لا ندري إلى متى ستستمر نزعة فرار
منظومة مجلس التعاون الخليجي
خصوصاً، والدول العربية عموماً،
من مواجهة السؤال الحيوي والمصيري
المتعلق بمستقبل العراق، وبخاصة
الاحتراز من تقسيم العراق،
وتداعيات هذا التقسيم والتشظي على
المنطقة؟
ألم يحن الوقت لتسمية الأشياء
بأسمائها، والخروج من مدارات
الهمس، والنوايا الطيبة المعلنة،
من قيادات عراقية، تزور دول
الخليج، أفراداً وأفواجاً،
وتُسمعنا ونُسمعها كلاماً عن
ظواهر من السطح، بعيداً عن الجزء
الخطير الغاطس من جبل الجليد
العراقي؟
نعم. لقد تكسّر العراق أمام عيون
الجميع، ولا براءة لأحد مما جرى
ويجري. صحيح أن الاحتلال هو جذر
المصيبة الكارثة، إلا أن الجميع
رضوا بنصيبهم، وهم يتأملون جسد
العراق المحتضر أمامهم.
إن الدرس العراقي، في بعديه
الإقليمي الخليجي، والقومي
العربي، كان جديراً باهتمام
القادة العرب، بعدما أضحت الأمة
مقذوفة في العراء، وفي ضواحي
الجغرافيا الدولية، ولم تعد
قطارات الدبلوماسية الدولية تمر
بها إلا حينما يراد إسماعها صفير
محطات للتلهي، كلقاء الخريف
الموعود، والذي لن يعود منه العرب
حتى بخفي حنين.
منظومة مجلس التعاون الخليجي
مطالبة الآن قبل الغد، بكل
المعايير الوطنية والسياسية
والأخلاقية والتاريخية، بأن تدرك
دورها في منع تقسيم العراق،
باعتبار التقسيم كارثة وطنية
وقومية، واستخفافاً بمستقبل
العراق نفسه، بل أكثر من ذلك: إنه
عدوان سافر، وتهديد خطير للمصالح
العليا لدول الخليج العربية،
فضلاً عن دول عربية أخرى كسوريا
والأردن، وإلى حد كبير تركيا.
إن الدعوات الرعناء إلى تقسيم
العراق، والتي صدرت عن بعض
القيادات العراقية، والكونجرس
الأمريكي، تعرض المتبقي من النسيج
والإمكانات العراقية إلى الخطر،
وتدفع بقوة وبتسارع كارثي
العلاقات العراقية مع جيرانها
العرب نحو الكارثة.
إن إدمان الفرار من مواجهة هذه
المسألة، تحت مختلف الشعارات
والذرائع، والبيانات الغامضة،
يضاعف التيه والاضطراب، ويعطي
رسائل مغلوطة أو مغشوشة لقوة
الاحتلال.
فهل تبادر منظومة مجلس التعاون
الخليجي بموقف موحد جسور،
وببرنامج عملي، لمنع وقوع فأس
التقسيم في رؤوسنا جميعاً،
والتوقف نهائياً عن إصدار بيانات
غالباً ما تطلى بمساحيق ونوايا
طيبة، لكنها لم تعد تنفع، ولا
يقيم أحد لها وزناً.
إن الوضع خطير، والسياسات البلهاء
في الإدارة الأمريكية لا تتوقف،
وخطط التقسيم عالية النبرة،
ومعلنة بوضوح، ولها تجلياتها على
الأرض، وفي عقول الكثيرين، داخل
العراق وخارجه، فماذا أنتم
فاعلون؟
إن مقولة “تقسيم العراق، من أجل
إنقاذه واستقراره”، أكذوبة
كارثية، مثلها كمثل “إبادة بلد
لإنقاذ سكانه”. وعبثاً كل
الأحاديث والبيانات عن “الحرص على
وحدة واستقلال العراق”، من دون
فعل جدي يترجم هذا الشعار واقعاً.
العراق أحوج إلى ديناميات الجمع
لا القسمة، فهل نستدرك الأمر قبل
خراب العراق؟
|