سنحاول في هذا الموضوع إعادة قراءة بعض ثوابت الانضباط والالتزام التي نصت عليها شروط الانتماء إلى حزب الرسالة الخالدة، رسالة أمتنا العربية المجيدة، والتي تشكل بمجملها السمات الفارقة لرجال الرسالة المؤمنين العقائديين المنصهرين في روح الأمة المنزهين عن الادعاء والنفاق والتزلف والمطهرين من عوامل الردة والغدر والغالبين لفجور النفس.رجال الرسالة المتعففون عن الدنايا والمتسامون على الماديات لأن الرسالة فوق المادة، والمعتنقون لها هم الشجعان الكرماء الأباة ذوو الوحدة بين ظاهرهم وباطنهم، والمترفعون عن ممارسة رذيلة لي عنق الحقيقة والتذاكي على الحقائق.فالبعث حزب الثورة العربية قد بين الحلال والحرام، وبَيَّن المقبول والمرفوض من المنتمين إليه لكي يجري التفريق بين الحزبي الذي يمكن أن يمارس الحرام والمحرمات وبين البعثي الذي لا يسيء ولا يخدش أخلاقيات البعث ولا يتنازل عن عقيدته.أولاً : الانضباط الحزبي : لأن الحزب هو الأداة البشرية لتطبيق وتنفيذ العقيدة التي يعتنقها البعثي، وهي عقيدة الأمة الوحدوية التحررية الاشتراكية، فإن هذا التنفيذ المبدع الخلاق الملهم لعموم الشعب يتطلب أول ما يتطلب التزاماً صارماً بمكونات الانضباط الحزبي التي تشتمل على الإيفاء بكل ما يطلبه الحزب بدءاً من تمثل ووعي وإدراك دستوره ونظامه الداخلي وانتهاء بتنفيذ التعليمات الحزبية بشكل طوعي واعي يتسم بالإبداع والقدرة على التجدد والتجديد.إن حضور الاجتماعات الحزبية الدورية بعد تهيئة مستلزمات الحضور الفاعل والمشاركة في تحويل الاجتماعات إلى محطات نضالية تثري فكر الحزب وتنطلق في ساحات الشعب تتفاعل معه وتعبئه باعتباره هو الغاية وهو الوسيلة التي صيغت من أجلها عقيدة الحزب وأهدافه ولخصها شعاره الخالد هي أهم شروط الانضباط الحزبي البعثي.وحفظ أسرار الحزب التي يتم تداولها في الاجتماعات والندوات والمؤتمرات مظهر آخر من مظاهر الانضباط الحزبي، وخلق نبيل من أخلاق البعثيين.ومنه أيضاً حفظ خصوصيات وأسرار البعثيين وعوائلهم لأن من يحمي هذه الخصوصيات والأسرار يكون مؤهلاً لحماية شعبه انطلاقاً من حماية الإنسان الفرد وصولاً إلى العائلة وانتهاء بعموم المجتمع.ومن مكونات الانضباط الحزبي المهمة أيضاً أداء الواجبات والتكليفات الحزبية بحذافيرها وبأمانة وإخلاص وتفان واستعداد عال للتضحية.إن التمسك بالأخلاق العالية الدمثة وحسن السلوك مع أبناء شعبنا وتبني قضايا سواد الناس ونبذ المحسوبية والمنسوبية والمذهبية والقبلية السلبية هي خصال البعثي العربي المؤمن المنضبط والساعي بإخلاص لتقديم الصورة المبهرة لحقيقة البعثي.الاجتماع الحزبي : لا يوجد تنظيم حزبي بدون اجتماعات حزبية، فحضور الاجتماع الحزبي هو إطار هوية البعثي.الاجتماع الحزبي هو صلة البعثي بالحزب ونسغ تواصله مع قياداته، ومن خلال الاجتماع تصل للبعثي بشكل دوري توجيهات وتعليمات القيادة وقراراتها.يمثل الاجتماع الحزبي محطة من محطات نضال رجال الرسالة، ففيه يتعلم البعثي : أولاً : الانتظام والالتزام : يتابع مسؤول الحلقة أو المنظمة الحزبية ويثبت حضورهم وغيابهم في عملية تربوية أخلاقية راقية، ويحث في البعثي روح الالتزام والدقة واحترام الزمن، وكلها عوامل توعية وتنوير وخروج على أنماط التجهيل والخنوع للتخلف التي نخرت الجسد العربي.بهذا يكون الاجتماع الحزبي مظهر من مظاهر تثوير الإنسان، بل وطريقة من طرائق التثوير.ثانياً : العمل الجماعي : ففي الاجتماع الحزبي يتم توزيع الواجبات النضالية على أعضاء الخلية، وهي واجبات تتعلق بخدمة المجتمع والدولة فتنمي في الإنسان روح الانتماء للوطن وتوضح أهمية الحزب في حماية الوطن والمواطنين.الانطلاق بتنفيذ الواجبات والتعليمات والتبليغات كخلية أو فرقة أو شعبة أو فرع هي مظهر العمل الجماعي المقدس الذي ينجزه البعث، وقد ترجم البعث هذا النمط في حملات العمل الشعبي في السبعينيات التي نفذت مشاريع عملاقة لإسكان المواطنين ولبناء مدارس ومستشفيات ومستوصفات ومصانع وحدائق وغيرها الكثير مما جعل العراق يتطور بشكل هائل.ثالثاً : الثقافة الوطنية والقومية : يتضمن الاجتماع الحزبي في أولويات أحداثه وجدول أعماله تناول موضوع ثقافي وطني قومي، أو يخص حاجات الإنسان وطرق تحقيقها وينور الخلية بجوانب من عقيدة الحزب وتاريخه وسمات حراكه القومي الوحدوي التحرري الاشتراكي وعلاقة الحزب بحركات التحرر في العالم ومواقف الحزب المختلفة في شؤون السياسة والاقتصاد والإعلام، ويلقي الضوء على تجارب الشعوب وحلقات التطور وسبل الارتقاء بالتربية والتعليم والصناعة والزراعة والخدمات الصحية للمواطنين، وتثار في هذه الفقرة قضايا الأمة المصيرية وثوابتها وقيمها وأخلاقياتها.رابعاً : تبادل الرأي بديمقراطية وقبول الرأي الآخر : الاجتماع الحزبي مناسبة أسبوعية لتبادل وجهات النظر وتشجيع المناضل على التصدي والشجاعة الأدبية.إن صقل قدرات الحوار والنقاش إن هي إلا عملية تربية وتثقيف تحتاجها شرائح مجتمعنا العربي، حاجة أساسية وملحة، وهي أيضاً جانب من جوانب مستلزمات تثوير المجتمع في إطار استراتيجيات الانقلاب الذاتي وصولاً إلى الانقلاب الجماعي الحاسم في تغيير مجتمعنا وإنهاء تخلفنا.خامساً : تعزيز علاقاته مع رفاقه : الاجتماع الحزبي مناسبة اجتماعية راقية تتعمق فيه علاقات الأخوة والرفقة وترسم ملامح المصير الواحد بين المناضلين وتتوضح واجباتهم الجمعية تجاه شعبهم وأمتهم.سادساً : نقل احتياجات المجتمع : يقدم المجتمعون رؤى شفهية أو مكتوبة لتطوير خدمات الدولة وتجاوز هناتها وعثراتها وتصعيد إنجازاتها.سابعاً : نقل آراء المجتمع : الاجتماعات الحزبية تشجع البعثي على أن يكون نسغاً صاعداً ينقل للقيادة آراء الناس وملاحظاتهم وانتقاداتهم وتطالب بتحقيق مطالب الشعب.ثامناً : ممارسة النقد والنقد الذاتي : من الممارسات الديمقراطية الثابتة التي يمارسها الاجتماع الحزبي هو عملية نقد الذات في حالة وجود ما يستدعي هكذا نقد، ونقد الرفاق الآخرين من أعضاء الحلقة عند الضرورة أيضاً.النقد والنقد الذاتي منهج بعثي مستقر منذ تأسس الحزب وهدفه بناء الروح الديمقراطية والتدريب عليها داخل الخلية والاجتماع ولقطع الطريق على الغيبة والنميمة والثرثرة خارج الاجتماع وخارج الصيغ التنظيمية.الاتصال الجانبي : لكل بعثي مسؤول حزبي يكون هو جهة الاتصال الوحيدة له، منه يستلم التعليمات وإليه يقدم ملاحظاته وأفكاره ومشاغله وهمومه الخاصة والعامة المتعلقة بالعمل الحزبي.لا يحق للبعثي أن يتحدث بأمور التنظيم إلا مع مسؤوله، وخاصة في القضايا ذات السرية والخصوصية وذلك لقطع دابر ما يسمى بالاتصال الجانبي.فالاتصال الجانبي يخرق ضوابط الالتزام ويخلق الفوضى ويقود إلى شللية في أداء الحزب النضالي، من يمارس الاتصال الجانبي برفاق من خارج خليته أو بمسؤول حزبي غير مسؤوله يمارس الاتصال الجانبي المحرم تنظيمياً والمخالف لأعراف وثوابت رجال الرسالة.التكتل : العمل الحزبي عمل جماعي تسوده الشفافية والمحبة وتقوده مبادئ الحزب وعقيدته ورسالته بعيداً عن النرجسية والأنانية والنوايا والمنافع الشخصية أياً كان نوعها.يقصد بالتكتل ممارسة عمل ما من قبل عدد محدود من الأعضاء بدون علم القيادات الحزبية، وهو عمل عادة ما يكون متناقض مع أخلاقيات الحزب ومبادئه، ويؤدي إلى صناعة شلل في التنظيم يعمل كل منها على هواه ومزاجه ولأغراض ومنافع شخصية.لذلك فإن التكتل يصيب الحزب بحالات مرضية مؤذية إن لم تكن جارحة لصفاء تنظيمه وسمو غاياته ونبل أهدافه التي وجدت لتخدم الشعب كل الشعب والأمة كل الأمة، وقد يحدث التكتل نتيجة رغبة في النمو السرطاني للبعض للوصول إلى مواقع قيادية ليمارسوا من خلالها إيذاء الحزب وحرفه عن ثوابته النضالية التحررية القومية الاشتراكية.إن من يقودون التكتل داخل الحزب هم أفراد لم تدخل عقيدة الحزب وثوابته الأخلاقية في صدورهم فبقوا حزبيين ولكنهم ليسوا بعثيين أياً كانت المواقع الحزبية التي يصلون إليها، فهم أمراض وانحرافات غريبة في جسد الحزب حتى تظهر كامل ملامحهم فيطردهم من جسده ليتطهر من رجسهم وتخلفهم.التكتل عمل لا أخلاقي لا يخوض فيه ولا يجربه إلا من تخلى عن أخلاق البعث وتخلى عن أخلاقه الشخصية كلها.الثرثرة : صفة أخرى ذميمة ومذمومة لا يليق بالبعثي أن يتصف بها، فالثرثار شخص فاقد للتوازن وفاقد للقدرة العقلية التي تجعله يمسك لسانه فيصير بوقاً متنقلاً في المقاهي والأسواق والجلسات الخاصة لا يجد ما يحرر به مرضه النفسي غير الحديث بأسرار الحزب وخصوصيات رفاقه التي أتيح له الاطلاع عليها ضمن الاجتماعات أو الندوات الحزبية.الثرثرة هي طريق تحويل الحزب من كيان مرصوص إلى كيان مخترق، ومن لغز عصي على أعدائه والمتربصين به إلى كلمات تتناثر في أفواه من هب ودب.أسرار الحزب وقراراته الداخلية والعلاقات البينية بين أعضائه ملك للحزب، وليس من أخلاق البعثي الحقيقي أن يثرثر بها خارج دواوين الحزب ومدرسته.كانت ساحة الثرثار مقيدة في أماكن محددة وبعد اختراع الانترنيت ووسائل الاتصال الاجتماعي صارت الثرثرة مرضاً خطيراً بل ورماً خبيثاً وسلوكاً غير سوي يتوجب فصل من يمارسه من الحزب فوراً.إن نشر أسرار الحزب على مواقع التواصل الاجتماعي ونشر الخلافات الحقيقية والافتراضية والإساءة إلى رموز الحزب وقيادته لأي سبب كان وتحت أي تبرير هي جريمة بحق الأمة والإيمان وقيم الرجال.البعثي الحقيقي يعالج المشاكل داخل التنظيم فقط.