أتذكّر , ونحن لازلنا في أعمار صغيرة, من الأعمار التي لابدّ وأن نكون في سنواتها المبكّرة مولعون بكرة القدم ! , كنّا نسمع ونحن بتلك الأعمار الكثير عنها وعن ابطالها , فمن الذي سمعناه وقتها عن تقاليدها في اختيار الّلاعب الأفضل في عقود الخمسينيّات والأربعينيّات من القرن الماضي , أي في العقود التي سبقت عقدنا , وفي المحافظة التي كنّا نسكنها على الأقل , كانت التجارب في اختيار أعضاء "المنتخب المدرسي" الذي سيمثّل المحافظة في بطولة مدارس العراق كمثال أيضاً , كانت تتم بطريقة بدائيّة جدّاً لا تخلو من الطرافة والغرابة بالنسبة لجيلنا اللاحق وبالتأكيد للأجيال اللاّحقة لجيلنا أيضاً ! , والطرافة تأتي من طريقة اختيار اللاعب الذي سيتمّ ترشيحه لتمثيل "اللواء" أي المحافظة , التي هو فيها كلاعب سيمثّل منتخبها الكروي للبطولة المدرسيّة التي سيشارك فيها , إذ كان يتمّ الاختيار , وكما كان يروى لنا آنذاك , يتمّ بناءً على أعلى "شوت" يمكن للاعب الكرة أن يشوّت بقدمه الكرة إلى أعلى ارتفاع ممكن! , وهكذا , وبحسب اجتهاد اللجنة في تقدير المسافة وليست آلة أو جهاز قياس ارتفاع كالرادار مثلاً ! , واللجنة عادةً ما كانت تتكوّن من النخبة الرياضيّة المختصّة من معلّمو ومدرّسو أيّام زمان عندما كان الرياضي أقرب منه في نظرته للرياضة إلى "الزورخنجي" أكثر منه لشيء آخر ! , حيث تقوم اللجنة تلك في تنفيذ عمليّة الانتقاء , إضافةً للمحسوبيّة والمنسوبيّة كالتي كان يشتهر بها برلمانيّو "أبو موافج" في العهد الملكي الاستعبادي الاستعماري المقبور , والذي ورثه برلمانيّو عراق اليوم الجديد ! , برصف "اللاعبين" بالتتابع جنباً إلى جنب في ساحة لعب الكرة "ساحة ثانويّة اللّواء!" الخلفيّة , حيث يترتّب على كلٌّ لاعب من أولئك اللاعبون المرشّحون للاصطفاف , أن يتقدّم اللاعب , بحسب دوره , ليؤدّي الاختبار , فيقوم اللاعب بتناول الكرة بيده ويرفعها ً قليلاً إلى أعلى مستو قدمه يلحقها بركلة قويّة بظهرالقدم وجب عليه أن تأتي فيها الركلة بكلّ ما استطاع من قوّة ومهارة واضعاً في حسابه ضرورة السيطرة على المسافة التي ستكون ما بين يده وبين قدمه , و "تكتيك" مثل هذا يجيده عادةً "حامي الهدف" في كرة القدم إلى وقتنا الحالي! , وقوّة الركلة "الشوت" هي التي ستحدّد للاّعب مدى ارتفاع مسافة الكرة عن الأرض ! وفي بعض الأحيان , وعند اشتداد المنافسة , يتم رفع الكرة بيد أحد أعضاء اللجنة .. ومرّت العقود وتطوّرت الكرة خلالها من ضمن من تطور , وعلى سبيل نفس السياق في استقرار ذلك النهج القديم لدى البعض القليل ممّن كان قد عاصر حالات الاختيار تلك في النظرة إلى المهارة المثلى التي يجب أن يكون عليها لاعب الكرة !, وبعد أن قطعت كرة القدم في العراق أشواطاً بعيدة من التطوّر في سبعينيّات وثمانينيّات القرن الماضي من حيث الانتشار الواسع للعبة على وجه الخصوص وانتشار ثقافتها بين مختلف مكوّنات وشرائح المجتمع العراقي أسوة مع شعوب العالم واختياره لها كلعبة جماهيريّة هي الأولى بين أقرانها من ألعاب رياضيّة , وبعد بطولة كأس العرب تحديداً التي أقيمت في العراق عام 1965م وفوز المنتخب العراقي بتلك البطولة , ومع ازدياد تطورها واستيعاب ما وصلت إليه من تطوّر لدى جميع شعوب العالم والتوسّع في تفنّن مفرداتها الفنيّة القابلة لزيادة حجم الجذب والاستقطاب الجماهيري لها , ومع ازدهار حركة البطولات الداخليّة في العراق واحتدام المنافسة بين أندية وفرق الدرجة الأولى وتوسّع القاعدة الرياضيّة للعبة في عموم القطر , حدث أن مرّة من المرّات في اجتماع موسّع لأحد أندية الدرجة الأولى بكرة القدم , وكان هذا النادي من فرق المقدّمة في العراق , وكان يرأس الاجتماع أحد الوجوه القياديّة الشبابيّة الرسميّة والذي كان يمثّل المؤسّسة التي يتفرّع منها فريق كرة القدم , وخبرته كانت متواضعة جدّاً في مجال الكرة , وكان حاضراً الاجتماع المدرّب العراقي العالمي المرحوم "عمّو بابا" , وعند طرح شتّى المواضيع المتعلّقة بمستوى فريق المؤسّسة أو الاتّحاد في ذلك الاجتماع , بحسب ما نقل لي ما حدث أخي اللاعب في صفوف الفريق آنذاك , تداخل ذلك القيادي الذي كانت فكرته عن الكرة لا زالت على عهد تلك الحقبة الكرويّة القديمة ! فلسدّ العجز في عدد اللاعبين المهرة في الفريق اقترح المسؤول على المدرّب عمّو بـلاعب "صديق" له ؟ لازال يحضر في ذهن ذلك القيادي عند الحديث عن الكرة ! , قائلاً له , وباللهجة العامّيّة : والله أكو عندي فد صديق يجوّت كل جوت ؛ ولا اللاّخ ! الجوتة مالتة يا استاذ عمّو توصل الهذاك الصوب ! والله آني أكول استاد عمّو لو إتظُمّة الفريق النادي .. تره خوش لاعب ! ... ونترك لك عزيزي القارئ وصف قوّة الصدمة التي عصفت بأعضاء الفريق من ذلك "الاقتراح" وندعها جانباً ونترك أيضاً الحديث عن وصف الكيفيّة التي استعان بها الحضور بمختلف الكابحات الحلقيّة والحلقوميّة التي لديهم خشية انفلات القهقهة من أفواههم لئلاّ يدخلوا في مواقف لا تحمد عقباها ! ... في الحقيقة أرجو أن لا أكون قد جنيت على وزير الثقافة الجديد "الدليمي" إذا ما حظر في ذهني وبرز من بين طيّاته ذلك اللاّعب صديق ذلك المسئول عند ذكر اسم سعادته ! وحصانتي في هذا هو التشابه في الاختيار الذي وجد سعادته فيه مستوزراً لثقافة العراق والذي على ما يبدو لا تختلف عوامل الاختيار فيه عن عوامل اختيار لاعبو كرة أيّام زمان , كما ولا أعتقد أيضاً ولا يعتقد غيري أنّ اختيار الوزير المصطلحات التي تتناسب والمنصب الوزاري أو من قبل من صاغها و "دحسها" له في الكلمة التي ألقاها الوزير هذا برؤوس العراقيين دلّت عن حالت استثقاف وزاري نزلت عليهم بين ليلةٍ وضحاها , والتي حالفني الحظ أنا باستماع مقطع بسيط منها , كان القصد منها واضح بقدر فاضح, أن تكون قادرة على إقناع المستمع العراقي على أنّ الدليمي أهلا لهذا المنصب الخطير! , أنا لا أتذكّر بالضبط ما طرحه في كلمته "الثقافيّة" سوى أنّ الكلمات التي ركّز على انتقائها وإلقائها في كلمته التي جاءت على شكل شوتات عالية لا تستطيع أذن الإنسان العادي من ترجمة ذبذباتها والتقاطها , سوى أذن النحّات سعادة المالكي الموسيقيّة أو بواسطة الرادار الأميركي , بالضبط مثل "المتفذلكون" في الفن الحديث , على سبيل المثال , مثلاً , أولئك الذين يحشرون المدرسة البغداديّة "الواسطيّة" في الرسم "المعاصر" ويحشر ما شابهها بعض الروائيّون "ألّلا منتمون!" العراقيّون! وتطعيم نتاجاتهم الفنّيّة بأساليب تكعيبات وتثليثات مستمدّ من الجداريّات الآشوريّة والكتابات السومريّة المذهلتان وبموروثات أساطير الطوفان و"تلبيسها" جميعاً بعناصر ثقافيّة على أساس أنّ الناتج سيكون رؤيا جديدة ومعاصرة مستجيبة ! تكون نتائجها "دولمة" لذيذة خلطت التشريب الهاشمي بأرز "الفالوذج" بأوراق العنب الأناضولي ! , أو شريحة تدّعي الإبداع والمعاصرة مثل شريحة كـ "الخطّاطين" العرب من الذين تتملّكهم , لثقافتهم المتواضعة ,هواجس ضرورة المشاركة الإنسانيّة المتسارعة التنوّع والإبداع يحاولون تقمّص التسابق معها بأزياء نفس المتسابقين المسرعين , فيستشعرون الإبداع خارج التوصية القواعديّة النمطيّة الكتابيّة المتوارثة , وعندما يعجزن عن ترجمة هذه الاستشعارات المهتاجة في دواخلهم يصبّوا جام "إبداعاتهم" بدلاً تعويضيّاً عن كلّ ذلك بحشر شكل أو مظهر "الحرف العربي" في تشكيلات تجريديّة وتأثيريّة لونيّة و"بخّاخيّة!" مدّعية لا تخلو الالتزامات "القاعديّة" من الحضور وسطها والتحكّم بها وسط جوّ مثير للحسّاسيّة والطفح الفكري! أو الذين يقحمون "الأوبراليّة" من الموسيقيّون المستحدثون وخلطها بطريقة خلط الأعشاب الطبّيّة المعاصرة ؛ وتلبيسها وسط نوتات المقامات العرقيّة الغرض منها سرقة وحرف حالة الاغتراب لدى المستمع بالإيحاء له عن تطوّر طابع جديد ومعاصر في الغناء العربي والموسيقى على أساس محاكاة تطوّرات العصر "الدِجِتلي" ويتناغم وأفاعيل طائرة "الشبح" واندفاعات "كروز" التدميريّة المنظّمة ! .. أنا لا أدري حقيقةً ما هي علاقة "الإسلام" ومبادئه السمحة الواضحة والصريحة والبسيطة بالمصطلحات التي اختارها الدليمي , ولا تفسير لديّ في إدراجه هذه المصطلحات في كلمته التي ألقاها سوى أنّها محاولة ككل المحاولات التي أدرجنا أعلاه التي كانت نتائجها المضحكة والعقيمة تدلّ على حالة الانبهار التي لا زالت أغنيتها ( الافندي لفندي عيوني الفندي , ألله يخلّي صبري .. ) الخ عالقةً في عقولنا , وتذكّرنا بتفاسير القرآن المعاصرة المختلفة والمتنوعة لدى البعض من المتفذلكين المولعين بحشر بلاغة القرآن العظيم حشراً في خضمّ سلسلة انفلاقات العلوم الحديثة وانتشار ثقافاتها وما أحدثته في الوجود الكياني البشري من انقلاب عظيم حدوده مئة وثمانون درجة عن زاوية عصر ما قبل الصناعي , ليُقال بعدها من قبل هؤلاء السلطويّون : أنّ علوم الفقه في القرن الأوّل الهجري تصلح لكل العصور , فالمتديّن , برأيهم , وكما يوحي لنا بذلك سعدون الدليمي ؛ مثل الطماطة ! , يصلح لجميع شؤون الحياة , بدءً من نحر الذبائح وانتهاءٍ بالطهور والمداواة بالأعشاب وقراءة مختلف ضروب العلوم والفلسفات وشرحها على ضوء السنّة والقرآن! تفسيرا علميّاً ليبراليّا معاصراً ؛ بحسب استشعاراتهم , كان من نتائج سلسلة انفلاقاتها ذات التأثّر الاغترابي الكارثيّة , الاستئناس في نهاية الأمر بالمحتلّين والغزاة والوقوع في أحضان التوصيات الغربيّة لاصقتها رؤيا "إسلاميّة" مدّعية مخادعة فرضت نفسها بقوّة الاعلام والتضليل الغربي , تشكّلت على عكس منهج التحرّر والانعتاق من العبوديّة والأنانيّة اللتين حاربهما الاسلام الصادق من ضمن ما حارب من سلوكيّات بشريّة منحرفة قاد كفاحها الرسول الكريم وانتهج ذلك الطريق من بعده آل بيته الاطهار وصحبه البررة عندما داوموا باستمرار على التخلّص من آفة الاستعباد الرومية والفارسية الكفرة الفجرة كما يفترض في اصل الدين الحنيف وفي صلب محكمه! والتخلص من عرب طائشون متشبّهون بممالك روم وفرس أغرتهم أموالهم الطائلة وامتلاكهم القدرة على مد حبال حيل الاستحواذ على السلطة ! , ولا ندري , هل تعني "قراءاتهم" المعاصرة للإسلام هؤلاء الملتحفون والمتمكيجة وجوههم به أن الثعلب قد تاب من أكل الدجاج والذئب قد صادق الشاة ! ؟