أثار اعتقال العميد محمود فرهادي
، في السليمانية ضمن وفد تجاري
إيراني ، يزور المنطقة ، الكثير
من علامات الاستفهام ، لعل في
مقدمتها ، أسباب ردود الأفعال
الغاضبة ، التي أبداها الرسميون
الإيرانيون تجاه الحادث ، بحيث
وصلت ذروة السخط ، في القرار الذي
اتخذته الحكومة الإيرانية ،
بإغلاق المنافذ الحدودية الخمسة ،
مع العراق في المنطقة الشمالية ،
وكأن إيران تريد معاقبة طرف لاصلة
له بالإجراء الذي تم تنفيذه .
وهنا سيبرز سؤال جوهري ، عما إذا
كانت إيران تفترض دورا للزعامة
الكردية العراقية ، في استدراج
فرهادي والإيقاع به بوشاية سريعة
أوصلتها للقوات الأمريكية ، والتي
لم تضع وقتها للتحري عن دقة
المعلومة ، بل سارعت وعلى الفور ،
بمداهمة فندق بالاس ، الذي كان
يقيم فيه بمعية الوفد التجاري ،
الذي كان يزور السليمانية بدعوة
من محافظها ، مما ترك ظلالا قاتمة
على ملابسات الدعوة أصلا ، خاصة
أن العميد الإيراني مطلوب بامتياز
من قبل القوات الأمريكية ، فالرجل
تمكن من الإفلات من اعتقال مؤكد ،
أثناء مداهمة تلك القوات لمبنى
القنصلية الإيرانية في أربيل ، في
11/1/2007 .
ويبدو أن الحكومة الإيرانية ،
أرادت ممارسة أعلى ضغط على( حكومة
كردستان) لتضغط بدورها على
أصدقائها الأمريكيين ، من أجل
إطلاق سراح العميد فرهادي ، غير
أن القلق ، والشعور العالي بوطأة
الأزمة المحتملة جراء القرار
الإيراني ، لا بد أن يثير شكوكا
حول امتلاك المنطقة الكردية في
شمال العراق لمقومات مشروع الدولة
المستقلة ، والذي يرفع لابتزاز
العراقيين كافة من أجل الحصول على
أكبر قدر من التنازلات ، ففي
الحجج التي ساقها المسؤولون في (
حكومة كردستان ) ، كانت قضية
السيادة الوطنية ، أضعف أطروحة ،
في حين برز التذمر من تعرض
المنطقة الشمالية في العراق، إلى
كارثة إنسانية واقتصادية نتيجة
للقرار الإيراني ،بأجلى صوره
لينسف أي احتمال لقيام دولة كردية
، ما لم تحصل على قبول دول الجوار
، ويبدو أن الزعامة الكردية تقرأ
مواقف إيران بشكل خاص ، والتي
تدعم تلك الزعامات ، لمجرد الرغبة
في إبقاء العراق في أضعف مستوى ،
سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا
، على أنها دعم للمشروع الكردي ،
بصرف النظر عن النقطة التي سيتوقف
عندها ، وهذا الخلط هو الذي أوقع
المنطقة الكردية في العراق في
مسلسل المآسي الذي مرت به ، لأنها
كانت تستخدم كورقة ضد الحكومة
العراقية من طرف قوى إقليمية
ودولية ، وبمجرد تحقيق الهدف من
وراء الاستخدام المرحلي لتلك
الورقة ، سرعان ما تلقى في أقرب
سلة للنفايات ، فمخاوف إيران من
القضية الكردية ، أكبر من مخاوف
الدول الاخرى التي تعيش فيها
أقليات كردية ، لأن إيران هي
الدولة الوحيدة في المنطقة التي
تختلف مع الأكراد قوميا وطائفيا .
لقد أظهر جلال الطالباني ، في
التعامل مع قضية اعتقال محمود
فرهادي ، رد فعل فيه من الحرص على
الروابط مع إيران ، أكثر من
التعبير عن موقف عراقي ، ولو أن
الطالباني تحرك بدواعي كردية ،
لكان عليه أن يقف وقفة مسؤولة مع
أصدقائه الإيرانيين ، ويشعرهم
بشيء من الغضب ، أو عدم الارتياح
على الأقل تجاه استمرار القصف
المدفعي ، لمناطق عديدة في محافظة
السليمانية ، وهي منطقة النفوذ
السياسي للطالباني نفسه على ما
يطرح ، ولذلك فإن المراقب سيحار
في التعامل بهذه الثنائية ، حينما
لا يجد استنكارا كرديا لذلك القصف
، بل أن ( حكومة كردستان ) كانت
تحيل أزمات المنطقة ، والمسؤولة
هي عن بروزها ، إلى الحكومة
المركزية في بغداد محتمية بسيادة
العراق ، في حين أنها تخرج عليها
حيثما وجدت في ذلك منفعة لها .
الرسميون الإيرانيون ، الذين
تعاملوا مع هذا الملف ، لم يستقر
بهم الحال على وصف واحد لوظيفة
فرهادي ، أو المهمة التي جاء
لإنجازها في العراق ، فتارة
يقولون إنه يتولى مهمات تنشيط
التبادل التجاري مع العراق ، وأن
مقره في كرمنشاه ، وتارة يقولون
إنه جاء من أجل تقديم المساعدة في
التغلب على مرض الكوليرا ، الذي
تفشى في السليمانية ، وثالثة
يقولون إنه يساعد في تقديم الخبرة
الزراعية للأكراد ، ولا يشك أحد
أن تعدد الروايات لا بد أن يعزز
الشكوك في حقيقة مهمته أو مهماته
في العراق عبر البوابة الكردية ،
هذا بالطبع لمن لا يمتلك معلومات
موثقة عنه .
فما هي حقيقة فرهادي ؟
يشغل العميد محمود فرهادي وظيفة
قائد معسكر ظفر التابع لقوة القدس
المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني
، ومقر معسكر ظفر في كرمنشاه ،
وسبق أن دخل الأراضي العراقية ،
أثناء الغزو الأمريكي عام 2003 ،
من محور قصر شيرين ، مع فيلق بدر
، وأثناء قيادة العميد ( مسكريان
)لمعسكر ظفر حينذاك ، جعل مقره في
منطقة كلار ، وأصبح المسؤول
المباشر لقوة القدس في محافظة
ديالى ، وانحصرت مهمة قوة القدس
في ذلك الوقت ، في إعادة تنظيم
فيلق بدر ، وبعد ذلك عمل في قسم
تأمين الأمن لقوة القدس في شمال
العراق ، وأقام مدة في مكتب
العلاقات الإيرانية في دربنديخان
، وفي عام 2007 تمت ترقية
مسؤوليته ، فأصبح قائدا لمعسكر
ظفر خلفا للعميد مسكريان ، ويتولى
الإشراف على تدريب المليشيات (
العراقية ) في معسكر ظفر كما
يتابع إرسال الأسلحة ، والعتاد من
قبيل قذائف الهاون و RBG7 وصواريخ
الكاتيوشا ، وصواريخ أرض جو ،
وتحت إمرته قوات القدس المتواجدة
في خانقين و السليمانية و بلدروز
، داخل الأراضي العراقية ، وفي
قصر شيرين و نوسود و سومار في
إيران .
في ضوء ما تقدم لا بد للمراقب ،
أن يتفهم أسباب ردة الفعل القوية
لإيران ، فالحكومة الإيرانية ،
تخشى اعترافه عن هذا التاريخ
الحافل بالمهمات الكبيرة ، لأن
ذلك إن حصل فهذا سيضع تحت تصرف
القوات الأمريكية كما كبيرا من
المعلومات المهمة لملاحقة بقية
الشبكات المقنعة بواجهات تجارية
وطبية وزراعية ، غير أن سؤالا
محيرا لا بد أن يطرح في التعامل
مع هذه القضية ، وهو لماذا لم
تتخذ طهران من التدابير الكافية
ما يحول دون وقوعه في الفخ
المنصوب له منذ مدة ليست قصيرة ،
فهو على قائمة المطلوبين أمريكيا
، وكاد أن يعتقل لولا أن هربه بعض
الشيوعيين ، أثناء مداهمة
القنصلية الإيرانية في أربيل ،
فهل ارتكبت إيران غلطة الشاطر ؟
ولماذا كان فرهادي يتواجد مع كل
الوفود الإيرانية القادمة إلى
شمال العراق بشكل خاص ؟
أسئلة لن يتمكن أحد من إعطاء جواب
شاف ، ما لم يطلع عل وثائق القضية
من جميع أطرافها .
|