بات مسلَّمة
وطنيَّة مقبولة من الأغلبيَّة
المطلقة من العراقيِّين بجميع
طوائفهم ومعتقداتهم ومذاهبهم،
وقائمة على أسس منطقيَّة
وسياسيَّة متينة، بالإضافة إلى
كونها ضرورة وطنيَّة لا يمكن
التفريط بها.لقد سبق وان برهنا
على صواب الشعار وضرورته في
اكثرمن مساهمة سابقة، لكنا سنبرهن
على صواب المبدأ وضرورته مرة اخرى
وبشكل اكثر تبسيطا ، لعلَّ
المنظِّرين الذين دبَّجوا مقالات
رفض هذا "الثابت" دون تحقيق
مبتغاهم، يرون فيه ما قصرت عنه
أفهامهم.
لو سئل أيُّ شخص
يملك قدرًا بسيطًا من الإدراك
والوعي السياسي عمَّن يمثِّل
الشعب الفرنسي أو الكندي أو
السوري أو الصيني؟ لكانت الإجابة
بدون شكٍّ: بأنَّ حكومات تلك
الشعوب ومؤسَّساتها التنفيذيَّة
والتشريعيَّة سواء المنتخبة
ديمقراطيًّا، أوتلك التي سيطرت
على مقاليد الحكم عن طريق الثورات
الشعبيَّة أو الانقلابات
العسكريَّة تمثل تلك الشعوب . ولو
سئل عن ممثِّلي الشعب الفلسطيني،
فالردُّ سيكون بكل تأكيد: السلطة
الفلسطينيَّة ومؤسَّساتها وحركات
المقاومة وأحزابها المتمثِّلة في
إطار منظمَّة التحرير
الفلسطينيَّة. وإذا رجعنا إلى
عقود من الزمن، وسألنا مَن مثَّل
الشعب الفيتنامي إبَّان حربه
العادلة ضدَّ الغزو الأمريكي؟
فالجواب، بكلِّ تأكيد سيكون:
"منظَّمة الفياتكونغ".
لنعد إلى
العراق، ونسال: مَن يمثِّل شعب
العراق خلال هذه المرحلة؟ في
تقديري، هناك أربعة أجوبة
متوقَّعة:
ا- الاحتلال الأمريكي والحكومة
العميلة بمؤسَّساتها المفروضة على
شعب العراق.
ب. المقاومة
الوطنيَّة العراقيَّة لكونها
تعبِّر عن إرادة غالبيَّة أبناء
العراق وطموحاتهم ورفضهم للاحتلال
ومؤسَّساته.
ج. شعب العراق،
يمثِّله شعب العراق برمَّته، كما
يطرح بعض السذَّج في برنامجهم
السياسي!
د. لا يوجد من
يملك حقَّ تمثيل شعب العراق في
هذه المرحلة.
ما هو
الخيار الذي تتمثَّل فيه عناصر
الوطنيَّة ومقوِّماتها؟
من السهولة
بمكان استبعاد الخيار "أ". فلا
يمكن لأي عراقي يملك أدنى مقدار
من الانتماء والحرص الوطني أن
يمنح سلطة احتلال أجنبي غير شرعي
وحكومات عميلة حقَّ تمثيل شعب
العراق. وكذلك يمكن استبعادالخيار
"د" لعدم منطقيَّته.
الخيار"ج" يعاني
أيضًا من عدم عمليَّته. فمن غير
المنطقي أو المعقول أن يمثِّل شعب
نفسه! فالمتعارف والمقبول أن
تمثِّل شريحة معيَّنة من الشعب،
أو جزء منه قضايا الشعب. هذه
الفرضيَّة تستند على علاقة
"الكل"– (الشعب) بـ "الجزء" –
(الممثِّل). وهذه العلاقة بين
"الكلِّ و "الجزء" هي علاقة
سياسيَّة وقانونيَّة بديهيَّة
معمول بها تاريخيا من بدايات نشوء
الاطر السياسية.
إذًا، الخيار
الوحيد المتاح والمقبول لشعب
العراق خلال هذه المرحلة وحتى يتم
اعادة بناء المؤسسات الوطنية
التشريعية والتنفيذية بعد دحر
الاحتلال هو الخيار "ب". وعليه
فان حقُّ تمثيل شعب العراق في هذه
المرحلة محصور بالمقاومة
الوطنيَّة العراقيَّة بفصائلها
ومفاصلها السياسيَّة والإعلاميَّة
المعبِّرة عن إرادة شعب العراق
الجمعيَّة والمستمدِّة شرعيَّتها
من تلك الإرادة. ولا تعني هذه
المسلَّمة بأيِّ شكل من الأشكال
الدعوة لاحتكار المقاومة وتجييرها
لحساب حركة ما أو حزب او طائفة ،
كما يدَّعي المفبركون ومحتالو
الكلمة وباعة النظريَّات التافهة.
فلذا، إيلاء هذا الحقِّ بالمقاومة
الوطنيَّة العراقيَّة لا يعني
التعالي على شعب العراق أو القفز
على إرادته، بل العكس هو الصحيح
تمامًا.
إنَّ "ثابت"
المقاومة الوطنية "الممثِّل
الشرعي الوحيد لشعب العراق"، مبدأ
وطنيٌّ صائب وضروري لتحقيق انتصار
مشروع المقاومة ودحر الاحتلال
واستعادة الكرامة الوطنية.
|