وصل وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إلى بغداد هذا اليوم الأحد الموافق 23-3-2013. وهي زيارة فجائية لم يعلن عنها مسبقاً وفقاً للأعراف الدبلوماسية المتبعة. ورغم أنها تذكرنا كثيراً بزيارات مماثلة قام بها قبله بعض المسؤولين الأمريكيين الكبار أمثال الرئيس الأخرق جورج بوش وبقية جوقته الكذابين من وزيرة الخارجية كونداليزا رايس إلى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وغيرهم. إلا أن الإنسحاب العسكري الرسمي للقوات الأمريكية من العراق بعد هزيمتها ميدانياً على أيدي أبطال المقاومة العراقية، توجب على الزيارات الرسمية الأمريكية للعراق أن يتم الإعلان عنها بلا خوف أو حذر. هذا جانب، ومن جنب آخر، تشير فحوى الزيارة على إبلاغ كيري إلى رئيس حكومة الإحتلال الخامسة نوري المالكي بأن تحليق طائرات إيرانية تحمل أسلحة إلى سوريا عبر المجال العراقي "يمثل مشكلة". خصوصاً وأن مثل تلك الرحلات تحدث بشكل شبه يومي. وترى الإدارة الأمريكية أن العراق لم يقم بتفتيش الطائرات الإيرانية المتجهة إلى سوريا، بأستثناء تفتيشه لطائرئتين فقط في شهر تموز/يوليو عام 2012. ولذا سيحث كيري الجانب العراقي على التأكد من أن الطائرات الإيرانية التي تحلق فوق الأجواء العراقية لا تحمل أسلحة لدعم النظام في سوريا. وأن الكلام بهذا الخصوص "سيكون مباشراً جداً مع المالكي بشأن أهمية منع الطائرات الإيرانية، أو تفتيشها". كما وتمت الإشارة إلى أن جون كيري سيطلب أيضاً من نوري المالكي والحكومة العراقية إلى إعادة النظر في قرار تأجيل الإنتخابات المحلية في محافظتي الأنبار ونينوى. لأن هكذا تأجيل سوف يزيد من التوتر الجاري داخل العراق. تُرى حقاً جاءت زيارة جون كيري لإبلاغ المالكي فقط؟ أيُعقل لإدارة أوباما أن تتحمل الوقت والنفقات لمجرد ملاقات كيري للمالكي؟ ولماذا لم يقم بهذا التبليغ السفير الأمريكي في بغداد ستيفن بيكروفت، أو يتم إستخدام دائرة التلفزة المغلقة؟ ثم هل المالكي فعلاً له القدرة على فرض التفتيش للطائرات الإيرانية المحملة بالأسلحة صوب سوريا؟ أم أن في الأمر خفايا لخطة أمريكية جديدة؟ حيث أن فحوى الزيارة منافي وحجم الحضور الرسمي الأمريكي. يبدو أن المتغيرات السياسية قادمة لا محالة سواء في سوريا أو في المناطق الثائرة في العراق. وأن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، بل تتجه لزمن جديد يتجاوز سابقه. وإذا إضطربت الثورات في مصر وليبيا وتونس، جراء توافق الأخوان الإسلاميين مع الإدارة الأمريكية في قيادة بلدانها. فحدث الترجرج بينهم وبين بقية الثائرين وعموم الشعب. فإنها لن تتعرض لهكذا إضطراب سياسي في العراق وسوريا. لكون المشكلة جملةً وتفصيلاً تنحصر بين خندقين أثنين، إذ أما مع النظام السياسي القائم أو ضده. وبما أن التداخل والتأثير واضح في خندق الثائرين العراقيين والسوريين ضد أنظمتها السياسية المستبدة. لذا تسعى الإدارة الأمريكية أن ترسم خطوط قبضتها لِما بعد التغيير الحتمي القادم. ومن هنا نرى أن ختام زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى المنطقة، قبل يومين من زيارة كيري لبغداد، لم تشمل العراق. مما يعني أن حصان أمريكا بالعراق نوري المالكي بدأ يخسر مضمار السباق. وأن المصالح الأمريكية التي تلاقت مع المصالح الإيرانية في العراق عرضة للتراجع. فإيران داعم فعّال ورئيسي لبقاء النظام السوري الدموي. وأمريكا ضد هذه الإتجاه، لكنها ما زالت تدعم العملية السياسية في العراق رغم فشلها الفادح والمزمن. وبذا فإن التقارب هنا والتباعد هناك، لا بد وأن يكون له نهاية ترسو في قاعها مرساة المصالح. ورغم كل الحسابات التي تدرسها إدارة أوباما بما يخص الوضع السياسي الملتهب في العراق، فإن لم تشمل النظر بإمعان إلى إرادة المنتفضين الثائرين الذين هم ثمرة نجاح المقاومة العراقية الباسلة، فإن نتائج حساباتها ستكون خائبة وفاشلة. وستعيد نفس مشوارها المرير لعشر سنوات خلت.